أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !















المزيد.....


أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 23:38
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

ــ إنكَ ترى بأنني لم أقل ذلك .. لم أقل أنكَ ( Queer ) ، ولم أقل أنكَ ) Gay ) أيضاً ، بل لم أزل ، حتّى هذه اللحظة ، أحترم النظرة الأنثوية العنيدة المطبوعة فوق عينيك البنيتين الخافتتين ، وأنت تسمّي كلّ هذا الهراء الأمريكي بأسماء مزيّنة بالبرق والرعد السماوي ؛ ومهما بالغت وأفرطت ، فسوف تظلّ رجلاَ متنكّراً بزيّ امرأة جامحة النهدين ! .

بين ظلال المساء ، تدلف خفيفاً إلى أسواق ( الوول مارت ) ، بخطى مندفعة ، وملامح متوتّرة ، ومظهر غريب ، تصرّ فيه على ارتداء سروال نسائي داخلي ، وقميص من الشيفون البنّي الرقيق يكشف كل نحر صدرك الأبيض ، ومسفراً عن ساقين عاريتين طويلتين ، ناعمتين كساقي الأنثى . وفوق شفتيك ترسم الطلاء الأسود ، وفق الموضة المولّع بها . تمضي في الأسواق من دون اكتراث ، تتفادى النظرات الفضولية الواخزة من حولك بشيء من الاستياء . تقصد مباشرة جناح المنظفات المنزلية ، ثم تدرج إلى جناح القرطاسية ولوازم الرسم ، قبل أن تذهب إلى جناح الزينة الأنثوية ، لتحصل على أظافر جديدة ؛ كم أنت مغرم بتلك الأظافر الطويلة ! وبين وقت وآخر تسعى لامتلاك المزيد من الفراشات المحنّطة النادرة ، الوحشية الألوان .
في طوافك هذا ، كنت تراقب الشبّان ، من طرف خفي ، تتحرّك عيناك ، وتدوران بحثاً عن من يروق لك منهم ؛ في الأسواق يمكن للمرء ملاقاة الكثير منهم ، وأنت بأمسّ الحاجة إلى أحدهم . وعندما تغادرها ، تذوب في الظلام خفيفاً ، مثل ظل مرتبك ضائع ، كما يضيع عصفور ، منتوف الريش في قلب شجرة فيحاء .
دأبت تخرج وتعود بوجه مغتمّ ، متلاطم الملامح ، متوخياً الحذر والاحتراس .غالباً ما تكون متيقّظاً ، مخافة سهام الآخرين . هجرت ذويك ، لأنهم لم يستسيغوا أسلوب حياتك وطقوسك ، وسئموا تحوّلك الذي يجعل منك أشبه بعروس تتحرّق شوقاً لملاقاة عريسها الغائب ، وآليت أن تقطن بعيداً عنهم ، متستّراً بالعزلة ؛ وها هي أمارات الوحدة تلوح على صفحة وجهك دائماً . فلا غرو أن تبني عزلتك على التكتّم والصمت . إن المعاناة الصامتة مؤلمة يا ديلان .
من الغريب حقّاً ، إنك تحظى بسمعة طيبة بين جيرانك :

« ولد لطيف ورقيق .. رقيق إلى الحدّ الذي انصهر فيه كيانه وصار أنثى ! » . هكذا كانوا يقولون عنك . وكنت أنت تمرّ من أمام عيونهم المبهورة مثل ساحرة ظريفة المظهر والسلوك . الكثير من الناس الذين تلتقي معهم يقعون في حيرة من أمرهم ، أيخاطبونك بالتذكير أم التأنيث ؟ ولكنهم ما أن يتشمّموا عطر الخزامى وهو يضوع من نحر نهديك ، يمضون في مداعبتك كأنثى سهلة المنال .

