أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فاروق عباس - أعطني الناي ... وغني.















المزيد.....


أعطني الناي ... وغني.


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 20:51
المحور: الادب والفن
    


القصيدة الرائعة التي كتبها جبران خليل جبران وغنتها فيروز ولحنها الاخوين عاصي ومنصور رحباني..

وجبران خليل جبران هو احد اكبر شعراء وادباء المهجر الشوام ، وقد حاز أدبه وشعره شهرة عريضة في كل البيئات الناطقة بالعربية ...ومازال .

وقصة اهل الشام المهاجرين ــ أدباء ورجال مال وأعمال وبشر عاديين ــ قديمة ، وتعود الي النصف الثاني من القرن ١٩ ، عندما بدأت الحروب الاهلية بين الموارنة والدروز في لبنان وانتقلت منها الي سوريا ، وهي ما تعرف بحوادث اومذابح الستين ــ لانها وقعت عام ١٨٦٠ ــ وفي اعقابها هاجرت اعداد كبيرة من اهل الشام الي المهاجر المختلفة ، فبعضهم ذهب الي امريكا الشمالية أو الجنوبية ـ البرازيل والارجنتين خاصة ــ وبعضهم أتي إلي هنا في مصر ، ومازال أحفاد هؤلاء يقيمون حتي اليوم في تلك البلاد البعيدة ...

وهناك مازالت حتي اليوم جالية سورية ولبنانية كبيرة في الارجنتين والبرازيل ، وقد وصل واحد من ابناء هؤلاء المهاجرين ــ هو كارلوس منعم ــ الي منصب رئيس الجمهورية في الارجنتين من فترة قريبة ، ومؤخرا اضيفت افريقيا الي المهاجر الشامية مع الحرب الاهلية اللبنانية في النصف الثاني من السبعينات وطوال الثمانينات ...

والمهاجرون الشوام في مصر أواخر القرن ١٩ هم من وصلوا بالصحافة المصرية ان تصبح صحافة الشرق كله وليس مجرد صحافة محلية لبلد ما ، فأنشأوا الاهرام والهلال ــ وكلاهما مازال يصدر حتي اليوم ــ والمقتطف والمقطم وغيرهم ، وكان ابو خليل القباني ــ وهو سوري ــ هو ابو المسرح المصري والعربي ، واستقرت عائلات كثيرة منهم في مصر ... وصاروا مع الزمن مصريين ...

وولد جبران خليل جبران في بلدة بشري في شمال لبنان، وكان والده راعيا للغنم ، وهو ينتمي الي اسرة مسيحية مارونية ، ولظروف ضيق أسباب المعيشة في متصرفية جبل لبنان التابعة لتركيا العثمانية هاجرت الأسرة واستقرت في الولايات المتحدة ، وهناك بني شهرته العريضة كواحد من اكبر ادباء العربية ...

ومن اجمل قصائده قصيدة المواكب .. التي غنت فيروز بعض ابياتها تحت اسم اعطني الناي وغني ...

وجمال قصيدة أعطني الناي وغني انها تقدم فلسفة كاملة للحياة ، هي فلسفة الزهد، والنظر الي متع الدنيا بمنظور جديد ، خلاصته اعلاء المتع البسيطة علي المتع الكبيرة ، والمتعة الروحية علي المتع المادية ...

يقول جبران خليل جبران..

اعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود
وانين الناي يبقي بعد ان يفني الوجود

فالناي والغناء ــ وربما هو هنا كناية عن الهدوء النفسي وراحة البال ــ هو معني وسر الوجود الأكبر ، وما الناي والغناء سوي الدليل او المظهر الخارجي لحالة ذلك الانسان الذي ترك متع الدنيا وشهواتها وصار يكفيه منها أقل القليل ...

