|
توماس فريدمان وإرشاد مانچي: وجهان لقبح واحد
صالح سليمان عبد العظيم
الحوار المتمدن-العدد: 1791 - 2007 / 1 / 10 - 11:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توماس فريدمان وإرشاد مانچي: وجهان لقبح واحد
يعمل توماس فريدمان في جريدة النيويورك تايمز الأمريكية، وهو لا يترك صغيرة أو كبيرة في عالمنا العربي والإسلامي إلا وتناولها، خصوصاً سلوكيات البرابرة المسلمين بعامة، والعرب الأجلاف أمثالنا بخاصة!! في عموده الأخير بتاريخ الثالث من مارس 2005، يستبشر فريدمان، بعد طول التشاؤم الذي لحق به منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بمستقبل العالم العربي، وامكانية تطوره وتقدمه، حيث يشير إلى نجاح الانتخابات العراقية، وسقوط الحكومة اللبنانية، وبدايات الإصلاح السياسي المصري!! والأهم من كل ما سبق بالنسبة لفريدمان هو مطالبة العديد من الشباب العربي والمسلم في أمريكا له بالمزيد من الكتابة حول أحوال الديمقراطية في بلادهم العربية وسبل تدعيمها. ويرى فريدمان أنه قد آن الأوان لأن يغير الأمريكان نظرتهم نحونا بوصفنا محطة لتزويدهم بالوقود، وأن يعملوا على تحقيق أمانينا في الحياة الحرة، التي منعنا حكامنا المستبدون من الوصول إليها وتحقيقها. وتشمل هذا الحياة الحرة الكريمة، وفقاً لفريدمان، تحسين معاملة النساء، وتغيير خطب المساجد، وتعليم قيم التسامح، وبشكلٍ خاص نحو الآخر الأمريكي/الإسرائيلي.
ينتقل فريدمان بعد ذلك إلى الهدف الرئيسي من مقالته، حيث يمنحنا مثالاً لهؤلاء الشباب المسلمين/العرب الجدد الذين قابلهم في أمريكا، والذين يطالبونه بالمزيد من الكتابة عن الديمقراطية في بلادهم، وهو مثال الكاتبة الكندية المسلمة، على طريقتها الخاصة، ذات الأصول الهندية، إرشاد مانچي. ومن وجهة نظره، أن مانچي تقدم لنا نموذجاً شجاعاً خاصاً بإصلاح الإسلام من خلال كتابها ذائع الصيت "الخلل في الإسلام: دعوة إلى الصحوة من أجل الأمانة والتغيير" الصادر أواخر عام 2003.
علينا أن نلاحظ هنا أن فريدمان قد انتقل من حديثه السابق عن هموم العالم العربي والديمقراطية وأوضاع المرأة، إلى الإسلام مباشرةً، ومن خلال مثال إرشاد مانچي، صاحبة الإسلام التفصيل إذا جاز اللفظ. علينا أن نلاحظ أيضاً أن فريدمان لم ينتقد سلوك أمريكا والغرب في المنطقة العربية، كل ماقاله فقط هو ضرورة تغيير النظرة الأمريكية نحو العرب ومساعدتهم على تحقيق أمانيهم، وطموحات شعوبهم، أما تاريخ الولايات المتحدة في المنطقة العربية وعلاقاتها مع حكام المنطقة وأنظمتها الرجعية، والمساعدات التي لم تنقطع يوماً عن اسرائيل، كل هذا التاريخ قد تم مسحه بجرة قلم، وتم القفز مباشرة إلى الإسلام بوصفه العقبة الرئيسية في وجه تطور المجتمعات العربية؛ فحينما يتم كنس التاريخ يصبح كل شيئ مباح، بما فيه إرشاد مانچي.
ولدت مانچي في أوغندا عام 1969، وهاجرت مع عائلتها إلى كندا في 1972، حينما قام الرئيس الأوغندي عيدي أمين بطرد الجاليات الآسيوية من بلاده. وفي كندا طُردت من المدرسة الإسلامية وهي في سن الرابعة عشر، حيث واصلت تعليمها في مدارس كاثوليكية، ثم تخرجت من جامعة بريتش كولومبيا، وكانت الأولى على دفعتها حيث نالت وسام التفوق من الحاكم العام لكندا. عملت بعد ذلك في التليفزيون المحلي الكندي، الأمر الذي منحها ذيوعاً وانتشاراً كبيرين، كما عملت في إحدى الصحف الكندية. وفي أواخر عام 2003 نشرت كتابها السالف الذكر الذي أكسبها قدراً كبيراً من العالمية، حيث نُشر الكتاب بلغات عديدة في الكثير من دول العالم التي شملت كندا، وألمانيا، وأمريكا، وانجلترا، وأيرلندا، وهولندا، وبلجيكا، واسرائيل، والنرويج، والدانمارك، والبرازيل، وأسبانيا، وتركيا، وفنلندا، وأستراليا، وفرنسا، وايطاليا، وفي مقاطعة كيبيك الكندية، وفي باكستان، كما أنه متاح مجاناً باللغة الأوردية، وبعربية ركيكة على موقع السيدة إرشاد على الإنترنت http://www.muslimrefusenik.com . وقبل الحديث عن الكتاب وموضوعه ومدى أهميته، لابد من لفت انتباه القارئ العربي إلى ذلك العدد الضخم من الترجمات لكتاب أقرب ما يكون إلى السيرة الذاتية، والأهواء المسكونة بالمرض والهوس العقلي. كما ينبغي أن نلفت نظر القارئ إلى أن أغلفة الترجمات المختلفة لهذا الكتاب جاءت كلها موسومة بالعداء السافر للمسلمين، والتنميطات القذرة لهم. فغلاف الدولة العبرية يحمل باباً حديديا مغلقاً بقفل غليظ، وغلاف الطبعة الدانماركية يشير إلى مجموعة من النسوة المحجبات وراء سياج أقرب للسجن، وغلاف الطبعة البرازيلية جاء يحمل عين إمرأة منقبة...إلخ من هذا الهوس الغربي بمسألة المرأة المسلمة.
يبقى السؤال لماذا اختار فريدمان إرشاد كمثال للتفاؤل، ولماذا احتفي الغرب بهذا الكتاب التافه بمثل هذا الهوس المرضي؟ لا يقدم الكتاب جديداً، ولذلك قاطعته، وخيراً فعلت، الجالية المسلمة في كندا. فصاحبته سحاقية تحاول أن توجد تفسيراً دينياً خاصاً بها نحو المثلية الجنسية، كما أنها كتبت كتابها في ظل مشاعر عدائية ليس فقط ضد المسلمين والإسلام والعرب والقرآن، لكن هذه المشاعر امتدت إلى ذويها وبشكلٍ خاص إلى أبيها الذي كالت له طوال الفصل الأول من كتابها مشاعر الكراهية والحقد، بحيث لم تذكر أى شيئ إيجابي يتعلق به وبتربيته لها.
تقول إرشاد "كيف يمكن التوفيق بين المثلية والإسلام؟" فأنا سحاقية بصراحة. وأختار "الإفصاح" عن توجهي الجنسي لأني بعدما نشأتُ في بيت تعيس برعاية أب يحتقر الفرح، لستُ الآن بصدد تخريب الحب المتبادل الذي يمنحني البهجة في سن البلوغ... وبالتالي فان مسألة ما إذا كان بمقدوري أن أكون مسلمة وسحاقية في الوقت نفسه بالكاد كدَّرتني. فذاك دين وهذه سعادة. وكنتُ أعرف أيهما أحتاج أكثر." حتى والدتها لم يأتي ذكرها إلا في إطار ضعفها، واستسلامها، لم تذكر إرشاد كفاح أبويها أو تربيتهما لها، كل ذلك ذهب أدراج الرياح من أجل الزج باسم الإسلام ومهاجمته، في نفس الوقت الذي تصر فيه على إسلامها. وأغلب الظن أنها لم تحتفظ من الإسلام سوى بالإسم فقط من أجل تعظيم نجاحاتها، وحتى تجد من يشير إليها كمثال للمسلمين الجدد في الغرب كما فعل فريدمان، وربما يكون ذلك هو التفسير الوحيد لإدعائها بأنها مسلمة حتى الآن.
تركز هرطقات إرشاد على ثلاث نقاط أساسية تتمثل في قضايا المرأة في العالم الإسلامي، ومعاداة السامية، والرق في الإسلام، وهي في كل ذلك تستخدم منهجية التعميم بشكلٍ مفرط بدون الاستناد إلى أية حقائق تاريخية، كما تتميز بالإنتقائية المفرطة، مثلها في ذلك مثل الليبراليين الجدد في عالمنا العربي المعاصر. فمن أولى صفحات كتابها، تكيل المدح للإمبريالية البريطانية في أفريقيا، وتتهم المسلمين الآسيويين بتحقير السود، كما تشيد بدور بريطانيا الاستعمارية في تعمير أفريقيا، وهو نفس الدور الذي قامت به بشكلٍ كببير نحو تأييد اسرائيل بشكلٍ أقل ما يُقال عنه أنه يتسم بالدونية والاستخفاف بعقول القراء والبذاءة والانحطاط النفسي. ففي ظل وجود بعض الأقلام اليهودية التي تدين سلوكيات الحكومة الإسرائيلية الإجرامية نحو الشعب الفلسطسيني، لا تجد إرشاد سوى تأييد اليهود، واتهام العرب بالإمبريالية.