ولأجل تأطير صورتك الغريبة بالدهشة ، شرعت بزيارة أستوديو ( Leviticus ) الشهير ، قبل بضع سنوات . وفي نهار كل يوم سبت ، كنت تتمدّد فوق أريكة من أرائك الأستوديو لغرض غمر جسدك بفيض من الوشوم ، حتّى نجحت بتغطية ظهرك بحزمة من أشجار النخيل ، والنسور ، والسهام الطائشة . وعلى طول فخذك الأيمن وشمت نبات الفطر الكبير ، رمز الغموض والنمو ، وكل ما يحمله من دلالات عميقة أخرى في التحوّل والتغيير ؛ وهنا بيت القصيد ! . إن جميع أقرانك من المتحوّلين جنسياً ، يتدرّعون بغلالة كثيفة من هذه النقوش ، وفي الليالي التي يحتدم فيها الشراب والرقص ، تجد أنهم لا يسترون أجسادهم بشيء عدا تلك الخطوط الخضر والزرق المتشابكة بجنون . وتحاول التمسّك بقوّة صورتك عبر الانغماس مع هؤلاء في جميع أنشطتهم وأماكن تجمّعهم ، وبينهم يمكن أن يضيء وجهك بابتسامة حمراء تحجب أضواء القلق التي ما انفكّت تلمع في عينيك .
الكثير من المتاعب والضيق لاحقت خطاك ، كم من الشبّان السود ، والبيض لم يتورّعوا عن التحرّش بك ، وأنت تتحاشاهم كالبنت الوجلة ، ولكنك سرعان ما تغرق في الحرج . كنت تذهب وتعود نحيلاً ووحيداً سارحاً في أحلام اليقظة . تتحرّك في احتراس وخشية ، وأنت تهاب قسوة العالم من حولك ، وتتهرّب من الفضول المرضي . إن السهوم ، وهذا التجهّم المطبوعان في سحنة وجهك معاً لا يوحيان بأن السلام والطمأنينة تغمر قلبك ، في حين أن الصمت الدائب يترك أثراً غائراً في مقلتي عينيك .
كإنسان ، من السهولة بمكان أن تتبيّن نظرات الازدراء التي تجهر بها عيون البعض . لم تكن تلك الأنظار تدعك وشأنك في أي وقت ، وهي تخترق بقسوة كل ما هو أنثوي فوق جسدك ، تحاول أن تمزّقك ، وتسلخك ، إلّا أن كل ذلك يدفع بك إلى التمسّك الحميمي بأنوثتك . أنت في الثالثة والعشرين من عمرك ، متحمّساً إلى تلك الكيفية التي رغبت بها ، وتستمدّ من نبات الفطر المرسوم على جسدك الأمل الكبير بأن تكون ملاكاً سعيداً ، تعيش منسجماً ومتناسقاً مع العالم الذي يحيط بك .
العديد من النسوة الكبيرات في العمر ، يرمقنك بعيون الحنو والعطف ، وهن يتمنين على الجميع أن يشملونك بالرفق ، كما لو كنت حيواناً ضعيفاً غير مؤذٍ ، يتحتّم حمايتك من أذى الحيوانات المفترسة الأخرى .
على أمل أن يبتسم لك الحظ ، كنت تتجوّل هنا وهناك ، وقد عاشرت بعض الشبّان والرجال من البيض والسود ، قبل أن تصادف ( ظافر ) ذلك الشاب العربي الأسمر الذي غرقت في لجّة غرامه . مع ( ظافر ) ابتسم لك الحظ بإشراق حقيقي .
سرعان ما اكتشفت مقدار شفّافية ووضوح ( ظافر ) حين ذهبت لإصلاح مصابيح عجلتك . أدخلك ( ظافر ) إلى ورشته ، وهنالك فتح عينيك على فصل جديد ، مبهر ، من فصول حياتك . كان أريحياً وسمحاً معك ، حتّى غادرته منتشياً ، والبشر يرفرف على محيّاك .
بلا ريب ، إن ( ظافر ) ملاك أسمر ، يزخر بالفتوّة . وقع في غرامك حالما وضع أصابعه على المصباح الخلفي لعجلتك . وعشقته أنت لأنه خير من رسّخ في أعمق أعماقك إنك أنثى بحق ، وما أعذب معاشرته . بات صديقك الذي لا يفتأ يكرمك ويحنو عليك . في الأيام التالية رحتما تتواعدان على اللقاء ، كل ليلة سبت ، للشرب والسهر في بار ( Gay 90s ) في وسط مينيابولس الصاخب ، حيث يتقاطر المثليون ، من كل حدب وصوب ، في حلاوة ، وشعشعة تخطف الأبصار .
