خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8224 - 2025 / 1 / 16 - 10:01
المحور:
الادب والفن
يا دنيا، نحن الذين ذابت فينا الفصول وذابت فينا الأغنيات. نحن الذين تعلمنا أن نكبر قبل أواننا، وأن نحمل في جيوبنا حجارة وحقًا بحجم الكون. نحن الذين ولدنا تحت سماء تئنُّ من القصف، وبين جدران تنطق بالشهداء، ورغم ذلك، بقينا نحلم بلعبة، بزهر يطلع من ركام البيوت، بحكاية تنتهي بلا دموع.
يا دنيا، نحن غزة التي تعلّمت أن تخيط ثوبها من نار وتصنع خبزها من رماد. نحن من عرف أن الليل في غزة لا يعني النوم، بل أنينًا يتسلل من الأرواح، وقلبًا يخفق لكل ضوءٍ في السماء، هل هو نجم أم قذيفة؟
يا دنيا، أوقفوا ناركم، فأنتم لا تفهمون معنى النار. نحن الذين نحملها في أعيننا منذ عرفنا أنفسنا، نار الوطن المأسور، نار الأب الذي غاب، ونار الأم التي أخفت دمعتها حتى لا نحزن. نحن النار التي تتحول إلى ضوء، رغم كل الظلمات.
ويا دنيا، نحن الصفقة. نحن الذين تُباد طفولتنا لتُساوِموا بها، نحن الذين تصير دماؤنا أرقامًا على طاولات المفاوضة، ونحن الذين، رغم ذلك، نبتسم عندما يعود إلينا من زُجَّ في العتمة باسم النضال. نرقص رغم الجراح، لأن الحياة فينا ليست مجرد جسد، بل وطنٌ حي، ونبضٌ يتحدى الموت.
يا دنيا، نحن من قرأنا الأمل في وجوه أمهاتنا، في أيدي آبائنا التي تحفر بلا تعب، في صوت الأذان الذي لم يخفت رغم القصف. نحن الغد الذي لن تهزمه كل جيوش العالم، لأننا صغار بحجم الأرض، وكبار بحجم الحلم.
نحن غزة التي توقفت فيها النار الليلة، لكن الحكاية لم تتوقف. نحن الذين نحلم بما لا تفهمونه أنتم، نحلم بشوارع تُضيئها ضحكاتنا، بأرجوحاتٍ تُحلّق بنا نحو سماء لا تخشى الطائرات. نحلم بوطن لا يُقصَف فيه الصباح.
يا دنيا، قولي لهم: لنا الله. لنا الله الذي لا تخبو رحمته، ولا تنام عدالته. لنا الله الذي يرى ما لا ترونه، ويسمع ما تصمّ آذانكم عنه. لنا الله، وهو كافٍ حين تخلت عنا كل الأيدي، حين أصبحت طفولتنا لعبة في أسواق الظلم.
لكننا يا دنيا، نعلم أيضًا أن لنا الغد. الغد الذي يحمل بين كفيه نورًا أكبر من كل هذا العتم. الغد الذي سيكبر فيه حلمنا مع زهورنا، وسنجعل من ضحكاتنا نشيدًا يُسمع كل من حاول أن يكسر أرواحنا. سنُعيد بناء مدننا التي غابت في الغبار، ونرسمها بألوان الحب لا الدماء. سنُعلّم أطفال العالم كيف تكون القوة في البقاء، وكيف يولد الأمل من تحت الركام. نحن الغد، نحن الأمل، ونحن الذين مهما تكالبت الظلمات علينا، سيشرق فينا الضوء لأننا لنا الله.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