حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 18:47
المحور:
الادب والفن
تمهيد
هذه القصيدة – وعنوانها: "بطاقة إلى زمن سومري" – منقول نصها بالنسخ واللصق من صفحة الشاعرة وئام ملا سلمان في موقع "الناس" على الرابط:
http://w.al-nnas.com/ARTICLE/WSalman/28pte1.htm
وقد اخترت وصفها وترجمتها لبنيتها الفنية المتفردة التي تعتمد السرد المدهش الذي يتلاحم فيه برد اللحظة الآنية المعاشة مع الذكريات الشخصية لعذابات الماضي القريب وآلامه والذي يجبر الشاعرة على الرحيل إلى عذابات المنفى، ليسافر بعدها إلى الزمن السومري الجميل عبر التماهي مع الملكة شبعاد في أوروك، ليعود ثانية إلى لحظة حرارة ولادة هذه القصيدة التي تتحول إلى جنة فسيحة هي جنّة عالم الشعر الرحيب الذي يصبح هو الوطن الذي يوفر للشاعرة ملاذها الآمن الحقيقي والأخير. موضوعة الشعر كملاذ للشاعر المعذب المحروم تكسب الشعر وظيفة نبيلة هي وظيفة الطبيب الشافي للجروح والوطن الأمين فوق وظيفته الاجتماعية الأساسية السامية في الإمتاع والتنوير.
النص
بطاقة إلى زمن سومري
وئام ملا سلمان
تساقط عليّ
رذاذاً ..
نثيثاً...
وزخات لؤلؤ....
ثلوجاً بلون المرايا
من غير وعدٍ بلقيا
أضيع بكفيك عصفورة
أرغموها الرحيلا
أسكنوا عشها بالشظايا
أرجفتها رياح الشمال
ترى الدفء فيك
عند انطفاء الرماد
احتراق الحروف
امتزاجات خمرك بعد نهار التعب
انشغالات شاعر
تغوص به الكلمات
يكتظ فيه احمرار النبيذ
توجعه الدندنات
وخوف القصيدة ،
لو عسّرت في الطريق
تموت ومن غير صوت
تقول:
انتشلني ،
أعطني إصبعا
خلالك أشعر بالإنتماء إلى وطن
أنت فيه التفاصيل
أيقونتي ،
صرت طيفاً يرافقني عند نومي بعد الوجع
عميق هو النوم بعد الوجع...........
أيا ماضياً للزمان البعيد
رجعت لحجرة شبعاد!
للمرأة الحلم
لسيدة تستفز الرجولة فيك
تسللت ،
عبر امتداداتها
واشتهاء مباح
اشتهاء حرام
بين اشتهائين
غاب اللهاث
وشقّ التفرّد فينا الصباح
تخطـّيتَ عمر الدهور
الشهور ....
كل خلايا الزمان
وجئت إلي بذاك الرقيم الذي قد بقي
رغم اشتعال الحرائق
في باب أوروك
يا سومري التقاطيع
طفل البراري الذي ما كبر
شفيفاً... نقياً
رسولا....
يعمّد بعد الخراب البشر
تداعب قيثارة سومرية
وتسكبها في فمي قبلة سومرية
مفردة من أغنية سومرية
أيقنتُها ........
أحبكِ جدا ....
استفيـــــــقي،
لقد زارني من جديد قديمي
تركت حروبي
وعدت إلى معبدٍ لا رب فيه
حدّدت من جسدي موطنا
يكفي لعرشك
يسمعكِ خفقه ، بندوله
يحاكي التأرجح منكِ
أحبكِ ........
تعالي إليّ....
التحمي في نسيجي ،
أطبقي فوق جرحي
حد التكتل والإعتصار
امنحيني نارا ،
أريني لظى الإنصهار
اتركيني أمارس من غير خوف طقوسي
وها جنتي إليك ، خذيها
ومن دون أي جواز أقيمي .
20 تشرين الثاني 2004
الوصف
سأركز في الوصف أدناه على البنية السردية للقصيدة، وغرضها الرئيسي، فقط، دون التطرق إلى بنية صورها الفنية المدهشة والمبتكرة، والتي تتطلب بحثاً خاصاً.
