حكومة العراق: بين النفوذ المسلح والتحديات السياسية

عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في السنوات الأخيرة، أصبحت الميليشيات المسلحة جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي في العراق، ما أثار جدلاً واسعاً حول تأثيرها على تشكيل الحكومات وإدارة الدولة. تُعتبر هذه الميليشيات، التي بدأت كتشكيلات عسكرية نشأت لأسباب أمنية أو طائفية، أنها تجاوزت دورها العسكري لتصبح لاعباً سياسياً قوياً.

مع انهيار نظام صدام حسين عام 2003، ظهرت العديد من الجماعات المسلحة التي ملأت الفراغ الأمني والسياسي. وعلى مر السنوات، تمكنت هذه الجماعات من تكوين قواعد شعبية والسيطرة على موارد اقتصادية وأمنية. ومع مرور الوقت، دخلت هذه الميليشيات العملية السياسية من خلال تأسيس أحزاب أو تشكيل تحالفات مع قوى سياسية قائمة، ما منحها نفوذاً كبيراً داخل البرلمان والحكومة.

في كل دورة حكومية، يلاحظ المراقبون تمثيلاً واضحاً للميليشيات في التشكيلة الوزارية. ويتم ذلك غالباً من خلال ترشيح شخصيات محسوبة على هذه الجماعات لتولي وزارات رئيسية، سواء بشكل مباشر أو عبر واجهات سياسية. هذه الظاهرة تُثير قلقاً واسعاً لأنها تجعل قرارات الحكومة رهينة لمصالح فئوية، كما تُعقّد عملية بناء دولة قائمة على المواطنة وسيادة القانون.

تشكيل حكومة السوداني وتأثير النفوذ الإيراني
عند تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، برز النفوذ الكبير لطهران في بغداد. يتعامل السياسيون العراقيون بحكم الضرورة مع شخصيات مدعومة من إيران، بما في ذلك تلك المرتبطة بكيانات خاضعة لعقوبات أمريكية. ولم يشكّل السوداني استثناءً، إذ التقى خلال الأشهر الأخيرة بسياسيين بارزين موالين لإيران، مثل حسين مؤنس، رئيس حزب "حركة حقوق". يرتبط الحزب بميليشيا "كتائب حزب الله"، المصنفة كجماعة إرهابية، والتي تُعد من أبرز عناصر "الإطار التنسيقي" الذي يشرف على ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب العراقي. هذا الائتلاف كان له دور أساسي في وصول السوداني إلى رئاسة الوزراء بعد تفوقه على فصائل منافسة.

تعيينات في المناصب الحساسة
شملت التعيينات الأولى في حكومة السوداني أفراداً مرتبطين بوكلاء لإيران خاضعين للعقوبات الأمريكية، مثل:

الإعلام والتعليم: عُيّن ربيع نادر، الذي عمل سابقاً لصالح منافذ إعلامية تابعة لـ«كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق»، رئيساً للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء. كما تم تعيين نعيم العبودي، القيادي في «عصائب أهل الحق»، وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي.
الاستخبارات: أقال السوداني في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر رائد جوحي من منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي، وأعلن أنه سيشرف شخصياً على الجهاز. هذه التغييرات أثارت القلق حول توظيف شخصيات موالية لإيران في مواقع قيادية حساسة، مما يهدد العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية.
التداعيات على الدولة
وجود الميليشيات في تشكيل الحكومات العراقية أدى إلى عدة تداعيات، منها:

انعدام الثقة الشعبية: المواطن العراقي يرى الحكومة أداة بيد قوى غير منتخبة.
تدهور الأوضاع الأمنية: حيث يتداخل دور الميليشيات بين كونها جزءاً من الدولة ومنافساً لها.
عرقلة الإصلاحات: وجود جماعات ذات أجندات ضيقة يعوق أي جهود جدية لإصلاح المؤسسات أو مكافحة الفساد.
الحلول المقترحة
للخروج من هذه الأزمة، تحتاج الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات جريئة مثل:

حصر السلاح بيد الدولة: من خلال تفكيك الميليشيات أو دمجها بشكل فعلي ومهني في القوات النظامية.
فصل السياسة عن العمل العسكري: عبر سن قوانين تمنع مشاركة المجموعات المسلحة في العملية السياسية.
تعزيز المؤسسات الديمقراطية: لضمان أن تكون الحكومة ممثلة لإرادة الشعب، وليس لمصالح فئوية.

إن استمرار تأثير الميليشيات على تشكيل الحكومة العراقية يمثل تحدياً كبيراً للدولة ولطموحات شعبها في تحقيق الاستقرار والتنمية. يجب أن تُبذل جهود حقيقية لإعادة بناء نظام سياسي قائم على سيادة القانون والمواطنة بعيداً عن النفوذ المسلح، وإلا سيظل العراق رهينة لهذه الدوامة.

#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات