أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السباهي - السرد المقاوم رواية (قسمت) للكاتبة حوراء النداوي















المزيد.....

السرد المقاوم رواية (قسمت) للكاتبة حوراء النداوي


محمد السباهي
(Mohamed Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 18:13
المحور: الادب والفن
    


السرد المقاوم
رواية (قسمت) حوراء النداوي
سؤالٌ كهذا يثير فُضُولَ الروائيِّ في مكتبٍ من زجاج يُطلُّ على زنبق في الحديقة... حيث تكونُ يَدُ الفرضيّة بيضاءَ مثل ضمير الروائيّ, حين يُصَفِّي الحساب مع النزعة البشرية: لا غَدَ في الأمس، فلنتقدَّمْ إذاً!
السرد المقاوم، هو سرد وجود، وهو سرد إثبات هوية وانتماء. السرد المقاوم هو آخر كارت يملكه الروائي للدفاع عن هويته ووجود. وبعبارة إدوارد سعيد: إنّما الأمم سرديات، فالأمة والجماعة تحافظ على كيانها وكينونتها عبر سردية تحفظ حقها، وتدافع عن وجودها، وتأصّل لهويتها.
يمكن إدراج رواية (قسمت) للكاتبة حوراء النداوي في ما يمكن تسميته بأدب "الجماعات المتخيّلة" (Imagined Communities). إذ تذهب الكتابة النداوي لتأسيس سرديتها، وسردية جماعة الكرد (الفيليين) على حكايات ومسموعات وموروث اجتماعي، لتخرج لنا برواية عنوانها (قسمت). وحقيقة الأمر تذهب هذه الرواية في خانة الصراع الثقافي بين المذاهب والقوميات، وبين المركز والهامش، ولا يمكن اعتباره صراع أقليات، لآن محنة الكرد الفيليين لم تكن مع جماعات عرقية متضادة كالعرب أو الفرس، بل كانوا ضحية عدم وضوح الهوية والانتماء، فهم (كرد من أصول إيرانية، نزحوا من بلاد فارس واستوطن بعضهم العراق، وبقي بعضهم الآخر (الأكبر) في إيران.
وليس من السرّ القول: إن (الكرد الفيليين) تعرضوا لحملات إقصاء وتهميش من الدولة العراقية كمؤسسات متمثلة في الأجهزة الأمنية، إذ جرت حملات تهجير وأبعاد قسري عن ديارهم (أماكن تواجدهم في العراق)، وسلب حقوقهم، وتجريدهم من ممتلكاتهم، والمجتمع العراقي، أيضاً ساهم كأفراد وجماعات في التماهي مع مشروع الدولة، عبر السخرية والتنمر، والاستضعاف، وأيضاً تعرضوا لنفس المضايقات من الدولة والمجتمع الإيراني على السواء. و(التهميش): (حالة وعملية تمنع الأفراد والجماعات من المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والحياة السياسية التي يتمتع بها المجتمع الأوسع)، إضافة إلى أن الإقصاء يندرج في خانة التهميش، وهو يسعى لحرمان الآخرين من الامتيازات. فالإقصاء والتهميش يستندان إلى مبدأ القوة والهيمنة، وهما يسعيان لحشد القوة لاستعباد أو استبعاد الجماعات الأخرى.
وهم (الكرد الفيليين) – وهذا من الغرائب- جماعات لا تنتمي (مذهبياً) إلى مذهب الكرد (السُنّة)، وهم منبوذون تحت هذا الوصف كُرد (شيعة) حتى من الكرد أنفسهم، إخوانهم في القومية والانتماء العرقي، وأيضاً تعرضوا لإقصاء من العرب والإيرانيين - على حد سواء- وهم شركائهم في الوطن! فسردية حوراء النداوي تحاول ترقيع أو تجميع المفرقات والمفارقات التي مرّت بها هذه الجماعة في حقبة الصراع الإيراني العراقي.
والكاتبة نفسها تعرضت لحالة مشابهة فهي من أب عربي وأم كردية فيلية، وعاشت في المنفى، وهي لا تعتمد في كتابتها على مخيلتها، بل على خيال ومخيلة آخرين، وبالتالي فهي تنجز مشروعها على رؤى ومسموعات، وأيضاً تكون هذه الرواية هي سيرة جماعة تحاول النداوي استعادة تاريخها عبر هذه المكتوبات، وتحاول - الرواية ونداوي- أن تضعا مأساة هذه الجماعة، وما جرى لها في كفتي قبان الدولتين العراقية والإيرانية. فهذه الجماعة عاشت على هامش الدولتين العراقية والإيرانية، وفقدت الانتماء للدولتين بسبب رفض العراق وإيران اعتبارهم من مواطنيهم أو رعاياهم!
ولا نذهب إلى المبالغة لو قلنا: إن النداوي بهذه الرواية تستعيد عذابات جماعة، وهي في نفس الآن، عذابات جماعية تشمل:
1- عذابات المكان. (تحولات المكان، والمكان البديل الذي هو لا مكان، العيش في اللا مكان بين حدود الدولتين).
2- عذابات لغة، حيث يتحول (لؤي إلى أوميد).
3- عذابات جسد (انتحار).
4- عذاب التجريد من الهوية والطرد والاغتراب.
