أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - التحرر (الجزء الأول)














المزيد.....


التحرر (الجزء الأول)


الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


التحرر
رواية
(الجزءالأول )
ركنت ذات ليلة إلى طاولتي وحبري ، وصرت أمرر بريشة قلمي على راحتي يدي ، دون أي مخطط مسبق لإنتاج عبارة ذات معنى ،و ما حثني على هذا سوى التململ والضجر من صمت الحياة الطويل والمكشر عن أنيابه في ظل طغيان لا مناص منه سوى بأمرين : الصمت والعيش كحيوان أليف ، أو حمل السلاح وتصويبه إلى آلته الفولاذية التي قد تبتلعك حتى قبل أن تحظى بفرصة تصويب بندقيتك .
كان ذلك ذات ليلة في أحد الفصول ، و إن معرفة الزمان بدقة غير ذات أهمية طالما أن الفصول كلها متشابهة ،كما الضجر ذاته الذي يقود بك نحو تشكيل الكلمات كتدوين للنفس ورأفة بها .
الشوارع كانت معتمة كعادتها ،وصفير السكون والهلاوس تملأ المكان والأمكنة كلها ،وتمدني بنشوة ناعمة من الوهم المخملي الذي لا يعرفه سوانا نحن أصحاب القلم في حقبة الطاغية الأسدي.
ما أذكره حينها أنني ورغم كل محاولاتي في ألا أكتب شيئا" ذا معنى ،إلا أنه في النهاية وحين تجرأت على النظر إلى راحة كفي قرأت كلمة شعرت للمرة الاولى بأنها هي من كتبتني ولست أنا من كتبها .
كانت الكلمة أشجع مني لذلك أسميتها في ما بعد (العرابة) ،وأصبحت منذ ذلك الحين عرابتي هي( الحرية) .


في اليوم الأول بعد تلك الحادثة ،مشيت بكبرياء غير معهود في طريقي إلى الجامعة ، ومازلت أحتفظ بتلك الكلمة على راحة كفي ، ورحت أدس كفي في جيب سترتي على الدوام حرصا" على الكلمة من ضوء الشمس أو التعرق لا خوفا" من أن يراها أحد ، فقد جعلتني تلك الكلمة بولادتها أدفن خوفي كليا" وأجعله ينصرم مع تلك الليلة المظلمة ، آخر ليالي الصمت اللائذ بالهامش ،أو بالتغزل بالكتب والأشياء التي تكسب للوقت قيمة و تجعل منك بطلا" وهميا" ارتأى بالسلام خيارا" عن كل القصد ،إلا أنه في الحقيقة أنه لم يملك بين يديه خيارا" آخر سواه .
وحين وصلت البهو الأوسع في جامعتنا ثارت الكلمة العرابة على كفي ،ودفعته لأن يقبض عليها بكل قوة ،ثم أن يرفعها نحو السماء و يحرض اللسان على الهتاف بها :(حرية ..حرية).
وحين التفت إلى ضوء الشمس وجدته محجوبا" عنا بقبضات أياد كثر ،تماما" مثلي تهتف للحرية ولإسقاط الطاغية الأسدي ..
كان هذا في ربيع عام ٢٠١١ ..
ولم تتوان قوى الأمن حينها عن محاولة فض التظاهر ،واعتقالنا جميعا" .

