|
نهر الليطاني حدود إسرائيل الشمالية !
محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 8125 - 2024 / 10 / 9 - 16:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل فترة ترقّب ذليل ، من زمن التردي والانحطاط الحضاري للكيانات والكائنات العربفونية الرثة ، كانت آلاف ساعات البث التلفزيوني للفضائيات الناطقة بالعربية ، موجهةً لنشر أضاليل واستيهامات المنجمين السياسيين من الكتاب وأساتذة العلوم السياسية والخبراء العسكريين والاستراتيجيين (عمداء ولواءات أركان) ، اللذين أجمعوا في قراءاتهم على أنه ليس من الوارد - إلى درجة الجزم بالاستحالة - أن تُقْدم إسرائيل على التوغل العسكري البري في جغرافيا الجنوب اللبناني ! وظل أولئك المتنبئين السياسيين و(الاستراتيجيين) ، يسمّعون حفظا عن ظهر قلب ما تلقنوه عبر الإعلام الغربي من وحي رب البيت الأبيض ، مشككين في فرضية الاجتياح العسكري الإسرائيلي لجنوب لبنان ، رغم الهجوم الالكتروني الإرهابي الذي نفذته دولة إسرائيل ، بأجهزة (البيجر والووكي توكي) المفخخة ، والذي كان ضربة استباقية تمكنت بها إسرائيل من تحييد نحو 4000 عنصر من قوة حزب الله الدفاعية ، تمهيدا للاجتياح ؛ حتى قطع عليهم رئيس حكومة إسرائيل الفاشية - بنيامين نتنياهو - الشك باليقين ، فأعلن الجيش الإسرائيلي فجر يوم 1 أكتوبر عن بدء ما أسماه (عملية محدودة) للتوغل البري داخل الحدود اللبنانية الجنوبية المتاخمة لإسرائيل ، ضد أهداف لحزب الله في المنطقة القريبة من حدود إسرائيل الشمالية ، كي تتاح للمستوطنين إمكانية العودة الآمنة إلى مساكنهم التي نزحوا منها ، جراء استهداف حزب الله لمواقع عسكرية تابعة لإسرائيل بمزارع شبعا وتلال كفر شوبا (المتنازع عليها) ، برشقات من صواريخ الكاتيوشا ، التي يسقط أغلبها في أراضٍ مفتوحة دون إحداث خسائر بشرية . فهل حقا أنّ تَوغّل الجيش الإسرائيلي داخل أرض الجنوب اللبناني ، هو مجرد عملية عسكرية محدودة ، أو حتى لمجرد إنشاء منطقة عازلة (بصفة مؤقتة) ، لحماية وضمان أمن سكان المستوطنات الإسرائيلية الشمالية ؟ الجواب هو بالنفي قطعا ؛ ذلك أن الغرض الإسرائيلي المبيت سلفا والمخطط له استراتيجيا كهدف قومي (سواءً بوجود حزب الله أم دون وجوده) ، هو احتلال كل أرض الجنوب اللبناني حتى مجرى نهر الليطاني ، بعد تفريغ المنطقة من سكانها ، تحت قصف جوي سجّادي يجبرهم على النزوح الجماعي من قراهم وبلداتهم ، هروبا ونجاة بأنفسهم - من الموت - إلى ما بعد نهر الليطاني ، ليُصار لاحِقا - تدريجيا وبخطوات مرحلية مدروسة - إلى ترسيم خط الحدود الشمالية لدولة إسرائيل ، عند مجري نهر الليطاني ، الممتد شمال مدينة صور اللبنانية . وبالخلاف تماماً لمزاعم إسرائيل ، التي تسوّق لها إعلاميا ، عبر خديعة (العملية المحدودة) ؛ فإن الواقع هو أن عملية التوغل - البري - الإسرائيلي في جنوب لبنان ، ليست أبدا محدودة ، بل هي مرحلة أولى من سلسلة مراحل تالية ، وسيمضي الاجتياح الإسرائيلي ، لاحتلال أرض الجنوب اللبناني ، على مراحل تحددها معطيات الميدان ، بهدف وضع اليد على الثروة المائية اللبنانية في أنهار الزهراني و القاسمية والوزاني والحاصباني . وإذا أمكن لجيش (الدفاع) ، فلن يتوقف إلا عند مجرى نهر الليطاني الذي يصب في البحر المتوسط شمال مدينة صور ، والباقي سيصار إليه - واقعيا - وفقا لما تسفر عنه نتيجة انتخابات الرئاسة الاميركية (2024) . وفيما لو عاد دونالد ترمب الى البيت الابيض ، فلن يخرج الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني المحتل . وسيتم فرض الولاية الإسرائيلية على المنطقة الواقعة (جنوب الليطاني) ، تحيُّنا لإصدار قانون بضمها لدولة إسرائيل ، وعندها - وبكل التأكيد واليقين - سيوقّع ترمب مرسوما رئاسيا تنفيذيا يعترف بالحدود الشمالية لإسرائيل عند مجرى نهر الليطاني (وربما تمتد الأطماع الإسرائيلية إلى نهر الأولي شمال مدينة صيدا) . ومن ثَم فسيكون مصير الجنوب اللبناني كمصير هضبة الجولان السورية المحتلة ، و ليس من قوة على وجه الأرض تستطيع الحيلولة دون ذلك ، في المدى المنظور ؛ فأميركا جاهزة بالفيتو في مجلس الأمن الدولي لحماية إسرائيل ضد إرادة المجتمع الدولي ، وحاملات الطائرات الأميركية جاهزة لإقناع العالم بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ، وسلاح العقوبات الاقتصادية الأميركية كفيل بتأديب الدول (المارقة) . وليس من اختلاف جوهري بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري ، فيما يتصل بدعم المشروع الصهيوني التوسعي (التوراتي) في جغرافيا منطقة الشرق الأوسط العربفونية ؛ ذلك أن الموقف [الحقيقي] والثابت لأميركا ، هو ما عبّر عنه دونالد ترمب (15 أغسطس 2024) ؛ منتقدا دعوات وقف الحرب ، وداعيا نتنياهو إلى «سرعة الانتصار» . وقد كشف ترمب عن (خريطة طريق) عند عودته إلى البيت الأبيض ، متبنيا الأطماع التوسعية لدولة دولة إسرائيل بعيدة المدى الزمني ، في جغرافيا دول الجوار (لبنان ، سوريا ، الاردن ، مصر ، السعودية) ؛ وصولا إلى قيام دولة إسرائيل الكبرى (التوراتية) ، فقال أمام فعالية نظمها تحالف (أصوات يهودية من أجل ترمب) : «مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة بالمقارنة مع دول شرق أوسطية أخرى ، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها ، أليس هناك طريقة للحصول على أراضٍ إضافية ؟» . وترمب بفجاجته ، إنما هو صوتٌ عالٍ عارٍ لأميركا العميقة وطبقتها الحاكمة . وحتى لا توصف هذه القراءة - شبه الاستشرافية - بالمغالاة والتهويل أو الرجم بالغيب ؛ فإن إقامة الدليل على صحتها ، لا تتطلب من الجهد سوى العودة إلى التصريحات الرسمية للقادة وكبار المسؤولين والساسة في دولة إسرائيل اليهودية . فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، المنتشي بانتصار عملية البيجر الإرهابية واغتيال حسن نصر الله الزعيم الكارزماتي لحزب الله اللبناني ، والمتشبع بالنزعة العنصرية التلمودية وغطرسة القوة ؛ لم يعد يتردد في القول بأن إسرائيل تخوض حربا وجودية ، لتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط ورسم خارطة الشرق الأوسط الجديد ، مهددا في سياق تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية الجارية في قطاع غزة والجنوب اللبناني ، بأنّه «ليس هناك أي مكان في إيران لا يمكن لذراع إسرائيل الطويلة الوصول إليه . و ينطبق الأمر ذاته على الشرق الأوسط برمته» . وفي أول تعليق له عقب الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (20 سبتمبر 2024) ، قال نتنياهو : " لقد بدأنا للتو ، وسنعمل هلى تغيير الشرق الأوسط " . وفي مؤتمره الصحفي (بتاريخ 23 سبتمبر 2024) ، قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفد مينسر : «إن نهر الليطاني هو حدود إسرائيل الشمالية» . ومن المستبعد في سياق الحدث ، أن تكون تصريحات المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية (زلة لسان) غير مقصودة ، خاصة وأنها أتت في أعقاب الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على بلدات الجنوب اللبناني ، بغارات جوية مكثفة أوقعت 558 قتيلا من المدنيين ، بينهم 50 طفلا و 94 امرأة ، خلال دقائق ، داخل بيوتهم أو هاربين بسياراتهم على الطرقات . وتكتمل صورة الأهداف الإسرائيلية من غزو الجنوب اللبناني ، بتصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين ، التي أدلى بها (24 سبتمبر 2024) لإذاعة الجيش الإسرائيلي ، قائلا بأنه : «يبحث عن طريقة أو ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز الفاضح الذي تم توقيعه مع