|
إرث الأدوار: رحلة الجندر في مجتمع مأزوم ((حيرة الجندر الحزين)) الجزء الأول
خليل إبراهيم كاظم الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 8155 - 2024 / 11 / 8 - 13:13
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في زاوية مظلمة ومخيفة من ثقافتنا العربية الإسلامية، يقبع موضوع "الجندر"، موضوع تتراكب فيه الحيرة مع الصمت، وتنمو فيه التناقضات بين أيدينا مثل نبتة برية في صحراء المعتقدات المستقرة. يأتي كتاب "الجندر الحزين" للكاتب فتحي المسكيني ((*)) لينبش عن جذور التمييز الجنسي التي تعتمل داخل تراثنا، وليرمي حجراً ثقيلاً في بركة الماء الراكدة التي أحاطت بنقاشات الجندر، مستفزاً المتلقين لكسر الصمت أو للتساؤل على الأقل عن مدى صدق تلك "الحقائق" التي قُدمت لنا عبر الأجيال كمسلمات. قد يبدو اختياري لهذا الكتاب غير متوقع، لكن الحافز كان تفشي التضليل والنفاق الذي أصاب مصطلح "الجندر" في هذه الأزمنة. ما يقدمه المسكيني ليس مجرد توثيق أكاديمي، بل استعراض نقدي فريد وذكي يضع القارئ أمام تساؤلات محورية – من أين يأتي هذا التمييز الجنسي في ثقافتنا؟ وما الذي يجعل الحديث عن الجنس والجندر يمر وسط ألغام الحرج والارتباك، كأن هذه المفاهيم محظورة أو ممنوعة من التداول في الفضاء الثقافي العربي؟ ليس الأمر مجرد نقد، بل هو اختبار للوعي الثقافي، وتحدٍ لما نصمت عنه عادةً بدافع الخجل أو الرهبة. فحين تتابع القراءة، تجد نفسك أمام مرايا تكشف التناقضات العميقة، تدفعك ربما للاعتراف بالمظلوميات أو حتى للمواجهة، مواجهة الذات والمجتمع، وتلك الأفكار التي تغلغلت بنا لتشكل فهمنا للنوع والجنس والدور.. يناقش الكتاب عدة مواضيع، منها: • الجندر واللغة: يفترض المسكيني أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، بل إنها تأسيس للبنية الفكرية ولطريقة فهم الإنسان لذاته. في هذا السياق، يتناول كيف أن مفاهيم الذكورة والأنوثة في اللغة العربية وغيرها من اللغات تمتد إلى النظام الاجتماعي والديني والسياسي. يرى أن اللغة تكرس الفروق بين الذكر والأنثى كقاعدة نحوية تتجاوز كونها مجرد تصنيفات بيولوجية، فهي تتحول إلى استعارات رمزية، مثل الأب والملك والإله، والتي تستخدم لترسيخ التراتبية الاجتماعية. يرى المسكيني أن "الجندر" لا يعبر فقط عن الفرق البيولوجي بين الذكر والأنثى، بل يمثل بنية اجتماعية نحوية توجّه طريقة تفاعل البشر مع بعضهم البعض ومع السلطة والمقدسات. على سبيل المثال، تكون بعض الصفات اللغوية في اللغة العربية مرتبطة بالذكورة، وهو ما يعكس هيمنة الذكورة في التصور اللغوي والثقافي؛ فالذكورة هي الأصل والأنوثة هي الاستثناء. يرى المسكيني أن هذه الاستعارات "الذكورية" في اللغة تعزز الهيمنة، مما جعل بعض التيارات النسوية ترى أن اللغة ذاتها تتحامل على المرأة وتحرمها من التمثيل اللغوي العادل. ليست اللغة مجرد وسيلة لنقل الكلمات؛ إنها أقرب ما تكون إلى سلاح مزدوج، يحفر في الوعي الجمعي ويصبغ الهويات ويحدد المصائر. في كل مرة نستخدم فيها اللغة، نحن نصوغ واقعاً، ونعزز صوراً نمطية، وربما نكرس قيوداً اجتماعية. يظهر مفهوم "الجندر" هنا كمعركة ثقافية غير مرئية، تتغلغل فيها اللغة لتفصل بين الجنسين، وتوزع الأدوار الاجتماعية وكأنها أحكام ثابتة. هذا البحث يأتي ليقلب الطاولة على اللغة نفسها، متسائلاً: إلى أي مدى يمكن للغة أن تكون محايدة أو منصفة؟ أم أنها بحد ذاتها حارسٌ أمين لمنظومة التمييز؟ اللغة ليست بريئة؛ فهي تبدأ بتشكيل هوياتنا منذ نعومة أظافرنا. يتعلم الطفل باكراً الأدوار والصفات الخاصة بكل جنس، لكنه لا يدرك أن هذه الكلمات تضعه داخل "قفص هوية" قد يكون ضيقاً ومحدوداً. الضمائر، الأفعال، الصفات، وكل تفاصيل اللغة توحي برسائل دقيقة وصارمة عن الهوية – تكاد تصرخ في وجهنا: "كن ما أريده أنا، لا ما تريده أنت". بهذا، تتبلور ثنائية الجندر وتتشكل هوية الفرد ضمن إطار صارم، حيث تصبح اللغة أداة لترسيخ قوالب جاهزة وتثبيت حدود ثابتة؛ فهل نحن من نتحكم في اللغة، أم أنها من تتحكم فينا؟ اللغة كمرآة للجندر ليست مجرد وسيلة لنقل الأفكار، بل هي منظومة شاملة تتغلغل فيها التصنيفات الجندرية وتؤطر الحياة البشرية منذ الطفولة. فهي لا تكتفي بتقسيم المتحدثين ضمن حدود صارمة، بل تضعهم داخل قوالب تملي عليهم كيف يتصرفون، وما يُفترض أن يشعروا به. وهنا تكمن إثارتها: هل نحن من نصوغ هوياتنا، أم أن اللغة تتدخل في أعماق وعينا، لتفرض علينا ثنائية محكمة لا تعترف بأي هوية خارجية أو "خارجة عن النص"؟ تعالوا نغوص في بعض العناصر اللغوية التي تسهم في هذا التشكيل وتلقي الضوء على اللعبة المعقدة بين الجندر واللغة. الضمائر: بكلمة واحدة، بضمير "هو" أو "هي"، تحدد اللغة مصير الهوية في سياق جندري ضيق، وكأنها تقول: ليس هناك مجال لهوية لا تنتمي إلى هذين القالبين. استخدام الضمائر بهذه الطريقة لا يعترف بأي طيف جندري خارج الثنائية التقليدية، مما يجعل اللغة وكأنها تمثل حارساً أميناً لهذا الإقصاء. فالضمائر تحمل في طياتها أحكاماً مسبقة، وكأن اللغة تشارك بنشاط في بناء وتثبيت هوية جنسية محددة – بل وتفرضها حتى على أولئك الذين لا يشعرون بالانتماء إليها. الأسماء: تخيل أنك مجبر على العيش داخل اسم يحدد جنسك، وكأنك تحمل شهادة هوية تُثبت هذه الثنائية منذ لحظة ميلادك. تُصنَّف الأسماء بين "مذكر" و"مؤنث" وتُحمل معها صور نمطية تلقائية؛ فهل يمكن لفتاة تُدعى "سارة" أن تُعامل بنفس معاملة شاب يُدعى "عمر"؟ من خلال تصنيف الأسماء، تتسلل اللغة إلى عوالمنا الخاصة لتصنع رموزاً تعبر عن كل جنس، فتخلق نمطاً محدداً يُطابق المعايير المجتمعية الصارمة. الصفات: اللغة ليست محايدة حين يتعلق الأمر بالصفات، بل تروج لصورة معينة لكل جنس. فبينما ترتبط صفات القوة والشجاعة بالرجال، تُقرن صفات الرقة والجمال بالنساء، وكأن الرجال وحدهم ملوك الشجاعة والنساء أيقونات الرقة! هكذا، تساهم اللغة في توجيه المجتمع للنظر إلى الأفراد بشكل نمطي؛ فاللغة تعزز هذه الصفات وتكرسها، بل