لاتقف إرشاد عند ذلك فقط، لكنها عندما تتناول فترة الازدهار العربي منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن الثالث عشر، توحي للقارئ بدور حيوي لليهود في الحضارة العربية، والتطورات التي لحقت بها في هذه الفترة. وتختلط تحليلات إرشاد- إذا جاز توصيفها بالتحليلات- بالخلط الشديد، وبالعمومية، وبالتبسيط، حيث تنتقي بعض الحالات ضد المرأة في العالم العربي والإسلامي من هنا وهناك وتعممها على مجمل العالمين العربي والإسلامي، إلى الدرجة التي لم أجدها تذكر شيئاً إيجابياً واحداً عن العالم العربي طوال صفحات كتابها التي تقترب من المائتين والخمسين صفحة. هل يُعقل أن المسلمين يشكلون عشرون بالمائة من إجمالي سكان العالم بدون أن يكون لديهم شيئاً واحداً إيجابياً، فقط كل مالديهم هو رجم النساء، واستعباد الآخرين، وقهر الأقليات، والانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان، وقمع التفكير، والقتل والتدمير والعمليات الانتحارية من أجل الحور العين. من يصدق أن محمد عطا، وفقاُ لإرشاد، قد قام بمهاجمة برجى التجارة في نيويورك، وأن أعضاء حماس يقومون بعملياتهم ضد الاسرائيليين، من أجل الحور العين، أى خبل وأى كتاب هذا يحتاج لمثل هذا النشر وهذه الترجمات في كافة أرجاء العالم الغربي.
تقول إرشاد في إحدى هرطقاتها، وكوابيسها، وهذيانها الجنسي "قال لي ضباط مخابرات في تورنتو يعملون مع خبراء بمكافحة الارهاب في أنحاء العالم أن الإنتحاريين كثيرا ما يرتدون أكثر من لباس داخلي واحد أو يحشون المنطقة الحساسة من جسمهم بالجرائد لحماية أعضائهم التناسلية من قوة الانفجار." لا ندري أى ضباط مخابرات قد أخبروها بذلك، وأى شخص يمكنه أن يفعل ذلك، لقد كان الأولى بالإسرائيليين دعاة الترويج والكذب أن يرددوا هذه الأكاذيب عن طريق أجهزة مخابراتهم.
وفي سبيل إثبات دعاويها الكاذبة تستعين إرشاد بأسماء عنصرية معادية للعرب وللمسلمين، مثل فؤاد عجمي، ونايبول، وتسليمة نسرين، وكنعان مكية. وعلى مايبدو أن العنصريين يستمدون قبحهم من بعضهم البعض في كل وقت وفي كل مكان، ففريدمان وجد ضالته المنشودة في إرشاد، التي وجدت ضالتها الشوهاء في هذه الأسماء السالفة الذكر، وللأسف من خلال بعض الأسماء العربية الأخرى التي بدأت تستقوي علينا بالغرب، وتستعديه على بلادنا.
وما لاتفهمه إرشاد والذين يستقوون بالغرب، أمثال الليبراليين الجدد، أنه لا يمكن أن يحدث التغيير في ظل التحقير الذي نقوم به لأنفسنا، ونتصور من خلاله أننا نتغير، كما أن أى تغيير لن يتم في تصوري الشخصي إلا على أساس رفض الهيمنة الغربية، الأمريكية منها بالأساس، ناهيك عن الإسرائيلية. كان من الممكن تجاهل هذا الكتاب، الذي سوف يذهب مثله مثل غيره إلى مزابل التاريخ، لكن هذا الاحتفال الكبير به من قبل الغرب، والجهات المتنفذة فيه، هو الذي أرقني، وجعلني أعرض بعض تفاهاته، فعذراً للقارئ إذا ضيعت وقته في مثل هذا القبح الغربي.
د. صالح سليمان عبد العظيم كاتب مصري [email protected]
#صالح_سليمان_عبد_العظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|