حين يدلف ( ظافر ) إلى البار ، عند الساعة الثامنة مساءاً كعادته ، يندسّ لفوره بين الجموع المكتظّة ، وقد زاغ بصره تماماً ، تهتزّ عيناه وتكاد تستمني من فرط الإغواء . يظلّ يتنقّل بنظره يميناً وشمالاً ، مأخوذاً بالمشهد الأنثوي الفاجر ، وقد بدأ الخدر السريع يدبّ في أوصاله جراء سحر الشذى الذي يأسر اللب ويخلبه . ما يلبث أن يتحرّش بهذا وذاك ، وهو أشدّ استثارة ورغبة . كنت تغار عليه كما تغار الفتاة على عشيقها ، تتحرّق شوقاً لموعده ، وتحسّ بالقلق يدبّ في قلبك لفرط حرصك عليه . وأمسيت عاهرته أمام الملأ ، بل أنت تتباهى على الدوام وتخبر أصدقائك قائلاً : « إنه شاب يمتلك حرارة عجيبة ، وسلاحه فتّاك إلى درجة يذيب حتّى حديد السرير » . يبتسم لك أحد الأصدقاء ويسأل : « وهل هذا السلاح يشبه بنادق الأمريكان ؟ » .
في مكانك المعتاد ، تجلس منتظراً بسترة الموهير الأسود ، الملطّخة ببقع بيض شاحبة لبتلات زهرة الجاردينيا ، وأنت تلقي برأسك إلى الخلف مرتخياً ، ومستسلما ، وقد تفجّرت ألوان الزينة اللعينة على وجهك الجميل . ما إن يدنو ( ظافر ) منك ، تتهلّل أساريرك بالفرح ، وتتّقد في صدرك شرارة الحياة . كان يلهمك الكثير من الإحساس ، بل وتنتابك الحكّة الجارفة لرؤيته في الحال . تشرع باستعراض أصدقاءك الجدد أمام ( ظافر ) ، وتخبره قائلاً بطلاقة محيّا : « أنظر يا ( ظافر ) ، جميعهم طلبة جامعيون » . وكثيراً ما كان ( ظافر ) يلتفت صوبهم ويخبرهم على نحو فاسق قائلاً : « ديلان فتاتي الصغيرة ، إنها لا تفهم في العهر كثيراً ، أنا شخصياً أكثر عهراً منها » . يضحكون جميعاً ، قبل أن ينغمسوا في الصخب .
يتوافد المثليون إلى البار ، ويفجّرونه ببهرجة زينتهم . وما تلبث الأضواء أن ترمش بجنون وهي تنصت إلى الأغنية العذبة ( أرقص لوحدي ) التي تصدح في الحال . ينهض الجميع راقصاً ، وقد احتضن بعضهم بعضاً . وينتشي ( ظافر ) وهو يرمي بمنقاره نحو سقف البار ضاحكاً .، وقد فاضت دواخله بالسعادة . وفي لحظة تلتقي أيديكما بحرارة ، وتهرعان إلى حلبة الرقص ، وكل منكما أشبه بطائرة شراعية تحلّق بأجنحة من هواء ناعم ، في كبد سماء يزيّنها قمر أمريكي أزرق . كانت النجوم المتكسّرة تسقط فوق وجهيكما ، وتشرعان بالضحك من دون سبب . ترتمي فوق عنقه ، بينما هو يمرّغ نهديك المسكينين بكلتا يديه ، ويشعل جميع مصابيح غرف النوم الحمراء في داخلك . وعلى الرغم من دفقات السعادة ، فإن عبارات الضياع تنفرط من لسانك غفلة .
