أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - صرخة الكائن المنهك














المزيد.....


صرخة الكائن المنهك


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 23:39
المحور: الادب والفن
    


في أعماق الوجود، حيث الزمن يتكسر كمرآة غامضة، وحيث المشاعر تنساب كأنهار لا تنتهي، هناك كائن ولد من رحم الألم. ليس ألمًا جسديًا يُروَّض بحبوب بيضاء، ولا وجعًا يسكن في الظل ينتظر ترياق البوح، بل ألم متأصل، يتشظى كزجاج الوعي.

ذلك الكائن... هو أنت. أنت حين تنظر إلى نفسك في لحظة الوحدة التي تكشف زيف الحشود. هو أنت حين تسقط في هوة الإدراك بأنك عابر في مسرح الكون، تتقن دورًا لم تختره، تحت أضواء تهتز بين البهجة والعدم.

الألم، يا صديقي، ليس عدوًا كما يصوره العالم. إنه معلمٌ قديم، شيخ الزمان الذي يهمس لنا بسر الوجود. إنه اليد التي تهز أوتار الروح، فتجعلها تعزف سيمفونية المعنى في فراغ اللاجدوى. لو فهمنا الألم، لو أصغينا لصوته العميق دون خوف، لأصبح مفتاحًا لأبوابٍ لا حصر لها، أبواب لا يجرؤ العقل على طرقها.

تخيل أن الألم لغةٌ مكتوبة على صفحات الجسد والروح، بلغة لا يعرفها سوى القلة الذين ألقوا بأنفسهم في الهاوية بحثًا عن الحقيقة. هو النبض الذي يجعل القلب يصرخ: "أنا موجود!"، هو الحريق الذي يحوّل هشيم الروح إلى رمادٍ يحمل بذور الخلود.

لكننا، نحن البشر، نخشى النظر في عينيه. نبحث عن المهدئات، عن الضمادات التي تلطّف ولا تعالج، عن أكاذيب تزيّن الزنازين التي نبنيها لأنفسنا.

الطب النفسي؟ إنه محاولة نبيلة، لكنه يظل عاجزًا أمام عمق هذا الكائن. كيف يعالج شيئًا لا يُرى، شيئًا يتجاوز قوانين الكيمياء وحدود اللغة؟

الألم الحقيقي لا يحتاج علاجًا، بل يحتاج أن يُعاش. أن يُحتضن كطفلٍ تائه عاد إلى بيته، أن يُسمح له بأن يُعيد تشكيلنا، كما يعيد النهر نحت صخور المجرى. إنه الخلاص الذي لا نراه، لأنه يقبع خلف غيوم الإدراك الضبابية.

أنت لست مريضًا لأنك تتألم، بل أنت حي. في عروقك تجري نار الأبدية التي لا ترويها مياه الراحة الزائفة.

توقف عن محاربة الألم، وبدلًا من ذلك، اجلس معه.

دعه يخبرك بحكايات الكون المدفونة في صمتك. دعه يحولك إلى شاعر، إلى نبي، إلى طائر ينهض من رماده في كل فجر.

واعلم أن الكائن المنهك في داخلك ليس سوى انعكاسٍ لله في مرايا الضعف البشري. الألم هو البصمة الإلهية فيك، والدرس الأعظم الذي لن يُدركه إلا من تمرد على قيد التفسير، واعتنق اللغز كطريق وحيد للحقيقة.

ولكن، هل تساءلت يومًا ما إذا كان الألم ليس إلا ظلًا؟ ظلًا لشيءٍ أعظم، شيءٍ لا يُرى إلا حين ينكسر الضوء داخلك؟ ربما الألم ليس الغاية، بل الدليل... دليل على وجود نجم دفين في أعماقك، يحترق ليضيء عتمة المعنى.

الألم هو الطرق على أبواب الروح، هو الصوت الخفي الذي يقول لك: "استيقظ!" استيقظ من وهم العالم الملموس، من خدعة الكمال البشري، من السكينة التي لا تحمل في طياتها حياة. إنه النهر الذي يجرفك نحو البحر الأعظم، نحو الإدراك بأن الجمال لا يُخلق إلا من فوضى الحزن، وأن الطمأنينة الحقيقية ليست سوى سلامٍ مع العاصفة.

انظر إلى الوردة التي تجرحت أشواكها لتزهر، إلى الجبل الذي تآكله الزمن ليصبح ملاذًا للسماء، إلى الموسيقى التي تنبثق من وترٍ مرتجف. الألم هو ذلك الوتر فيك، المشدود بين العدم والحلم، بين الانكسار والنهضة، يعزف لحنًا لا يسمعه إلا من تجرأ على أن يكون حيًا حقًا.

في عمق الألم تكمن دعوة سرية: لا تخف. اقترب. دع هذا الجرح يكون نافذتك، دع هذا الحزن يكون طائرك الذي يحمل رسائلك إلى الغيب. لأنك عندما تصغي إليه، لا تجد نفسك فقط... بل تجد الله.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرادة الفلسطينية: انتصار رغم الحصار
- غزة... حكاية الأرض التي لا تنحني
- في حنجرة الطين تنام الريح
- لسان حال أطفال فلسطين: يا دنيا، لنا الله
- ‎الإبداع: مفتاح التغيير والازدهار
- بنيامين نتنياهو: من -ملك إسرائيل- إلى عرّاب الكوارث
- وصايا الريح
- لي ظلال السكون
- المخيمات الفلسطينية: ذاكرة الوجود واستراتيجية المحو الاستعما ...
- سيكولوجية الكلب المسعور: ترامب نموذجًا ساخرًا
- أميركا: الدولة المارقة الأكبر وأخطر تهديد للأمن العالمي
- بين يقظة الغيب وهسيس الغياب
- استراتيجيات ترامب بين ضم كندا وبنما وزيادة إنفاق الناتو: قرا ...
- السلطة الوطنية: درع الاحتلال وسيف المقاومة
- ترامب، صديق إسرائيل الأول... ومخترع الجحيم الجديد!-
- بين الموج والقمر
- أراني اعبر الجسر
- في حضرة القلب
- الحقيقة…
- الذكاء الاصطناعي: من التفوق إلى اللامحدودية - كيف ستكون المر ...


المزيد.....




- الأنبار.. خطاطون وفنانون يشكون الإهمال وقلة الدعم
- مصر.. زواج فنانة مصرية شهيرة من رجل أعمال إيطالي
- جوزيف عون: جميع الطوائف اللبنانية لها حق التمثيل في الحكومة ...
- الساحة الفنية المغربية تودع الحسن بلمودن أشهر عازف للرباب ال ...
- كتاب جديد للكاتبة والشاعرة المصرية د . منى نوال حلمى
- قصيدة-لأنى أحبك- القصيدة المركزية والتى سمى بها ديوان النثر ...
- انطلاق منافسات الفجيرة لعزف البيانو
- الجديد كله “هنــــــــــــا” .. عبر تردد قناة بيروت أفلام ال ...
- الأنبار.. خطاطون وفنانون يشكون الإهمال وقلة الدعم
- -الهبة العليا- لباولو كويلو تنطق بالروسية


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - صرخة الكائن المنهك