|
خصائص القانون الاسلامي وفلسفتها
احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 13:42
المحور:
المجتمع المدني
وصنني من صديقي د.عدنان قاسم : أغلب القوانين الوضيعة أو كلها ، كان يمثل بالدرجة الأولى تنفيذ رغبات ومصالح الطبقات المتحكمة والمتسلطة أو إرادة الحاكم ، أو يعبر عن أغراضه ومشيئته في الحياة وقد نتجت عن ذلك أزمات ، اقتصادية وسياسية واجتماعية خانقة كان الضحية الخاسرة فيها هي اراداة الشعوب التابعة للحرية والعدل والمساواة .. وعلى العكس ذلك كان هدف ودور التشريع أو (القانون) الاسلامي دوماً هو تحرير الانسان والرأفة به والحفاظ على مصالحه وحياته ، قال تعالى : " ان الله يأمر بالعدل والأحسان .." فتحقيق العدل يوصل بالإنسان الى أفاق الخير والسعادة والسلام والصلاح .. فالقانون الاسلامي هنا يقوم على اساس من معيار " الحق والعدل " كقيمتين ثابتتين في الحياة ، ومن ثم يشكل هذان المفهومان " الحق والعدل " الأساس والقاعدة التي يجري عليها التشريع الاسلامي بأسره ، فما من قانون ولا تشريع إلا وقد قام على اساس هذين المبدئين ، شأنه شأن سائر حقائق الكون الأخرى ، ولو شئنا التعرف على فكرة (الحق والعدل) من وجهة النظر الاسلامية لاستطعنا ان نكتشف السرّ في قيام التشريع الاسلامي وابتنائه على هاتين القاعدتين ، فهو يكمن في : أ- أن توفر صفة الحق في الشيء ، تمنحه أهلية الولادة والحدوث المشروع في حياة المجتمع ، لأن الباطل لا موضع له ولا أصالة في نظر الاسلام ، ولذا سمي باطلاً ، أي زائلاً لا ثبات له ، وعبثاً لا مبرر لوجوده ، وهدراً لا قيمة لذا .. وما هو إلا التناقض والاتجاه السلبي الذي يمارسه الانسان ضد فكرة الحق ، لذا رفضه القرآن واعتبره طارئاً زاهقاً لا يقوى على احتلال مكان الحق والثبات في عالم التحقق . قـال تعالى : " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " . وحذر القانون الالهي في القرآن من الخبط والجهالة وتلبيس الحق بالباطل بقولـه تعالى : " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون " .. ثم اكد بعد ذلك هدف التشريع الالهي مصورة في تحديد الحق وطرد إفرازات النفس البشرية الضالة التي أقحمت على الحق منهجاً وتشريعاً عابثاً وباطلاً فقال تعالى : " ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون " . ب- والمعيار الثاني الذي يقوم عليه التشريع الاسلامي هو معيار (العدل) والعدل هو الميزان الذي توزن به الاشياء ، وتعرف قيمتها ، فهو وضع الشيء في موضعه ، وإعطاء كل ذي حق حقه . ويحتل العدل الموقع الثاني في التشريع الاسلامي بعد مقياس الحق اذ كل شيء اكتسب صفة الحق يكون اقراره وتنفيذه في رأي الاسلام عدلاً وحذفه ظلماً وعدواناً . والعدل هو صفة الله المقدسة التي تنطبع أثارها في كل أفعاله ومظاهر رحمته ، بما فيها القانون الموصي للبشرية جمعاء ، لذا فأن مفهوم العدل في القرآن يسلك كقاعدة أساسية تقوم عليها كل أفعل الله سواء التكوينية منها أو الشرعية .. وقد عبر القرآن الكريم عن وجود هذا المقياس في الشريعة الاسلامية بعبارات مختلفة ، كالميزان والقسط والعدل والقسطاس المستقيم .. الخ . فقال عز وجل على سبيل المثال لا الحصر في كتابه من الآيات . " ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " .. وكما دعا القرآن للعدل بالتأكيد عليه ، قام أيضاً بشجب الظلم واستنكاره في مواضع متعددة وحمل على الظالمين وتوعدهم باللعنة والعذاب مثال ذلك قوله عزّ من قائل : " وسيعلم الذين أي منقلب ينقلبون " .. وبذلك اعتبر الاسلام (العدل) قاعدة أساسية لقيام أي شيء في الحياة ، فلا يصح فعل أو قانون إلا على أساس فكرة العدل ، لأن العدل يحدد للموضوع والتشريع قيمته وقدره ، ويبين موقعه في موازنة الأشياء والأحداث ، ليأتي التشريع دقيقاً موزوناً لا تضييع فيه ولا ظلم ، ويفقد القانون الوضعي مثل هذه القيم والمقاييس والموازين (الحق والعدل) بصيغتها الموضوعية وبطبيعتها الواقعية ، لأنه لا يملك فكرة واقعية محددة وثابتة عن مفهوم العدل ، وانما ينظر اليها نظرة نسبية تخضع لطبيعة الاوضاع والتقديرات الانسانية الذاتية لذلك تحول مفهوم العدل ، وانما ينظر اليها نظرة نسبية تخضع لطبيعة الاوضاع والتقديرات الانسانية الذاتية لذلك تحول مفهوم (الحق والعدل) الى اعتبار انساني تتلاعب به اهواء المشرعين ورغبات المقننين . فالقانون الاسلامي قانون علمي الهي بعيد عن الدوافع والمؤشرات التي تؤشر في المشرع الانسان على الأرض ، وللقانون الاسلامي هدف واضح وغاية محدودة ، تحدد وجهة الانسان في الحياة ، وتبين غايته ، فهو يشعر أن غاية القانون الالهي هي تعبيده لخالقه ، وتحريره من كل خضوع وعبودية بشرية ، وان جزاءاً عادلاً وغاية أخروية تترتب على أفعاله القانونية التي يمارسها في الحياة ، بعكس القانون الوضعي فان الفرد لا يشعر في ظله غير انه مقيد بقيود الدولة والسلطة والشهوات والنزوات التي لا تملك غاية محددة ، ولا هدفاً واضحاً غير مصالح الطبقة الحاكمة وأهداف الفئة المتسلطة مما يدفع الانسان الى العمل على التخلص من هذه القوانين والكفاح ضدها ، لأن الانسان في ظل هذه القوانين يظل يعاني محنة الضياع وغموض الهدف في الحياة ، ولا يشعر بأي لذة أو متنفس طبيعي بل لا يجد أي معنى للالتزام بالقانون أبعد من تحقيق غرض آني محدد أو حماية نفسه من العقوبة التي تفرضها الدولة عليه في الخروج والتحدي ، لأن القانون الوضعي لا يستطيع السير والامتداد مع غايات النفس ، ولا التعبير عن طموحاتها المطلقة في الحياة . فلذلك كان الانسان الواقع في دائرة هذا القانون الزائل لا يحترمه ولا يقدس أرادته ، بل يتحين الفرص للتخلص منه كلما غفلت عنه عين الرقابة والسلطة ، أو أحسّ بتفاهة القانون وضياع المعنى في الطاعة . هذا ومن الفوارق الاساسية بين القانون الوضعي والقانون الاسلامي هو فارق السعة والشمول التي يتسم بها التشريع الاسلامي ، فالتشريع الاسلامي لم يترك صغيرة ولا كبيرة من نشاط الانسان إلا ونظمها بشكل قواعد وقوانين وأحكام دقيقة ، بحيث تعامل مع الانسان كوحدة موضوعية متكاملة بكافة نشاطاتها الاجتماعية والفردية ، فنظمها وضبط سلوكها واخضعها لانضباط قانوني متقن .. في كل شيء .. في المأكل والمشرب والسلوك وفي علاقات العائلة والجيران والأصدقاء والعناية بالجسد واللباس ... الخ . ونظم شؤون السياسة والاقتصاد والسلم والحرب والقضاء والمال والعمل والتجارة والعلاقات الفردية والاجتماعية والدولية بصورة متكاملة ، ومتجاوبة ، ويساند بعضها بعضاً في العدل والاحسان : قال تعالى " ان الله يأمر بالعدل والأحسان " . وهذا الامر الالهي القانوني يشمل جميع دوائر الحياة الحرة السليمة الطليقة من الجهل والضلال والظلم .
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نوروز و سباق الخيل في مندلي
-
كتابات في الميزان /2025
-
تباريح ملونة للشاعر
-
كشكول حسين 2025/2
-
كيكول علي جمال 2025/3
-
نسيم العراق
-
الترجمة الشعرية للغة الكوردية
-
قرأت لكم..101
-
استاذ ظاهر مندلاوي
-
لمحات اجتماعية من قزانية / 14
-
المؤرخ ملا و مكتبته الأرشيفية
-
المؤرخ ملا جميل روزبياني و مكتبته الأرشيفية
-
المبدعون في العالم
-
وغاب العرفان من سمانا ندلي ..
-
الكورد الفيليون والدولة العراقية..
-
هنا سه ر جو
-
مندلي واللغات الأربعة
-
حقيقه أم خيال/ الاستاذ رائد الربيعي
-
مذكرات الاستاذ سليمان /1
-
وصلني من اساذ راد...
المزيد.....
-
غريب آبادي: الدول المتشدقة بحقوق الإنسان انتهكت حقوق الشعب ا
...
-
عراقجي يطالب في محادثاته مع نظيره التركي صيانة حقوق الاقليات
...
-
تقدم الجيش السوداني دفع بعدد من النازحين للعودة الى مناطقهم
...
-
الجزيرة تدين اعتقال أمن السلطة الفلسطينية المراسل محمد الأطر
...
-
عارف مشاكرة يعلق على اعتقال المؤثر الجزائري -قشيحة- ومؤثرين
...
-
لماذا يتردد سوريون في العودة من مخيم الزعتري إلى وطنهم؟
-
الهلال الأحمر الفلسطيني ينفي شائعات استبدال الأونروا في القد
...
-
بعد صفقة الأسرى.. ما سبب مخاوف إسرائيل؟
-
CNN بالعربية ترصد تحدّيات لاجئي مخيم الزعتري للعودة إلى سوري
...
-
حزب الله: ينبغي انسحاب العدو وانتشار الجيش وعودة النازحين وف
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|