أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قيس كاظم الجنابي - في حداثة قصيدة النثر عند حكمت الحاج















المزيد.....


في حداثة قصيدة النثر عند حكمت الحاج


قيس كاظم الجنابي

الحوار المتمدن-العدد: 8223 - 2025 / 1 / 15 - 21:26
المحور: الادب والفن
    


-1-
في قصائد النثر التي كتبها حكمت الحاج بعنوان (سفينة الحيارى) الصادرة عن دار لازورد للنشر (د.م ،2002م) بالاشتراك مع شركة فوروم كناية للحوار وتبادل الثقافات(ستوكهولم، السويد)، ثمة إحالة الى حيرة قصيدة النثر بين النص المفتوح وقصيدة الشعر الحر (قصيدة التفعيلة). وقد أشار في العنوان الى أنها (قصائد نثر) في نوع من الإحالة الى هوية النص؛ والهوية هنا لتوكيد جنس النص، وفي البدء لا بدّ من ملاحظة ان مبدع النص هنا، هو أديب عراقي معروف مفتون بالحداثة ومتورط بها حتى حداثتها الفائقة (ما بعد بعد الحداثة)؛ مما يعني انه على وعي تام بطبيعة هذه النصوص من مرحلة ما في تطور النتاجات الحديثة التي تتصف بها الحداثة العراقية، فهو كتب نصوصه على طريقة الشعر،ولم يكتبها على طريقة كتابة (قصيدة النثر) التي تكتب بشكل أفقي يملأ وجه الورقة ، من دون الاسترسال في كتابتها بشكل عمودي، ذلك لأن قصيدة النثر ومنذ نشاتها ليست أكثر من محاولة توفيق بين القصيدة والسرد.[ص145/ قراءة في قصيدة النثر : ميشيل ساندرا، ترجمة زهير مغامس، دار المأمون ، بغداد،2012م].
وهذه واحدة من محاولات التجريب التي تخوضها قصيدة النثر لتصبح قصيدة أو شعراً ؛ وخصوصاً وان الشعر العربي،أو الشعر الحر في الادب الأوربي المتحرر من الوزن والقافية ويمتلك ايقاعه الخاص به من خلال الحركة الداخلية في القصيدة.
الامر الآخر الذي يخص الحيرة ،أن هذه النصوص موضوعها الهوية،أو هوية العراقي المغترب في ظل المتغيرات التي يعيشها وطنه، وكيف يمكن الحفاظ على الهوية في ظلها!
تحتوي هذه المجموعة من تسعة نصوص ، يحمل آخرها عنوان(سفينة الحيارى) التي تحيل الى سفينة النجاة التي تقف حائرة بين الشواطئ، وأولها بعنوان (إنصاف) في إحالة الى غياب العدالة والبحث عن موقف واضح لانصاف المغتربين من أجل الاحتفاظ بهوياتهم، يتكئ نصه الأول بوضح على احالات الى الموروث العربي و ان بقى يحمل انتسابه الى صاحبه من دون الذوبان في تلك الاحالات التي فرضت نفسها عليه.
-2-
في نصه (إنصاف) ثمة محاولة للتمسك بالهوية التي غادرها ويحاول الآن استعادتها بحيرة واضحة، حيرة البعيد عن التل ،والمحتكم الى الصحراء أو الجليد الذي ينتظر حرارة الشمس، حيث تبدو الاحلام اللازوردية قد غادرت الكثير من المواقف ،وبقيت الحيرة مسترسلة مثل رسالة/ حكاية مفعمة بالخيال ، فهو ينتظر من يبعثه رماداً من ترابه كالعنقاء التي تنبعث من ركام الحياة،لهذا يقول:
ثلاثٌ يألفون الظلامُ،
أنتِ والخُلدِ والخفاش
في بلادي
سياج طويل من الوهم
أو من لغز معرفة باطنية
يجعل الانصاف صعباً
لقد رأيت دنياي
من خلال عينيك ثانية
كما أراها الان غريبةً
فأيّ وحشتي فيكِ
يبعثني رماداً من ترابي؟ [ص7]
التساؤل الذي ينتهي به المقطع هو تساؤل عن وضع أزلي / وجودي /سرمدي لا يتوقف، سؤاله مثل سؤال آدم لحواء بعد هبوطهما من الفردوس الى قعر الأرض، يحمل معه حيرة الموقف والاحساس بالذنب من الرحيل، وخوفه من تفكك السفينة، فهو يحمل معه احالات واضحة الى ذاكرة التراث العربي ؛وهذا ما تعرض له جيل الستينات ، حين انطلقوا الى حداثة ما بعد السياب معولين على اللعب بالكلام ،من أجل الانطلاق نحو حدود قصوى من الحداثة، ولكنها تنتكس نحو الماضي في كيفية رسم المشهد الماثل بين القفص الصدري والقميص،وطفولته التي حلقت بين نهدين/نهرين.
ولأن(إنصاف) التي كتب لها نصه هي إحالة رمزية عن اللا انصاف كما يبدو ذلك في نهاية النص ، فانه يتوسل الفقراء المهزومين بالاحالات القرآنية وبآيات النصر الذي لم ياتِ، بينما هو يريدها أن تنتظره عند تخوم الصحراء. فما الذي تعنيه إنصاف هنا؟
يكشف النص الثاني منذ عنوانه عن طبيعة بناء قصيدة النثر ،وهو (ست عشرة طريقة لاصطياد فراشة)، ولكن متنه يبقى كما هو عليه في (إنصاف)، إذ يستعرض الكثير من الصور التي كان يألفها مثل (مرج البحرين ،موسوعة للعذاب، مقهى نسيم، جدران الألوان، العذراء ، الخنازير ، ليل ، خف حنين، والقميص الجسد، الدفاتر القصب)؛ فهو نص عن المنفى اللااختياري،ولكنه هروب الى المجهول، كما يقول:
أن ترميْ بظلك على البحر وتمضيْ
جاعلاً من رأسك خُفَّ حَنينٍ
أن تبحث عن الحرب
في كأسٍ من الحليب صباح أمّك
أن تذهب مرج البحرين يلتقيان
كي تُرتّب موسوعة للعذاب
أن تبكي وأنت تقرأ كيف يدقون
المسامير في أذنيك
