|
الكاهن
طالب كاظم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 8233 - 2025 / 1 / 25 - 09:02
المحور:
الادب والفن
لا تستطيع رؤية أي شيء هناك وانت تلج الظلام الذي سيحيط بك ما ان تدخل الى جوف حجرة المذبح المستطيلة، لأنها تبدو كذلك فالخطوات العديدة التي ستسلكها تكشف لك عن اتساعها، كما فعل الصدى الذي يردد صوت انفاسك المضطربة بين جدرانها، فالعتمة امتصت الضوء الباهت، وهو بالكاد يتسلل عبر كوة ضيقة تختنق بعلب السيجاير، فيما المباخر النحاسية الداكنة، تغرق في دوامات الدخان الكثيف تداهمك الروائح العطنة مختلطة بمذاق البرونز العتيق المطمور تحت ارضية الحجرة المعبدة بالآجر المفخور، مذ زمن موغل في القدم لا يعرف له بداية ،الرهبان الصامتون يترنمون بصوت ذابل وهم يمجدون البناة الاوائل بتراتيل مقفاه، تجعل الامر المحزن، كالعتمة والفطريات التي نشأت تحت الحائط الملطخ بالشمع امرا مقبولا، غالبا يوقد اولئك الكهنة الذي يتلفعون بأردية خشنة من وبر الماعز تلك المباخر في وقت الازمات الكبيرة، التي تفتك بالأقاليم المصابة بالجذام والسفلس، بل هناك العديد من الامراض الجلدية، التي اشارت اليها السجلات القديمة التي عدت ذلك بالوباء الذي اجتاح المدينة الضالة، كما لو كان لعنة انزلها الرب بهم كعقاب، طالما اغلب تلك التقرحات الجلدية المليئة بالتقيحات والدم الفاسد، حدثت لهم بسبب المعاشرة المثلية والدعارة، التي تفشت بين حاراتها القديمة، حتى تحولت الازقة الضيقة الى مرتع خانق مليء بالبذاءات، يكشف عن تسلط القوادات المحترفات. بينما ينتظر الرهبان الشبان مباركة الكهنة وتكريسهم خدما لمعبد الرب المظلم، ستتعثر في اروقة وممرات المعبد بالأجنة البشرية النافقة، التي تلقى في مستوعب تصب فيه مياه المجاريروالنذوروالخرق التي يباركها الكاهن الذي يرتدي جلبابا داكنا قرب المذبح الحجري المغطى بمخاريط شمع البرافين الذائب والفتائل القطنية المحترقة، الشمع المستخلص من الواح العسل، يحول الى الواح سميكة اقرب الى ان تكون مكعبات نصف شفافة تحرق مع البخور. يبدو من الصعب سرد كل هذا الوصف لحجرة متسخة مليئة بمناديل ورقية متسخة بإفرازات مهبلية، لو لا كرم الكاهن الفتي، وهو مراهق دميم الخلقة سيكرس لاحقا خادما ابدي في المعبد ببوابته الواحدة المصفحة بالواح البرونز وخشب الساج البورمي وهي الطلبية التي انتظر وصولها طويلا، التي وردت بابل على ظهر سفينة شراعية هندية، لإشباع نهم العاهل نبوخذ نصر الى العظمة والقداسة والرغبة الجنسية ، ليست هنالك مدونات تشير الى ميوله المثلية او ما يؤكد مرويات التوراة في سفر الملوك فالملك البابلي رغم انه يحاول اخفاء عرج، لم يكن مرئيا لغيره، في مشيته لأصابته بالنقرس المبكر في مفصل ركبته اليمنى، تذكر الحوليات البابلية بأنه اظهر شجاعة فائقة في مواجهة مخاوفه، التي عصفت بطفولته العصيبة، نتذكر انه ترعرع في عائلة ارستقراطية تدين بعبادة تقديس الاجرام السماوية وقراءة الطالع، والده نابوبلاصر الذي فتك بأشور ومرغ انفه بالتراب، هو الاخ غير