قد تكون الرواية هي بحث دائم عن (المكان والهوية). إذ وسعت النداوي لبيان اختلاف الهوية عبر الأسماء (غلام علي/ رضا/ لؤي/ أوميد/ قسمت)، وعبر طرح مصطلح الجمال الذي تميزت به نساء هذه الجماعة، وكذا سعت إلى اعتبار قسمت (ملكة) من ملكات جماعة (الكرد الفيليين) عبر توازي سردي يجمع بين (انتحار قسمت وموت الملكة عالية)،
(حكى روّاد المقهى الّذي يقع على ناصية الشارع الكبير، المحاذي للنهر، أنّهم رأوا قسمت حين قدمت في تلك الليلة، ماشية على عجالة، وبصحبتها طفلة في الثانية من عمرها، ثمّ خلعت نعليها، ومن ثمّ عباءتها، لتكشف عن بطنها الحامل خلف (دشداشتها البازة)، ما جعل بعض زبائن المقهى ينفضون عنهم آثار السهر لينتبهوا إليها، غير أنّها لم تمهلهم كثيرًا ليستفهموا، فبادرت ببساطة وسرعة إلى إلقاء الرضيع في النهر، ثمّ قبل أن يفيق السهارى من المفاجأة، أو يفكّر أحد منهم في أن يهرع نحوها، كانت قد ألقت بالطفلة، ثمّ بنفسها.
بعد يومين من الحادثة، أُعلن في بغداد خبر وفاة الملكة عالية، لكنّ أحدًا من أهل الدار أو (النزِل) المستأجرين فيها، لم يكن ليسمع به أو يهتمّ، وهم مشغولون جميعًا في العزاء الّذي استمرّ ثلاثة أيّام طويلة، حيث لم يخلُ البيت من المعزّيأت اللواتي توافدن من جميع أنحاء الدهّانة وباب الشيخ وشارع الملك غازي، كلّ من سمع بالفاجعة، جاء إمّا مواسيًا أو ليروي فضوله برؤية الأب والأمّ المثكولَين بابنتهما والأحفاد).
وتتجلى جمالية السرد أن النداوي لم تذهب إلى مصطلح (الانتحار) وهو ما قامت به (قسمت)، واستعاضت عنه بلفظ (حادثة). وهذا التحويل يؤشر على وجود ضغوط فاقت إمكانية قسمت على الاحتمال، وسعت لتخليص الطفلة والجنين من عذابات قاستها هي، وترفض أن يقع تحت أثرها البنت والجنين، وهذا التحوّل في الوصف يدلل على إمكانية في القراءة الثقافية التي ترفض المباشرة.
وليتها أكدت على الهوية من خلال طرحها للأزياء التي تؤكد الثبات على الهوية وحملها معها أينما ذهبت هذه الجماعة.
والرواية بعد ذلك تؤكد قوة هذه الجماعة التي تحملت كل هذه العذابات، وبقيت صامدة، وها هي تُعيد انتاج سرديتها التي حاولت الدولة العراقية والإيرانية طمسها بالقوة، قوة التهجير القسري من الجانب العراقي، والرفض وعدم القبول والاعتراف من قبل الجانب الإيراني.
إذن الرواية بناءً على هذا تسعى لطرح سرديتها عبر قراءة ثقافية لأدب جماعة (الكرد الفيلين)، وربّما تنطلق من ثقافة (التابع ينهض) بعنوان رضوى عاشور. ومثلما قامت إسرائيل على سردية كما يذهب إلى ذلك علي بدر في رواية (مصابيح أورشليم)، (وهكذا تكون رواية مصابيح أورشليم رواية مضادة للتاريخ):
(مرة سألته:
رواية عن إدوارد سعيد . . . لماذا رواية؟ لماذا لا تكتب عنه كتابا؟ قـال : لأن إسرائـيل نشأت من أسطورة أدبية . . . من فكرة رومانتيكية . . . نشأت من رواية . . . وبالتالي يجب إعادة كتابتها عن طريق الأدب أيضاً . . . . يجب تكذيبها عن طريق الرواية . . . الرواية هي طالما كل الحروب قد خسرت وفشلت لماذا لا نجرب الرواية . . .).
تحاول النداوي أن تسرد وتسترد تاريخ هذه الجماعة عبر سرد (توضيح وتعويض)، توضيح ما جرى لهذه الجماعة، وتعويض ها عبر انتاج سردية تمثل كيان هذه الجماعة، (مقاوم) ونعني بالسرد المقاوم، (سرد وجود)، مثلما عرض الشعب الفلسطيني ما تعرض له، وكذا شعوب أفريقيا عبر سردية، سعت من خلالها للمكاشفة كفعل أولي، وبيان المظلومية، ثانياً، والدفاع عن هذه الجماعة، في مقام ثالث، والمطالبة بحق هذه الجماعة فيالاعتراف بهم، ومنحهم الانتماء عبر منحهم هوية تجعلها أصلاء في هذا الوطن، ومنحهم حق المشاركة السياسية، لا كجماعة طارئة أشبه (بالغجر أو البدو الرحل)، أو جماعة هامشية (أقلية) بالنسبة للكرد (عرق).
وبرأي ان الرواية سعت لبيان مظلومية هذه الجماعة التي تعرضت لمظلومية أخرى في النظام الجديد، فهم أقلية بالنسبة للشيعة، وأقلية بالنسبة للكرد، لكن مظلوميتهم فاقت ما تعرض له الكرد والشيعة معا، ولم تبرز هذه المظلومية والعذابات للعلن، وهنا سعت النداوي للكلام عبر استعادة الثقافة ما بعد الكولونيالية إذ دعت إلى أن يتكلم التابع، وأن يبين ما تسترت الأنظمة عليه من حملات قمع وإبادة وتهجير.