وتستخدمها كأداة لرسم حدود هويتنا منذ الصغر، وتلك هي اللعبة التي لا تظهر بسهولة. الأفعال: وهنا يدخل التمييز في أبسط التصنيفات اللغوية؛ فمثلاً، يُستخدم تعبير "رجل أعمال" لوصف شخص ناجح في مساره المهني، بينما تُستخدم "ربة منزل" لتأطير دور المرأة داخل البيت، وكأنها ملكة للمطبخ فقط. مثل هذه التعبيرات تُسهم في ترسيخ الفروق بين الجنسين، وتجعل من الفعل نفسه حاملاً لمفاهيم تراتبية غير منصفة. اللغة تقسم العالم إلى أفعال "رجولية" وأخرى "نسائية"، وهكذا يصبح الاستخدام اللغوي ذاته تعزيزاً للفوارق، إذ يتشابك الفعل مع الدور الجندري في بنية لا تعترف بأي انسيابية. نظرة جوديث بتلر: تشير جوديث بتلر، في كتابها الشهير "قلق الجندر"، إلى أن "الجندر ليس حقيقة بيولوجية، بل هو بناء تداولي تؤديه الأجساد من خلال اللغة والسلوك". وبهذا المعنى، يصبح الجندر عرضاً مسرحياً، كل منا يؤدي دوره المحدد سلفاً أمام الجمهور الواسع، بإشراف اللغة، وهي التي تُلقننا نصوصنا وتفرض علينا أداءً غير مرن. إذن، هل نحن أبطال حقيقيون لهوياتنا الجندرية، أم مجرد لاعبين مجبرين على أداء أدوار فرضتها اللغة من دون استئذان؟ اللغة وصياغة المواقف الاجتماعية لا تُشكّل اللغة الهويات الجندرية فقط، بل تُصيغ أيضًا المواقف الاجتماعية تجاه كل جنس. فاللغة تُستخدم لترسيخ الصور النمطية، وتعزيز التمييز، وتبرير العنف ضد النساء. أ) الصور النمطية: تُستخدم اللغة لترسيخ الصور النمطية عن كل جنس، مثل اعتبار النساء أقل كفاءة من الرجال في العمل، أو أن الرجال لا يُجيدون التعبير عن مشاعرهم. ب) التمييز: تُستخدم اللغة لتبرير التمييز ضد النساء، مثل حرمانهن من حقوقهن السياسية أو الاقتصادية، أو تقييد حريتهن في التنقل والعمل. ج) العنف: تُستخدم اللغة لتبرير العنف ضد النساء، مثل التحرش الجنسي أو العنف المنزلي. تشير ديبورا تانين، في كتابها "أنت تتحدث مثل فتاة"، تستكشف كيف تؤثر اللغة الجندرية على فرص النساء في العمل والحياة العامة. اللغة وترسيخ التمييز بين الجنسين: إن اللغة لا تتوقف عند كونها وسيلة للتعبير؛ فهي أداة تحمل في طياتها قدرة غير مرئية على ترسيخ أنماط جندرية مهيمنة، تغذيها عبر آليات دقيقة لتشكيل المجتمع. فاللغة تمارس أدواراً تخفي النساء وتهمشهن، بل وتشرعن أحياناً العنف الموجه ضدهن. وهنا يصبح السؤال ملحاً: هل اللغة تعكس الواقع فحسب، أم أنها تخلق واقعاً يكون فيه تمييز النساء جزءاً طبيعياً من حياتنا؟ إخفاء النساء: في كثير من الخطابات، تُستخدم ضمائر وألفاظ ذكورية للإشارة إلى الجنسين، وكأنما النساء غير موجودات أصلاً. وكأن اللغة تقول، بصوتها الخفي، إن الوجود الفعلي هو للرجال فقط، وأن النساء في أفضل الأحوال يُختصرن في شذرات تتوارى خلف هذا الضمير "المحايد"! ليس ذلك فحسب، بل نجد التركيز ينصب على إنجازات الرجال، بينما تُغفل الإنجازات النسائية، لتكرس فكرة ضمنية بأن حضورهن غير جدير بالذكر. تهميش النساء: من خلال المصطلحات، تُستخدم اللغة لإقصاء النساء وتصويرهن وكأنهن أقل كفاءة أو أهمية. كم من الألفاظ المُهينة والمسيئة تُطلق ببرود لتمييز النساء وإبقائهن في موقع دوني، معزولة عن دوائر التأثير؟ هذه الألفاظ ليست مجرد كلمات، بل هي رسائل تعيد رسم صورة المرأة، لا كعنصر فعّال ومبدع، بل ككيان أدنى في سلم الأهمية. إضفاء الشرعية على العنف: أحد أخطر أدوار اللغة هو منح الشرعية للعنف ضد النساء، فحين تُستخدم عبارات تبرر العنف وكأنه أمر طبيعي أو "سوء تفاهم" مشروع، تصبح اللغة شريكاً ضمنياً في شرعنة هذا الظلم. فمن خلال استدراج بعض العبارات التي تبرر العنف الزوجي أو الاضطهاد الأسري، تبدو اللغة وكأنها تصادق على أفعال تُقيد الحرية وتكبت الأصوات، وكأنها تقول إن "هذا العنف أمر عادي". اللغة والتمكين: ورغم هذا الدور السلبي الذي تلعبه اللغة في تأصيل التمييز، فإنها تحتفظ أيضاً بقدرة على إحداث التغيير، بحيث يمكنها أن تكون وسيلة تحرر وتمكين. ما إذا كنا قادرين على إعادة صياغة اللغة نفسها لتحمل رسائل ترفض التمييز وتعزز المساواة، فإن ذلك يعني أننا نستطيع أن نعيد تشكيل المجتمع من خلالها. لغة محايدة جندرياً: يُطالب الكثير من الباحثين اليوم بلغة محايدة جندرياً، تتخلص من تصنيفاتها التقليدية التي تميز بين الجنسين، وذلك عبر استخدام مصطلحات شاملة أو صيغة الجمع التي تتضمن الجميع. هذه اللغة المحايدة لا تهدف إلى تذويب الاختلافات، بل تسعى لتوفير مساحة تشمل الجميع دون تفضيل ضمني أو صريح لجنس على آخر. تغيير الاصطلاحات اللغوية: إن تغيير الاصطلاحات اللغوية يُعتبر خطوة ثورية في تفكيك الصور النمطية، حيث يمكننا استخدام مصطلحات تعبر عن الاحترام والمساواة بين الجنسين. فبدلاً من أن تكون اللغة مرآة للتمييز، يمكن أن تصبح أداة لنشر الوعي وتعزيز رؤية أفقية تنظر إلى الأفراد بموضوعية، بعيداً عن قوالب التمييز الجندري. إبراز إنجازات النساء: وأخيراً، إن من أبسط وأهم وسائل التمكين اللغوي هو إضفاء الأضواء على إنجازات النساء، فمجرد الكتابة عنهن والتحدث عن مساهماتهن كافٍ لتغيير الموقف المجتمعي تجاههن. فكلما احتلت النساء مساحات أكبر في الأدبيات والخطابات، يصبح لهن صوت يُعبر عن أفكارهن ويعيد تشكيل صورتهم خارج الإطار التقليدي، وكأن اللغة، هذه المرة، تصبح شريكاً في صنع واقع جديد. إن العلاقة بين الجندر واللغة هي علاقة معقدة ومتشابكة. فاللغة تُشكل الهويات الجندرية، وتُصيغ المواقف الاجتماعية، وتُرسخ التمييز بين الجنسين. ولكنها يمكن أن تُستخدم أيضًا كأداة تمكين، من خلال تغيير اللغة، يمكن تغيير المواقف الاجتماعية، وتعزيز المساواة بين الجنسين. ويُعتبر النضال من أجل لغة أكثر عدلاً ومساواة جزءًا لا يتجزأ من النضال من أجل مجتمع أكثر عدلاً ومساواة. اللغة العربية والتمييز بين الجنسين: أمثلة وتفصيل كما ذكرنا سابقاً، تُساهم اللغة في ترسيخ التمييز بين الجنسين من خلال عدة آليات وفي اللغة العربية يمكن تتبع هذه الآليات من بينها: 1. قواعد النحو: - أولوية المذكر: حتى في حالة وجود جمع