في إثر ساعات من القصف والعربدة ، تمسك بيد ( ظافر ) وتغادران معاً ، وأنت تنزع عينيه عن أولئك الفتيان بقوّة ، قبل أن يعمي السكر بصره . تهرعان في الحال إلى مسكنك ، وتستحمّ على عجل ، لتخرج من الحمّام بثياب نوم نسائية ورديّة ، تنضح بالسحر المثير ؛ ثم تلقيان بجسديكما فوق السرير ، حيث الملاءات والأغطية تسبح في الخزامى الحي . فوق السرير ، يبدأ وجهك المجهد ينبسط في غبطة ، بينما يأخذ ( ظافر ) بتدخين الماريجوانا ، يمتصّ نفساً ، ويزرع طرف السيجارة بين شفتيك لتأخذ أنت نفساً آخر . وبعد دقائق تنتشي وتستغرق في الضحك ، وكانت فراشاتك المحنّطة ، التي تعلو الجدار المواجه للسرير ، ترفرف بفرح ، وتهتزّ كما لو أنها غارقة في رحيق الزهور . لا شكّ أن ( ظافر ) وسجائره يأخذان بيدك في رحلة سحرٍ عبر الكون ، حالمة ، ومترعة بالفرح .
فوق السرير ، تتابع أنفاسكما ، وأنتما تنهجان مثل ثورين مطاردين ، تصرخ ، وتنتحب ، وثمة سحابة صفراء تغيم فوق بصرك ، وسرعان ما تبدأ بفقدان وعيك . يجنّ ( ظافر ) وهو يشاهدك على هذا القدر من الانهيار والتلاشي ، وينظر إليك من تحته في شغف كما لو كنت نسخة حيّة من فراشة ورديّة نادرة ، فيمسك بالزهرة المرتعشة بين أصابعه ، ويذرف فوقها أحرّ الدموع . إن النهر رائق ، ودافئ ، وعميق ، يخوض فيه ( ظافر ) إلى حدّ الركبتين ، محمحماً بصوت يهزّ الضفتين .. يخوض ولعابه يتصبّب على ذقنه ، مثل رضيع يعبّ من ثديٍ . لا تتردّد من أن تخبر أصدقاءك في زهوٍ ، قائلاً : « إن ( ظافر ) هذا أستاذ حرفة صارم جداً في الفراش ، يمسك بك في أعلى السفح ، وينحدر معك إلى قاع الوادي ، وأنت مغمض العينين ، في حماوة واهتياج » .
عندما تنالان قسطاً من الاستراحة ، سرعان ما تعاودان لعب دوريكما ، وتستنزفان عصير الليل الأحمر حتّى آخر قطرة منه ، وفوق ذلك السرير الملتهب ينهمر العرق العاطفي الغزير .
أنت تلجأ إلى ( ظافر ) في ثقة مبعثها أن لا أحد غيره بوسعه إطفاء نيران الشهوة في أعماقك ، كما يفعل هو ، على الرغم من عفونته ، ورماد سجائره الذي يتبعثر في أرجاء الغرفة . وحقيقة إنك تعثر على السعادة بين يديه ، ولكن لا أحد يستطيع أن يؤكد أنك سعيد في أوقاتك الأخرى .
في آخر الليل ، تستلقي منهكاً ، بوجه شمعي ، يماثل وجه فتاة عليلة . تجثم في سريرك صامتاً ، لا تحرّك ساكناً ، تنصت إلى نبضات الألم الذي يتحرّك صاعداً مرّة ، ونازلاً مرّة أخرى في المستقيم ، وقد تعكّر صفو أمعائك ، حتّى تخلد إلى النوم .
في ضحى اليوم التالي ، تفتح عينيك على العظام المتيبّسة ، والأطراف المتشنّجة ، وتشعر كأنك قطعت البلاد سيرا على الأقدام في الليلة السالفة . من حولك ، أعشاب الرغبة شاحبة ، ومنكفئة على أرض الغرفة ، وفوق الجدران تنظر إلى فراشاتك النادرة ، الثمينة ، المحنّطة ، لتراها جامدة لا تقوى على الحركة أو الرفيف . وتحت وسادتك تندسّ خمسة عصافير خضر ، تركها ( ظافر ) قبيل مغادرته . الآن ، أمامك سبعة أيام أخر ، عليك أن تنتظر انقضاءها ، حتّى تلتقي ( ظافر ) مرّة أخرى ، وهذا موعد ثقيل وطويل بالنسبة لشخص متشّهٍ ، ومتعطّشٍ ، وشغوف ، لا يقوى على طول الانتظار .. الانتظار من سبت إلى سبت مضنٍ ، وشبه مستحيل . ولذلك ما تلبث أن تخرج صوب الأسواق القريبة من مسكنك ، زاحفاً زحفاً دودياً ، بملابسك الجريئة ، ومجوهراتك المثيرة ، والدم في جسدك يثور مغنّياً ( أرقص لوحدي ) ، فتخترق الظلام بقميصك الذهبي المذعور ، لعلّك تصادف أحداً يروق لك .