#محمد_السباهي (هاشتاغ)       Mohamed_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوائر القصة القصيرة قراءة في رواية (حقائق الحياة الصغيرة) لل ...
- الشيوعية الجديدة. رؤية حداثوية لمستقبل الحزب الشيوعي العراقي
- نوح في الأنبياء
- يوم الزينة
- المرأة في ملحمة جلجامس
- مدخل لفهم الجماعات الإسلامية
- شؤون وشجون التظاهرات
- الهبوط في القرآن الكريم/ قراءة في منهج التغافل والتفريغ
- بيان ختامي
- التغافل والتفريغ/ تقديم، القراءة الجديدة للنص الديني،
- السجود وصراع الخلافة
- الدين وتحولات المنطقة
- الخبز والحرية
- عقم زوجات الأنبياء... سارة/ أليصابات/ عائشة
- ترسيس الهوية الشيعية
- موسى والقوم الظالمين
- في البلاغة العربية
- قريش... صفوة شعب الله المختار
- أقليم البصرة
- الدولة الشيعية


المزيد.....




- مشهد أشبه بالأفلام.. لحظة مروعة لنجاة عائلة بأعجوبة من انفجا ...
- -عقد إلحاق- و-كنبة أورانج-.. دراما سورية بتوقيع المخرج الواع ...
- مخرج فيلم -أنا، روبوت- يتهم إيلون ماسك بسرقة تصاميم روبوتاته ...
- برنامج RT Arabic -جسور- في مصر..
- في إطار مشروع -النجوم الصاعدة-.. شباب مبدعون روس يقدمون حفلا ...
- مغنية تسقط بحفرة في المسرح فجأة خلال حفل موسيقي.. شاهد رد فع ...
- أحاط وضعه الصحي بالغموض.. جيمي فوكس يعود إلى المسرح بعد غياب ...
- مصر.. تحقيق في -إذاعة آيات من القرآن على أنغام الموسيقى-
- الفيلسوف برنارد هنري: ألا تعلمون أن الحرب العالمية الثالثة ق ...
- وثائقي لبي بي سي حول حرب جعلت الإنسان -مجرد رقم-


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السباهي - السرد المقاوم رواية (قسمت) للكاتبة حوراء النداوي