لبنان» ، معتبرا أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر 2022 ، كانت منذ البداية خطأً ستحرص حكومة إسرائيل - نتنياهو - على إصلاحه . فالأطماع الإسرائيلية تشمل الثروات الطبيعية اللبنانية - برّاً وبحراً - من الماء والغاز والنفط . و استقواءً بأميركا ، ألقى نتنياهو خطابه الحربيّ مِن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ، في دور انعقادها 79 ، مستدعيا نصوصا من التوراة اليهودية لتأييد كلامه . وبلغة ملؤها الاستعلاء والغطرسة - هي أبعد ما تكون عن الدبلوماسية - تهجم نتنياهو على منظمة الأمم المتحدة ، فوصفها بأنها : «المستنقع المعادي للسامية» وأنها «ليست أكثر من مهزلة مثيرة للازدراء» ! وبذلك ، ومع احتدام منافسة السباق نحو البيت الأبيض (الانتخابات الرئاسية الأميركية 5 نوفمبر 2024) ؛ فإن إسرائيل - المنتشية بالنصر - تعيش الآن أحسن حالاتها ، ويمضي نتنياهو قُدما في تنفيذ مشروع تغيير الواقع الاستراتيجي للشرق الأوسط ، بقوة الحديد والنار ، لرسم خارطة شرق أوسط جديد تتبوأ فيه دولة إسرائيل مركز القيادة ، كإمبريالية إقليمية . وعندما يتحدث نتنياهو عن الشرق الأوسط الجديد ، واثقا مما يقول ؛ فهو لا ينطق عن الهوى ، بل ينطق بلسان أميركا (ومِن ورائها الغرب الجَماعي) ، ذلك أنّ أميركا هي أصلا صاحبة فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد ، المستولد من رحم (الفوضى الخلاقة) ، حسب ما بشرتنا به الدبلوماسية والمفكرة السياسية د. كوندوليزا رايس (مس كوندي) وزيرة خارجية أميركا في عهد الرئيس جورج دبليو بوش ، إبان ذروة صعود تيار المحافظين الجدد . وما أشبه الليلة بالبارحة ! لكن منطق الأشياء في جدلية صراع الأضداد ، يظل منعقد الحكم موضوعيّاً لانتصار (إرادة) الحياة لدى قوى التحرر والتقدم ، بوعي شروط التغيير الثوري جماهيريّاً ؛ مضيّاً إلى الأمام ، وإمساكاً بزمام اتجاه حركة التاريخ . و إنّ صراع الإرادات في منطقة الشرق الأوسط ، ليس استثناءً خارج منطق الأشياء ، رغم العقبات على الطريق .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا عيد عمال تحت سلطة الكليبيتوقراط
-
هذا هو (حوارهم المتمدن) !
-
اغتيال الاقتصاد الليبي والقضاء على الدولة الليبية
-
إسرائيل (العظمى) فوق القانون الدولي
-
الأسلمة أسّست للتعريب ، والتأسلم قاد إلى الاستعراب (احتلال ا
...
-
لسنا أسرى لرُهاب 7 أكتوبر ، وإسرائيل دولة مارقة
-
الإله الشمس و أعياد الميلاد / كريسماس
-
إشكالية تعدد الجنسية (ازدواج المواطنة) 3
-
إشكالية تعدد الجنسية (ازدواج المواطنة) 2
-
إيمان بـ (الوراثة) جبرا ، و ليس بـ (التعقل) اختيارا
-
إشكالية تعدد الجنسية (ازدواج المواطنة) 1
-
كان حاكما فوق التصنيف و لم يكن مواطنا عاديا !
-
لم أكن شيطانا أخرس أو شاهد زور
-
من زوايا رؤية أخرى
-
الولايات المتحدة : أفول الحُلم و ضلال الاتجاه
-
خدعوكم فقالوا إنها ثورة ! (2/2)
-
خدعوكم فقالوا إنها ثورة ! (2/1)
-
عشتاريات
-
عيد المغيرة بن شعبة
-
بلد غنيّ و شعب فقير و حكام (مْخانب) 2/2
المزيد.....
-
-هربوا وتركوني وحدي في المنزل-
-
عملية طعن شمال تل أبيب تُخلّف ستة جرحى، اثنان منهم بحالة حرج
...
-
مقتل شخصين في كريات شمونة إثر سقوط صواريخ أطلقت من لبنان
-
الرئاسة العراقية ترفض المساس بالمرجعية الدينية: هذا التعدي س
...
-
هاريس تكيل الإهانات لأوربان وشي جين بينغ وكيم جونغ أون وتصفه
...
-
سياسي تركي يوضح كيف سينتهي الصراع في أوكرانيا بالنسبة للولاي
...
-
مصدر دبلوماسي: اجتماع -رامشتاين- سيعقد 17 أكتوبر المقبل
-
الجيش الروسي يحرر مركزين سكنيين في كورسك
-
بوتين يقلد لوكاشينكو وسام القديس الرسول أندراوس
-
قطار ألماني يتعرض لإطلاق نار
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|