أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - هل هناك فعلا مشروع حضاري عربي إسلامي .؟















المزيد.....



هل هناك فعلا مشروع حضاري عربي إسلامي .؟


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 09:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ككل صباح باكرا أخرجت الاكل للقطط ، لكن تعرضت لهجوم بوليسي دخل توا الى منزلي مستعملا كاميرا ، فسرق محفظة الأوراق والنقود ( 1000 ) درهما .. وانصرف في جنح الظلام كما دخل في جنح الظلام .. أوراق مهمة تمت سرقتها ... ادين هذا العمل الاجرامي المسؤول عنه مدير البوليس المدعو عبداللطيف الحموشي ، و(صديق)الملك المدعو فؤاد الهمة ..
الكونكسيون مقطوعة رغم اني اديت واجب الاشتراك هذا الصباح
نكاد نجزم بانتفاء المشروع الحضاري العربي الإسلامي ، لنصل الى القول بانعدامه من الأصل ، رغم الكتابات الكثيرة عن الموضوع ، وقد ادرجنا هذه من بينها ، لان ما اكبر المغالطات ان تفسر ثورات سياسية ضد محتل يحمل مشروعا حضاريا حقيقيا (بريطانيا ) ، بالمشروع الحضاري العربي الإسلامي ، والحال يسمى بالمشروع القومي العربي الذي استخدم الإسلام السياسي ، لمحاولة التأثير على الشعب اللاّهت وراء شعارات الاندفاعى السياسي ، التي كانت باسم القومية العربية المغلفة بالدين ، ولم تكن تعكس حقا مشروعا حضاريا عربيا إسلاميا .. فتورة محمد عبد الفكرية والافغاني ... كتابات قاسم امين عن المرأة ، وكتابات جيل الرواد ، كان في صلبها تقليدا بالغرب ، عكسته المشاريع السياسية التي عكستها بريطانيا العظمى ، أي الهدف هو السيطرة على الحكم ليتحول المشروع الى نقيض لشعاراته ، وتكون النتيجة الرجوع الى سنوات التحنيط السياسي للطبقة الرجعية المحافظة .. أي نفي أي مشروع حضاري عربي إسلامي ، وهذا طبعا ما عكسته وثيقة دستور 1908 ، التي قيل انه لو تم اعتمادها ، لكانت السلطنة تنعم التقدم الياباني في جميع المجالات ، وقد نسوا ان سبب نجاح اليابان ليس دستورهم الشبيه بالوثيقة الدستورية لسنة 1908 ، لان أساس نجاح اليابان كان بعد من ابعاد الدين عن السياسة ، بل كان الالحاد ، أي القطع مع الفكر الديني الذي لن يكون غير خرَف للماضي الأليم .. فالوثيقة الدستورية لفقهاء المغرب الشبه متنورة لا تخرج عن نمط العيش الخرافي الطقوسي ، مع تحسينات في الأداء وليس في الجوهر .. وهو نفسه الحال الذي عكسته ما اطيق عليها بالحركة الوطنية ، التي ظلت مكبلة بالأفكار الرجعية لخريجي القرويين التقليديين ، والحال انها كانت تهدف الى رسم الطريق لهذه البرجوازية المتعفنة للسيطرة على المغرب غداة حصوله على (استقلاله ) السياسي ، الذي كان بحق استقلال Aix-les Bains ، الذي خرج الاستعمار بمقتضاه من النافدة واكرر من النافدة ، وعاد من الباب الكبير .. ان افشال علال الفاسي للثوار البرابرة قبل بداية القرن ، في الثلاثينات حين اعتبر واقر بالفشل المدوي لثورات القبائل البربرية في اطار جيش التحرير ، كان اسطع خيانة ترتكبها البرجوازية الميركانتيلية ، في حق الوطن وطن البرابرة ، واكبر خيانة لثورات جيش التحرير البربري الذي ثار على السلطان بفاس ، وثار على شريكته فرنسا الاستعمارية .. فالثورات البربرية كانت تعتبر المغرب مستعمرة يحتلها استعماران ، استعمار عروبي قادم من الشرق ، واستعمار فرنسي قادم من اوربة .. وكانت هذه الخطوة سببا أدى الى سيطرة البرجوازية المركانتيلية ومعها السلطان على فاس والمغرب ، وتعرض القبائل البربرية الى الاغارات السلطانية المخزنية لجلب الضرائب المختلفة .. وبطبيعة الحال ، كان غلاف هذه التسلط القمع والقتل والتعذيب بأشكاله المختلفة .. ان هذا المقدمة كانت ضرورية لانها تزكت بانتفاضة 1947 ، التي رخصت لتحالف الأحزاب البرجوازية الصغرى مع البرجوازية الفاسية عند السيطرة على المغرب ، وهي سبب الحال الذي نعيشه اليوم ..
في دراسات سابقة ، رأينا ان من أسباب ربح الحروب ، حين تخاض حربا حضارية ، أي حربا طقوسية ، لان الواقف وراءها ، ضمير الامة اصل التفرقة بين الأمم . فإسرائيل التي ربحت الحرب ، لأنها خاضتها ولا تزال تخوضها حرب امة ذات تاريخ عظيم . وان سبب انهزام الطرف المقابل ( الفلسطيني / العربي ) ، انه حين كان (يفاوض) يتحاور ، كان يجهل ان الطرف المقابل ينطلق من حضارة امة ، من ضمير امة لا بد ان تعود الى سابق عهدها قبل اكثر من ثلاثة الاف سنة .. فهزيمة الامة تكون صعبة ، لذلك لن يقبل أي احد بهزيمة حضارته وهزيمة امته ، لان مخلفاتها السلبية تصبح جزءا من التاريخ المقروء من قبل أمم أخرى ، والمنسي من قبل امة الهزيمة التي تعودت على الهزائم قبل النكبة بسنين ، وليس فقط بعد النكبة ، وصولا الى النكسة التي اصابت الوجدان العربي الإسلامي في الصميم .. وايران حين استبسلت ، وقاومت جميع المؤامرات التي خُطِّطت لها ، فلانها ذات امجاد غابرة في التاريخ لن تصيبها هزيمة الأمم ، لأنها امة فارسية بالأصل ، ومنذ ثورتها باسم الإسلام الشيعي، أضحت ذات مشروع حضاري طائفي صفوي ، لا علاقة له باي تيار او اتجاه يناضل باسم طائفة او باسم امة ، ولو لوحت بالإسلام عنوانا لها .. فلا غرابة اليوم ان يتحالف الشيعية والسنة الرافضة لغير الإسلام ، ضد جماعات وحركات الاخوان المسلمين ، والسنة الرجعية التي تتسابق على اقتسام الإرث السوري ، بعد سقوط الدولة السورية المنتظر منذ اكثر من خمسين سنة ..