◙ ◙ ◙ ◙

عندما أبحث عن التعاطف الحقيقي مع شخصك ، لا أعثر على من يتعاطف معك سوى أولئك الزائفين . إن المعاناة في حياتك هذه أمر لا مفرّ منه ، وعلى الرغم من قصر عهدها ، إلّا أنها زاخرة بالصدمات ، والمرارة ، والكثير من الفخاخ ؛ وكم من المحتالين والمنحرفين طاردوك ، وأنت تعذّب أحلامهم ، وتشعل النار في قلوبهم ، ربما بسبب هذا تبقى خطاك مرتبكة وحذرة على الدوام ، وهي تمضي على سلك مشدود بين الذكورة والأنوثة . وها أنت لا ترعوي من دفن نفسك في خضم الكحول والمخدرات ، بعيداً عن بأس العالم وفظاظته .
الحياة سريعة ، أليست كذلك ؟ . إن كل ما تملكه اليوم من ثمار نضرة ، سوف يحين موعد ذبولها وجفافها . ما إن تمر بضعة سنوات آخر ، حتّى تتجرّد من الإغراء والإثارة . أنت لست ساعة سويسرية الصنع تعمل بدقّة ، واستمرار لوقت طويل من الزمن . بلا ريب أن نعومتك ، وجمالك ، وقوّة استجابتك في الفراش ، سوف تتلاشى وتضمحل في أحد الأيام ، وحينذاك لا أعلم كيف ستكون .. لا أعلم ما أنت فاعل فور نضوب كل هذه الفورة العاطفية غداً .
قد يبدو الأمر سهلاً في التحوّل والتغيير ، ولكن الحياة صعبة ، بل صعبة جداً وفق هذا الطراز ، وإحدى الحقائق الثابتة التي لا يمكن أن نغفلها ، إنه في عالم الفاكهة ، قليل جداً أولئك الذين يحبون تذوّق الثمار المطعّمة . ما من شكّ أن قلبك مفعم بالدفء ، ولكن الناس لا ترى سوى قشعريرة البرد وهي ترتعد فوق جسدك النحيل .