عندما يقرأ المتلقي التطاريز الأربعة عشر الإستهلالية لهذه القصيدة، ونصها:
تساقط عليّ
رذاذاً ..
نثيثاً...
وزخات لؤلؤ....
ثلوجاً بلون المرايا
من غير وعدٍ بلقيا
أضيع بكفيك عصفورة
أرغموها الرحيلا
أسكنوا عشها بالشظايا
أرجفتها رياح الشمال
ترى الدفء فيك
عند انطفاء الرماد
احتراق الحروف
امتزاجات خمرك بعد نهار التعب
سيتبادر لذهنه أن الشاعرة المغتربة إنما تصف فيه لقاءها فجأة بحبيبها الذي يتنزل عليها كالرذاذ المتلألئ من السماء من غير ميعاد ليشيع الدفء فيها ويواسي غربتها ويمنحها الأمان المبتغى. وفيها تقارن الشاعرة نفسها بعصفورة دمرت الشظايا عشها وأرجفتها رياح الشمال، لتنتشها يد الحبيب المنقذ من محنتها. فكرة نزول الحبيب فجأة على حبيبته كالنثيث من السماء سبق وأن خلدها الأغارقة باسطورة نزول رب الأرباب "زوس" (Zeus) مطراً تبرياً على الملكة "داناي" (Danae) ليلاً ، لينجبها ابنها البطل "فرساوس" (Perseus). [يلاحظ كيفية توظيف الشاعرة الأريب لعلامات التنقيط في نهاية الخرزات بعد المفردات: "رذاذاً (بعدها نقطتان) و "نثيثا" (بعدها ثلاث نقاط) و"زخات لؤلؤ" (بعدها أربعة نقاط) للرسم بالتنقيط تحول الرذاذ إلى نثيث ومن ثم تطوره الدينامي إلى ذروة زخ قوي. يتكرر تكرار اسلوب التنقيط هذا لتوكيد "الطول" أو "الكثرة" أو "الشِّدة" في نهاية عدة أبيات من تضاعيف القصيدة].
ولكن، لا! هنا، نجد الشاعرة تتلاعب بخيط السرد في مستهلها الذكي، لتَشْمُرَ المتلقي بعيداً لوهله، قبل أن تعيده بعدئذٍ إلى بيت القصيد! أين بيت القصيد؟
إنه:
انشغالات شاعر
تغوص به الكلمات
يكتظ فيه احمرار النبيذ
توجعه الدندنات
وخوف القصيدة ،
لو عسّرت في الطريق
تموت ومن غير صوت
إذاً، الشاعرة تجد في رب الشعر - الذي ينثال عليها، كشاعرة مطبوعة، رهواً مثل انثيال زخات اللؤلؤ - حبيباً كريماً وجميلاً ومنقذاً يتكفل بطمأنة انشغالاتها الفنية والإيفاء بإنجاز وضبط دوزان القصيدة ومن ثم اخراجها إلى الوجود كخلق جديد دونما أي تعسر. هذه الانعطافة في خيط السرد هي سمة من سمات التجديد في بنية القصيدة العربية، ووَكَدُها هو الإدهاش وإدامة الترقب. ولكن هذه ليست هي الانعطافة المفاجئة الوحيدة في القصيدة، حيث تنتقل الشاعرة بعد هذا من التحدث بإسمها إلى التحدث بإسم القصيدة نفسها كعاشقة مدنّفة بالشاعرة نفسها؛ تشاركها ممارسة طقوس العبادة والتوحد مع الحبيب حتى انجاز الخلق الفني الجديد و الفوز بالموئل الأمين المرتجى والمتمثل بالقصيدة نفسها.
تقول:
انتشلني ،
أعطني إصبعا
خلالك أشعر بالإنتماء إلى وطن
أنت فيه التفاصيل
أيقونتي ،
صرت طيفاً يرافقني عند نومي بعد الوجع
عميق هو النوم بعد الوجع...........
أيا ماضياً للزمان البعيد
رجعت لحجرة شبعاد!
للمرأة الحلم
لسيدة تستفز الرجولة فيك
تسللت ،
عبر امتداداتها
واشتهاء مباح
اشتهاء حرام
بين اشتهائين
غاب اللهاث
وشقّ التفرّد فينا الصباح
تخطـّيتَ عمر الدهور
الشهور ....