فهل من الممكن ان نتساءل ، حول وجود او عدم وجود مشروع حضاري عربي إسلامي ، لمواجهة المشاريع الحضارية الأخرى ، من حضارة يهودية وحضارة مسيحية ، وحضارة فارسية صفوية طائفية . وعندما نقول بالحضارة الطائفية الصفوية ، نجد نفسنا انها تشترك كثيرا في الإيجابيات مع الحضارة اليهودية الإسرائيلية ، بينمها الحضارتين اليهودية والصفوية ، تختلفان أصلا مع ( مشروع الحضارة ) العربية الإسلامية ، المُتغنّى بها ، والغائبة في دروب وازقة المجهول ..
اذن . هل يمكننا الحديث عن ( مشروع ) حضاري عربي إسلامي ، هذا اذا كان حقا هذا المشروع في طور التنفيذ ، او كان فقط تغني بماضي وتاريخ لا علاقة لهما بما يحمله المشروع ، وايّ مشروع حضاري عربي إسلامي .. أي اننا امام انتفاء المشروع أصلا .. وهنا الا يحق لنا التفكير حقا في المشروع الحضاري الإسلامي ، بربط المشروع ليس بابن تيمية وبالنقل عوض العقل ، بل الانطلاق مما يعتبره الفكر الرجعي الإسلامي بالدخيل المستهدف ل (حضارتنا ) ، سيما ومنذ زمن النكسة ، اصبح تبرير الهزائم بسبب نفي وجود المشروع ، يقدم في صورة المؤامرة الكبرى التي تعرض لها ( المشروع العربي الإسلامي ) الغير موجود كقوة سياسية تنزله في الأرض ، لان التغني والكلام الطائل عن المؤامرة ، هو سبب الهزائم المتكررة والمتنوعة طيلة الزمن العربي الموسوم ، بنياشين الهزائم الكبرى ، لتصبح الامة امة الانهزامات ، والتاريخ تاريخها ..
فهل يمكن ان نتحدث الآن ، الآن ونحن انهزمنا في كل شيء من الصغيرة الى الكبيرة .. فهل عند دعاة الحضارة اليهودية ، والحضارة المسيحية ، والحضارة الفارسية الصفوية ، نجد رئيس دولة عربية ( مسلمة ) يناصر الحضارات السابقات ، عن أبناء جلدته الذين ربما يدعون الى حضارة ومشروع لا يلتقيان مع الأصل الحقيقي ( للمشروع الحضاري ) العربي الإسلامي . فيكون بمن يخدم من جهة المشاريع المتقابلة صهيوني – مسيحي ، ويخدم معارضي ( المشروع العربي الإسلامي ) .. وطبعا فالنظام السياسي الذي يغِير ( إغارة ) على أبناء جلدته ، لخدمة اطراف تنتمي الى مشاريع حضارية متقابلة ، نطلق عليه لقب الطابور الخامس ضمن جماعات الردة والرجعية . وهو ولو اغار ( هاجم ) على أبناء جلدته ، معتقدا خدمته للمشاريع الحضارية المقابلة ، فهو يزيد في تأزيم المأزم ، بما يجعل أي حديث عن مشروع عربي حضاري – إسلامي ، نوعا من الجذبة الموسمية التي لا تنتهي ابدا ..
اذن . هل من الممكن ان نتحدث عن مشروع عربي إسلامي مستقبلي جديد ، بعد هزائم الامة المتتالية ، وهزائم التاريخ التي لا تحصى .. فالحديث عن المشروع الحضاري العربي الإسلامي البديل ، هي بادرة لقلب الموازين وتصحيح الصورة ، ويكون المرمى تقليص الفجوة الكبيرة التي تفصلنا عن المشروع الحضاري اليهودي ، والمشروع الحضاري المسيحي ، والمشروع الحضاري الفارسي الصفوي .. فالهزيمة هي هزيمة امة ، والقول بهزيمة الامة ، هي القول بهزيمة التاريخ ، والاهم القول بهزيمة الاخلاق . والشاعر شوقي هو من قال . انما الأمم الاخلاق .. البقاء .. الذهاب ..
طبعا وقبل ان نحاول الإجابة قدر الإمكان ، يتعين علينا ان نطرح بعض الأسئلة لرفع الالتباس ، وتوضيح الصورة ، واقفال الباب امام التشكيك ، الذي يبقى فقط تشكيكا ..
--- المشروع الحضاري العربي الإسلامي : وهو المشروع الأيديولوجي المجسد للمشروع الحضاري الطقوسي .. طبعا نعني بالمشروع ، نهوض العرب والمسلمين في مرحلة يمكن ان نعرفها بانها مرحلة الخروج من السيطرة الاستعمارية الخارجية ، ومن الجمود التاريخي الذاتي ، للدخول الى عصر تشكلت قسماته العالمية الأساسية ، في سياق الاحداث الاجتماعية والسياسية التي حصلت في الغرب المسيحي اليهودي ( العصرنة ) ، ثم التغييرات التي عرفها الشرق على اثر الهبات والثورات التي قادتها شعوب تلك المنطقة من العالم ( المبادئ الإنسانية والكونية ) ، الى تفجر بلدان العالم الإسلامي بحركات الرفض والثورة والإصلاح ، مستفيدين من جميع الاختيارات ليبرالية اشتراكية وإسلامية ..
اما القسمات الحضارية للمشروع ، فيمكن لنا تجسيدها في الشعار التالي : حرية ، مساواة ، عدالة .
--- توجهات المشروع الحضاري العربي الإسلامي : مر المشروع العربي – الإسلامي ، بثلاثة ازمنة متناقضة نلخصها حسب الإمكان كالتالي :
1 ) زمن المصالحة بين الليبرالية والاصلاحية الإسلامية .
2 ) زمن المد القومي .
3 ) زمن الصحوة الإسلامية التي اصبح تعرف من بعد بالإسلام السياسي .
يلاحظ ان أياً من هذه المشاريع الثلاثة ، لم يحمل في زمنه الخاص كل هذه التوجهات والقسمات الحضارية مجتمعة ، بل لقد انفرد كل مشروع في التركيز الأحادي على جزء من هذه التوجهات ، واغفل الأجزاء الأخرى ، او اعتبرها ثانوية وليست ذات شأن .
في زمن الليبرالية والاصلاحية الإسلامية ، جرى التركيز على البرلمانية وحدها وليس على البرلمان ، حتى أصبحت في نظر المقابلين مرجعية رجعية تركز على الشكل وتعدم المضمون ، أي استعمال البرلمانية المطعمة بالحزبوية لتصريف الكلام غير الكلام ، والهاء العامة خاصة التي بدأت تتسيّس ، وتفويت الوقت وتعطيل النهوض او الاحتجاجات التي مع مر الزمن قد تتحول الى ثورة .
وفي المشروع القومي العربي الإسلامي ، جرى التركيز على الاشتراكية الإنسانية " سان سيمون " Sans Cimon ، التي أضحت مع مرور الوقت ، عبارة عن بيروقراطية دولة مفصولة عن القاعدة ، ومكبلة بتعدد المساطر والقوانين التي تحولت مع ظهور البوادر الأولى للفشل ، الى ترسانة قامعة للحريات .. وهنا يمكن ان نستوعب سبب محاربة الناصرية " جمال عبد الناصر " ، وضرب حزبي البعث في كل من العراق وسورية . فساهم هذا التحول المسموم في احداث الشرخ بين القمة والقاعدة ، وكان سببا في جميع الهزائم الحضارية والتاريخية المتوالية التي حصدها هذا المشروع الذي لم يرق الى مشروع . ولا اذل على ذلك فشل الوحدة العربية ، هزيمة حرب اليمن ، النكسة العربية في حرب الستة أيام .. دون تجاوز النكبة التي فعلت فعلها في الوجدان العربي الإسلامي المنهزم .. وبالتالي ضياع فلسطين والأراضي العربية التي لا تزال تخضع لاستعمار نفي السيادة .
اما في المشروع الإسلامي ، او مشروع الإسلام السياسي ، فقد جرى التركيز على الموروث الأيديولوجي / العقائدي ، أي الحضاري ان شأنا ، بتقديم الاخر الطاغية المستبد في صورة شيطان ، لا يبحث لنا الاّ على الشر والهزيمة . وقد تحوّل هذا الأسلوب في العمل لذا حركات الإسلام السياسي ، ليصبح عبارة عن نرجسية اكثر منه تقويما علميا لطبيعة الاخر المسيحي اليهودي . والأخطر ان أيا من هذه المشاريع التي لم ترتقي الى حضارة امة مهزومة في التاريخ ، لا يعترف لسابقه بفضل او ميزة ، حتى بدا ان كل مرحلة او زمان تكاد تبدأ من الصفر ، او تعود الى تاريخها ( الخاص ) الذي تبحث عنه في حقبة ، او زمان ، او مجموعة ازمنة ، او في اتجاه ، او في موقف ، او في نص من النصوص ..
اذن السؤال الذي يجب ان نطرحه هو . هل هناك ثمة استراتيجية حضارية بديلة ، لكل الإخفاقات والانتكاسات والانهزامات ، التي طبعت تاريخنا المثخن والمليء بالجراح ؟ .
اعتقد انْ استمر حالنا كما هو ، انّ الجواب سيبقى دائما معلقا على أساس من الاقتناع ، ان الاستراتيجية لا يبنيها كاتب او باحث او مثقف او مفكر او عسكري خبر الحروب او سياسي مجرب ومحنك .. بل ان الاستراتيجية للنهوض تبنيها الجماهير الشعبية وحركات الشعوب ، في نضالها وجهادها وعطائها على كل المستويات . الفلاسفة ينظرون للثورة . والسياسيون يقومون بها . والجبناء المنافقون يستمتعون بها .. وطبعا هذا سبب خيبتنا وفشلنا وسبب هزيمتنا التاريخية والحضارية ..
هناك استقطابان منهجيان تجادبا المشروع العربي – الإسلامي :
ا ) اتجاه يركز على منهج الثورة والعمل السياسي اليومي الدائم والمستمر . وكاتجاه ثوري لا يعرف التعب والعياء .. فكلما زاد الحماس زاد التقدم نحو النجاح . ان لهذا التوجه منطقه ومبرراته وتحليلاته التي يمكن لنا قراءتها ، وبكل سهولة عبر مفاهيم يزخر بها خطاب " الثورة " .. مثل مفاهيم التشديد على الجهاد والمقاومة ، والتغيير والرفض ، والمواجهة والكفاح المسلح ، واستخدام العنف الثوري في مواجهة العنف الرجعي والعنف الامبريالي ... لخ . كما ان لهذا المنطق مبرراته التي تستقي التجارب من التاريخ والاحداث ، حيث فشلت ثورات توقفت او أُجهضت ، وحيث تعبت قوى مناضلة فتخلت او استراحت .. كما له رؤيته التاريخية والمستقبلية التي تستلهم الثورات من التاريخ الإسلامي ، وتتطلع نحو استمرار الثورة حتى التغيير الشامل ، واحيانا حتى تحقيق الحلم بتغيير العالم .
ب ) اتجاه يركز على بناء الدولة العصرية القوية ، وما يزخر به هذا الخطاب من مفاهيم الانماء والمعاصرة والتحديث . انّ لهذا الاتجاه مبرراته ، المُستقاة من التجارب التاريخية التي اثبتت أهمية المؤسسات والأجهزة والإدارات والخطط والبرامج ، للخروج من حالات التأخر والجمود الحضاري . أي الانخراط حاضرا ومستقبلا في النظام العالمي القائم . أي مطالب عصرنة الدولة وتحديثها ..