ويبدأ جبران خليل جبران في شرح نظرته وفلسفته في الحياة فيقول :

هل اتَخَذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور
فتتبَّعت السواقي وتسلَّقت الصخور
هل تحمَّمت بعطر وتنشَّفت بنور
وشربت الفجر خمراً في كؤوس من أثير

فهو ــ وهو الرجل الذي يعيش في اكبر مواطن الحضارة والمدنية وهي الولايات المتحدة ــ يقول ان عيشة الانسان هادئا في ظلال اشجار في غابة خضراء اعلي مقاما من سكن القصور ، وهناك يمكنه الجلوس بجانب السواقي ، او تسلق الصخور ، حيث الانسان هناك يستحم بالعطر ويترك جسده يجف مع النور ، وحيث تمثل طلعة الفجر في تلك الغابات خمرا أشهي من الخمر الحقيقية ، فالخمر كؤوسها من المادة الفانية ، اما الخمر هنا بين الطبيعة الخالدة فهي من أثير وروح ...

ويرجع مرة اخري الي الناي والغناء ...

اعطني الناي وغني فالغنا سر الخلود
وانين الناي يبقي بعد ان يفني الوجود

ويستمر جبران في إعطاء الأمثلة علي علو مكانة متع الانسان الصغيرة علي تلك التي يفني الانسان في سبيلها حياته ، بينما هي مجرد خداع ...

هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب
والعناقيد تدلَّت كَثُريّّات الذَّهب
هل فرشت العشب ليلاً وتلحَّفت الفضا
زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضى

فيسأل قارئه.. هل جلست في عصر يوم مثلي بين كروم العنب ، حيث العناقيد حولك تتدلي كالثريات الذهبية ، أم هل فرشت العشب ذات ليلة لتنام في الخلاء ، حيث سريرك الارض ولحافك الفضاء ، وكم ان ذلك أشهي من نوم الرياش والاسَّرة المذهبة في القصور العالية ...

ويكفي انك تعيش زاهدا في كل تأتي به الدنيا... خيره وشره ، وناسيا كل ما مضي فيها من آلام ، وزاهدا فيما يأتي منها من مسرة ...

ويعود مرة ثانية الي آلته المحببة ــ الناي ــ والي الغناء..
أعطني النَّاي وغنِّي
فالغنا عدل القلوب
وأنين النَّاي يبقى
بعد أن تفنى الذنوب

وتختتم فيروز غناءها لقصيدة جبران الخالدة بتلك الخلاصة لتجربة الحياة :

أعطني النَّاي وغنِّي
وانْسَ داءً ودواء
إنَّما النَّاس سطور
كُتبت لكن بماء

فالناس مجرد سطور صغيرة ... ولكنها كتبت بماء ... اي بلا شئ ...
والماء هنا كالحياة ، لا يمكن للانسان الامساك به او ابقاءه بين يديه ، فهو سرعان ما يتسرب منه بدون ان يدري ... وكذلك هي الحياة أو الدنيا...

فلا مبرر ــ وحالها كذلك ــ من اهلاك الانسان نفسه وراء متعها والبحث عن نعيمها ، فهو كله ــ من وجهه نظره ــ قبض ريح ...

ومن هنا فجلوس الانسان عصر يوم ما بين كروم العنب او تسلقه الجبال او نومه بين العشب افضل واكرم من السعي وراء حياة يشبه بقاءها بقاء الماء في يد الانسان ...
......................

وفي قصيدة المواكب ابيات اخري كثيرة ــ لم تغنها فيروز ــ معبرة ورائعة..
وعلي المستوي الشخصي هذه القصيدة ــ المواكب ــ واحدة من اكثر قصائد الشعر العربي التي أحبها ...

وسَمّى جبران قصيدته باسم المواكب قاصدا الجموع البشرية ، الذين ضلّوا في اختيار طريقهم ، وظنّوا أن مصدر سعادتهم وحريتهم في عالم الماديات ، أو المدنية المتصنعة ، وخضعوا لعادات وتقاليد زائفة ، ودعا جبران في قصيدته إلى العودة إلى عالم الطبيعة ... حيث فطرة الانسان السّليمة ...

يقول جبران في قصيدة المواكب ، وهي ابيات لم تغنها فيروز ...

الخير في الناس مصنوعٌ إذا جُبروا
والشرُّ في الناس لا يفنى وإِن قبروا
وأكثر الناس آلاتٌ تحركها
أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ
فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة ومن لم يمشِ يندثر
............

