|
هل أنت علويّ ؟!-- 1 - 2
شكري شيخاني
الحوار المتمدن-العدد: 8233 - 2025 / 1 / 25 - 17:58
المحور:
المجتمع المدني
أنا، عبد اللطيف علي، العلوي بالولادة، العلماني الذي لا تعني له المذاهب والطوائف والأديان في معرض التعامل مع الآخرين شيئًا، عمري 71 سنة، أحمل شهادة كلية الحقوق في جامعة حلب، متقاعد من وظيفة حكومية منذ أحد عشر عامًا، أسكن بصورة مستديمة في البيت الذي بناه المرحوم والدي منذ خمسٍ وستين سنةً، أكتبُ في الأدب والشعر والسياسة، ومن القلائل الذين أعلنوا بمنتهى الصراحة معارضتَهم للنظام السياسي البائد، أريد أن أخاطب العلويين السوريين الممتلئين بالشعور بكونهم علويين والذين يفكرون كعلويين ويتصرفون كعلويين ويتحركون ويتخذون المواقف ويبنون الآراء حيالَ الأشياء والقضايا والأشخاص والأحداث كعلويين.
صديقي العلوي .. أنت في الغالب وُلِدتَ ونشأتَ وتلقّيتَ قَناعاتِك الأساسيةَ ومُسَلّماتِك ومُعتقَداتِك داخلَ بيئتِك الضيقة، والتي كانت مُشبعَةً بالولاء لنظامِ الطاغيتين، النظام الذي زرعَ في روعِ ووجدانِ أبناءِ الطائفة بأنّه يحميهم ويكفل لهم الحضورَ في الحكم والإدارة، وأنّ أيّ اهتزازٍ قد يتعرّضُ له سوف يرتدّ على عمومِ أبناءِ الطائفة بالويلات، فهم ”أقليةٌ ضعيفةٌ“ تعرّضت تاريخيًا للمظالم والتهميش بسبب عقيدتها المذهبية على يد غريمتها ”السنيّة“ التي تتربّص بها وتُضمر لها الشرّ.
لماذا أقول لك ذلك وأنا متأكدٌ منه ؟! لأن ”مؤسس“ نظام الطغيان وعَرّابَه الأكبر كان قد وصلَ إلى سدّة الحكم منذ أربعةٍ وخمسين عامًا، وجميعُ من كانوا شهودًا على الأوضاع التي سبقته ممن بلغوا الرشد والوعي السياسي هم اليوم إما عجزة وإما أموات، ولِحُسنِ أو سوءِ حظّي فقد كنت أنا واحدًا منهم، ففي تشرين الثاني من عام 1970 المشؤوم كنت قد بلغت السابعة عشرة، ومنذ ذلك اليوم وأنا أقفُ على الضفة الأخرى من نهر التدمير الممنهج لكلّ كيان الدولة ومقوّمات وجودها ”تأسيسًا“ للمزرعة التي تحوّلت سوريا إليها على يديه، مزرعتِه ومزرعةِ عائلتِه التي استحقّ عليها بجدارة لقب ”المؤسس“ !
لقد كانت سوريا قبل ولاية ”القائد المؤسس“ تسير بخطًى وئيدةٍ لكن راسخةٍ على طريق الخلاص من داء الطائفية، أذكر ذلك بشيءٍ من التفصيل، فلقد كانت ثُلّةُ أصدقائي الأقرب هي عبارةٌ عن باقةٍ تجمعُ العلويين إلى السنّة إلى المسيحيين، وكان مستوى التواصل بيننا يصل الليالي بالنهارات، في المدرسة والشارع والبيوت دون أدنى تنغيصٍ من ذلك الداء اللعين، ولا أظنّ الباقين على قيد الحياة منهم ينسون تلك الخوالي الجميلة، ولعلّ من المفيد أن أعدد : وليد آغا، ومحمد ديب بيريص، وعمر غلاونجي، وياسر الشغري، وتوفيق صعيدي، وحسن هرموش، وعادل الصوص، وخالد مرقبي، وخالد العجيل، ونواف عكو، و ... فكلّ واحدٍ منهم يصلح مثالًا على صفاء ونقاء وروعة تلك الصلات التي كانت تجمعنا ولا يتسرّب إليها أيّ تعكيرٍ أو تكدير ؛ ثمّ جاء القائد المؤسس لمملكة الرعب، فخطط لسوريا ودبّر ونفّذ أدهى وأخطر مسارٍ يمكن أن يخطر في بال، المسار الذي وجدنا أنفسَنا فيه (كسوريين) غارقين في بحرٍ من الكراهية والشقاق والدم، المسار الذي رأى فيه الضمان الأمثل لبقاء حكمِه مؤبّدًا يرثُه أبناؤه وأحفادُه من بعده، المسار الذي انتهى بسوريا إلى كيانٍ مُمزّقٍ يتناهبُه الطامعون، بلا اقتصادٍ ولا مالٍ ولا تعليمٍ ولا صحةٍ ... ولا جيشٍ وطنيٍّ يحمي حدودَ البلاد وسماءها وماءها من العدوّ الخارجي الحقيقي، بل أصبح الجيشُ على يديه جيشَ الكرسيّ الذي فقدَ عقيدتَه القتالية وخسرَ مناقبيّته الأخلاقية واختلّت تراتبيّته النظامية وشاع فيه الفساد والانتفاع وشراء الرتب واستزلام واستعباد العساكر لخدمة بيوت ومزارع الضباط في سابقةٍ لم تعرفها جيوش العالم. وأما العصبُ الحقيقيّ الذي ينظم عمل جميع إدارات ووزارات ومؤسسات وجيش البلاد خدمةً لمشروع تأبيد سلطة العائلة فكان ”أجهزة الأمن“ التي نمت كالسرطان وتسللت إلى الدوائر والبيوت والمؤسسات والجامعات والمدارس ... وحتى رياض الأطفال.
ما علاقة هذا كله بالعلويين ؟! لقد ارتهنَ القائد المؤسس مجتمع العلويين لصالح مشروعه، فأغراهم بالانتساب إلى الجيش والأجهزة الأمنية حيث يقبضون الرواتب دونما تعبٍ في فلاحة وزراعة الأرض والعناية بالأشجار وتربية الماشية في قراهم، فتركوها شبه خالية لتتحول شيئاً فشيئاً إلى خرائب، وأسكنهم في ضواحي العاصمة ليشكّلوا حولها نطاقًا من الفقر والبؤس والبشاعة. وخلال جيلين أصبحَ أولادُهم يأنفون العودة إلى القرية، فهم من سكان العاصمة الشام، والقرية لا تليق بمستواهم. حكى لي أحد أصدقائي بأنه تعيّن معلّمًا في مدرسة قرية ”المنيزلة“ في ستينيات القرن الماضي وكان عدد التلاميذ في مدرسة تلك القرية النائية التي لا طريق معبّدة إليها ولا كهرباء ولا ماء ولا هاتف، وتقع في أعلى نقطة مأهولة من الجبال الساحلية .. مئة تلميذ، وأما اليوم، فقد أُغلِقَت المدرسة من قبل مديرية التربية لعدم وجود تلاميذ !!! .. فأهل القرية تركوها ولم يبق فيها سوى بضعة عجائز 😪
لئن كان القائد المؤسس قد أساء إلى مكوّنات سوريا قليلًا أو كثيرًا، فإنّ إساءته إلى الطائفة العلوية كانت الأفدح والأفظع، فهم لم يستيقظوا من غفلتهم عما يحدث لهم إلا وقد أصبحوا ورقةً في يد النظام وأداتَه لتنفيذ جرائمه بحق البلاد والعباد، وعندما ثارت سوريا على ابنه الطاغية الصغير وجد العلويون أنفسَهم عاجزين عن الخروج من عباءة السلطة، فالحراك الشعبي الذي بدأ سلميًا (بشهادة العالم أجمع) ما لبث أن تحوّل بعد أشهر وبضغط السلطة والجيش إلى حراكٍ مسلّح، ونجحت خطة النظام الخبيثة في تصوير ما يجري على أنه ”حربٌ تشنها عصاباتٌ إرهابيةٌ طائفيةٌ مسلّحةٌ ضدّ الجيش النظامي الشرعي“ ؛ وكيف يتخلّى العلويون عن الجيش وهو أبناؤهم ؟! وكيف يقفون مع الحراك الشعبي وهو حراكٌ طائفيٌّ يستهدفُهم ؟! نعم، لقد نجح النظام الخبيث في تشويه الحراك السلمي وتحويله إلى شيءٍ آخر مختلفٍ كليًا، ونجح بالتالي في شحن وتحشيد العلويين وراءه ووضعهم في مواجهة إخوتهم من أبناء وطنهم، الأمر الذي أطالَ عمرَه وأخّر سقوطَه الحتميّ والذي لن يحصل قبل أن يُتِمّ مهمّتَه في الإجهاز على سوريا وجيشها وسلاحها.