ان هذين التوجهين يحملان عنصر التداخل والتشابك على مستوى القوى السياسية ، والأحزاب السياسية ، والنخب والكتل الحاكمة . فبعض هذه القوى كانت تقول بالثورة ، واحتضنت في حضن السلطة ( اليسار المغربي ) ، وغرقت في خطاب الدولة وتوجهاته ، وبعضها فهم الثورة من خلال مصالح الدولة ( اليسار الجديد ) . ولما كانت الدولة العربية والإسلامية قد أضحت دولة وطنية ، فان اختلاط المنظور الوطني والإسلامي ، اضحى اختلاطا يشوبه الكثير من التوظيف السياسي لمصالح هذه الدولة او تلك . اذن أضحت الأيديولوجية القومية ، كالعقائدية / الأيديولوجية الاسلاموية / الإسلام السياسي / ، ايديولوجيات دول تعبر عن مصالح وطنية لكل دولة في غالب الأحيان ، وانْ كان التوظيف قوميا او إسلاميا . ان الرؤية المتجاوزة لهذا الواقع المأزم ، تدعو لإعطاء الأولوية لتحقيق هذه النزاعات الإنسانية الثلاث ، والتي يمكن تلخيصها بكلمات ثلاثة : حرية عدالة مساواة ، في الدولة الوطنية وللامة الضمير على حد سواء .
--- اطراف المشروع العربي الإسلامي : هنالك ثلاثة اطراف في المشروع العربي الإسلامي . الثورة بما هي طموح تغييري . الدولة بما هي ضرورة اجتماعية . والانسان بما هو عنصر الفعل والانفعال المتجاذب في هذا التغيير و ( الإصلاح ) .
ا --- الثورة : من المتعارف عليه عالميا ، ومن خلال التجارب الإنسانية المتنوعة ، فان كثيرا ما يقع أصحاب الثورة في الفوضى العارمة ، وفي اشكال من الرفض العدمي ، او المسلك النخبوي الاستبدالي او الحزبي ، وذلك على حساب نظام الجماعة ومصالحها ، وعلى حساب شوروية الامة وشرعيتها . بل اكثر من ذلك تتحول الثورة من مبررات قيامها في سبيل الحرية والعدالة ، الى نقمة ودكتاتورية واستبداد ضد الأنظمة ، فيتحول الثوار الكتبة على حد وصف الشاعر العراقي مظفر النواب رحمه الله ، الى نخبة مستبدة قامعة ، تتكلم باسم الامة ، فتستبدلها بحزبها ، وتحل محلها في تصريف شؤونها اليومية والمعاشية . استبدال الحزب عن الشعب ، واستبدال القيادة عن القواعد . أي الانتهازية والعسكرتارية ، والاستبداد المجسد في القمع بشكليه المادي والايديولوجي .
ب --- الدولة : ان من أخطاء هذا التيار ، انهم يقعون في أحادية الرأي والمسلك ، فيقمع الرأي والاجتهاد والاختلاف في المجتمع قمعا ، بدل ان يحل حلا وطنيا . ان ضرورة ضبط التناقضات في المجتمع ، وغرائزه ، وباسم تجنب الفتنة بين افراده وجماعاته ، يعتبر ضرورة قسرية مُشرعنة للاستبداد والقمع وسلب الحريات ، مع ان الضرورة لا تنفي الحوار والتحاور والجدل . ان النبوة القائمة على الوحي الإلهي ، التزمت منهج الحوار والجدل ، واكتفت وفقا للأمر الإلهي بمهمة النذير والبشير ، وامتنعت عن موقف السيطرة والتغلب والانفراد بالرأي .
فهل يمكن ان يحمل المشروع الحضاري العربي الإسلامي الذي من المفترض انه (مشرعنا الحضاري) المفروض (الأصيل) ، فهماً مختلفا لمسألة الدولة السلطانية في ( تراثنا ) ، ولمفهوم الدولة البيروقراطية الحديثة في عصرنا وحاضرنا ؟ . فهل يمكن ان تتوازن العلاقات بين الدولة والمجتمع ، في صيغة مؤسسات ، لا تطغى فيها الدولة بوحدانيتها وقسريتها على المجتمع ، فنقع في الاستبداد والطغيان ، او الأنظمة التوتاليتارية Totalitaire ؟ . انه تساؤل عما أصاب مختلف التجارب السابقة من انتكاسات ، عطلت مسيرة التنمية والديمقراطية ، فكان الخاسر الكبير الوطن والمواطن ، الذي تتقادفه تناقضات الدولة والأحزاب ، بمختلف تشكيلاتها الأيديولوجية المتناقضة .
ج --- حقوق الانسان : بمقارنة تاريخنا بتاريخ الغرب ( اللاخلاقي ) العنصري ، المملوء حقدا ودما وعنفا وقتلا وتقتيل ، سنجد هنالك عدة نصوص واحاديث تتحدث عن المساواة ، التآخي Fraternité Egalite Solidarité)) فرنسا ، وحقوق الانسان بالمفهوم الشامل في تراثنا ، قبل ان تفطن لها التشريعات الغربية ، وتستعملها بشكل انتقائي غاية في المكر والخديعة والتضليل ، فيدفع بنا هذا التراث من قيمنا ، ومن دون ان نشعر ان نحس بشيء من الزهو والتفاخر ، على اننا حقا ( خير امة أخرجت للناس ) . لكن ومن دون ان نشعر كذلك ، ننسى الانتباه الى ما يسمى بحقوق الانسان في الغرب (اللااخلاقي) ، في كيفية الاعتناء بمواطنيه ، بمنحهم المساواة في الاستمتاع بحقوقهم التي يعطيها لهم التاريخ ، وتعطيها لهم الجغرافية ( اوربة أمريكا ) ، وتعطيها لهم القوانين والتشريعات ، وانْ كان كل ذلك يتم على حساب تعاسة الشعوب الأخرى التي تستنزف ثرواتها ، لتحقيق الرفاهية لشعوب العالم المسمى ( متحضرا) ..
فاذا قمنا بمقارنة بسيطة بين قيمة الانسان عندنا وعندهم ، سنجد فروقا شاسعة في العديد من الخدمات الأساسية ، التي يجب ان يتمتع بها المواطنون كخدمات الصحة ، التعليم ، الشغل ، السكن اللائق ، حرية التعبير والرأي ، وحرية التنقل ... الخ . كما نجد فرقا شاسعة في مستوى الخدمات التي تقدمها دول المحيط ، مقارنة مع دول الغرب لمواطنيها على مختلف المستويات ..