الشقيق لحاكم مدينة بيداباد الغامضة، التي لم يعثر عليها حتى وقت كتابة هذه القصة، يقال بانها تعرضت لحريق هائل، التهم مبانيها واغلبها قامت على الطوب المحلي غير المفخور وسعف وجذوع نخيل الساير وهو صنف لم يعد له اي وجود يذكر بعد ان وضعت الحرب سلاحها وتخلت عن رغبتها بسحق هياكل الجنود صغار السن، لم يعد هناك أي جدوى لنسج قصيدة رثاء محزن لهذه الخسارة ، على اي حال فالامر لم يعد يشغل تفكير ايا من اولئك الذين يتسكعون على الجسر، وهم يلوحون بفتات خبز يابس للنوارس التي تلهو بصفع الهواء الداخن بأجنحتها الرشيقة ، لو لا الكاهن دميم الخلقة، الذي سيكرس كاهنا كبيرا لأكليروس معبد المدينة، بعد ان انفق سنوات عديدة وهو يلتقط المناديل المتسخة، او يتكتم على المواء والفحيح المثيران للرغبة الذي يتردد في ممرات واروقة ودهاليز المعبد المعتم، فهو لم يخبر اي شخص بالأجنة التي يقودها كجرذان ضالة، الى المستوعب الذي يتلقى بصمت كبير مياه المجارير، هذه نصف الصورة وهي اقل كثيرا مما تبدو عليه في الحقيقة ، هنالك حديقة خلفية وقط مسن وطريق ترابي يغرق بالوحل حين يداهمه المطر، فالمدينة التي تظهر الورع والتي تكسي وجوه قاطنيها بملامح الخشوع ليس اكثر من تمويه لخداع الغرباء، فالكاهن ليس باقل من ممثل محترف، ما ان تغيب الشمس في بقعة بنفسجية تسيح عند الافق، حتى ينزع قلادته وثيابه ويستحم في حوص مملوء بماء فاتر، غالبا يشعر بالامتنان لنفسه وللجرذان التي تسرح في زوايا المغطس المتسخ بفضلات القطط المصابة بالطاعون، يبصق ، تلك كانت عادته القديمة، بصوت عال عندما يكشف ضوء الشمعة الذابلة في محمل الشمعدان النحاسي، جزء من قاعدة المذبح وجانب كبير من مخاريط شمع البرافين القديمة .
#طالب_كاظم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلاميذ الاسخريوطي
-
صديقي الذي فتك بالعصافير في طفولته
-
في ادب الطفل
-
المسرح والدهشة الاولى التي سترشد خيال الطفل الى الجمال
-
جلجامش وانكيدو سيناريو للفتيان
-
مسرحية لليافعين: ابنة الخياط
-
نووايس عقدك الثاني
-
نواويس عقدك الثاني المهجورة
-
قصة قصيرة : في الاسبوع التاسع والاربعين
-
حب ما
المزيد.....
-
فيلم -إيميليا بيريز-.. فوضى إبداعية بين الموسيقى والكوميديا
...
-
محمد سمير ندا.. على الكاتب أن يمتلك الجرأة على إلقاء الحجارة
...
-
بعد سقوط الأسد.. فنان سوري شهير يتعرض للتهديد بالقتل
-
الفنان السوري سامر المصري يصل دمشق بعد غياب 14 عاما ومحبوه ي
...
-
سرقة تحف أثرية من متحف هولندي بعد اقتحامه باستخدام عبوة ناسف
...
-
بطريقة سينمائية.. سرقة 3 أساور ملكية وخوذة ذهبية أثرية
-
فنان مصري يعلن فتح مزاد على -بالطو- حفل -Joy Awards- لصالح م
...
-
أزمة قانونية تهدد عرض فيلم السيرة الذاتية لمايكل جاكسون
-
بشعار -وما بينهما-.. بينالي الفنون الإسلامية بجدة يستكشف الإ
...
-
المؤرخ سامي مبيض.. سكة الترامواي وطريق الحداثة الدمشقي قبل ا
...
المزيد.....
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
المزيد.....
|