|
زواج القاصرات في ارض الإسلام :انتكاسة حضارية و حقوقية
إقبال الغربي
الحوار المتمدن-العدد: 8237 - 2025 / 1 / 29 - 21:36
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
زواج القاصرات في ارض الإسلام انتكاسة حضارية و حقوقية
أثار تصويت مجلس النواب العراقي مؤخراً على تعديل قانون الأحوال الشخصية جدلاً واسعاً، وخرج عشرات العراقيين إلى وسط بغداد احتجاجا على هذا التعديل لقانون الأحوال الشخصية و الذي تضمن بنودا خطيرة تسمح بزواج الأطفال أي خفض سن الزواج من 18 إلى 15 للذكور وتسع سنوات للإناث . ويرى المعترضون على القوانين الجديدة، التي تقبل بتزويج القاصرات، وسلب حضانة الأم، بالإضافة إلى حرمان الزوجة من الإرث في أصل العقار، أنها تشكل انتهاكاً صارخا لحقوق المرأة والطفل وتهدد بتداعيات اجتماعية خطيرة . و قد عدلّت الكتلة الشيعية في مجلس النواب العراقي قانون الأحوال الشخصية بإضافة فقرة ثالثة تنص على ضرورة "التزام المحاكم بالفقهين الشيعي والسني المُتَّبَعين، عند تسجيل عقود الزواج." وهو ما يتوافق مع الدستور العراقي الجديد الدي ينص ان العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم . و ينسجم أيضا مع شرط الدستور في ان الإسلام يعد دينا رسميا للدولة وهو مصدر أساسي للتشريع ومن الجدير بالذكر، أن زواج القاصرات مسموح به في سن التاسعة قمرية (8.7 سنة شمسية)، حسب المذهبين الإسلاميين الرئيسين في العراق.
و نذكر ان القوانين الجديدة تعتبر انتكاسة ثقافية و تشريعية لحقوق المرأة العراقية ولتاريخها و لمدونة الأحوال الشخصية لحكومة عبد الكريم قاسم التي فرضت معايير تشريعية موحدة متعالية على الهويات و الخصوصيات الاثنية و العقائدية على كل المواطنين العراقيين السن الأدنى للزواج و منع تعدد الزوجات و حرصت على المساوات بين الذكر و الانثى في مسائل الميراث . و تنتهك هذه التعديلات الكارثية كل الاتفاقيات الدولية حول حقوق الطفل بل انها تشجع على ظاهرة الاتجار بالبشر . ففي المادة 3 من البروتوكول المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ، يعرّف "الاتجار بالبشر" بأنه فعل يتضمن، "إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر، لغرض الاستغلال". و نحن نعلم ان زواج القاصرات في عالمنا العربي الإسلامي يعتمد أساسا على مبدا المهر أي على عملية مقايضة بين ولي امر القاصرة أو الوصي عليها والزوج المستقبلي بوصفه مستفيداً، وبما انه لا يقوم على التراضى لان القاصرة غير قادرة على اخذ القرار فهو اذن يعتبر صورة من صور استغلال الأطفال و الاتجار بالبشر..
تنتشر ظاهرة زواج القاصرات في العديد من دول عالمنا العربي الإسلامي ، ويمثل اليمن انموذجا، فوفقاً لبيانات صدرت عن الأمم المتحدة ، فإن هناك نحو 14 في المئة من الفتيات اليمنيات يتزوجن، وهن دون الـ 15 عاماً، بينما يتزوج 52 في المئة منهن، وعمرهن 18 عاما، وتشير البيانات الرسمية إلى أن اليمن يشهد 8 حالات وفاة يومياً لقاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة.
على المستوى الاجتماعي ينتشر زواج الأطفال في أوساط الطبقات الفقيرة، التي ترى أن تزويج البنت القاصر، لرجل ثري ويكبرها كثيرا في العمر، بمثابة صفقة لتحسين وضع العائلة الاقتصادي، متغافلين عن ما قد تتعرض له الفتاة من ماسي صحية و سيكولوجية بعد تزويجها . فالقاصرات يتعرضن لمخاطر الحمل المبكر والمضاعفات الصحية التي تصاحبه، مثل ضعف التغذية ومشاكل الولادة وتدهور الصحة لنفسية و الجسدية العامة..
و يحاول البعض تبرير هذه الانتهاكات الجسيمة و هذا الشذوذ الجنسي دينيا مستشهدين بزواج السيدة عائشة(ر) و سن زواج السيدة عائشة في سن السادسة اة التاسعة هو الى اليوم مسالة خلافية . فالعديد من المؤرخين ينكرونها هذه الحادثة. و العديد من الدراسات الجادة مثل دراسة سهيلة زين العابدين حماد تؤكد ان سنها كان الثامنة عشر . . .