وينشرون عظامك
وان تمرّ في مقهى النسيم [ص 12]
هذا النص وما قبله في المجموعة،وما يليه من نصوص تحمل تساؤلات مباشرة أو مضمرة عن مآلات الهوية التي ضاعت بين قسوة الآباء وحيرة السفن والمنافي ، فكيف تعود بخف حنين ،فالاحلام والآمال ،والنص الواضح والمدجن ،والحمل على الاكتاف مثل حمل جثمان مجهول الى مقبرة مجهولة، الجمل المتتالية تشكل جوهر النص وتنقله من الوجع الى ما بعد الوجع، فالماضي صار مجرد أثرٍ يفرض نفسه على نص مكتمل يستوحي قوته من داخله، ويهتز خوفاً ممن حوله ،فحيرته وجودية ومفروضة عليه:
تحت برج الحملْ
أن ترغب في لمسِ فتاة لا تُمسُّ
أمام كاراج الخنازير
ان تترك العراق وراءك ليلى وثكلى
وترحل في شعاب الله تبحث عن مآلك
أن تلبس قميصك الجسد
وتبيع الزّرد [ ص13]
ويستمر في هذا الشك والتساؤل ، حتى يبلغ مرحلة الشك في العودة من هذه الرحلة سالماً.
في (م: آخر فصل الميم) ، أو (موجز حياة ثائر بائر)، تبدو المفارقة واضحة من خلال قدرة قصيدة النثر على التهكم من القارئ وإبراز خيبة المنتج للنص الذي يصف نفسه بالثائر البائر، وقد نتساءل:
- هل تبور الثورات؟
وهو يوظف الحروف ، كما يفعل الصوفي(الحروفي) في استخدام دلالة الحرف،وبالذات حرف الميم ، والكلمات التي ترتبط به، مثل (موجز، موهوم، مختل، ماجن)؛ وعلاقته بحرف اللام،لأنه يليه فحرف اللام هي العكاز والام ، والعكاز إحالة ذكورية الى السلطة،ولهذا تبدو الكلمات التي احتوت حرف الميم قلقة ، مثل( ملكية، الأمور، امه ، منضدة، المساء، كلهم، معطفه، ممشوقة ، مثل ، مدهشة)، وغير ذلك، لهذا يصف الآخر المقترن به،ومن يحمل صفته بأن (قفاهُ مزلاج/وبيته مسرحية)، أو كما يقول:
هو الذي أودع ماله في مصرف يساري
وعند الفجر
أفاق واحتسى الشاي لوحده وخرج
وانقلبت سيارته في حادث
وترجمت ميتته الى جميع اللغات.[ص18]
المفارقة التي تمخض عنها النص، هو فشل اليسار اقتصادياً، فانهارت آمال اتباعه ،وكالعادة تبدو المفارقة من خلال اللغة الوسطى بين الرصانة والتفكك، لغة معبرة ومفهومة ،ولكنها تتربص بالقارئ، من كل صوب.
تلاحقه الخيبة في النص السابق وفي نصه(خذي ما تشائين)، حيث تنتهي بالافلاس ، والنهاية المفجعة ،لأنه ضحى بكل ما حمله النص من احالات الى الهوية وملامح سيرة الوطن التي كان يتمتع بها في بلاده:
خذي العنب
خذي الثلاجة والبراد
وشاي الكوجرات
وطعم الهيل
وأعشاب المساء
ونباتات الظل
وعلبة الفلفل الأسود [ص20]
-3-
أبرز ما تعبر عنه (سفينة الحيارى) هو الرضوخ الى زخم فادح من الخسارات المتتالية، لأن من يفقد هويته يفقد ما تبقى من ذاكرته ، وهكذا يحاول أن يجسد هويته، عبر الاستذكار والاحساس بالخيبة من توالي المفقودات بحيث صار الجلوس في مقهى عراقي أمنية،وهو ما كان يشعر به صلاح نيازي ، كما جسدت ذلك قصائده، بعد هجرته واغترابه، حينما عاد الى توظيف الأغاني الشعبية والامثال والحكايات، لهذا يستذكر حكمت الحاج كما استذكر صلاح نيازي (سوق الشيوخ) و(مقهى كمال) فيقول:
في مقهى كمال،
آخر سيارة تمضي بنا
نحو"سوق الشيوخ". [ص25]
وكذلك يفعل حين يستذكر الموصل (يونس: أحد عشر عاماً لست فيها) في إحالة مضمرة الى علاقة صديقه(يونس) بالنبي يونس ، صاحب الحوت، مستذكراً الكثير من الأمكنة والاشياء والبؤساء ، من أمثال النبي أيوب والفضاءات التي حوله المتعلقة بحركة الانسان:
سلامٌ عليك يا يونس الكلمات
إن متَّ أو حتى كنت عشت
صوتك العابر دجلة بين ساحليه
يشبه الآذان ظهيرة الجمعة
يا قضيب الباب رجعلّي حبيبي
لنزع الفضة وعوف الزنكنة [ص28]
وهو يشير الى ان هذه القصيدة هي رثاء صديق له اغتيل في الحرب الطائفية شتاء2007م، كما انه يقرن ثورة 14 تموز بالثورة الفرنسية في (مشاعل الرابع عشر)؛ بينما يبدو نصه( المتجردة: بضعة أسئلة) لا علاقة لها بحكاية المتجردة زوجة ملك الحيرة، ولكن من الممكن أن ترسم الأسئلة المضمرة صورة لرائحة الخيانةحين يخاطبها:
لا ترشفي تفاح المحارم بالسرّ
ولا تقتلي أجنة الصمت
لا تسألي [ص32]
ثم ينهي النص بقوله:
انهارنا اشتعلت
والله لا يستحي
من الحق [ص 33]
في ضربة سريعة لحسم الموقف ،أما (سفينة الحيارى) فتبدأ بقوله:
أخيراً،
اللون هو اللازورد
والزبرجد سواد العيون
شاخصة نحو السماء
سوداء مثل شرارة ذهبية [ص34]
ثم يرشقها بعدد من التساؤلات بـ(كم) وينتهي بالتعجب،من خلال رفضه لموقف خاص ، ينتهي بالرفض:
سامضي اليك
وليكن فرحي دائماً
وليكن موتي انتصاراً.[ص35]
وهذه احالات الى الشعر المهجري،ومن تأثر به من جيل الرواد من أمثال السياب وشاذل طاقة، حيث تبدو ملامح قصيدة(انتصار أيوب) لشاذل بالرغم من عذاباته الأليمة.
وثمة عودة نصوص أخرى لحكمت الحاج.



