أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في معرفة الواحد














المزيد.....

في معرفة الواحد


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 16:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ربما لو سألتُ أي منكم، أصدقائي القراء، أن يشير ليّ إلى ما يقصده بلفظة ’واحد‘ لرفع مندهشاً راحته اليسرى وأشار نحوها بسبابته اليمنى مُعَدِّداً باستهجان: "هذا ’واحد‘، وهذا ’اثنان‘، ثلاثة، أربعة، خمسة". لكني سأدعي البلاهة وعدم الفهم لكي أواصل الاستفهام: لكن هذا إصبع، وهذا اصبع، وهذا إصبع... وصولاً حتى الإصبع الخامس والأخير. أنا أرى جيداً هذه الأصابع في يدك ولا شك لديّ إطلاقاً في حقيقة وجودها، لأن وجودها متاح بالفعل لحواسي الذي تستطيع التحقق منه. في الحقيقة، ما أسأل عنه ليس هذا الإصبع أو ذاك، التي أعرف أنها موجودة فعلاً، بل هذا الذي تُسميه ’واحد‘، ’اثنان‘، ’ثلاثة‘، ....’خمسة‘. إذا كانت لفظة ’اصبع‘ تشير إلى هذا الشيء العضوي الماثل لحواسي في يدك، إلى ماذا تُشير تحديداً بلفظة ’واحد‘ وأخواتها؟ هل من جود حقيقي محسوس لهذا المُشار إليه؟ أين؟ وكيف نستطيع التحقق من وجوده باستخدام حواسنا مثلما نفعل مع أصابع أيادينا؟

قد يندهش البعض لمعرفة أن الواحد لا يملك وجوداً محسوساً في الحقيقة. بل هو ينتمي إلى نوعية من الكائنات الأخرى غير موجودة حسياً في العالم. هي كائنات افتراضية، وجودها وبقائها داخل دماغ الإنسان فقط. لكن من أين جاءت معرفة الإنسان بمثل هذه الكائنات غير الموجودة أصلاً في عالم خبرته المعيشية؟ المدهش أنها جاءت من نفس هذا العالم الخبراتي المُعاش ذاته، لا من خارجه كما قد يعتقد البعض. الانسان يأتي إلى الحياة مزوداً بعينين يستطيع الإبصار بهما. وهو يستطيع من خلال حاسة الإبصار هذه (مقترنة مع مَلكة اللغة التي طورها بنفسه) أن يميز المفرد من الجمع، الواحد من الكثرة سواء داخل نفس النوع أو قياساً على أنواع أخرى من خارجه. الأحادية والتعددية هي ’صفة‘ يُبْصرها الإنسان- ويستقبلها دماغه- في الشيء أو الأشياء موضع نظره. ثم ينسب هذه الصفة إلى الشيء الموصوف بها إلى حد الاعتقاد أن الصفة والموصوف هما شيء واحد والشيء نفسه. لكن، هل هما كذلك بالفعل؟ عندما نقول إصبع + واحد= اصبع واحد، هل نقصد مفهوماً واحداً أم اثنين؟ إذا كان هذا المفهوم يُشير إلى شيء واحداً والشيء نفسه، لماذا استخدمنا إشارتين لغويتين منفصلتين، ’اصبع‘ و’واحد‘، للإشارة إلى شيء واحد ونفس الشيء؟! وهل هو، كما نراه ونعتقده، نفس هذا الاصبع ’الواحد‘ أيضاً في نظر سائر الأنواع الحية غير البشرية؟ كيف يبدو في نظر الحيوانات والنباتات والجمادات، فضلاً عن الحشرات والديدان والجراثيم والفيروسات والبكتريا؟ معظم هذه الأنواع قد تشاركنا في حاسة الإبصار بدرجة أو بأخرى، لكنها بالتأكيد لم تطور الدماغ وملكة اللغة إلى الحد الذي يمكنها من ابتكار كائنات افتراضية مثل الإنسان.

الصدمة الأكبر لا تزال هي حين نكتشف أن الاصبع الواحد ليس ’واحداً‘ كما نعتقد. بل هو، في الحقيقة وكما تكشف لنا علوم التشريح الحديثة، عالماً بأكمله؛ وأنه لا يملك وجوداً وكياناً منفصلاً، مستقلاً ومكتفياً بذاته بالمعنى الذي توصله اللفظة ’واحد‘؛ بل وجوده مشروط ومرهون ومقيد بموجود أو موجودات أخرى، وهو لا يتعدى كونه جُزء في كُل ربما غير متناهي. رغم ذلك، يبقى أن إشارتنا إلى الإصبع الواحد باللفظ ’واحد‘ واعتقادنا بصواب هذه النظرة كافية لتلبية أغراض بشرية معينة قد ابتكر البشر من أجلها مثل هذه الإشارات اللغوية في المقام الأول. حتى لو كانت نظرة خاطئة وغير حقيقية- بمعنى كونها مجرد صفات للأشياء من صنع حواسنا وأدمغتنا وليس لها من وجود فعلي مستقل لا في هذه الأشياء نفسها ولا في عالمنا الذي نعيش فيه- لكنها مع ذلك تُشبع حاجة معيشية للإنسان تسمح له بإحصاء عديد شجيراته وغنماته وأسهمه وممتلكاته ونقوده، وحتى حسناته التي يدخرها لحياته الآخرة. لكن الطامة الإدراكية الكبرى تقع حين يخلط البعض بين موجود الموائمة المعيشية البشرية الافتراضي هذا (مثل الواحد) وبين الموجود الحقيقي (مثل الإصبع) ويحسبونه شيئاً واحداً والشيء نفسه. وفي مثل هذا الخطأ الإدراكي قد وقع الفقه الديني خلال العصور الوسطى بتصوره العالم والله شيئاً واحداً والشيء نفسه.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العُقْدَة اليهودية في العقل العربي
- تمرير ديمقراطية عربية تحت غطاء ديني!
- رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية
- باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد
- الأنانية في المجتمع والدولة
- الأمة العربية والإسلامية لكن بزاوية نَظَر حادة
- الدين سلطان القلوب
- من الشورى إلى ديمقراطية جهنم
- بِكمْ تَبِيعُني إلَهَك؟
- بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي
- نَظْرة ذُكورية
- هل التعايش ممكناً بين الديمقراطية والدين؟
- التناقض بين الديمقراطية والدين
- كيف أضعنا غزة مجدداً
- ما هي منزلة المرأة في الإسلام؟
- محاولة لفهم الدولة
- مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة
- حُلُم الدولة العربية المُجهض
- أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
- عبادة المقاومة - حدود حق الدفاع عن النفس


المزيد.....




- مقتل وإصابة العشرات في جنوب لبنان إثر غارات إسرائيلية، والجي ...
- مقترح مصري لوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة ومفاوضات في الدوحة ...
- دعوات للاحتجاج في جورجيا واتهام لروسيا بتزوير الانتخابات
- من يستطيع إنهاء الحروب.. ترامب أم هاريس؟
- ترامب وهاريس في ولايتين حاسمتين قبل الانتخابات بـ 9 أيام
- صحيفة: قراصنة صينيون يتجسسون على مكالمات شخصيات سياسية أميرك ...
- إعلام إسرائيلي: نتنياهو ووزيران يرفضون مقترح مصر بشأن غزة
- ترامب في تجمع انتخابي: هاريس -دمرت الولايات المتحدة-
- بايدن يدلي بصوته في التصويت المبكر لانتخابات الرئاسة اليوم
- كوريا الشمالية: مسيّرة كورية جنوبية اخترقت أجواءنا


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في معرفة الواحد