على المستوى النفسي و الانثروبولوجي فإن المزاج العربي يميل الى الزواج من الفتيات الصغيرات في السن لاسيما في ارياف البلدان العربية، وان التقاليد العربية تشجع عليه، وتروج له في الاغاني والاشعار. و يرجع هذا الانحراف العاطفي الى عدة عوامل يؤكد لنا التحليل النفسي ان مرحلة الطفولة المبكرة تحدد معالم الوجود الإنساني، أسرار القوة وأسرار الضعف، فالشخصية الإنسانية تشكيل طفولي نحتت سماتها وملامحها في المحطات الأولى من الطفولة . علاقات الحب الأولى للرضيع إزاء أمه، هو النموذج الأول الذي تتشكل فيه التجارب الإنسانية الأولى وقدرة الكائن الإنساني على الحب و العطاء .. والرجل يبحث عادة لا شعورياً عن صورته عن أمه في زوجته.
تتميز الطفولة في ثقافتنا العربية الإسلامية بتمطط فترة الرضاعة و بعلاقة وطيدة تصل حد الذوبان و الاندماج بين الطفل و امه . فالمرأة في مجتمعاتنا لا تتحصل على مكانتها في العائلة الا اذا أصبحت ام الولد الذكر ،فالطفل هو رأسمالها الرمزي الذي يوفر لها الهيبة و الاحترام في وسطها الاسري و المجتمعي . و غالبا ما تنتج هذه العلاقة التي تتسم بالحماية المفرطة وبالحب اللامشروط و الحصري كهلا مشوها عاجزا عن الاستقلالية و التحرر . و سيبحث هذا الكهل من خلال علاقاته المستقبلية عن امرأة غير ناضجة دون أي تجربة تتمركز حياتها حوله تعوض الام و تلعب دورها و يثبت من خلالها فحولته المرتبكة و يعيش معها النعيم النرجسي عندما كان محور وجود امه . كما تعكس الرغبة في الأطفال عن جنسانية طفولية غير مكتملة و غير راشدة ، و نجدها لدى شخصيات هشة و صبيانية لا تعترف برغبة الآخر تحتاج إلى تشييئ المرأة لتأكيد الذات أمام النفس و أمام الآخرين ،عاجزة عن إقامة علاقات صحية و ندية و تبادلية مع الشريك . و غالبا ما يكون هذا المنحرف أسير رغبة السيطرة و متعة التحكم في الطرف الآخر و محاولة تطويعه و إخضاع إرادته فهو يبحث فقط عن إشباع رغباته وإرضاء نفسه، دون التفكير في تأثير ذلك على الآخرين حتى ولو كان طفلا.
من الضروري اليوم تجريم هذه الانتهاكات الخطيرة ضد الأطفال فهو معيار لصحتنا الذهنية و الأخلاقية . صحيح أن الاعتداءات الجنسية على الاطفال موجودة في كل الثقافات لكنه في هذه الثقافات انحراف نفسي وجريمة يتصدى لها الجميع و يعاقب عليها القانون ،فعلاج مشكلة الرغبة الجنسية في الاطفال لم يعد في الجدل الفقهي العقيم وانما في عيادات العلاجات السلوكية وعلى سرير التحليل النفسي .
#إقبال_الغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المطالبة بمنع التيك توك في تونس و الخلفيات النفسية و السياسي
...
-
مسلسل قتل النساء في تونس: التطبيع الحقيقي
-
الانفجار الفرنسي و اثار الاسلام السياسي
-
سيكولوجيا السلطة في عالمنا العربي او -متلازمة هوبليس-
-
عندما يهدد طغيان الأغلبية و توحشها الديمقراطية التونسية !
-
شبكات الكراهية : بحث في عداء المرأة الهاذي في أوطاننا
-
سيكولوجيا الجموع و الطبائع الشعبوية
-
الشعبوية اليوم - العوامل و النتائج
-
التقنيات النفسية لصناعة الارهاب مدرسة الرقاب أنموذجا
-
أزمات التعليم في تونس و إدارة التوحش
-
رمضان و حرية الضمير في تونس الثورة
-
الارهاب يفجر المواخير في تونس ، من الضحية و من الجلاد
-
لماذا تنتج الكليات العلمية في عالمنا العربي الإرهابيين? مقار
...
-
مقاربة نفسية و اجتماعية لظاهرة الجهاد في تونس
-
الشرعية -السحرية- أو اختطاف الديمقراطية.
-
التحرش الجنسي ليس قضية جنسية بل هو مسالة سلطة و نفوذ
-
الثورة التونسية بين الجهويات و العروشية
-
الحقائق الخفية عن ثورة الحرية
-
من يكترث لدم مسيحيي العراق و دموعهم في ارض الإسلام
-
الاسلاموفوبيا :محنة و فرص
المزيد.....
-
-لا تفقدوني-.. لحظة إنقاذ امرأة تبلغ 100 عام من حرائق الغابا
...
-
في مصر: الحكم على الفنانة منى فاروق بالسجن 3 سنوات
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
-لا تحرروني، سأتولى الأمر بنفسي-، عرض غنائي مسرحي يروي معانا
...
-
بمناسبة شهر رمضان 2025.. حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في
...
-
دراسة تزعم.. الانفصال العاطفي يضر بالرجال أكثر من النساء
-
بيان مشترك: مخاوف من غياب “عدالة الإبلاغ” في جرائم العنف ضد
...
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء ا
...
-
الذكاء الاصطناعي يحدد النساء المعرضات لسرطان الثدي قبل سنوات
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|