#قيس_كاظم_الجنابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التماسك السردي في (موسيقى سوداء)
- الازدواجية الحضارية في كتاب (علم آثار عيلام)
- سيرة ذاتية للخيانة قراءة في كتاب (لمسات وراق فرنسي الهوى)
- نساء مغامرات في طريق الاستشراق قراءة في كتاب ( سيدات الشرق)
- الرحلة والسيرة في كتاب (الطريق الى مكة)
- الرحلة بوصفها في (مغامر عماني في ادغال أفريقيا)
- باسم عبد الحميد حموي
- فصول ذاتية من سيرة غير ذاتية عند الدكتور علي جواد الطاهر
- الرحلة اليتيمة (حصون تحت الرمال)
- حول رحلة المس بيل (من مراد الى مراد)
- التبشير والتصوف في رسائل ماسنيون للكرملي
- سيرة جيل في كتاب (بغداد السبعينات، الشعر والمقاهي والحانات)
- بين المقهى والمنفى
- الظل والضوء في رواية (سيرة ظل)
- ميراث الفصول.. قراءة في روايتي (طوفان صَدفي) و(رياح قابيل)
- ما الذي يعنيه أدب المذكرات؟
- رؤية شرقية لفرنسا
- قراءة في كتاب (جميل حمودي والحروفية في الفن)
- استطلاع فرنسي ورحلة بين بغداد وحلب
- مصر والقدس في رحلة يونانية معاصرة


المزيد.....




- بسبب الذكاء الاصطناعي.. النسخة الفرنسية من فيلم سيلفستر ستال ...
- تضارب الروايات.. هل أعطت حماس -الضوء الأخضر- لاتفاق غزة؟
- -فلسطين.. شعب لا يريد الموت-.. كتاب جديد لآلان غريش
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 177 مترجمة للعربية معارك نارية وال ...
- الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية و ...
- جمال سليمان من دمشق: المصلحة الوطنية السورية فوق كل اعتبار ( ...
- جمال سليمان يوجه رسالة بعد عودته لدمشق عن جعل سوريا بلدا عظي ...
- إبراهيم اليازجي.. الشخصية التي مثّلت اللغة في شكلها الإبداعي ...
- -ملحمة المطاريد- .. ثلاثية روائية عن خمسمائة عام من ريف مصر
- تشيلي تروي قصة أكبر تجمع لفلسطينيي الشتات خارج العالم العربي ...


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قيس كاظم الجنابي - في حداثة قصيدة النثر عند حكمت الحاج