أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند طلال الاخرس - سافوي 25














المزيد.....

سافوي 25


مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 8110 - 2024 / 9 / 24 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


#سافوي٢٥

منذ بدا الزورق يمخر غباب البحر لم نكن نشعر اننا اقرب الى فلسطين كما نحن الان.

كانت عقارب الساعة تشير الى الثامنة من مساء يوم الخامس من اذار حين ركبنا البحر الى اجمل رحلة في الكون، رحلة العودة الى شواطيء يافا.

وما ان انطلق الزورق بنا حتى دب صمت مهيب، لوهلة تعتقد ان الزورق خال تماما إلا من انفاسنا وصوت البحر الذي يغطي لهفتها، وكأن من يمخر البحر هي الاحلام وليست الحقيقة، لوهلة بدا لو اننا غير موجودين، ولولا تنبيهات خضر ونايف للجميع ان كان هناك احد آخر يريد التبول او حاجته لما عدنا من شرودنا، حينها فقط عرفنا ان الحلواني كان قد قضى حاجته وتبول في البحر، لم نعي ذلك حتى حدثنا خضر، كانت قد مضت اكثر من ساعة على ركوبنا الزورق، لقد سرقنا الوقت، حتى انه لم يكف لاسترجاع كل مآسينا منذ النكبة، كان معظمنا قد نجح باسترجاع اجمل ايامه وبعضا من احزانه؛ كان ابو ثريا وابو قمر قد اشبعونا نثرا عن بحر غزة وجماله وكثرة الاسماك فيه، كانوا يحدثونا عن تلك الضحكة التي تعلو وجوه الناس رغم بؤسهم، كانوا يحدثونا عن البحر وكأنه اجمل ما يملكون، لم ينس ان يحدثنا كل منهم ان آبائهم كانوا قد عملوا في الخلايا المسلحة الاولى مع مصطفى حافظ في كتيبة الفدائيين في غزة.

تفرد ابو ثريا بالحديث وتسيده حينما اخبرنا بأن جده لابيه كان مع عبد القادر الحسيني في ثورة ١٩٣٦ وان جده لامه المصرية حارب ايضا بفلسطين سنة ١٩٤٨ وان خاله هو ابراهيم الرفاعي اسد الصاعقة المصرية واسطورتها.

لم يندم خضر وهو يبوح لنا بأنه ترك زوجة وابنين اثنين خلفه، لكن وجعنا حين اخبرنا بأنه تركها حاملا في شهرها الخامس ومنذ ذلك الوقت لا يعرف شيئا عنها.

حاول نايف مواساته والشد من ازره، رد عليه خضر بضحكات لو انصت احد على الساحل لتمكن من سماعها، قال له خضر، يا نايف من تركتها هي وابنائها تركتها بين اهلي واهلها، لم اتركها وحيدة مثلما فعلت حضرتك، تألم نايف لذلك الجواب وقال لم اقصد ان اجرحك يا خضر كما اني لم اقصد ان اترك زوجتي واولادي خلفي، لكن انت تعلم ان مسألة التفجيرات واستخدام المؤقتات فيها لا يجيدها الكثير، ولم يكن بالامكان التدرب عليها من جديد، هكذا شائت الظروف والاقدار، ولعل زوجتي واهلي في اذنا الخليل يتفهمون ذلك.

كانت سيرة الشافعي في ذلك السفر هي العجيبة الغريبة؛ اذ نزح مع اهله من جنين على اثر نكسة ١٩٦٧، وسكن في مدينة الزرقاء بالاردن، والتي ما لبث ان غادرها للعمل في ليبيا على اثر اندلاع الثورة هناك في ١٩٦٩ ثم ارتحل الى السعودية ووقف الى جانبها في حربها ضد الثوار في اليمن، وأسر في اليمن من قبل قوات الثورة وحين علم الحقيقة قاتل على الجبهة الاخرى فانضم لقوات الثورة وبقي هناك الى اندلاع احداث ايلول، فالتحق بقوات الثورة وخرج معها لسوريا ولبنان.

لم يبخل علينا موسى طلالقة وكليب والحلواني في استعراض رحلات عذابهم وشقائهم هم وعائلاتهم، لم ينسوا صور تلك المأسي والمجازر التي تسبب بها الاحتلال عند النكبة كدير ياسين والدوايمة والطنطورية واللد وكفر قاسم...

قال كليب، اصبحنا لاجئين مشردين في مدن الدنيا، قد يكون ذلك جيدا بالنسبة لهم، اما انا فهذه الطريق بالنسبة لي هي طريق العودة لفلسطين.

