قحطان الفرج الله
الحوار المتمدن-العدد: 8187 - 2024 / 12 / 10 - 17:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا السؤال يحمل صدى بعيدًا، مستوحى من تساؤل طرحه المفكر اللبناني شكيب أرسلان قبل قرن: “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟” واليوم، يعيد التاريخ طرحه بصيغة أكثر إلحاحًا، مشيرًا إلى واقع الأمة العربية التي تفرقت شتاتًا بفعل أيديها، رغم ما كان يجمعها من لغة ودين وأرض ومصير مشترك.
لماذا تأخرت الشعوب العربية؟ في عصرنا هذا، عصر الحروب المستمرة التي عاصرناها كجيل، تأخرنا لأننا شعوب تعيش على هامش المعرفة. نحن نستهلك ما يصنعه الآخرون، ونكتفي بدور المزود للمواد الأولية دون أي إسهام حقيقي في الابتكار أو الإنتاج. نحن شعوب نجتر الأفكار والمنتجات، ونسير يوميًا إلى أعمالنا لنغرق في كومة من الأوراق تنتقل من مكتب إلى آخر، دون أي إنجاز يُذكر. نعقد الاجتماعات بلا هدف سوى اغتيال الوقت، ونُعلّم أبناءنا لا لصناعة مستقبلٍ مشرق، بل للحصول على شهادة تضمن وظيفةً ريعية تعيش على فتات الدولة.
نُغرق أطفالنا في علوم عصور الظلام ونزرع فيهم خوفًا من التجديد والابتكار. ما زلنا نرى القوة في السيف والحصان، بينما العالم يخطو بثبات نحو الذكاء الاصطناعي وابتكار إنسان جديد (AI). نحن نقاوم بالخطابات والشعارات الجوفاء، ونخدر أنفسنا بالغيبية والتفسيرات القدرية. نُسفّه العلوم الحديثة؛ نعتبر علم الاجتماع أحاديث مقاهٍ، وعلم النفس مؤامرة، وعلم الآثار كفرًا وإلحادًا. أموالنا تُهدر في أمور سطحية دون تخطيط أو تدبير، وتذهب لجيوب قلة من الفاسدين والمتسلطين والمتاجرين بالله وخلقه، بينما تُطاح الفرص من بين أيدينا.
تقدم الصهاينة لأنهم امتلكوا المعرفة وسعوا لتطوير شعوبهم. استثمروا أموالهم في بناء لوبيات اقتصادية وسياسية هيمنت على مفاصل القرار العالمي. وظفوا هذا النفوذ لا لهزيمتنا فقط، بل لإذلال شعوبنا واحدة تلو الأخرى.
نحن نحلم أن الله سيتدخل يومًا لينقذنا من الصهاينة، متناسين أن الله لا يحب المسرفين، ولا المتواكلين، ولا الفاسدين. نحن نغرق في أوهام القوة ونحن أضعف من أن نواجه واقعنا المتردي. في سوريا مثلًا، يتجسد هذا التناقض العربي: تحرير من هيمنة نظام دكتاتوري فاشي يقابله احتلال صهيوني غاصب. هذا التناقض يعكس عجزًا عن المواجهة والتحدي، ويضعنا أمام مرآة تخلفنا الذي صنعناه بأيدينا.
أي مستقبل ننتظر؟ لقد صنعنا الهوان لأنفسنا ولمستقبل أبنائنا. ولن يتغير هذا الواقع إلا إذا قررنا مواجهة أنفسنا بصدق، والاعتراف بأن التأخر ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة أفعالنا وسلوكياتنا. حينها فقط، يمكن أن نبدأ بخطوة نحو الخروج من الدرك الذي بلغناه.
#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