مشترك بين الجنسين، يُستخدم المذكر، مثال: "المعلمون والطلاب حضروا الدرس"، حتى لو كانت نسبة الإناث أكبر. هذا يُشعر النساء بأنهنّ مهمَّشات وغير مرئيات لغويًا. - المذكر العام: يُستخدم المذكر للدلالة على الجنسين، كقولنا "الإنسان يفكر". هذا يُرسّخ فكرة أن الذكر هو النموذج الافتراضي للإنسانية، وأن الأنثى هي حالة شاذة أو ثانوية. - التذكير عند الإضافة: إذا أُضيف اسم مؤنث إلى اسم مذكر، يتحول المؤنث إلى مذكر، مثال: "كتاب زينب جديد". هذا يُشعر بأن هوية المرأة تُمحى عند ارتباطها بالرجل. 2. الاصطلاحات اللغوية: - ألفاظ مهينة: تُستخدم بعض الألفاظ المُهينة أو المُسيئة لوصف النساء، كقولنا "عانس" أو "ثرثارة". هذه الألفاظ تُرسخ صورًا نمطية سلبية عن النساء، وتُساهم في تبرير التمييز ضدهنّ. - التركيز على الجمال: تُركّز اللغة العربية غالبًا على وصف جمال المرأة، بينما تُركّز على وصف قوة الرجل وذكائه. هذا يُرسّخ فكرة أن قيمة المرأة تكمن في جمالها الخارجي فقط، بينما قيمة الرجل تكمن في قدراته العقلية والعملية. 3. الحيز: - اختلاف حيز الرجل والمرأة: يختلف الحيز المكاني المسموح به لكل جنس، حيث يُسمح للرجال بالتحرك بحرية أكبر في الفضاء العام، بينما يُقيَّد حيز المرأة في الغالب بالمنزل. وينعكس هذا الاختلاف في اللغة، حيث تُستخدم عبارات مثل "رجل الشارع" للدلالة على الرجل العادي، بينما لا تُستخدم عبارة "امرأة الشارع" إلا بمعانٍ سلبية. 4. اختلاف دلالة المرأة والنساء: - يطرح الكتاب تساؤلاً مهماً حول اختلاف دلالة "المرأة" و"النساء" في اللغة العربية، مُشيرًا إلى أن القرآن الكريم استخدم مصطلح "النساء" في سورة كاملة، ولم يُستخدم مصطلح "المرأة" إلا نادرًا. وهذا يُثير تساؤلات حول دلالة هذا الاختلاف، وهل يُشير إلى تعمُّد إخفاء "المرأة" كفرد مستقل. هل ينطبق هذا على لغات أخرى؟ نعم، ينطبق هذا إلى حدٍّ ما على لغات أخرى، وإن كانت تختلف الآليات والدرجات. فمثلاً، في اللغة الفرنسية، تُستخدم صيغة المذكر في الجمع المشترك بين الجنسين، وكذلك في الإنجليزية. كذلك تُستخدم بعض الألفاظ في هذه اللغات لترسيخ الصور النمطية عن كل جنس. لكن هناك لغات أخرى أكثر حيادية جندريًا، مثل التركية. اللغة المحايدة: إشكالية التحييد والتمييز تُعتبر اللغة المحايدة جندريًا أحد الحلول المقترحة لمواجهة التمييز اللغوي. وهي تقوم على استخدام ألفاظ لا تُشير إلى جنس المتحدث، أو على استخدام صيغة الجمع للدلالة على الجنسين. لكن هذه اللغة تُثير إشكاليات عدة من بينها: أ) إخفاء الاختلاف: يرى البعض أن اللغة المحايدة تُخفي الاختلاف بين الجنسين، وتُساهم في تهميش النساء، حيث تُمحى هويتهنّ اللغوية. ب) استخدامها لترسيخ التمييز: من ناحية أخرى، يمكن استخدام اللغة المحايدة لترسيخ التمييز بطرق خفية. فمثلاً، إذا أُستخدمت اللغة المحايدة في سياق مهني، ولكن لم تُتخذ إجراءات أخرى لتعزيز المساواة بين الجنسين، فإن اللغة المحايدة تُصبح مجرد قناع يُخفي استمرار