اما الحلواني وبعين بصيرة بدأت تلمع فيها اضواء فلسطين عاد وقال، لم يبخل الاحتلال في اقتراف كل اشكال الذبح والترويع والتطهير والتهجير في سبيل تحقيق خرافاته القادمة من سطور كتب التاريخ، لذا وجب علينا نحن اصحاب التاريخ الحقيقي ان نثور لاجله، قد لا نملك اقلام حبر كفاية لكتابة هذا التاريخ، لكن لدينا الدم وهو لا ينضب، انه ابن هذه الارض وشريانها، فهي تعطيه الحب والتاريخ وهو يعطيها الدم المداد، فالارض تطعمك وتعطيك، ثم تطلبك لتأويك اليها، تلك علاقة الارض بابنائها منذ الازل، وتلك حقيقة ندركها جيدا، وزي ما بحكوا اهالينا "ما بحرث الارض إلا عجولها".

كانت رائحة الحنين تفوح من كل الكلمات، كان يفلت من حروفها بعض الانين، فقد كان حديث الذكريات مؤثرا، لكن وحده الشوق القادم من الشرق كان يطغى على كل حنين.
كان ذلك الشوق يقترب اكثر ويزداد كلما ضغط خضر على محرك الزورق اكثر، كان ذلك الصوت القادم من المحرك وهو يستجيب لطلب خضر كاستجابة طفل رضيع لصدر امه، كان البحر حنونا وكذلك ذكرياتنا، ادركنا ذلك حين بدا خضر يبطيء من سرعة الزورق رويدا رويدا حتى اطفأ المحرك تماما، اقتربنا من الشاطيء اكثر لم يعد مسموح لنا ان يبقى ذلك الصوت مرافقا لنا، بدات المجاديف بالعمل، وحسنا فعلت بنا، اذا اخذتنا من احاديث الذكريات، ومع كل ضربة مجداف بالبحر كنا نصر اكثر على الوصول والنصر، طلب خضر ان نتناوب على التجديف مناصفة، كان النصف المستريح من التجديف يشبع اعينه من جمال المنظر، بدت فلسطين اقرب اكثر من اي وقت مضى.

بدانا نرى السيارات تسير في الشوارع، وشيئا فشيئا اصبحنا نميزها اكثر، بدأنا نرى المارة، وبدأنا نسمع اصواتهم، كانت الساعة تشير الى الحادية عشر ليلا حين وصلنا الشاطيء بأمان، لم ينقض يوم الخامس من اذار بعد، تبقى منه ساعة كاملة، تلك الساعة قد تكون فيها حياتنا.

يتبع..
سافوي ٢٦



#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سافوي 24
- #دروس_وتجارب؛ فتح وجدت لتبقى ولتنتصر..
- دروس وتجارب ثورية؛ -فتح مرت من هنا-
- دروس وتجارب ثورية؛ نحن والآخر وأدوات التغيير
- في شباك العصافير؛ وليد الهودلي
- القدس؛ صورة اخرى للحنين ...
- وداعا مريم؛ زياد عبدالفتاح
- غزاوي: سردية الشقاء والأمل؛ جمال زقوت
- منازل القلب؛ فاروق وادي
- أمريكا و إسرائيل -علاقة حميمة- التورط الأمريكي مع إسرائيل من ...
- أرض القمر؛ عبد الكريم عيد الحشاش
- عصا الراعي ؛ زكريا محمد
- بيت للرجم بيت للصلاة؛ احمد عمر شاهين
- لست حيوانا؛ وليد عبدالرحيم
- الدهيشي؛ عيسى قراقع
- طقوس ومعتقدات شعبية من فلسطين؛ نضال طه
- من سرق روايتي؛ عبدالغني سلامة
- النقد والنقد الذاتي؛ صخر حبش ابو نزار
- وارث الشواهد؛ وليد الشرفا
- كفاح كفاح؛ كفاح خطاب


المزيد.....




- وزير الثقافة التركي: يجب تحويل غوبكلي تبه الأثرية إلى علامة ...
- فيلم -استنساخ-.. غياب المنطق والهلع من الذكاء الاصطناعي
- بردية إدوين سميث.. الجراحة بعين العقل في مصر القديمة
- اليمن يسترد قطعة أثرية عمرها أكثر من ألفي عام
- -قره غوز.. الخروج من الظل-.. افتتاح معرض دمى المسرح التركي ف ...
- لقطات -مؤلمة- من داخل منزل جين هاكمان وزوجته وتفاصيل مثيرة ح ...
- من السعودية إلى غزة.. قصة ’فنانة غزية’ تروي معاناة شعبها بري ...
- سفير روسيا في واشنطن: الثقافة يجب أن تصبح جسرا بين الدول
- شطب سلاف فواخرجي من نقابة الفنانين السوريين -لإنكارها الجرائ ...
- -لإنكار الجرائم الأسدية-.. نقابة الفنانين تشطب سلاف فواخرجي ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند طلال الاخرس - سافوي 25