ليس في الغابات حزنٌ.. لا ولا فيها الهمومْ
فإذا هبّ نسيمٌ.. لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس إلا.. ظلُّ وهمٍ لا يدومْ
وغيوم النفس تبدو.. من ثناياها النجومْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا يمحو المحنْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الزمنْ

.............

ليس في الغابات علمٌ.. لا ولا فيها الجهولْ
فإذا الأغصانُ مالتْ.. لم تقلْ هذا الجليلْ
إنّ علمَ الناس طرَّا.. كضبابٍ في الحقولْ
فإذا الشمس أطلت.. من ورا الأفاق يزولْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا خير العلومْ
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تطفي النجومْ

.............

ليس في الغابات حرٌّ.. لا ولا العبد الدميمْ
إنما الأمجادُ سخفٌ.. وفقاقيعٌ تعومْ
فإذا ما اللوز ألقى.. زهره فوق الهشيمْ
لم يقلْ هذا حقيرٌ.. وأنا المولى الكريمْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا مجدٌ اثيلْ
وأنين الناي أبقى.. من زنيمٍ وجليلْ

............

والحبُّ في الناس أشكالٌ وأكثرها
كالعشب في الحقل لا زهرٌ ولا ثمرُ
وأكثرُ الحبِّ مثلُ الراح أيسره
يُرضي وأكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
والحبُّ إن قادتِ الأجسام موكبهُ
إلى فراش من الأغراض ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الأسر معتقلٌ
يأبى الحياة وأعوان له غدروا

ليس في الغابات خليع.. يدَّعي نُبلَ الغرامْ
فإذا الثيران خارتْ.. لم تقلْ هذا الهيامْ
إن حبَّ الناس داءٌ.. بين لحمٍ وعظامْ
فإذا ولَّى شبابٌ.. يختفي ذاك السقامْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا حبٌّ صحيح
وأنينُ الناي أبقى.. من جميل ومليح



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!
- ثورة الشك ...
- هل الخطر من الداخل ... أم من الخارج ؟!
- مصر ... وسوريا الجديدة .
- أنور السادات ...
- قنوات الاخوان ... وهل نحن خائفون مما حدث في سوريا ؟!
- فصل جديد ...من قصة طويلة !!
- محمد مرسي .. وأحمد الشرع !!
- فيم واين اخطأ بشار الاسد بالضبط ؟!
- اسئلة اليوم التالي ...
- يوم حزين .. ويوم سعيد ...
- هل ما حدث في سوريا ممكن الحدوث في مصر ؟!
- هجمة مرتدة ..
- جمال عبد الناصر .. والناصريون : أين الاختلاف ؟!
- التزوير والتلاعب في الانتخابات الأمريكية..
- لماذا يكره الاخوان المسلمين السعودية ويحبون تركيا ؟!!
- فيتنام وفلسطين : اين الاتفاق .. واين الاختلاف ؟!
- لماذا لا تدخل مصر الحرب ؟!
- الي أين اخذت حماس القضية الفلسطينية ؟!!
- لماذا أرادت النخبة الامريكية الحاكمة مجئ ترامب مرة أخري ؟!


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 177 مترجمة للعربية معارك نارية وال ...
- الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية و ...
- جمال سليمان من دمشق: المصلحة الوطنية السورية فوق كل اعتبار ( ...
- جمال سليمان يوجه رسالة بعد عودته لدمشق عن جعل سوريا بلدا عظي ...
- إبراهيم اليازجي.. الشخصية التي مثّلت اللغة في شكلها الإبداعي ...
- -ملحمة المطاريد- .. ثلاثية روائية عن خمسمائة عام من ريف مصر
- تشيلي تروي قصة أكبر تجمع لفلسطينيي الشتات خارج العالم العربي ...
- حرائق كاليفورنيا تلتهم منازل أعضاء لجنة الأوسكار وتتسبب في ت ...
- بعد غياب 13 عاما.. وصول جمال سليمان إلى سوريا (فيديو)
- حفل توزيع جوائز غرامي والأوسكار سيُقامان وسط حرائق لوس أنجلو ...


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فاروق عباس - أعطني الناي ... وغني.