اذن السؤال سيصبح . كيف يمكن تجدد قيمة العمل في ( الإسلام ) على مستوى الفرد والجماعة معا ؟ . أي تخليق العمل بتحميل المسؤولية للمسؤول عن العمل ، وهو ما يعني المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب . انه باستثناء بعض الكتابات التي حصلت في الماضي ، ممثلة في ما كتبه محمد عبدو ، حسن البنا ، مالك ابن نبي .. تحُضُّ على العمل وقيمته واخلاقيته من وجهة إسلامية ، فان ( المشروع الإسلامي ) المتمثل في خطاب الدولة ، او خطاب الثورة على حد سواء ، قلما يتنبه الى أهمية هذه القيمة في الإسلام ، فيسعى الى تجديدها نصا وسلوكا ونظرية ، أي استدخالها في النفس كقيمة من القيم الدينية في المجتمع ، حتى انعدم الحد الفاصل الضروري بين الدين والسياسة . هكذا غرق الفقيه في حقل السياسة حتى اضحى سلطانا او مشروع سلطان ، و ابتذل الحاكم الدين حتى اضحى ممثلا فلكلوريا للتراث الديني ..
والمفارقة اللافتة للعيان ، ان حاملي خطاب (العلمانية) في موقع (المعارضة) ، تناسوا ان السلاطين المسلمين ، كانوا اكثر علمانية منهم بالمعنى المدني والدنيوي والزمني ، كما انهم لا يدركون انه في حالة وصولهم الى السلطة ، سيكتشفون كما اكتشف بعض زملاءهم ، أهمية الاستخدام الديني في تثبيت السلطان الزمني ، ولو كان ذلك عن طريق الارتضاء بتطبيق الشريعة في باب الحدود .
وبالمقابل ينكشف العمل الإسلامي الحزبي ، الإسلام السياسي ، انكشافا سريعا عندما يرتضي محالفة (حلف) الحاكم على أساس هذا الشعار ، وبمعزل عن السياق العلائقي بين المجتمع والدولة ، وبغض النظر عن القيم الدينية والأخلاقية والسلوكية التي يزخر بها (الإسلام) ، فلا يسأل اين هي في نصاب الدولة ومسلكها ؟ ، وأين هي في نصاب المجتمع ومسلكياته ؟ ، وأين هي في مسلكيات العمل الإسلامي واخلاقياته توجها وممارسة ؟ .
ان التجديد الحضاري الأخلاقي ليس خطابا في الماضوية والتقليدانية ، أي في الطقوسية ، و لا هو خطابا في العصرنة والحداثة . انه ليس تقليدا لماضٍ يخص الذات وحدها ، او لماضٍ يخص النظام الرجعي والامبريالية . ان التجديد الحضاري أولا وقبل كل شيء ، جواب على تحديات راهنة ، محورها وقطبها الانسان أولا وأخيرا . الانسان في زمن قطعت فيه حركة التاريخ العالمي خلال القرنين الماضيين ، اشواطا هائلة من الإنجازات والنظريات والتجارب والأنظمة السياسية والاقتصادية ، كما قطعت فيه حركة التاريخ ( العربي الإسلامي ) (المعاصر) منذ منتصف القرن التاسع عشر والى الآن ، اشواطا من التجارب الفنية من لبرالية وقومية وماركسية وصحوة اسلاموية ، كما مرت بأشكال من التجارب الوحدوية الوطنية ، والمشاريع الاتحادية والإقليمية . والآن وبعد كل هذا الغنى التاريخي المركب والمعقد ، لم تعد المسألة محصورة ، و لا يمكن ان تنحصر في سؤال : ماذا نختار من هذه التجارب الفاشلة لصياغة مشروع جديد ؟ . لكن السؤال الرئيسي الفعلي هو : هل استوعبنا هذه التجارب الفاشلة وسبب فشلها ؟ وكيف نتجاوزها ، أي الفشل في المسيرة الراهنة ؟ ..
ومن أولويات العمل الجاد في هذا الباب ، انه لا يكفي ان نشير إشارة سريعة الى ازمة النظام الرأسمالي العالمي ، ومأزق الحضارة المادية لنستدل على فشلها ، ولا يكفي ان نشير الى انهيار النظام الاشتراكي ، وعجز الشفافية في انقاذه ، ولنصل سريعا الى البديل الإسلامي كنموذج حضاري محقق وناجز ، ذلك مع مجموعة صحوة الدعوة الى البديل الإسلامي ، فان ( النظرية الإسلامية المعاصرة ) ، إذا لم تستوعب تجارب التاريخ العربي الإسلامي ، ( قديمة ) و ( حديثة ) و ( معاصرة ) ، ستبقى عاجزة عن إيجاد البديل ( الحضاري الإسلامي ) . وسيبقى البديل مجرد نص وخطاب مؤمل ، وفي احسن الأحوال ثورة هنا او انتفاضة هناك ، مقاومة هنا او معارضة هناك ، تقوم جميعا باسم الإسلام (الشعبي) ، طالما كان سلاح حماية ودفاع بيد ( الحركات الجماهيرية ) في مواجهة النظام السياسي او مواجهة الطرف المعارض . فعلى ضوء هذا الاعتبار يتشكل الوعي التاريخي الذي يتواصل مع ( الحاضر ) ، ويتصور صورة المستقبل المعكوسة والتي لن تكون غير معكوسة ، بدل ان يبقى العرب والمسلمون اسيري تواريخ فرق وسير وتراجم ، كما هم اسرا احكام فقهية لمذاهب انتجت في مراحل تاريخية سابقة ، وهم يحلمون الآن بصناعة (مشروع حضاري معاصر ) لامة وعالم إسلامي يقبض عليها نظام رأسمالي عالمي جائر وظالم ..
نعم . لقد فشلت جميع المشاريع الأيديولوجية والعقائدية التي جُرّبت في الماضي . فشل المشروع الدولتي لتحوله الى مشروع استبدادي طاغوتي ، وتحول الدولة من دولة (ديمقراطية) الى دولة قمع قامعة باسم الدفاع عن الشعاراتية ، فتحول النظام السياسي من نظام المجتمع والتعددية ، الى الكليانية والتوتاليتارية .