كل خلايا الزمان
وجئت إلي بذاك الرقيم الذي قد بقي
رغم اشتعال الحرائق
في باب أوروك
يا سومري التقاطيع
طفل البراري الذي ما كبر
شفيفاً... نقياً
رسولا....
يعمّد بعد الخراب البشر
تداعب قيثارة سومرية
وتسكبها في فمي قبلة سومرية
مفردة من أغنية سومرية
أيقنتُها ........
أحبكِ جدا ....
استفيـــــــقي،
لقد زارني من جديد قديمي
تركت حروبي
وعدت إلى معبدٍ لا رب فيه
حدّدت من جسدي موطنا
يكفي لعرشك
يسمعكِ خفقه ، بندوله
يحاكي التأرجح منكِ
أحبكِ ........
تعالي إليّ....
التحمي في نسيجي ،
أطبقي فوق جرحي
حد التكتل والإعتصار
امنحيني نارا ،
أريني لظى الإنصهار
اتركيني أمارس من غير خوف طقوسي
وها جنتي إليك ، خذيها
ومن دون أي جواز أقيمي .
من الواضح في "البوح" أعلاه أن النغمة في القصيدة (موقف الشاعرة منها) هي ايجابية على طول الخط، حيث تجمع بين الاحتفالية والفخار والمثالية الرومنسية والنصر النهائي عبر التماهي مع الحب والابداع. في "نشيد الانشاد" الختامي للقصيدة هذا، يذوب عشق الحرية بالفن والجمال وبانتصار الانسان والخلود والعظمة رغم أنف مآسي التاريخ وجراحات الانسان المعذب. فيه يغدو الفن والابداع والجمال مخلداً بفضل عشق الانسان المبدع للحرية. كما يلاحظ أن تدفق المعاني والمباني في هذه القصيدة يحاكي الانثيال الفجائي للغيث. وأخيراً تغدو ثمار انثيال غيث الشعر هذا هو الموطن والموئل والحبيب المجتبى.
الترجمة
A Card to a Sumerian Time
By the Iraqi poetess: Wiaam Mulla Salmaan
Falling upon me, comes
A sprinkle ..
A drizzle …
A shower of pearls ....
And snows in the color of mirrors.
Without a meeting date,
I lose myself in your palms, a bird,
Forced to migrate.
They haunted her nest with shrapnels
The winds of the North made her shudder
She sees warmth in you
As the ashes smother,
The letters burn out,
Seeking blends of your wine after a weary day.
The worries of a poet
Who the words drown
Flush with the redness of wine.
Hurt by hums
And the fear that the poem,
If getting stuck on the road,
Will die, and without a voice,
Says:
Pull me out,
Give me a finger.
Through you I feel belonging to a homeland
Wherein you are the particulars.
Ye, my icon,
You became a dream that accompanies me when I ---sleep--- after pain:
Deep is ---sleep--- after pain...........
Oh, ye distant past of time,
I’ve returned to Shabad’s room!
The woman of the dream
The Lady who provokes the masculinity in you.
I crept in
Through her extensions:
A permitted desire
And a forbidden one.
Between the two desires,
The panting vanished.
The exclusivity in us cut the morning,
You trespassed the age of eons,
The months ....
And came to me with that Tablet that has survived
Despite the raging fires.
In the gate of Uruk,
Ye, with the Sumerian features:
The child of wilderness who has never grown up
Transparent pure.
A messenger …
Who baptizes, after the ruin, the humans.
You caress a Sumerian harp,
And pour it into my mouth: a Sumerian kiss
A piece of a Sumerian song.
I am sure, indeed……..
I love you very much ….
Wake up,
My olden one has visited me again:
I left my wars
And returned to a temple that has no Lord.
I determined from my body a home
Sufficient for your throne,
That makes you listen to its throbbing its pendulum
Simulates the swing from you.
I love you ……..
Come to me ….
Weld in my texture,
Bond upon my wound
Up to agglomerating and quashing.
Grant me a fire,
Show me the fusion’s flame
Let me practice my rituals without fear.
An here is my paradise, take it
And dwell in it without a passport.
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