اليوم، وقد سقط النظام وأصبحت سوريا بسببه ولأول مرةٍ منذ استقلالها بلا جيشٍ وطنيّ، وبعد أن تكشّفت فظائعُه التي صدمت ضمير الإنسانية في كل بقاع الأرض، وبعد أن افتُضِحت شراهتُه في نهبِ ثروة البلاد ومالها العام، وبعد أن فَرّ رموزُه كالجرذان وتركوا العسكريين المخدوعين وأهاليهم المصدومين وراءهم وكأنهم يرمون بكيس نفاياتٍ في حاوية القمامة، ماذا سيكون موقفكم ؟! ماذا سيكون موقفُك أخي وصديقي وابنَ بيئتي العلوي ؟! قد أتفهّم مخاوفَك التي غرسَها النظام المجرم في وعيك ولاوعيك لبضعة أيام، وها قد انقضت بضعةُ أيامٍ فماذا تَرى ؟! هل قامَ غريمُك السنّيّ بالتهامِك ؟! هل هاجمَ قراك ؟! هل اقتحمَ بيتَك ؟! حتى ابنك العسكري الذي خلع بزّتَه ورمى سلاحَه، هل احتجزه عناصر الهيئة ؟!
اسمع يا صديقي يدُ أخيك السنّيّ الممدودةُ إليك قد لا تبقى ممدودةً لفترةٍ طويلةٍ، وموقفُك السلبيُّ منها هو موقفٌ آخرُ خاطئٌ ومُعيب، فهلمَّ عاجلًا إلى ملاقاتِه في الساحات، واشبُك يدَك بيدِه وارقص معه احتفالًا بانقشاع الغيمة وزوال الطاغوت، فسوريا الحرة، سوريا المستقبل بحاجةٍ إلى يديكما أنتما الاثنين وإلى أيدي جميع السوريين لكي تتمكن من النهوض والخروج من الحفرة العميقة التي حاول النظام البائد أن يدفنها فيها إلى الأبد.
لا تقل لي أنّ هنالك ”تجاوزات“ تجعلك مترددًا، فحضرتك قد عاينت آلافَ أضعافها لمدة خمسين عامًا ولم تحرّك ساكنًا في مواجهتها، بل وأكثرُها كانَ على يديك، فهل غصَصتَ بتجاوزاتٍ محدودةٍ لسلطةٍ مؤقتةٍ عمرها أيام وفي غياب سلطات الدولة جميعها ؟! أنا أشهدُ من موقعي الذي حددته في صدر هذا المنشور بأنّ ما قام به عناصر الهيئة حتى الآن قد صدمني صدمةً إيجابيةً هائلةً، وأنني حاضرٌ للقيام بأي دورٍ صغيرٍ أو كبيرٍ قد يُعهَدُ به إليّ في دعم الجهود المبذولة لتجاوز هذه المرحلة الانتقالية الصعبة بأمان، وذلك برغم أعوامي السبعين وهمّتي الخائرة، فكيف لو كنت شابًا في مثل سنّك ؟!
هيا .. انهض على الفور والتحق بالحفل الذي ما زال قائمًا في أقرب ساحةٍ إليك، ولا تضيّع ساعةً واحدةً بعد، فما ضيّعتَه كان أكثر مما يليق بك كمواطنٍ شريفٍ في سوريا المستقبل... منقول
#شكري_شيخاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوة اسرائيل
-
عذرا مدينة صيدنايا
-
حكاوي صيدناوية
-
جار السوء
-
الكورد ..والمظلومية
-
ضلع قاصر
-
قال شو حط أخوه وزير صحة !
-
صور صور
-
السيد رئيس الإدارة الجديدة في سوريا
-
الحب بالحب والكراهية... أيضا- بالحب
-
أيها السوري يجب ألا تنسى
-
دموع الأم
-
كيف نوقف الفوضى؟؟
-
لما تكون الكلمة ...سكر
-
لازال الحديث عن عصابة الجحش
-
سوريا وحكامها الاكراد
-
الوضع في سوريا - 3 -
-
الوضع الحالي سوريا - 2 -
-
فئة منافقة من الشعب
-
الوضع الحالي ..سوريا- 1 -
المزيد.....
-
بعد رفض استقبال المهاجرين المرحلين.. السفارة الأمريكية في كو
...
-
تمديد ترتيبات اتفاق لبنان وإسرائيل حتى 18 فبراير ومفاوضات لع
...
-
من أجل -العودة الكريمة- للمهاجرين.. كولومبيا تخصص طائرة رئاس
...
-
-ليست سوى بداية-.. ترامب يفرض عقوبات على كولومبيا بعد خلاف ح
...
-
عودة النازحين مشيا على الاقدام ستكون عبر شارع الرشيد الساعة
...
-
عودة النازحين بالمركبات ستكون عبر طريق صلاح الدين الساعة 9:0
...
-
قطر تعلن عن تفاهم بشأن عودة النازحين بغزة صباح الإثنين، ومقت
...
-
ترامب يهدد كولومبيا بعقوبات صارمة لرفضها استقبال المهاجرين..
...
-
إدارة ترامب تعمل على صياغة اتفاقية مع السلفادور لترحيل المها
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تعليمات جديدة بشأن عودة النازحين لشمال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|