◙ ◙ ◙ ◙
إنك ترى أنني لم أقل ذلك .. جميع الحكايات البائسة ، والنميمة المخجلة ، التي تداولها أصحابك ، ومرّغوا فيها سمعتك ، غفلتها أنا ، ولم آتِ على ذكرها قطعاً . الكلام طويل ومؤلم يا ديلان ، والحكايات يستعر أوارها ، لا سيّما عندما يسافر ( ظافر ) إلى بلاده ، ويتركك وحيداً ، مهجوراً لشهور عديدة ، تعاني حرقة العطش ، فتذهب متنقّلاً من ذراع لأخرى ، تريد أن تشفي غليلك .
كثيراً ما تتقلّب في فراشك ، وتسرح في خيالك ، وتحاور ذاتك بطريقة تأمّلية ، وأنت تعمل النظر في حالك الذي عليه . تسترجع الكثير من الأفكار والصور التي تستثير حفيضتك . وفي دقائق ، تحلّ الخواطر الغريبة في ذهنك . لقد ذهب بك التوهّم إلى أن تصير امرأة ، وبذلت المستحيل لأجل ذلك ، ولكنك غالباً ما تهمس قائلاً لنفسك بكدرٍ : « ثمة شيء ناقص بالتأكيد » . تتحسّس أسفل بطنك برفق ، وتفكّر بأنك لا تملك رحماً يملأ جوفك مثل جميع النساء ، وهذا ما يحرمك من إنجاب الأطفال حتّى آخر العمر ، فينتابك الأسى ، وتشعر أنك سوف تحيى كما تحيى المرأة العاقر ، وحيدة ، ويائسة . وعند هذه النقطة الحرجة بالذات ، تصحو تماماً على نفسك ، وتدرك أنك لست امرأة ، ولا رجلاً أيضاً ، بل ولا أحداً حتّى .
فأيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منيسوتا ــ كانون الثاني ــ 2025



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاطون بالشمس ، وعندنا قمر
- الإبداع الجغرافي في قصص جاك لندن
- آيسبيرج سليم ( ١٩١٨ ١٩& ...
- الخيال الحضري وأدب الشوارع
- فضاء السجن في رواية لا رياح ولا مطر لمحمود يعقوب
- كوبو آبي في رواية ( المعلّب )
- ( جواد طليق في سهوب الشعر ) مع الشاعر العراقي الخلّاق جواد غ ...
- محاسن الذكريات في النص السردي رواية - الطريق الذاهب شرقا - ل ...
- ( أتفهمني ؟ ) ـ قصة قصيرة
- حاملة الرسالة ــ قصة قصيرة
- قراءة كاثوليكية لرواية ( الأبله الرائع ) .
- عبد الرزاق قرنح ، الذهب الأسود
- دانيال خارمس ـ عبقري الهذيان . محمود يعقوب
- حكاية هاروكي موراكامي مع جائزة نوبل
- ( مِستَر 5 ٪ ) قصة قصيرة محمود يعقوب
- الساموراي والمثلية الجنسية محمود يعقوب .
- من طعن - ابن المقفّع - ، كليلة أم دمنة ؟ قصة قصيرة محمود يعق ...
- هاروكي موراكامي في مذكرات أسفاره . محمود يعقوب
- أن تقرأ ( الأمريكي القبيح ) في العراق . قصة قصيرة
- المزامير قصة قصيرة


المزيد.....




- الأنبار.. خطاطون وفنانون يشكون الإهمال وقلة الدعم
- مصر.. زواج فنانة مصرية شهيرة من رجل أعمال إيطالي
- جوزيف عون: جميع الطوائف اللبنانية لها حق التمثيل في الحكومة ...
- الساحة الفنية المغربية تودع الحسن بلمودن أشهر عازف للرباب ال ...
- كتاب جديد للكاتبة والشاعرة المصرية د . منى نوال حلمى
- قصيدة-لأنى أحبك- القصيدة المركزية والتى سمى بها ديوان النثر ...
- انطلاق منافسات الفجيرة لعزف البيانو
- الجديد كله “هنــــــــــــا” .. عبر تردد قناة بيروت أفلام ال ...
- الأنبار.. خطاطون وفنانون يشكون الإهمال وقلة الدعم
- -الهبة العليا- لباولو كويلو تنطق بالروسية


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !