سقوط بشار بداية لشرق أوسط جديد

محمد عبيد حمادي
أكاديمي وكاتب وباحث في الشأن السياسي العراقي والإقليمي
(Mohammed Obaid Hammadi)

الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 16:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يُعد سقوط الأنظمة السياسية في أي دولة نقطة تحول كبرى، تتجاوز حدود الجغرافيا لتلقي بظلالها على المستويات الإقليمية والدولية. في الحالة السورية، يشكل سقوط نظام بشار الأسد محطة حاسمة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط. هذه المنطقة التي كانت ولا تزال تتأرجح بين محاولات الاستقرار وإرهاصات التغيير العاصف. المشهد السوري بات معقداً على مدى أكثر من عقد، حيث تعددت الأطراف الفاعلة داخلياً وخارجياً، ما جعل الأزمة السورية رمزاً للصراعات المعقدة في الشرق الأوسط

قد يكون سقوط بشار الأسد نهاية لحكم استمر لعقود بدأ مع والده حافظ الأسد، لكن تأثير هذه اللحظة لن يقتصر على سوريا وحدها. فالموقع الجغرافي المميز لسوريا والعلاقات المعقدة التي تربطها بجيرانها وقوى إقليمية كبرى يجعل من أي تحول في دمشق حدثاً ذا أبعاد تتجاوز حدودها. السقوط المحتمل للنظام السوري لن يكون مجرد تغيير للنخبة الحاكمة، بل بداية لإعادة تشكيل التحالفات السياسية والموازين الاستراتيجية في المنطقة

سوريا كانت لسنوات طويلة لاعباً رئيسياً في ملفات إقليمية مثل الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقات مع إيران وتركيا ولبنان. ومع تصاعد الأزمة، تحولت إلى ساحة لصراع نفوذ بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب قوى إقليمية كإيران وتركيا. في هذا السياق، فإن انهيار النظام السوري سيغير قواعد اللعبة، وستضطر القوى الإقليمية والدولية لإعادة حساباتها واستراتيجياتها تجاه المنطقة بأكملها

إيران، الحليف الأبرز للنظام السوري، ستكون الأكثر تأثراً بسقوط الأسد. فدمشق تُعد حلقة وصل رئيسية بين طهران وحلفائها في لبنان وفلسطين، مما يجعل خسارة سوريا ضربة قاسية لمشروع النفوذ الإيراني في المنطقة. بالمقابل، يمكن أن تستغل دول الخليج العربي هذا الحدث لتوسيع نفوذها في سوريا، من خلال تقديم الدعم لإعادة الإعمار والمساهمة في بناء نظام سياسي جديد. هذا التنافس قد يؤدي إلى صراعات جديدة أو فرص للتعاون المشترك، حسب الظروف والمصالح المتغيرة

تركيا التي تربطها بسوريا حدود طويلة وتاريخ معقد ستكون أمام تحديات كبيرة. فإلى جانب القلق من تدفق اللاجئين وتداعيات الصراع الكردي، قد تجد أنقرة نفسها في مواجهة خيارات جديدة لإعادة صياغة علاقتها مع النظام الجديد. هذا النظام الذي قد يكون متبايناً في أولوياته ومواقفه عن النظام الحالي، ما سيجعل تركيا مضطرة لإعادة تقييم سياساتها الأمنية والإقليمية

الولايات المتحدة وروسيا هما أيضاً جزء من المشهد الجديد الذي قد يتشكل في الشرق الأوسط بعد سقوط بشار الأسد. بالنسبة للولايات المتحدة، قد يشكل هذا السقوط فرصة لتعزيز نفوذها في منطقة طالما كانت محط أنظارها الاستراتيجية. أما روسيا، التي وضعت كل ثقلها لدعم النظام السوري، فستواجه معضلة في الحفاظ على مصالحها الإقليمية، خاصة في ظل احتمال فقدان قواعدها العسكرية في سوريا وتراجع نفوذها السياسي

أما على المستوى الداخلي، فإن الشعب السوري سيكون أمام تحدٍ جديد يتعلق بكيفية بناء نظام سياسي يعكس تطلعاته في الحرية والكرامة والعدالة. رغم الآلام التي مر بها السوريون، فإنهم يمتلكون فرصة تاريخية لتشكيل مستقبلهم بأيديهم، بعيداً عن الوصاية الخارجية أو الهيمنة الداخلية. التحديات ستكون هائلة، لكن الطموح بإقامة نظام جديد قد يكون حافزاً كافياً لدفع عجلة التغيير الإيجابي

سقوط بشار الأسد لن يكون مجرد لحظة عابرة في تاريخ الشرق الأوسط. بل سيكون بداية لفصل جديد في هذه المنطقة التي تبحث عن الاستقرار والتنمية وسط زخم من التحديات. التحولات التي ستشهدها المنطقة ستعتمد إلى حد كبير على كيفية إدارة الأطراف المختلفة لهذه المرحلة الحساسة. وبينما قد يكون الطريق نحو شرق أوسط جديد محفوفاً بالمخاطر، إلا أن الأمل في مستقبل أفضل يظل قائماً، ليؤكد أن التغيير يبدأ من إرادة الشعوب وتفاعل القوى الإقليمية والدولية معها

#محمد_عبيد_حمادي (هاشتاغ)       Mohammed_Obaid_Hammadi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات