أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - الشعبوية والقيم: وهم الأخلقة ينكشف أمام التدهور والسقوط














المزيد.....

الشعبوية والقيم: وهم الأخلقة ينكشف أمام التدهور والسقوط


علي الجلولي

الحوار المتمدن-العدد: 8165 - 2024 / 11 / 18 - 20:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عاد الجدل في بعض أوساط النخبة والشعب حول علاقة السلطة الحاكمة اليوم بما يسمى الأخلاق الحميدة، هذا اللفظ/المصطلح الذي تتداخل فيه الأبعاد الاجتماعية مع الثقافية وصولا إلى القانونية، ويرتبط هذا اللفظ في الذهنية السائدة في بلادنا منذ عقود بالزجر وتدخل الأجهزة العنيفة للدولة. ويتداخل الأمر عند حزام الشعبوية مع معجم الحرب المعلنة على الفساد، هذا الداء الذي يعتبر المظهر الأكبر فجاجة للسقوط الأخلاقي.
إن هذه الرؤية ذات الخلفية الفكرية المثالية والمضمون الاجتماعي الديماغوجي تريد أن تتغذى من أزمة المجتمع وانحدار القيم دون المس من أسسها وأسبابها الفعلية والحقيقية التي ترتبط بالواقع المادي والمعيش للناس وللطبقات الاجتماعية.
إن الشعبوية كظاهرة تنتشر اليوم وتتمدد عالميا وتستولي على الحكم في عديد بلدان المركز (وآخرها الولايات المتحدة الأمريكية بوصول ترامب إلى سدة الحكم) والأطراف كإجابة على عمق أزمة الرأسمالية العالمية إنما تستثمر في أزمة الأخلاق وانحدار القيم وذلك في أفق البروز كقوة إصلاح لما طال المجتمع من تدهور وانحطاط. إن الخلفية الايديولوجية المحافظة والتقليدية لمجمل التيارات الشعبوية اليمينية إنما تهدف إلى مزيد مغالطة الجمهور الواسع أن سبب بؤسه وشقائه ليس في المنظومة السائدة وخياراتها الطبقية الاستغلالية التي تنمي الاغتراب وتعمقه، بل في التخلي عن “الأخلاق الحميدة” و”القيم الفاضلة والأصيلة” المرتبطة بالعائلة كفضاء تقليدي وبالأبوية/البطرياركية كتجسيد للعلاقات العمودية ذات المضمون الذكوري القهري وبالدين كإطار للممارسة الأخلاقية وتأصيلها.
إن الحل لهذه الأزمة حسب الشعبوية لا يمكن أن يكون إلا بالعودة لهذه الينابيع والحواضن وهو ما يجد هوى عند الفئات الأكثر محافظة والأكثر هشاشة اجتماعيا وثقافيا وهو ما يبدو اليوم بجلاء في الانخراط في جوقة المغالطة الشعبوية التي تسخّن لحملة حول الأخلاق الحميدة اتخذت غطاء لاستهداف بعض “صانعات وصناع المحتوى” و”نشطاء الانستغرام” المنخرطين في أنشطة مشبوهة ومدانة وذات مضمون رجعي يسلعن البشر ويدوس كرامته، لكن العديد يعون أن السياق الذي تتنزل فيه هذه الحملة الأخلاقوية إنما هو سياق التصفية المنهجية لما تبقى من حريات.
إن معالجة السلطة لمظاهر الانحلال الأخلاقي ظلت على العموم معالجة قاصرة لأنها اكتفت بالمعالجة القمعية الأمنية والقضائية، وهي معالجة لن تذهب بعيدا في أخلقة المجتمع ولا فضاءاته المتعددة مثل الفضاء الاتصالي طالما لم تتجه إلى الأسباب العميقة للتدهور القيمي.
إن التدهور المريع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب تشكل اليوم القاعدة المادية لمناصرة جزء من المجتمع للمعالجة الشعبوية التي تركز على الخطاب الأخلاقوي ذي الاتجاه القمعي تنفيسا وهميا عن أزمة تتعمق ولن ترى أفقا ولا حلا إلا من خلال معالجات اجتماعية ثورية لا ترى في الأخلاق إلا انعكاسا لما يجدّ في الواقع المادي للناس.
إن مخاطبة وجدان الجمهور وزوايا ذهنيته الأكثر رجعية هو فعل مقصود من قبل الحكم الشعبوي وزبانيته لمزيد تخدير الجمهور وإلهائه. إن الخطاب الذي يعتمده سعيد ويعوّل عليه هو خطاب أخلاقوي طهوري ملائكي تعففي عبّأ حوله جزء من الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة وتهميشا وأيضا الفئات الأكثر محافظة ورجعية وذلك كقاعدة اجتماعية داعمة وحاضنة لمشروعه السياسي الذي يعبّر عنه دستوره وترسانة قوانينه وجملة قراراته المسيجة بخطاب تحريضي.
إن المنعرج الشعبوي خطابا وممارسة في بلادنا يشبه حدّ التطابق أحيانا المسارات الشعبوية التي عاشتها أو تعيشها بلدان أخرى، والتجارب تؤكد أن قدرة الشعبوية المحافظة على التحكم والمغالطة تبقى محدودة لأن الديماغوجيا المعتمدة من قبلها لا تحل مشاكل الشعب ولا معضلات المجتمع بل تعمقها.
إن مشاكل شعب تونس لن تحلّ بالخطاب الأخلاقوي الرجعي، بل بالإجراءات الفعلية والميدانية. واستهداف وسائل التواصل الاجتماعي والتهديد بغلقها ليس هدفه حماية القيم بل هدفه ضرب الحريات والتضييق عليها مثلما فعلت الدكتاتورية الدستورية قبل الثورة و تفعل الدكتاتورية الزاحفة التي تعتمد المعجم الأخلاقوي لمصادرة الحقوق وهي المسؤولة أولا وأخيرا عن تدهور القيم وانحرافها نحو الفردانية والأنانية وعقلية تدبير الرأس والتحيل والنفاق والتفصّي من كل ما هو اجتماعي و متنور.
إن أزمة القيم هي انعكاس لأزمة الخيارات اللاوطنية واللاشعبية السائدة منذ عقود والتي تحافظ عليها المنظومة الشعبوية باعتبار الخلفية الطبقية الواحدة لحكام الأمس واليوم.
أمّا المعالجة السليمة لأزمة القيم في بلادنا فلن تكون إلا من خلال ضرب القاعدة المادية المنتجة للتدهور وخلق ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية مغايرة تعزز القيم الجماعية التقدمية والمتنورة.

في 15 نوفمبر 2024



#علي_الجلولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التونسيون والقضية الفلسطينية: ما سرّ هذا التراجع؟
- في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى: بعض الدروس وبعض العبر
- فلسطين ولبنان في قلب معركة العالم ضد الهمجية والعربدة.
- على هامش العودة المدرسية والجامعية: أوضاع التربية و التعليم ...
- خالدة جرار أيقونة فلسطينية واقفة رغم ضيق التنفس.
- في حوار شامل مع -صوت الشعب-: الصحفي المقدسي -راسم عبيدات- يق ...
- محمد الغول من قلب النار، من غزة: من وسط الألم يصنع الفلسطيني ...
- حوار مع الرفيق فهد سليمان،الأمين العام للجبهة الديمقراطية لت ...
- حوار مع الرفيق ماهر الطاهر،القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فل ...
- القضية الفلسطينية في منعرج جديد: هل تتحرك شعوبنا لإسناد الان ...
- النتائج النهائية للباكلوريا: تواصل نفس العوائق الهيكلية للمن ...
- مشكل الماء في تونس: الشعب التونسي يعطش
- الشعب البوليفي يحبط محاولة انقلابية
- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- الأنظمة العربية وفلسطين: الحقيقة عن التواطؤ واللامبالاة.
- بعد 110 يوما من حرب الإبادة: العدو ينهزم، المقاومة تنتصر.
- تجريم التطبيع بين شعبية المطلب وشعبوية التعاطي.
- المقاطعة كسلاح فعّال في النضال التحرري.
- في الذكرى 13 للثورة التونسية : أفكار حول الثورة والمسار الثو ...
- عام مضى وعام أتى وحال التونسيين يزداد تدهورا


المزيد.....




- إطلالة الملكة رانيا والأميرة رجوة الحسين تخطف الأنظار خلال خ ...
- نتنياهو: ضربات إسرائيل أصابت عنصرًا من البرنامج النووي الإير ...
- مراسلة RT: دوي انفجار ضخم يهز تل أبيب (فيديو)
- طائرة محملة بمساعدات إماراتية تهبط في مطار دمشق
- انطلاق قمة العشرين.. الفقر والحروب وعودة ترامب تهيمن على أعم ...
- الحزب الحاكم في السنغال بصدد الحصول على أغلبية برلمانية
- إفلاس شركة الخطوط الجوية الأميركية سبيريت إيرلاينز: هل تنقذه ...
- رغم أزمة الميزانية.. ألمانيا تتعهد بالملايين في قمة المناخ
- قمة العشرين: رئيس البرازيل يطلق التحالف العالمي ضد الجوع
- رغم خلافاتهم.. معارضون روس يتحدون بوتين من برلين


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - الشعبوية والقيم: وهم الأخلقة ينكشف أمام التدهور والسقوط