وفشل المشروع الماركسي العلماني ، لتركيزه على دكتاتورية طبقة " البروليتارية " ، ونفي او الغاء باقي الطبقات التي تكوّن المجتمع . وفشل المشروع الإسلامي للإسلام السياسي ،لاعتماده النرجسية اكثر من اللازم ، واقتصاره على مخاطبة الحواس والشعور ، دون تعمقه في بحث اصل الداء ، بغية طرح الحلول المعقولة والمقبولة . والمستغرب له ، ان القاسم المشترك بين كل هذه التصورات ، هو تبادل التهم ، ونفي أي مزايا عند المشروع الاخر المعارض ، دولة واحزابا ..
ان البديل لكل هذا الفشل المتعاقب ، يكمن في الجمع بين ثوابت الدولة الوطنية والدولة القومية الوحدوية . أي الاحتفاظ بالخصائص الوطنية لكل دولة ، من تراث ومقدسات وطنية تحافظ على التمايز والاختلافية ، ثم الإسلام كمرجعية تستجيب للرغبات والاحاسيس الروحانية للمواطن العادي ، الى جانب التفتح على ما راكمته الإنسانية من ابداع في مختلف المجالات من فنون ، فلسفة ، رسم ، علوم واشكال الحكم ونظمه المختلفة والمتنوعة ، لإغناء التجربة بغية الدفع بالانطلاقة نحو اتجاهها الصحيح ، ولتفادي كل اشكال الإحباط او الهزائم في المسير نحو بناء " المشروع الحضاري المجتمعي العربي الإسلامي " . وهنا فان الاطار لمزج كل هذه الشروط وتنظيمها ، يبقى الدولة العصرية الحديثة التي لا تفرط في الماضي في ايجابياته .. اما القطع مع الماضي باسم " الحداثة " ، او الارتماء في الماضوية الرجعية باسم تحصين الذات ، او التركيز على الدولة الاستبدادية الطاغية القامعة ، باسم مجابهة الفتنة والاضطراب .. فلن يزيد المشكلة الا تعقيدا والازمة استفحالا . ويبقى احسن مثالا يقتدى به في هذا الباب ، دول الاتحاد الأوربي التي تركز على الاقتصاد والعلوم ، مع احتفاظ دولها بخصوصياتها المختلفة . لغات . ديانات كاثوليكية بروتستانية يهودية .. إضافة الى مجموعات دينية متنوعة ، عادات وتقاليد ، احتفالات دينية ووطنية تختلف من دولة اوربية الى أخرى ..
--- الماضوية والحداثة بين الدولة الوطنية و الدولة القومية : من خلال مختلف التجارب التي مر منها العالم العربي والى الآن ، لم تعد المسألة المطروحة للنقاش بين المفكرين والمثقفين والمحللين السياسيين ، كامنة في السؤال التالي : كيف نثور ؟ . ماهي الطرق التي تؤدي الى الثورة ؟ . ولكن السؤال الآن هو : كيف نستطيع الجمع بين مختلف الإيجابيات التي راكمتها مختلف التجارب الإنسانية ، عبر مختلف العصور والازمنة ؟ . أي كيف نصنع مستقبلا بعيدا عن التشنج والتعصب والتطرف المؤدي الى الهلاك ، والمسبب في تعطيل قاطرة التطور والتقدم التي حققها الغرب المسيحي اليهودي ، والفلسفات الوجودية والالحادية ، وجعلته يختصر تاريخنا في " محدودية إنتاجية العقل العربي المأزم الفاشل والمهزوم " . ان هذا التساؤل يهم الجميع ومن دون استثناء . الثوار والحكام . الوطنيين والقوميين . العلمانيين والإسلاميين . أي الجميع ..
ا --- الجمع بين الدولة الوطنية والدولة القومية : لا اشكال في ان الدولة الوطنية والدولة القومية ، يمكن ان يلتقيا على اكثر من صعيد . واعتقد جازما ان تجنيب الاختلاف السياسي والايديولوجي ، لصالح التعاون الاقتصادي والمشاريعي ، يمكن ان يسرع في تحقيق او على الأقل تقريب الأفق نحو الاندماج التحتي ، في افق تحقيق الاندماج العلوي ، مع الاحتفاظ بالخصوصية والتراث المحلي . ان تجربة الاتحاد الأوربي ، والتكامل مع الاحتفاظ بالاختلافات العرقية والمذهبية ، واللغات والأعراف والتقاليد .. يبقى مثلا شامخا امام هذا الإنجاز العظيم للدولة الوطنية والدولة القومية . وفي هذا الباب يبقى التركيز على وسائل النقل والمواصلات بين مختلف الدول العربية والإسلامية ، أنجع طريقة تساهم في هذا الإنجاز التي تنتظره الملايين من العرب والمسلمين ، لتحقيق سمة أساسية من الحلم المعجزة ، في بناء المشروع الحضاري العربي الإسلامي الذي سيكون عظيما اذا تحقق بالمواصفات العلمية والديمقراطية .
ب --- ما بين الثورة والدولة : عندما يدرك الحاكم العربي ان الشعوب لا تقاس بالقوة ، والتفرد والاستئثار ، وبواسطة الأجهزة البوليسية اللعينة والسرية ، ثمة مؤسسات وقنوات يجب ان تشكل وسائط لا بد منها بين الدولة والمجتمع . وعندما يقتنع الداعون الى الإصلاح او الثوار ، بالمبدأ الفقهي الإسلامي الداعي الى تجنب الفتنة المرادفة للحرب المدنية ( الاهلية ) بين أبناء نفس الشعب ، وان يدركوا تماما الحد الفاصل بين الثورة والفتنة ، بين مصلحة الامة وسفك دماء أبنائها ، فتفهم الثورة على انها تغيير في النفس وتغيير في القوم ، تربويا واخلاقيا واجتماعيا ... آنذاك يسهل ردم الهوة الفاصلة بين المكونات الأساسية للمجتمع ، أي الحكام والثوار او المصلحون .. اذن . كيف نوازن بين الدولة والمجتمع ، كي لا يطغى احدهما على الاخر ؟ . طغيان اهل الدولة على المجتمع طغيانا استبداديا ، ويطغى أصحاب الثورة ، او الداعون الى الإصلاح ، على الدولة والنظام العام للجماعة ، فيسبب ذلك في الفتنة الاناركية والعنف .
