كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 8237 - 2025 / 1 / 29 - 15:20
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
و ما زاد في في إيلامي و إحزاني في تلك الليلة السوداء هو أنه لم يقطع لقاءه معها ليخبرني عن سفر بيّة؟
ألهذا الحد صرت لا أهمّه أم كان يريدني أن أُجن و هو يعرف خوفي على بيّة!!
ألم يكن يراني كيف أفقد أعصابي كلّما خرجت لتسهر بعد أن صرت عاجزة عن منعها.
هل تعمّد عدم إعلامي بسفر بيّة لينتقم منّي لعدم مشاركتي إياه لحب السلطة و حب المظاهر!!
لطالما شعرت بحقده عليّ لأني-لستُ مثله- أرضى بالقليل و أسعد أيما سعادة بمشاركة خالتي هنية تناول الغداء و شرب كأس ʺتاي منعنعʺ أجهِّزه خصيصا لها لأسمع حكاياتها المضحكة المبكية عن أزواجها الموتى الذين لم ترى معهم فرحة!
قالت مرّة لقريبتها عن زوجها الثالث الذي لا يبِل و لا يعِلّ كما نقول بالتونسي: ʺلا عاش و هنّاني و لا مات و خلاّنيʺ فجاءها خبر نعيه في المساء بعد أن انقلب عليه جرّار فلاحي.
قلت لها: لكأن الله أراد أن يريحك منه بعد أن سمع شكواك.
لقد تذكرتُ وقتها ما قرأته عن امرأة في الجاهلية سألوها عن زوجها و كيف هو، فأجابتهم في خيبة: ʺلا هو حيّ فيُرجَى و لا هو ميّت فيُنسَىʺ.!!
كأنها قالت نفس ما قالت خالتي هنية و ما تقوله كل امرأة في كل الأمكنة و في كل العصور حين يخيب أملها في زوج كانت تظن أنه سيكون سيّد بيتها و سند ظهرها فاكتشفت أنّه بارد الروح فاقد العزم منطفئ العزيمة.
و لكنّ خيبات الزوجات أنواع فقد يكون عالي الهمّة خارج بيته وضِيع العمل و المعاملة داخل بيته!
لقد صدق رسولنا الكريم حين قال: ʺخيركم خيركم لأهلهʺ...فماذا يعني أن تكون أمام الناس ناجحا و متعلقا بعملك و أنت تهين أهل بيتك و توجعهم بالتصريح و التلميح.
ضبطني مرّة و أنا أجهز كيكة بالبرتقال طلبتها مني خالتي هنية فقال بالفرنسية لكي لا تفهمه، و كانت بصدد تنظيف الصالون: بالله عليك قولي لي: من الخادمة منكما؟؟
فأحبته ضاحكة غير مدركة لما وراء السؤال من حقد و احتقار: يا سيدي الوزير كأني سمعت الناس تقول إنّ خادم القوم سيّدهم.
قال لي في حنق بالغ: الناس تنظر إلى أعلى و أنت الوحيدة التي تنظر إلى أسفل...الحمد لله أن بيّة تملك طموح أبيها لا قناعة أمها!! و الله لو طلعت مثلك لكنتُ قتلتها و رمى بفنجان القهوة على الأرض و غادر البيت.
لمحت خالتي هنية دمعة في عيني و هي تجمع البرسلان المكسور فقالت:ʺ يا سوسن يا بْنَيْتِي...ʺراهو ما يتعاشروا اثنين إلاّ ما يطيح الدرك على واحد... إن شاء الله ربي يعوّض صبرك خير... بجاه اسمه و علمهʺ.
وقتها ابتلعت غصّتي و قمت لمرسمي بعد أن طلبت من خالتي هنية أن تعود لبيتها، فما عدتُ قادرة على سماع شيء بعد أن هاجمتني موجة فاضحة من البكاء.
*مقتطف من قصة ʺكنت سأكون زوجة للدكتاتورʺ تونس 2011
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