التمييز الفعلي. لذلك، لا يُعتبر استخدام اللغة المحايدة حلاً سحريًا لمشكلة التمييز اللغوي، بل هو خطوة أولى يجب أن تُقرن بإجراءات أخرى لتعزيز المساواة بين الجنسين في كل المجالات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ((*)) شاعرٌ وفيلسوف ومترجِم تونسي كبير. أثرى المكتبةَ العربية بالعديد من المؤلَّفات والترجمات القيِّمة في الفكر والفلسفة، ونال جائزة الشيخ زايد للكتاب في الترجمة عام ٢٠١٣م لترجمته كتاب «الكينونة والزمان» للفيلسوف الألماني «مارتن هيدغر». وُلد عام ١٩٦١م في مدينة بوسالم بتونس، أحبَّ الشعرَ كثيرًا وبدأ نظمَه وهو في عمر مبكر متأثرًا بحبه ﻟ «جبران خليل جبران» وكتاباته، وما زال يكتب الشعر إلى الآن، وإلى جانب شغَفه الأدبي عُنِي كثيرًا بدارسة الفلسفة، وخاصةً الفلسفة الألمانية، وكان شديدَ الاهتمام بالتعرُّف على فكر الفيلسوف الألماني الشهير «مارتن هيدغر»، ولحبه الشديد بالفلسفة ركَّز دراستَه في هذا المجال، وحصل فيه على دكتوراه الدولة عام ٢٠٠٣م، وهو يشغل حاليًّا منصبَ أستاذ تعليم عالٍ في الفلسفة المعاصِرة بجامعة تونس. صدر كتاب "الجندر الحزين "عن مؤسسة هنداوي عام .٢٠٢٣
#خليل_إبراهيم_كاظم_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقفون في زمن الإلتباس : هل خانوا الكلمة أم خانتهم الكلمة؟
-
أنياب السياسة وقضم حقوق الإنسان
-
-انحدار تصنيف المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق: هل ست
...
-
“العالم بين الرؤية الاقتصادية ورؤية حقوق الإنسان- محاولة بنا
...
-
الارتداد العنيف ضدّ المساواة بين الجنسين دراسة في الديناميكي
...
-
العدالة المناخية: حقّ إنسانيّ في مواجهة تحديات القرن الحادي
...
-
-العدالة المعطوبة: لماذا تدمر انتهاكات حقوق الإنسان أساس الم
...
-
في محنة الفلسفة المعاصرة: -الدولة وحقوق الإنسان- من يحرس الح
...
-
هل اصبحت حقوق الإنسان... رفاهية لم تعد الدول تتحملها؟ ماذا ل
...
-
ثمار الظلم: كيف تؤثر انتهاكات حقوق الإنسان على مستقبلنا؟
-
-نهج حقوق الإنسان: هل هو الإطار المثالي لتحقيق العدالة الاجت
...
-
وعدٌ مُلزمٌ أم حبرٌ على ورق؟ دوافع انضمام الدول لمعاهدات حقو
...
-
الصوت العربي في تشكيل إطار حقوق الإنسان مساهمات في صياغة الإ
...
-
برئاسة عربية لمجلس حقوق الانسان .. قرارات استثنائية لقضايا ع
...
-
فلسطين الأم الحالمة وبشارات وداع رمضان
-
العنف ضد المرأة ... والعناية الواجبة
-
الوثائق المتعلقة بحقوق الانسان .....محنة التوافق واختباء الم
...
-
ملفات حقوق الانسان الساخنة.. لا تصلح في المناطق الدافئة مطال
...
-
الحق في الحياة.. الحق في جودة الحياة محنة الكشف ودهشة الاكتش
...
-
الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الانسان
المزيد.....
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
-
المملكة المتحدة.. القبض على رجل مسن بتهمة قتل واغتصاب امرأة
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|