قبل أن نتكلم عن المعتقل الحقيقي ،علينا التحدث عن المعتقل الكبير الذي عشنا فيه في ظل حكم الأسد .
كنت أعيش حياة فتاة عادية أو ربما أقل من عادية ،فتاة تخرجت من قسم الأدب العربي، وراحت تنسج الشعر وتكتب روايات فانتازية تجنبا" لغضب السلطة .
كنت واحدة من اللواتي لا تشغل حياتها بالضجيج ،وطغى على نمطها اللون الواحد حتى في اللباس تقريبا" .
الشوارع التي أسلكها كانت ذاتها ،شوارع فقيرة تقتات لبضعة هنيهات على الشمس المتاحة لها ثم تصر ما تبقى من قوت يومها من الجرأة و تفر ببطء متقية شرا" قد يحيط بها في أي لحظة ،في ظل النظام الأسدي .
وكنت أنا واحدة من أولئك الناس الذين كانوا الأغلبية ،فلم يكن متاحا" لي بأن أكون غير ذلك ،مجرد مصححة لغوية ترتاد عملها في إحدى الجرائد الحكومية لتصحح أردأ المقالات ربما كي تؤمن قوت يومها ،فقد كنت أعيش وحيدة في المدينة بعد مغادرتي قريتي وأهلي مخالفة لرغبتهم في بقائي بقربهم وعدم الالتحاق بالجامعة ،و تذرعهم بعدم تحملهم لضغوط أخرى من قبل النظام البعثي ،خصوصا" بعد اعتقال أخي في الماضي بتهمة الانضمام إلى حزب الإخوان المسلمين الذي منعته السلطة البعثية آنذاك وقمعته بكل قسوة وإجرام خوفا" على بقائها في السلطة لكونه المعارضة الأشد تنظيما" وفعالية سياسية ضدها .
ورغم كل ذلك سافرت المدينة لتحقيق حلمي ،أو ربما كمحاولة أخيرة للقيام بفعل متمرد علني ذات يوم أشهره كسيف في وجه السلطة الأسدية التي حرمتني شقيقي ،وجعلتني أعيش وسط عائلة تقتات على الحزن والذكريات والرعب من كل ما يحيط بها .
ما أذكره عن والدتي مثلا"،أنها كانت تجلس كل ليلة تنسج فرضيات عن مصير شقيقي ،ثم تركن إلى الصلاة طوال الليل حتى يبزغ الفجر إلى أن تسقط فوق سجادة الصلاة منهكة القوى مع طلوع الشمس .
ظل ذلك يتكرر كل يوم مع فارق بسيط أن قواها كانت تضعف أكثر عن اليوم الذي قبله وتسقط أبكر فوق سجادة الصلاة ،إلى أن سقطت ذات ليلة وغفت إلى يوم الدين .
أما والدي الذي عاش حياته ذليلا" كسيرا" يلهث خلف أثر أخي من فرع أمني إلى فرع آخر ،بعد أن باع نصف ثروته ليقدمها لضباط وأناس مقربين من سلطة الأسد العسكرية خدعوه بإطلاق وعود عن عودة شقيقي او حتى معرفة أي شيء عن مصيره .
إلى أن أستيقظ ذات يوم ،بعد أن سأم من كل هذا ،وبدا وكأنه قد ولد من جديد ،إلا أنه ولد صامتا" حزينا" على الدوام يحمل في يده منجله كل صباح ويغيب طوال النهار في زوايا مجهولة من القفار الموحش ،ليعود في المساء خرير القوى ،ويطلب مني تحضير الشاي لنا سوية ،لنجلس دون أي كلام بجانب مدفأة الحطب وأحيانا" على صوت عبد الباسط عبد الصمد وهو يتلو علينا آيات من القرآن الكريم .
في تلك الليالي وحين كان والدي يغفو جالسا" ،كنت أنا أجلس وأتفكر وإلى جانبي كتبي المدرسية ويراودني سؤال ملح : بأي سلاح يمكن للإنسان مواجهة الأسد ؟
وظل هذا السؤال يراودني إلى ان عرفت إجابته بعد حين ..



#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمع (كاملة)
- ما الذي لم يقنعني في الأديان؟ (محاضرة)
- أزهار أبدية(الجزءالثاني)
- أزهار أبدية (الجزء الأول)
- القمع (٨)
- القمع (٨)
- القمع (٧)
- القمع (٦)
- القمع (٥)
- القمع (٤)
- القمع (٣)
- القمع (٢) منقحة
- القمع (٢)
- القمع (الجزء الأول)
- قم هات عودا-
- سوق السلام
- اعترافات البومة القاتلة
- أحفاد زورو
- الأنثى التي تكتنفني
- قصائد مختارة


المزيد.....




- الشاعر والكاتب وفائي ليلا ضيف برنامج حكايتي مع السويد
- بعيدا عن الأفلام.. كاميرون دياز تتحدث عن أفضل فترات حياتها
- عاجل..وفاة الفنان فكري صادق وموعد صلاة الجنازة عليه اليوم
- وفاة الفنان المصري الكبير فكري صادق (صورة)
- وفاة عرّاب السينما الأميركيّة ديفيد لينش
- أغنية -Sigma Boy- الروسية تدخل قائمة Billboard الشهيرة
- فنانة رقمية سعودية تتخيل ما سيبدو عليه العيش داخل كهوف العلا ...
- مصر.. الفنانة نيرمين الفقي ترصد مكافأة مالية لـ-قاتل الكلاب- ...
- صدمة في بوليوود.. فنان هندي شهير يتعرض للطعن أثناء ردعه متسل ...
- الفنان السوري باسم ياخور يتحدث عن موقفه من العودة إلى سوريا ...


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - التحرر (الجزء الأول)