أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حجي - هل للكون غاية؟ 2. -بين التساؤل والعبث-














المزيد.....

هل للكون غاية؟ 2. -بين التساؤل والعبث-


مصطفى حجي
كاتب وناقِد

(Mustafa Hajee / Mustafa Alhaji)


الحوار المتمدن-العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 00:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إنْ كان الجزء الأول قد كشف لنا عن التناقضات الكامنة في فكرة أن للكون غاية متعمدة ومقصودة، فإن الجزء الثاني لا بد أن يتعمق أكثر في هذه التساؤلات، ويعرض لنا زوايا جديدة من الفهم المتأنّي، لَعلّنا نستخلص من هذا الكون الفسيح بعضًا من الحكمة، أو نعترف بأن عدم المعرفة قد يكون أحيانًا الحل الأصدق.

● الغاية من الغايات: تكرار السؤال

عبر التاريخ، كل حضارة، كل فلسفة، وكل عقل بشري، كان يميل إلى طرح هذا السؤال: "ما الغاية من كل هذا؟" يبدو أن السؤال نفسه قد صار غاية، وكأن التوجس والتساؤل هما جزء من طبيعة الإنسان الفطرية. لكن في حين قد يتخيل البعض أن هذا السؤال يحمل داخله جوابًا نقيًا ينتظر أن يُكتَشف، فإن الواقع قد يشي لنا بأن السؤال ذاته غير منطقي. فكما أن الطبيعة ليست مُلزَمة بتلبية رغباتنا أو توقعاتنا، فإن الكون ليس ملزمًا بأن يحمل غاية نستطيع فهمها أو إدراكها.

وماذا لو أن بحث الإنسان عن الغاية ما هو إلّا انعكاس لاحتياجه العاطفي؟ كائن ضعيف، متناهٍ في الصغر، تائهٌ في فضاءٍ واسع، يبحث عن معنى ليملأ الفراغ الداخلي الذي يشعر به. فهل يمكن أن يكون السؤال عن الغاية نابعًا من خوفٍ دفينٍ من الفراغ الوجودي الذي يُطاردنا، أكثر من كونه سؤالاً منطقيًّا مبنيًّا على أسس علمية أو فلسفية صلبة؟

● عبثية الوجود: هل هي الوجه الآخر للحرية؟

لنقل إن الكون عبثي، وإنّه لم يُخلَق لغرض أو هدف. قد يبدو هذا الموقف مثيرًا للقلق لأول وهلة، لكنه في الوقت ذاته يفتح أمامنا أفقًا جديدًا من الحرية. عندما نزيل فكرة الغاية المطلقة، نحرر أنفسنا من قيود الأفكار المسبقة، ونصبح المسؤولين الوحيدين عن تحديد معاني حياتنا الخاصة. إنها مسؤولية ثقيلة، بلا شك، لكنها في نفس الوقت تمنحنا قوّة لا متناهية: نحن من نصنع غاياتنا، ونحن من نشكل معاني حياتنا.

قد نختار أن نعيش من أجل العلم، أو الفن، أو الحب، أو تحسين ظروف البشرية. وقد يختار غيرنا طريقًا مختلفةً تمامًا. في غياب غاية كونية مفروضة علينا، يُصبح كل إنسان قادرًا على تشكيل حياته وفقًا لتجاربه، ميوله، واحتياجاته.

● رحلة الإنسان: غايات صغيرة في عالم بلا غاية؟

لعلَّنا، إذ نواجه احتمالية أن الكون نفسه بلا غاية، نستطيع أن نتوقف عن البحث عن الغاية الكبرى ونتأمل الغايات الصغيرة. أليس الكون مجرد مجموعة من الحوادث المتسلسلة؟ وهل يتطلب كل حدث غاية محددة أو مُسبقَة؟ حين نتأمل الطبيعة وما يحدث فيها من دوراتٍ حياتية لا تنتهي، ندرك أن الغايات قد تكون في الأشياء البسيطة. شجرة تُنتِج ثمرة، حيوان يَأكلها، يموت هذا الحيوان ليعود الأرض وتعود الأرض لِتُغذّي حياةً أُخرى.
هنا لا غاية كُبرى، بل سلاسل من الحوادث التي تصنع نمطًا لا متناهيًا، ولكن دون هدف محدد.

قد يكون الإنسان -بمحدوديته وضعفه- ليس قادرًا على رؤية تلك الأنماط إلّا من منظورٍ أناني يَجعل من نفسه مركز الكون، لكن ماذا لو كنا نحن جزءًا بسيطًا في سلسلة غير مرئية؟ نعيش، نموت، وينتهي وجودنا مثلما انتهى وجود المليارات من الكائنات قبلنا.

● الزمن: شاهدٌ صامتٌ على لا نهائية الكون

الزمن، هذا البُعد الذي يَتحكّم في كل ما هو حي، يبدو لنا كما لو كان شاهدًا صامتًا على العدم المتكرر. كل لحظة تمر ليست إلا خطوة نحو الماضي، نحو النسيان. وإذا كان للكون غاية، فلماذا يسمح للزمن أن يكون بهذه القسوة؟ لماذا تذبل كل محاولاتنا لفهم العالم أو حتى لفهم أنفسنا؟
يبدو أن الزمن يعيدنا دائمًا إلى نقطة البداية: تكرار لا ينتهي من الأسئلة، والبشرية محكوم عليها أن تعيش ضمن هذا اللغز.

هذا يُعزِّز فكرة أن السؤال عن الغاية قد لا يكون سوى انعكاس لعجزنا عن قبول الفكرة البسيطة: الكون قد يكون بلا غاية، وأن الغاية الحقيقية ربما هي مجرد استمرار هذا السؤال نفسه.

___

وفي الختام، كما في البداية، أجد نفسي مترددًا أمام هذا السؤال: هل للكون غاية؟ قد لا نملك القدرة أو الأدوات اللازمة للإجابة على هذا السؤال، لكن من المؤكد أن تساؤلاتنا العميقة حول الكون تعكس شيئًا من الإنسان ذاته؛ كائن يبحث عن الغاية في عالم قد يكون بلا غاية، ويبحث عن النظام في كون قد يكون في عمقه فوضويًا. وربما لا نحتاج إلى إجابة حاسمة لهذا السؤال؛ ربما يكفينا أن ندرك أن الأسئلة ذاتها قد تكون جزءًا من طبيعتنا، تمامًا كحاجتنا للحب والأمان.

ولعل الإجابة تكمن في عدم وجود إجابة قاطعة، فالكون قد لا يحمل غاية محددة، لكننا نحن من نصنع معانيه، ولو على نطاقٍ صغير.



#مصطفى_حجي (هاشتاغ)       Mustafa_Hajee_/_Mustafa_Alhaji#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل للكون غاية؟
- المُعضِلة بين الاحترام والإساءة
- ماذا بعد الموت؟
- بين فيروز ونزار «ليست لنزار»
- نزار قبّاني ... والمرأة
- {البيضة} ... قصة قصيرة ل -آندي وير-
- عدمِيَّة ... (وقليل مِنَ التفاؤل)
- الملحد العربي ... الاتِّهام والحقيقة
- حياة عدميّة ... بإله أو بغير إله
- إبليس يَشكُو مأساتَه ويُدافِع عن نَفسِه
- توضيح لمقولة آينشتاين -إنَّ الله لا يلعب بالنرد- وما شابهها
- حول - رِهان باسكال -
- الدنيا دار اختبار، لكَ فيها حرِّيّة الاختيار
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الثّاني
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الأوَّل
- عندما قرَّر الله أن يخلق الكون
- كنصيحة منّي أنا الإنسانُ الفقير إلى العلم
- مِنْ أجلِ أنْ تَرى الواقع
- ردًّا على السؤال المتكرِّر : -لماذا أنتقد الإسلام دون بقيَّة ...
- مسيلمة رحمن اليمامة، وما أدراك ما الرحمن... الجزء الرابع وال ...


المزيد.....




- ترامب حول التسوية في أوكرانيا: سنعرف الكثير قريبا
- RT توثق الانتهاكات الإنسانية الأوكرانية
- ترامب: زيلينسكي مستعد للتخلي عن مطلب -استعادة- شبه جزيرة الق ...
- بعد مقطع فيديو أثار غضبا كبيرا في العراق.. وزارة البيئة تتوع ...
- -الحوثيون- يطالبون مستخدمي أجهزة -ستارلينك- في مناطق سيطرتهم ...
- ترامب واثق من قدرة الولايات المتحدة وإيران على التوصل إلى ات ...
- فعل -مشين- لراكبة يجبر طائرة أمريكية على التوقف عن العمل واس ...
- ترامب: زيلينسكي طلب مني أسلحة.. لكنه يطلب ذلك منذ ثلاث سنوات ...
- مقتل وإصابة سبعة أشخاص في إطلاق نار بولاية نورث كارولينا الأ ...
- الأزهر يدين قتل مصلٍ في مسجد بفرنسا ويحذّر من تصاعد -الإرهاب ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حجي - هل للكون غاية؟ 2. -بين التساؤل والعبث-