ج --- ما بين العلمانية والإسلامية السياسية : لقد بلغ الاختلاف بين ( العلمانيين ) و ( الإسلاميين ) Les pseudos laïques et les pseudos défendeurs de l’islam politique درجات قصوى ، خاصة بعد تحميل احدهما للأخر المسؤولية المباشرة ، عمّا آلت اليه أوضاع الامة من مدلة واهانة وحضيض ، كان ابرزها هزيمة الأنظمة السياسية التي دعت الى (العلمانية) في حرب الستة أيام المسماة ب ( النكسة ) في عام 1967 ، وفي ارجاع التأخر الى المنظومة الفكرية لكل مجموعة . ان هذا الجدل الذي اتخذ شكل استنزاف فكري وسياسي ، خاصة بعد ان رفع القوميون والشيوعيون والماركسيون شعار علمنة الدولة ، او فصل الدين عن الدولة . وبعد ان رفع الإسلاميون شعار الحل هو الإسلام ، في عملية استعجالية للسيطرة على النظام ، جعل الجدل العقيم بين المجموعتين ، يتخذ حوار خارج التاريخ ، وخارج حقل الصراع الفعلي ..
في اوربة كان الصراع كالآتي : العلمانية مقابل الكهنوت . الدهرية مقابل اللاهوت او الغيبي . وكان الصراع تعبيرا عن صراع أفكار بين قوى سياسية ومؤسسات واتجاهات : الليبرالية مقابل الكنيسة . الديمقراطية مقابل التحالف الاقطاعي الكنسي . البرلمانية مقابل الاستبداد . اذن . بهذا الجدل يمكن ان نفهم موقف اسلاميي النهضة من الاتجاه الإصلاحي الإسلامي " محمد عبده ، رشيد رضا ، الكواكبي ، النائيني ... " . لماذا خاض هؤلاء المعركة الدستورية في كل من ايران وفي الدولة العثمانية جنبا الى جنب مع اللبراليين والديمقراطيين المحليين ، معتبرين ان كل هذه الأفكار والمؤسسات ، هي أفكار ومؤسسات إسلامية الأصل . وان المؤسسات السلطانية الاستبدادية وإنْ توسلت بالدين ، فهي مؤسسات غير إسلامية . فمشيخة الإسلام في الدولة السلطانية ، واخر تجلياتها الدولة العثمانية ، والدولة الصفوية القاجارية ، كانت قد أضحت شبه مؤسسة إكليركية ، رغم التأكيد العام ان لا كنيسة في الإسلام . لهذا رأينا الكواكبي يتحدث عن الاستبداد السياسي والاستبداد الديني في الدولة العثمانية . ورأينا نائيني يتحدث عن شعبتي الاستبداد في الدولة القاجارية : الشعبة الدينية المتمثلة بعلماء السوء ، والشعبة السياسية المتمثلة بالسلاطين . انه صراع بين الاتجاه الإسلامي السلطاني والاتجاه الإسلامي الشوري ..
ان حق الصراع بين الاتجاه " العلماني " ، وبين الاتجاه " الإسلامي " ، فإنه الى جانب الاستعارة اللاتاريخية فيه ، فإنه يترجم حاليا حالة الصراع السياسي بين نخب تستعجل الوصول الى السلطة . هذه باسم تطبيق الشريعة ، وتلك باسم الحداثة وفصل الدين عن الدولة . وفي الحالتين تستعيد الدولة العربية ( الحديثة ) لنموذجها السلطاني القديم ، فتعود الى الدين لاستخدامه أيديولوجية سلطانية ، او فقها سلطانيا .
فهل الصراع على السلطة بين مختلف المكونات السياسية ، هو الضمانة لإنشاء مشروع حضاري عربي إسلامي ، بمعنى اذا كان كل توجه سياسي يمثل بحق المشروع ، فأيهم أولى بالتنزيل ؟ لنجد نفسنا امام مشروع أيديولوجي حزبي لا علاقة له بالمشروع الحضاري الذي يهم الامة ..
ان التجديد الحضاري للمشروع العربي الإسلامي ، هو جواب على تحدّايات راهنة ، محورها وقطبها الانسان أولا وأخيرا . الانسان في زمن قطعت فيه حركة التاريخ العالمي اشواطا هائلة من الإنجازات والنظريات والتجارب والأنظمة السياسية والاقتصادية ، كما قطعت فيه حركة التاريخ العربي الإسلامي المعاصر منذ منتصف القرن التاسع عشر والى الآن اشواطا من التجارب الفنية من لبرالية وقومية وماركسية وصحوة إسلامية ، كما مرت بأشكال من التجارب الوحدوية والوطنية والمشاريع الاتحادية و الإقليمية . والآن وبعد كل هذا الإرث التاريخي المركب والمعقد ، لم تعد المسألة محصورة ، ولا يمكن ان تنحصر في سؤال : ماذا نختار من هذه التجارب ؟ . لكن السؤال الفعلي هو : هل استوعبنا هذه التجارب ؟ وكيف نتجاوزها في المسير الراهن ؟ ....
--- هل استوعبنا فعلا التجارب المختلفة في تاريخنا : اعتقد ان المعالجة الرصينة ، والتحليل العلمي لما اجتره العالم العربي والإسلامي ، ومر منه العرب خاصة والمسلمين عامة ، انا نكاد لا نخجل اذا قلنا وبكل صراحة ، اننا كنا تجتر التقليد ، ولم نكن نشتغل حقا ولا كان عندنا مشروع حضاري قومي لنضاهي به المشروع الحضاري اليهودي الصاعد ودائما في صعود ، والمشروع الحضاري المسيحي الذي يتعاون مع المشروع الحضاري ، والمشروع القجري الصفوي الفارسي ، الذي فرض نفسه في ساحة الصراع ، ليس بسبب مبادئ عامة كفلسطين وامريكا والغرب ، ولكن كمصالح تفرض التمايز الحضاري الفارسي الفجري ، خاصة وانه يستهدف المنطقة العربية برمتها ، وبالأخص منطقة الخليج الغنية بمواردها الطبيعية المختلفة . فترك ايران حزب الله يواجه الانحدار بالمنطقة ، كان مقصودا ، ولم يحصل بغتة . فمهما تظاهرت ايران بعداوتها لإسرائيل ولامريكا وللغرب ، فما يجمعهما من مصالح اكثر مما يفرقهما . ولا ادل على ذلك ، وفي خضم الحرب العراقية الإيرانية ، كانت قضية ايران " گيت " ، وكانت العلاقات تمر بين الطرفين بامريكا اللاتينية ، والجنوبية ، سيما وان علاقات ايران مع هذه المنظومة في نفسها العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ( المالوين ) او ( الفلوكاند ) .. فمنذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في مذهبها الشيعي ، وهي تتبادل مع الدولة اليهودية بالحرب ، وإسرائيل في كثير من المرات تحضر العالم لقرب حرب إيرانية إسرائيلية ، وامريكا من جانبها تدلو بدلوها في هذه المسرحية التي ضحاياها في الأول والأخير ، الأنظمة السياسية العربية ، والشعوب العربية ، التي تشكل التناقض الأساسي مع الحضارة الفارسية القجارية ، سيما منطقة " عربستان " التي تحظى باهتمام الدولة العبرية وواشنطن ، لتسهي تدخل عسكري بالمنطقة ، سيكون في صالح ايران ولن يكون في صالح العرب المهزومين في تاريخهم منذ ان كانوا ولا زالوا ، ولا حققوا نصرا واحدا في حياتهم . فحتى حرب أكتوبر لم تكن حرب تحرير ، بل كانت حرب تحريك أوراق المفاوضات ، وكانت تستهدف الوجود الروسي بالمنطقة ، والارتماء في المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي انتهى ب " كمب دايفد " ، وكانت النهاية باسقاط حلم الدويلة الفلسطينية ، واسقاط حق العودة الذي بقي مفتوحا لليهود أصحاب الأرض .. وايران رغم تظاهرها بالمعارضة ، فان نهاية حزب الله التراجيدا ، ونهاية حماس الاخوانية ، وقبلهما نهاية المنظمات الفلسطينية ( المتياسرة ) ، وسقوط سلطة رام الله في بركة مؤتمر مدريد Madrid سنة 1982 ، والذي فشل بعد عشر سنوات من ( المفاوضات ) العقيمة ، ولتسقط من جديد في بركة مؤتمر Oslo سنة 1993 ، بعد اكثر من ثلاثين سنة من نفس ( المفاوضات ) العقيمة .. ولتنتهي المسرحية بانتصار المشروع الحضاري القومي اليهودي الطقوسي ، المساند من قبل المشروع الحضاري المسيحي في حلتيه الكاتوليكية والبروتستانية ، وثقافات الالحاد و اللادينية ... ويكون الهزيمة من نصيب العرب الذين لم يكن لهم مشروعا على الاطلاق ..
ان نفي وجود مشروع حضاري قومي عربي إسلامي ، برهنت عليه الاحداث الحاصلة . فحتى زمن النهضة خاصة التاريخ المصري ، كان ما كان يطلق عليه بالمشروع الحضاري العربي ، عبارة عن شعارات سياسية لا علاقة لها حقا بالمشروع الحضاري العربي الإسلامي الغير موجود .. وكانت الخلاصة الفشل الذي راكمته تلك التجارب ، وهو فشل مدوي حين انهزم حقا امام المشروع الحضاري اليهودي ، والمشروع الحضاري المسيحي ، والمشروع الفارسي ، اكبر عدو للقضايا ( القومية ) العربية .. ولا ادل على ذلك عندما لم يسبق ان حصلت حرب بين هذه المشاريع والمشروع الفارسي ، الذي يحتل عربستان ويحتل الجزر العربية الإماراتية ، أبو موسى ، الطنب الكبرى والطنب الصغرى ، ورغم العلاقات ( الممتازة ) بين الامارات وإسرائيل ، لم يسبق لهذه ان اثارت الاحتلال الإيراني للجزر ، كما لم يسبق لها ان اعترفت بمغربية الصحراء ، بدعوى الالتزام بالقانون الدولي وبالمشروعية الدولية ...
ان مشكلة العرب انهم لم يكن لهم مشروعا حضاريا واسلاميا ، بل كانت لهم مشاريع قومية سياسية لأنظمة الحكم الغربية لبناء دولة تتعارض مع الديمقراطية بالمطلق ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرنسا مهد المدنية والديمقراطية وحقوق الانسان
- ارض الميعاد اليهودية من الفرات الى النيل
- موقف المملكة الاسبانية من نزاع الصحراء الغربية
- السلفية الجهادية تعلن استعدادها لنقل الحرب الى الداخل الجزائ ...
- أي نظام للحكم نريد ؟
- هل حقا ان النظام المخزني المزاجي العلوي يهدد اسبانية بالحرب ...
- انتصار الحضارة اليهودية المسيحية
- عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان
- محور المقاومة . العقل العربي الغبي
- حزب الله (اللبناني) الإيراني
- سورية
- الدولة المارقة
- هشام بن عبدالله العلوي / الملكية ( الديمقراطية ) ( التعاقدية ...
- في البطريركية (الابوية) السياسية
- الملك محمد السادس حسم في الوضع القانوني للصحراء الغربية ، وا ...
- جمهورية الريف الوطنية والديمقراطية
- أصل الحكم في الإسلام
- خمس منطلقات في المسألة الديمقراطية والانتخابات .
- حرب الصحراء الغربية بين النظامين المخزني المزاجي والنظام الج ...
- حركة التحرر العربية : أزمة عارضة أم بنيوية ؟


المزيد.....




- ترامب: ستصبح بلادنا أقوى وأغنى والكوكب أكثر سلاماً وازدهاراً ...
- شاهد ما قاله ترامب عن كندا أمام منتدى دافوس
- هل يقطع ترامب عنق العدالة الدولية؟
- -نفسي أوقف الديون.. لكن إزاي؟ كيف علق المصريون على تصريحات ر ...
- ما هي -تجربة سنغافورة- التي تحدث عنها الشيباني؟
- الولايات المتحدة تنقل منصات إطلاق صواريخ تايفون متوسطة المدى ...
- بن فرحان من بيروت: واثقون من الإصلاح في ظل قادة لبنان الجدد ...
- الجيش الإسرائيلي: اكتشفنا مستودعات أسلحة وبنى تحت الأرض لحزب ...
- نيبينزيا: روسيا ستتابع تنفيذ الاتفاق بين إسرائيل وحركة -حماس ...
- ترامب: أوكرانيا مستعدة للتوصل إلى اتفاق والكلمة الفصل الآن ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - هل هناك فعلا مشروع حضاري عربي إسلامي .؟