أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - طابور العالم الأخر














المزيد.....


طابور العالم الأخر


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 16:14
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة


كان الظّلام ما يزال يَحتض المدينة ويَنشر عَتمته، وكانت الأجواء الباردة تحط الرِّحال، لأن الفصل كان شتاء، ودرجات الحرارة تتهاوى إلى درجات قياسية، بشكل يجعل ظُروف الحياة قاسية لمن لا مأوى لهم من المشردين والبؤساء.
اِستيقظ مُولود مبكرا كعادته، ألقى نظرة على ساعته، تبين له أنها قد تجاوزت الرابعة صباحا بعشر دقائق، اندفع مُغادرا البيت، تاركا خلفه زوجته مستغرقة في نومها، عندما أصبح خَارج البيت شعر برطوبة الجو واِنتابته قشعريرة شديدة نتيجة لسعات البرد القوية فرفع ياقةَ مِعطفه ولفّ وِشَاحه الصُّوفيّ حول عنقه، ثم مضى يَسْتَحِثُّ الخُطى نحو نُقْطةِ بَيْعِ الحَلِيب.
هِيَ مِحنة صباحية يعيشها مِثل غَيره مِن بَنِي جِلْدته، حَيث أصبحت طَقسا يوميّاً يَبْدأُ مع تباشير السَّحر و يَسْتَمِّر حتى مطلع الفجْر، يتكون طابور طويل يتجاوز أحيانا مسافة المَيْل، تَشُوبه عادة المشاحنات والخصومات المتبادلة بين الأضِنَّاء، التِّي قد تَصِل أحيانا إلى تبادل الضَّرب المُفْضِي للجُرح.
عندما وصل إلى نقطة البيع كان الكثيرون قد سبقوه إلى أخد أماكنهم في طَابور الصَّباح، وهم يتدافعون بالمَنَاكِب والمَرَافِق، في اِنْتِظَار ظُهور شاحنة الحليب، تقطع من الزَّمن رَدْحٌ والنَّاس في حالة شرود، ووجهوهم المَكدودَة يبدو عليها التَّجَهُّم والتَّرَقُّب، بَعد طُول اِنتظارٍ جاءت الشَّاحنة وبدأت عَمَليّة البيع، تعالى الصُّرَاخُ وزَادت حدة المناوشات، "شكارة حليب" تُساوي معاناة وألماً، كان مُولُود يحس بدونية غريبة، وغربة قوية بين أهله وذويه، ولديه قناعة أنه مواطن من درجة "بَئيس"، والبؤْس بَند أسَاسِيٌّ في دستور البلد، يُقابله بَنْد الثَّراء الفَاحش الذي تَسْتَأثِر به عُصْبة من كِبار القوم الذين يَتَسَلّون بعذابات أمثاله، ولا يتردّدون في تبذير خيرات البلاد على كل من هب ودب، لهم المغاني الكبيرة وله ولأمثاله الجوع والطوابير، لهم البذخ ونادي العرعر وله ولأهل الفاقة بيوت القصدير وحاويات القمامة، هم يستمتعون "بالبطوشيات" الثخينات غير العفيفات وله ومن على شاكلته الناطحة وما أكل السبع، لهم ريع الغاز والذهب الأسود وله ومعه أحباب الله من المدجنين، الشعارات الرنانة وشماعة "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، و خرافة دعم تقرير مصير الشعوب.
نظر إلى ساعته، مضى من زمن الوقوف ساعتان، والطابور يتحرك بِبطءٍ شديد، كانت تقف بجوره سيدة عجوز لا تكاد تقيم أوَدها، تستند إلى عكاز خشبي، رقّ قلبه لها وأحس بحزن وشجن وهو يراها ترتعش بسبب درجات الحرارة المنخفضة وشدة البرد القارس، سألها بصوت خافت: " أليس لك يا خالة ابن يحُلُّ محلك في هذا الطابور المقيت"، ردّت العجوز بصوت يشوبه الشجنُ : " بلى كان لي ابن، لكنه صار طعاما لسمك البحر الأبيض المتوسط بعد أن ضاق به الحال وفقد الأمل في وطن لا يرحم أبناءه، رغم الخيرات والثروات التي تختزنها أرضه الطيبة".
جاء دوره بعد طول صبر ومعاناة، ابتاع كيسي حليب، ضمهما إلى صدره كطفل وليد، وانطلق يعدو وهو سعيد بما ظفر به، فالأمر جلَلٌ في وطن باع أهلَه، لأنه سدرة المنتهى وغَايَة المرتجى.
دخل البيت وقد تملكه نوع من الخيلاء، وكيف لا وقد ظفر بما عزّ على غيره، حليب مبستر في كيس من البلاستيك، وضع غنيمته في المطبخ وأيقظ زوجته أم السعد من نومها وأبناءه الثلاثة.
محمد محضار 15 يناير 2025



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هرطقات شاعر مسّه الشَّجن
- الجنون الأبيض
- المعادلة الصعبة
- رغم سقوط نظام الأسد مازال بيننا مطبلون
- الفكرة المجنونة
- العشاء الأخير في حضرة دافنشي
- رحلة الصعود
- نص : القطيعة الابستمولوجية
- روائح العصيان
- يوم مبني للمجهول
- ألوان العبث
- افتتاح فعاليات الدورة الثانية لنشاط مؤسسة سعيد الكيال الثقاف ...
- قراءة في كتاب الأستاذة مالكة عسال- الكتابة النسائية بين التح ...
- قراءة في ديوان الشاعرة ميادة مهنا سليمان -قصير فستان صبري-
- تجربة حياة
- قيود الحلم
- الأحلام لا تشيخ
- كلمات الميتة
- رفح سيدة المراثي
- شغف الانبعاث


المزيد.....




- الشاعر والكاتب وفائي ليلا ضيف برنامج حكايتي مع السويد
- بعيدا عن الأفلام.. كاميرون دياز تتحدث عن أفضل فترات حياتها
- عاجل..وفاة الفنان فكري صادق وموعد صلاة الجنازة عليه اليوم
- وفاة الفنان المصري الكبير فكري صادق (صورة)
- وفاة عرّاب السينما الأميركيّة ديفيد لينش
- أغنية -Sigma Boy- الروسية تدخل قائمة Billboard الشهيرة
- فنانة رقمية سعودية تتخيل ما سيبدو عليه العيش داخل كهوف العلا ...
- مصر.. الفنانة نيرمين الفقي ترصد مكافأة مالية لـ-قاتل الكلاب- ...
- صدمة في بوليوود.. فنان هندي شهير يتعرض للطعن أثناء ردعه متسل ...
- الفنان السوري باسم ياخور يتحدث عن موقفه من العودة إلى سوريا ...


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - طابور العالم الأخر