عن رواية قصة خرافية.. ستيفن كينغ

وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 14:01
المحور: الادب والفن
    

أسمع المزيد والمزيد من الناس يشكون من عدم المطالعة، من عدم القدرة على التركيز، ومن عدم القدرة على الانغماس الكامل في كتاب.
"سوف أقرأ"، هذا ما تقوله الشخصية الرئيسية في رواية "لوسي بجانب البحر" (للروائية الأميركية لإليزابيث ستروت) لنفسها وهي تعود من نزهة، لينتهي بها الأمر إلى التالي:"لكنني لم أرغب في قراءة أي شيء. لم أستطع أن أفعل ذلك".

يمكنني أن أوصي بعلاج لهذا الشر، على الرغم من أنه قد يكون غير مستساغ بعض الشيء بالنسبة للوسي: إنه ستيفن كينغ الذي يمزج بين الرعب والخيال.

رواية "قصة خرافية" مثل سابقاتها - ولا سيما "عينا التنين"، وسلسلة "برج الظلام"، و"التعويذة" (التي شارك في كتابتها بيتر ستروب) - مروّعة أحيانا، ومتوترة أحيانا، وفي بعض المرات مضحكة بعض الشيء. يمكنك التهام مائة صفحة من هذه الرواية في كل جلسة قراءة دون أدنى جهد، وستكون سعيدا جدا لأنها تحتوي على أكثر من ستمائة صفحة لتذكّرك طوال عمرك بمدى متعة هذا النوع من الروايات.

تجتمع في هذا العمل عناصر من حكايات الأخوين جريم الخيالية والرعب على طريقة هوارد فيليبس لافكرافت.
البطل في رواية "قصة خرافية" طالب في المدرسة الثانوية، اسمه تشارلي ريد.
لن يستخدم تشارلي السلالم الحجرية الموجودة في حديقة جاره والتي تنزل تحت الأرض إلا بعد الربع الأول من القصة. ذلك أن كينغ ليس من النوع الذي يتخلص من العالم الحقيقي العادي فورا ويغوص مباشرة في المناظر الطبيعية المثيرة في نارنيا أو بلاد العجائب. لا، فهو يبدأ برسم صورة دقيقة لحياة تشارلي اليومية في بلدة سينتري ريست الصغيرة بولاية إلينوي.

عندما كان تشارلي -الابن الوحيد- في السابعة من عمره، ماتت والدته حين صدمتها شاحنة انزلقت على شبكة جسر متجمد بينما كانت في الخارج لشراء الدجاج المقلي لتناول العشاء.
بسبب هذه الحادثة، أغرق والده -ضابط التأمين- أحزانه في الكحول. ولفترة من الوقت، أصبح تشارلي نفسه سيئا، حيث كان يتسكع مع أحد الأوغاد، ويقوم بمقالب قاسية في بعض الأحيان. ثم فقد والده وظيفته، وتراكمت الفواتير، وبدأ تشارلي في التساؤل عما إذا كان سينتهي بهما الأمر إلى العيش في سيارتهما أو تحت جسر على الطريق السريع.

اضطر الطفل اليائس (الذي لم يتلق تعليما دينيا) إلى عرض صفقة على الله لكي يتوقف والده عن الشرب: "إذا فعلت هذا من أجلي، أيّا كنت، سأفعل شيئا من أجلك". بعد فترة وجيزة، أتى زميل والد تشارلي وهو مسؤول في التأمين عند عائلة ريد وأقنع والد تشارلي بالحضور إلى اجتماع لمدمني الكحول المجهولين.

يشفى الوالد من إدمان الكحول. يعتبر تشارلي شفاء والده "معجزة"؛ فيتطوع لتنظيف الشوارع، ويجمع التبرعات لليونيسيف، لكنه لا يستطيع التخلص من الشعور بأن هذا ليس كافيا، إلى أن يكتشف، وهو مراهق، الشيخ الذي يعيش منعزلا في شارعه، ملقى عند أسفل سلّم وساقه مكسورة.

إن إدخال ظواهر غريبة في الحياة اليومية هو علامة تجارية لستيفن كينغ - على سبيل المثال، الرسائل الشريرة التي يعرضها الشبح بمغناطيس على الثلاجة في روايته "حقيبة عظام"، التي نُشرت في عام 1998. لكن هذه الرواية ليست في هذا السياق. باستثناء بعض أصوات الكشط الغريبة القادمة من سقيفة أدوات السيد باوديتش الشيخ، نجد هذا الجزء الأول من الرواية مخصّصا بالكامل لعلاقة تشارلي مع والده وتطوّر صداقته مع الشيخ، وهي رابطة يعزّزها حبّهما المشترك لرادار، وهي كلبة هرمة يمتلكها السيد باوديتش، تنتمي إلى سلالة الراعي الألماني.

قد يعتبر البعض بداية الرواية بطيئة كونها رواية مغامرة! من هنا يمكنني الجزم بأنني لم أشعر بأي بطء عند قراءتي لها.

تشارلي فتى طيب، لكنه يدرك تماما قدرته على الابتعاد عن الطريق المستقيم. يترك فريق البيسبول بالمدرسة لرعاية الشيخ باوديتش عندما يغادر المستشفى، ولقضاء المزيد من الوقت مع الكلبة رادار.

عندما يكتشف تشارلي أن السيد باوديتش يخفي بوابة تقود إلى عالم آخر في مخزن أدواته، تصبح نوايا الرواية أكثر وضوحا. مملكة إمبيس في الطرف الآخر من نفق طويل، مليئة بالخفافيش وبعض الصراصير العملاقة، وأكواخ الأساكفة، وحارسات الإوز، والذئاب الشريرة الكبيرة من النوع الذي لا يتمنى الواحد منا مقابلتها في الغابة. إنه مكان مخلوق من القصص الخيالية، متجذر في التجسيدات الأقدم والأكثر قتامة وعنفا للحكايات التقليدية.

يجد تشارلي الكثير من الفرص لتأمّل وتذكّر تناقضات إصدارات ديزني، حتى عندما يصبح شعره البني أشقر، وتستحيل عيناه البنيتان زرقاوين، ويبدأ السكان المحليون في الحديث عنه كما لو كان أميرا مقدّرا له أن ينقذهم من لعنة رهيبة. ستكون هناك مهمة محفوفة بالمخاطر: مدينة مسكونة، أميرة جميلة في المنفى، عمالقة يأكلون البشر، وممرّ في زنزانة يراقبها جنود من هياكل عظمية مكهربة، وكائن شنيع من بُعد مختلف، مصمِّم على إفساد ليس إمبيس فحسب، بل أيضا عالم تشارلي.

يشير الإهداء الموجود في رواية "قصة خرافية" إلى ما يلي: "REH وERB وبالطبع HPL"، في إشارة إلى روبرت إي هوارد (مبتكر كونان البربري)، وإدغار رايس بوروز (مبتكر شخصية طرزان) وإتش بي لافكرافت.
إن قصص المغامرات مسلّية للغاية إلا أنها لا تهتم عموما بالعمق العاطفي. ومع ذلك، فإن رواية "قصة خرافية" تعد بإلقاء نظرة ثاقبة على الضعف الجسديّ البشريّ والرّوح القويّة. ليست حبكتها مدفوعة برغبة البطل في تكوين ثروة، بل بحُبّه لكلبة. ويالها من قوة كبيرة!
إنه حب طفولي بسيط، يجعل تشارلي مستعدّا للمخاطرة بحياته لإنقاذ الكلبة رادار. يمكن لأي محبّ للكلاب أن يفهم إخلاص تشارلي الاستثنائي لمخلوق يعشقه. هذا الحب هو الذي أخذه إلى إمبيس، لكن حب تشارلي الكبير والمعقّد لوالده هو الذي سيعيده مرة أخرى.

إن حبل الود المتين الذي يربط تشارلي بأبيه، هو مكافأة حصل عليها كلاهما بعد عناء، مقابل ما مرّا به معا وما أنجزاه لبعضهما. لا يتردّد الابن ولا الأب في التعبير عما يشعر به، لأنهما يعرفان جيدا كيف يمكن أن يُؤخذ منّا من نحبّهم في جزء من الثانية. الصفحات القليلة الأولى التي خصّصها كينغ لوصف علاقتهما يتردّد صداها طوال الرواية وتضيف عمقا إليها.

يضطرّ تشارلي في بعض الأحيان إلى الرسم من "ذلك البئر المظلم الذي اكتشفته عندما كنت طفلا، عندما بدا والدي مصمّما على تكريم ذكرى زوجته، والدتي، عن طريق إفساد حياته وحياتي وتحويلنا إلى شخصين بلا مأوى. لقد كرهته لفترة من الوقت، وكرهت نفسي لأنني كرهته". الكراهية، وهي قوة هائلة مثل الحب في هذه الرواية، تثبت أنها أصل لعنة إمبيس.

هناك موضوع يتكرّر في أعمال كينغ وهو أنّ كل إنسان لديه القدرة على ارتكاب الشر، وأنه فقط من خلال اعترافنا بهذه القدرة وبقائنا حذرين منها، يمكننا أن نحيا حياة أخلاقية. كان لافكرافت، على وجه الخصوص، مؤلّفا لا يواجه أبدا ميله إلى الشر. الكراهية هي أيضا شكل من أشكال القوة، خاصة بالنسبة لرواة القصص، وقد عرف كينغ كيف يبقيني بعيدا، مترقّبا اللحظة التي سينال فيها الأشرار البغيضون في روايته جزاءهم العادل.

الخير، الشر، مملكة يجب إنقاذها، وحوش يجب قتلها - هذه هي المادة التي صنعت منها هذه الرواية التي تجعلنا نعيش حالة تشويق. وجدتُ التفاصيل والحديث عن الأوصاف في هذه الرواية أكثر بروزا ورحابة مما كانت عليه في أعمال كينغ العظيمة الأخرى، مثل روايته البوليسية "بيلي سامرز" أو "هولي"، أو "المعهد"، وهي رواية تتحدث عن كيف يقنع الناس أنفسهم بأن الغاية النبيلة تبرر الوسائل القذرة.

تفتح رواية "قصة خرافية" نفسها على مصراعيها، ومع هذا تظل حميمية. رواية مضحكة ومخيفة ومؤثرة ودنيئة في نفس الوقت. يدرك تشارلي في نهايتها مدى سهولة اختيار ارتكاب الخطأ.

#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات