|
خرافة -الجمهورية الصحراوية الديمقراطية الشعبية- وعقيدة الجزائر في دعم البوليساريو
زكية خيرهم
الحوار المتمدن-العدد: 8134 - 2024 / 10 / 18 - 07:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف التي وصف فيها الحكم الذاتي في الصحراء الغربية بـ"الخرافة" تتطلب ردًا واقعيًا يوضح أن "الجمهورية الصحراوية الديمقراطية الشعبية" بحد ذاتها تشكل خرافة دبلوماسية بنيت على أسس سياسية ودوافع استراتيجية مغلوطة. منذ نشوء جبهة البوليساريو في السبعينيات، تروج الجزائر لفكرة دعم "الشعب الصحراوي" ضد ما تصفه بالاستعمار المغربي، لكن الحقيقة الواضحة هي أن دعم الجزائر للبوليساريو ليس دفاعًا عن حقوق الشعوب بقدر ما هو جزء من استراتيجية إقليمية أعمق ترتكز على مخاوف الجزائر من استعادة المغرب لصحرائه الشرقية. الجمهورية الصحراوية: كيان افتراضي دون سيادة حقيقية رغم مرور عقود على إعلان "الجمهورية الصحراوية الديمقراطية الشعبية"، تظل هذه الجمهورية الافتراضية دون أي مقومات فعلية للدولة. لا تسيطر البوليساريو على الأرض، ولا تتمتع بمؤسسات حكومية فاعلة، ولا وجود لنظام اقتصادي مستقر. تُدار هذه "الجمهورية" من مخيمات اللاجئين في تندوف تحت سيطرة الجزائر، ما يجعلها رهينة للتوجهات السياسية الجزائرية أكثر من كونها تمثل "إرادة الشعب الصحراوي" كما تدعي. رغم الادعاءات المتكررة التي تقدمها جبهة البوليساريو حول تمثيلها المزعوم للشعب الصحراوي، فإن واقع الحياة في مخيمات تندوف يعكس صورة معاكسة تمامًا، مليئة بالتجاوزات والانتهاكات التي تتناقض مع أبسط حقوق الإنسان. كيف يمكن لشرذمة تسكن في مخيمات منعزلة، تفتقر إلى أبسط مقومات الدولة، وتسيطر عليها ممارسات غير إنسانية، أن تدعي تحرير الصحراء الغربية، حيث يعيش السكان في ظل أمان واستقرار، ويتمتعون بالتنمية والنشاط الاقتصادي المتنامي؟ العنصرية القبلية: تعاني مخيمات تندوف من تفشي التفرقة القبلية والعنصرية، حيث يتم تقسيم اللاجئين بناءً على الانتماءات القبلية، ويعامل البعض منهم بشكل دوني. هذه التفرقة تزيد من التوترات داخل المخيمات، وتخلق بيئة معادية للكثير من العائلات التي لا تنتمي إلى القبائل المسيطرة. هذا الوضع يولد حالة من العزلة الاجتماعية والتمييز بين الفئات المختلفة، مما يعزز الانقسامات الداخلية. الاعتداء على الفتيات وتزويج القاصرات: واحدة من أبرز الانتهاكات التي تسود في مخيمات تندوف هي الاعتداءات الجنسية على الفتيات الصغيرات، وتزويج القاصرات بالقوة دون موافقتهن. هناك تقارير موثوقة تشير إلى أن الفتيات يتعرضن للعنف الجنسي والجسدي، بينما تُجبر العديد منهن على الزواج في سن مبكرة في ظروف غير إنسانية. هذا السلوك ليس مجرد انتهاك صارخ لحقوق الطفل، بل يعكس غياب القانون والعدالة في هذه المناطق منع النساء من استخدام وسائل منع الحمل: من بين الممارسات القمعية الأخرى التي تواجهها النساء في مخيمات تندوف، هي القيود المفروضة على استخدام وسائل منع الحمل. تُمنع النساء من الحصول على حبوب منع الحمل أو أي وسيلة أخرى لتنظيم الأسرة، مما يعرضهن للعديد من المشاكل الصحية والاجتماعية. هذه السياسات القسرية تنتهك حقوق المرأة في التحكم في حياتها وجسدها، وتكشف عن مدى القمع الذي تعيشه النساء في تلك المخيمات. الاستغلال الإنساني والمساعدات: علاوة على ذلك، تتعرض المساعدات الإنسانية التي تُرسل لسكان المخيمات للاستغلال من قِبل قيادة البوليساريو. تم الكشف عن تحويل هذه المساعدات لبيعها في السوق السوداء، بينما يعيش اللاجئون في ظروف مأساوية، يعانون من نقص الغذاء والمياه والمستلزمات الأساسية. هذه الممارسات تشير بوضوح إلى فساد القيادة وعدم اكتراثها بمصير الأشخاص الذين تدعي تمثيلهم كيف يمكن لهؤلاء الذين يعيشون في مخيمات تندوف، حيث الفساد والتعسف والظروف البائسة، أن يدّعوا أنهم سيحررون الصحراء الغربية؟ هل سيحررونها من البنية التحتية المتطورة التي تواصل التوسع، أو من الأسواق النابضة بالحياة والازدهار، أو من مشاريع تحلية مياه البحر والطاقات المتجددة التي تضع المنطقة على خريطة التنمية المستدامة؟ المضحك والمبكي في آن واحد أن وزير خارجية الجزائر، البلد الذي يعاني مواطنوه من الوقوف في طوابير لساعات من أجل الحصول على مواد غذائية أساسية، ويتعثر في أزمة مياه خانقة رغم ثرواته الغازية الهائلة، يتحدث عن "تحرير" الصحراء الغربية المغربية! أليست هذه قمة المهزلة السياسية؟ الجزائر، التي تصف نفسها بأنها "قوة ضاربة"، في الواقع مضروبة بواقعها الاقتصادي المتردي، تصر على تحرير منطقة تعيش في استقرار وتنمية تحت السيادة المغربية. سخرية القدر أن دولة غارقة في أزماتها الداخلية تتجرأ على الحديث عن تحرير الصحراء، بينما سكان هذه المنطقة يعيشون حياة أفضل بكثير من ظروف أولئك المحتجزين في مخيمات تندوف، التي تديرها قيادة البوليساريو بدعم من الجزائر، والتي أصبحت بؤرة لانتهاكات حقوق الإنسان وغياب أبسط مقومات الحياة. في المقابل، يعيش سكان الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية حياة مستقرة وآمنة، حيث شهدت المنطقة تنمية مستدامة في مجالات عدة. تتمتع الصحراء بمستوى عالٍ من الرفاهية والازدهار، مع مشاريع استثمارية ضخمة في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والسياحة. هذه المنطقة تشهد أيضًا تنظيمًا سياسيًا واجتماعيًا متماسكًا، يعزز من تطور المجتمع وتحقيق الاكتفاء الذاتي. في ضوء هذا الواقع، كيف يمكن لأولئك الذين يعيشون في مخيمات يعمها الفساد والتعسف والعبودية أن يدّعوا أنهم قادرون على "تحرير" الصحراء؟ الحقيقة أن سكان الصحراء يعيشون في رخاء واستقرار، بعيدًا عن الفوضى التي تعصف بمخيمات تندوف، التي تشكل مصدرًا دائمًا للمآسي الإنسانية والانتهاكات الحقوقية. عقيدة الجزائر: دعم البوليساريو كوسيلة لتحقيق مصالح إقليمية منذ الاستقلال، تبنت الجزائر قضية البوليساريو كعقيدة سياسية تحاول من خلالها تحقيق توازن استراتيجي في المنطقة. تروج الجزائر للبوليساريو باعتبارها حركة تحررية، في حين أن معظم الدول الكبرى ومنظمات دولية تتبنى موقفًا أكثر واقعية ومرونة، معترفة بأن الحكم الذاتي هو الحل الأنسب لهذا النزاع، خاصة في ظل التأييد الدولي المتزايد لمقترح المغرب. بالمقابل، تبقى الجزائر وحيدة تقريبًا في تمسكها بموقفها القديم، وهو موقف يرتبط بمخاوفها التاريخية من تنامي النفوذ المغربي. مخاوف الجزائر من مطالب المغرب بالصحراء الشرقية تكمن خلفية التوتر بين المغرب والجزائر في مسألة الصحراء الغربية في صراع أعمق حول الحدود. يُعزى دعم الجزائر للبوليساريو إلى خوف تاريخي من إعادة فتح ملف الحدود المشتركة بين البلدين، خاصة أن المغرب يعتبر الصحراء الشرقية، التي تضم مناطق مثل تندوف وبشار، جزءًا من أراضيه التي اقتطعت في فترة الاستعمار الفرنسي. وبالتالي، دعم الجزائر للبوليساريو ليس فقط لدوافع أيديولوجية أو حقوقية كما تدّعي، بل هو جزء من استراتيجية أوسع للحفاظ على حدودها الحالية ومنع المغرب من المطالبة بأراضيه التاريخية. ادعاءات الجزائر: تناقضات ومصالح مزدوجة تروج الجزائر لخطاب "تصفية الاستعمار" في قضية الصحراء الغربية، في حين أن نزاع الصحراء قد تمت معالجته في العديد من المحافل الدولية، وحظي مقترح المغرب للحكم الذاتي بدعم واسع من المجتمع الدولي. التناقض في موقف الجزائر يكمن في دفاعها عن تقرير المصير في الصحراء الغربية، في الوقت الذي تتجاهل فيه مطالب شعب القبائل بتقرير مصيره، مما يوضح ازدواجية المعايير في السياسة الجزائرية. استخدام الجزائر للبوليساريو كأداة للضغط الإقليمي يتعارض مع مفهوم الدفاع الحقيقي عن حقوق الشعوب. في النهاية، يمكن القول إن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو و"الجمهورية الصحراوية الديمقراطية الشعبية" ليس سوى خرافة سياسية، تهدف إلى تحقيق مصالح إقليمية ضيقة أكثر مما تسعى لخدمة أي قضية حقوقية أو إنسانية حقيقية. فلا وجود لما يسمى "الشعب الصحراوي"؛ بل هناك سكان صحراويون مغاربة يعيشون في تنمية واستقرار داخل وطنهم الأم. أما هذه "الجمهورية الصحراوية" فهي كيان وهمي يُستخدم كورقة ضغط في لعبة جيوسياسية، ولا تعكس واقعًا على الأرض أو تمثل إرادة السكان الصحراويين. استمرار الجزائر في هذا النهج العقيم لن يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات في المنطقة، بينما يتزايد الاعتراف الدولي بمقترح المغرب للحكم الذاتي كحل عملي ومستدام للنزاع. إن الهوس الجزائري بخلق كيان بوليساريو مزيف ليس إلا تعبيرًا عن مخاوف أعمق تتعلق بمطالب المغرب التاريخية بالصحراء الشرقية، وهو ما يكشف الدوافع الحقيقية وراء هذا الدعم المضلل الذي لم يعد يخدم سوى تعزيز "خرافة" هذه الجمهورية المزعومة.
#زكية_خيرهم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزائر تنفق المليارات على البوليساريو... والمواطن الجزائري
...
-
الصحراء مغربية... فماذا بعد يا الجزائر؟
-
كل شيء يهون من أجل عيون البوليساريو
-
بورتريه أدبي للاغتراب: قراءة في تحفة جودليّه
-
ارتسامات حول ديوان -أحزان السنة العراقية-
-
التحديات التعليمية للمرأة
-
دار الخبر: بين التنوير والانتقادات.. طفح الكيل
-
غونفور ميديل: جسر بين الأدب العربي والنرويجي
-
راضي الليلي: من نجم الأخبار إلى فقيه التبديل السياسي... هل ك
...
-
العشق بين الأسطورة والواقع: قراءة في قصيدة خزعل الماجدي
-
وجوه تائهة في رمال المعاناة
-
الحان بلا وعي
-
قراءة في ظالميا: رواية الصراع بين الأمل والخيبة في مجتمعات ا
...
-
الإصرار والشجاعة: حكاية جعفر التميمي من بغداد إلى الجائزة ال
...
-
الصراع بين الهوية والجماعة: قراءة لرواية -الطلح لا يخطئ القب
...
-
مسرح الدولة التي لم تكن: البوليساريو يسجل آخر فصول السخرية
-
الهروب إلى اللامكان
-
مفاتيح القائد
-
تماوج الأرواح
-
الزمرد الأخضر
المزيد.....
-
فيديو مراسم ومن استقبل أحمد الشرع عند سلّم الطائرة يثير تفاع
...
-
نانسي عجرم وزوجها يحتفلان بعيد ميلاد ابنتهما..-عائلة واحدة إ
...
-
-غيّرت قراراتنا في الحرب وجه الشرق الأوسط-.. شاهد ما قاله نت
...
-
ماذا نعلم عن الفلسطيني المقتول بالضربة الإسرائيلية في الضفة
...
-
باكستان: مقتل 18 جنديا و23 مسلحا في معركة بإقليم بلوشستان
-
واشنطن بوست: إسرائيل تبني قواعد عسكرية في المنطقة منزوعة الس
...
-
قتلى وجرحى في غارات جوية إسرائيلية في الضفة الغربية
-
أحمد الشرع إلى السعودية في أول زيارة له خارج البلاد
-
ترامب يشعل حربا تجارية بفرض رسوم تجارية على كندا والمكسيك وا
...
-
-الناتو- يطالب ألمانيا بزيادة الإنفاق على الدفاع
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|