|
ستيفن كينغ والأدب الخفيف
وليد الأسطل
الحوار المتمدن-العدد: 8221 - 2025 / 1 / 13 - 04:47
المحور:
الادب والفن
كثيرا ما أقرأ مقالات لصحفيين مشهورين أو لكتاب مكرسين أو "للنخبة الفكرية"، تهاجم ما يسمى الأدب الشعبي. إنهم ينظرون إلى مؤلفي روايات الإثارة والخيال العلمي والفانتازيا وما إلى ذلك على أنهم كتاب من الدرجة الثانية، بل لا أكون مبالغا إذا قلت إنهم يعتبرونهم كتابا خردة! ويعتبرون مطالعة مؤلفاتهم فعلا أقرب إلى جريمة في حق الأدب! ولكي أرد على هؤلاء بطريقتي الخاصة، سأحدثكم عن ستيفن كينغ الذي صُنِّفَت كتاباته في وقت من الأوقات ضمن الأدب الشعبي!
من يدري، ربما في غضون سنوات قليلة سنرى الكثير من كبار كهنة معبد الرواية العربية يخوضون غمار "الأدب الخفيف". وهذا ما أتمناه بالطبع، لكي تنكشف حقيقتهم -على الأقل- أمام من يحسنون الظن بهم ويقدسون أحكامهم.
حسنا. سأخبركم لماذا من الجيد قراءة أعمال ستيفن كينغ، وسأرد أيضا على ما قرأته وسمعته من أقوال تطعن في كتاباته، مثل: "أنا لا أقرأ لستيفن كينغ لأن أدبه غير راق، أو لا أقرأ له لأنني أكره روايات الرعب”.
سأبدأ مباشرة بفكرة مسبقة تمنع بعض القراء من اكتشاف عالم ستيفن كينغ: لا، المؤلف لا يخلق الرعب فحسب، بل على العكس تماما. إن "روايته إت" التي كنت أراها في كل مكتبات لندن -لأسباب وجيهة- لا تعكس على الإطلاق كل عبقريته. كان ستيفن كينغ قادرا على أن يُظهر طوال حياته المهنية أنه يستطيع تقديم أكثر من مجرد رعب. كتب أنواعا مختلفة من الرواية، وكان دائما على نفس القدر من العبقرية.
لن أقدم لكم قائمة كاملة بجميع الروايات التي قام بتأليفها في أنواع مختلفة، لكن اعلموا أنه ألف واحدة من أعظم الملاحم التي تمزج بين الفنتازيا العلمية والرعب والفنتازيا المظلمة والخيال الغربي، إنها "برج الظلام"، وهي سلسلة تتألف من ثماني روايات. كتب أيضا روايات مؤثرة مثل "الميل الأخضر" التي تنتمي إلى الواقعية السحرية، و"روز مادر"، و"دولوريس كليبورن"، وكتب رواية الواقع المرير في "الهارب" وفي "المسيرة الطويلة". حتى أنه كتب رواية أطفال، من أجل ابنته، حتى تتمكن من اكتشاف كتابات والدها. كل هذا لأخبركم بأنه لا ينبغي عليكم تصنيف روايات هذا الكاتب العظيم في فئة الرعب فقط. من هنا، لا يجب أن تخافوا خوض مغامرة القراءة له.
يصور ستيفن كينغ ببراعة أمريكا المنسية. بالنسبة لي، هذه إحدى نقاط القوة العظيمة في قصص ستيفن كينغ، لأنه لا يغمرنا في أمريكا الحلم، أمريكا الأثرياء والحلم الأمريكي. إنه يُظهر لنا ما لا نراه دائما: أمريكا في أزمة، تعاني من مشاكل مختلفة، ولا يمكنها دائما إخراج رأسها من تحت الماء. للقيام بذلك، يستخدم الكاتب في كثير من الأحيان ولاية ماين ومدينة كاسل روك الخيالية كموقع لقصصه. كما أنه يضاعف الإشارات إلى الثقافة الشعبية، حتى نتمكن من التعرف على العالم من حولنا. كل هذا يدل على أن المؤلف يلاحظ بلده وتجاوزاته وكوابيسه، وبعض الجوانب الجيدة أيضا. يغوص في أمريكا الطبقة المتوسطة، حتى الفقيرة منها، التي تنساها المؤسسات. يمكنكم العثور على الكثير من الظلم والأنانية والشر البشري في الأعمال المتنوعة لهذا الأديب. في هذا السياق ينشأ الرعب وتكشف الإنسانية عن نفسها. لا يظهر ستيفن كينغ أمريكا في صورة مثالية. إنه ببساطة مخلِصٌ جدا للواقع القاسي.
ستيفن كينغ راوي قصص عبقري ولا أعتقد أن أي شخص يمكنه أن يجادل في هذا. يتمتع بموهبة أسرنا منذ السطور الأولى، وإدخالنا في قصته، في عالمه. يستخدم العامية وبعض الشتائم ليجعل من السهل علينا الدخول إلى القصة، لأننا نكون قد كوّنّا انطباعا بأننا في الواقع ونتابع قصة أخ أو صديق. أجد أسلوبه هذا، واستخدامه الاستعارة التصويرية يجعل القصة أكثر حيوية، وممتعة. علاوة على ذلك، يولي اهتماما خاصا بتصوير المدينة التي تجري فيها الأحداث. سيستمتع بوصف المدينة بأكملها لنا، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من الشخصيات، رغم أنها ثانوية، لكن هنا تكمن قوة السرد. ونتخيل بعد ذلك، بمجرد إغلاق الرواية، أن السكان ما زالوا على قيد الحياة. هذا ما يحدث معي أنا على الأقل. بالإضافة إلى أن ستيفن كينغ من أكثر الكتاب الذين يعلنون عن أنفسهم من خلال شخوص رواياتهم. ومع هذا نجد أن لكل منهم شخصية مختلفة تماما عن البقية. يصف ستيفن كينغ شخصياته لنا جسديا، ويصف حياتهم كذلك، وهذا دليل على اهتمام حقيقي بالواقعية. ومن خلال التوغل في الذاكرة -أحيانا في منتصف الفقرة- يسمح لنا بفهم تطور الشخصية وحتى أعمق مخاوفها. وعبر هذه الوسيلة أيضا، يبث زخم الخوارق والرعب في الحياة اليومية.
يطور عدة موضوعات ورسائل في كل رواية من رواياته. لا يكتفي بنقل حبكته من النقطة أ إلى النقطة ب، دون قصص جانبية أو تطورات مختلفة في الشخصية. ينتهز الفرصة لإثارة العديد من الموضوعات التي تتكرر كثيرا في كتاباته. الموضوع الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو موضوع الطفولة. أعتبر ستيفن كينغ المؤلف الوحيد الذي تمكن من التحدث بشكل ممتاز عن الطفولة. إن عالم الطفولة هذا يتعارض مع عالم البالغين السيء عموما. ولذلك فمن الطبيعي أن يستخدم ستيفن كينغ طفلا أو أكثر كأبطال قصته ("البريق" أو "إت" أو حتى "مشعل النار"). غالبا ما يُنظر إلى الطفولة على أنها وقت مناسب لأحلام اليقظة، فضلا عن الخيال الغامر، ولكننا خلال هذه المرحلة نختبر أيضا المخاوف الأولى، حيث يمكن تدمير البراءة. يتطرق ستيفن كينغ في كثير من الأحيان إلى الطلاق، وإدمان الأب على الكحول، والضرب، والشتائم، وفقدان الشهية، والشره المرضي، والحرمان، وحتى التحرش الجنسي. إن العالم الذي يصوره هو العالم الحقيقي.
وختاما، إن ستيفن كينغ مؤلف ذو قناعات صلبة ورسائل مهمة، خاصة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة، ويتضح هذا بجلاء في روايته "دولوريس كليبورن" على سبيل المثال. كما أنه يهاجم مؤسسات مثل الجيش والمدارس والتقدم التكنولوجي والمتشددين بمختلف أنواعهم. باختصار، رواياته مليئة برسائل وموضوعات مهمة للغاية، وقبل كل شيء، مثيرة للاهتمام للغاية.
بعض رواياته لها صلة حقيقية ببعضها: رواية "لعبة جيرالد" ورواية "دولوريس كليبورن"، أو رواية "اليأس" ورواية "المنظمون". ولكن في سلسلة "برج الظلام" كانت هذه السمة حاضرة بقوة، حيث ترتبط هذه الملحمة مع جميع رواياته تقريبا من خلال اللعب بالأكوان الموازية. لذلك أدعوكم إلى أن تكونوا منتبهين جدا وأنتم تطالعون رواياته.
أعتقد أنني فرغت من إيراد النقاط التي تجعل أعمال ستيفن كينغ مثيرة للاهتمام كونها تذهب إلى ما هو أبعد من التصنيف المسمى الأدب الشعبي، وهكذا هي أعمال عدد غير قليل من الروايات التي يحاول البعض الطعن فيها -وفي أصحابها- من طرف خفي، حين يقولون إنها تنتمي إلى الأدب الخفيف، كما قيل عن روايتي "سقوط".
#وليد_الأسطل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن رواية حجر القمر.. ويلكي كولنز
-
خواطر
-
فرانك.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف
-
قصة بعنوان توم. من مجموعتي القصصية (شيء مختلف)
-
الناقد عمار بلخضرة يكتب عن شيء مختلف
-
صباح مقاطعة شامبانيا (فرنسا)
-
من سجل تجاربي ٣
-
مشيناها خطى كتبت علينا
-
الناقد الأستاذ عمار بلخضرة يكتب عن رواية -سقوط-
-
من سجل تجاربي ٢
-
حوار أجرته معي الكاتبة ياقوت شريط
-
سقوط؟
-
عن روايتي -سقوط- بقلم الكاتب الطيب صالح طهوري
-
لا تغرنكم الألقاب
-
من سجل تجاربي
-
رأي الناقد السينمائي مهند النابلسي في روايتي سقوط
-
روايتي سقوط بعيني الشاعر والقاص الطيب صالح طهوري
-
رواية الفانوس الأخضر، للكاتب الأمريكي جيروم تشارين
-
شيء مختلف.. الطيب صالح طهوري
-
صدور مجموعتي القصصية (شيء مختلف)
المزيد.....
-
بعد غياب دام 13 عاما.. الممثل السوري جمال سليمان يعود إلى دم
...
-
باريس والأدب العربي : كتاب لكولين هوسيه يستكشف علاقة الأدباء
...
-
-إفريقيا: قارة المستقبل- برنامج جديد على شاشة RT Arabic (فيد
...
-
سوريا : ما دور المؤسسات الثقافية المستقلة في مرحلة التعافي ؟
...
-
عابد فهد يعلق على أزمة عمايري
-
معركة الهوية الفلسطينية.. جذور العائلات وصراع الرواية
-
جلسة استذكارية مهيبة في برلين للمخرج السينمائي الراحل قيس ال
...
-
طعم النّغم وملمس الإيقاع.. رحلة فلسفية في عالم الموسيقى
-
جمال سليمان في طريقه لسوريا لأول مرة منذ 13 عاما (فيديو)
-
طليق فنانة مصرية شهيرة يستغيث بالسيسي
المزيد.....
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
المزيد.....
|