أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - المخاض .. ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

المخاض .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 8090 - 2024 / 9 / 4 - 08:00
المحور: الادب والفن
    


قلوبنا تخفق ، وصدورنا تضيق كلما اقتربت لحظة الولادة مخافة أن تتكرر ما كانت أمي تسميها بالمأساة الخامسة إن جاءت بنت ..
قلتُ مستنكرة :
— مالهن البنات ، أمي .. ألا ترين كم نحن متفوقات في دراستنا ، ومستقبلنا انشاء الله زاهر .. ؟
ردت عليّ بحدة :
— أقنعي أبوكِ أولاً بهذا الكلام ..
تعيش أمي أسوأ كوابيسها خشية أن ينصرف عنها أبي إلى امرأة أخرى إذا لم يأتي الولد هذه المرة .. يعشعش في عينيها حزن دائم لم تمحوه الأيام .. لا تكف عن البكاء .. كأنها كانت تبكي عنا جميعاً .. كان حبها لأبي لا يوصف .. أعز أمانيها أن تُنجب له ولداً يُسعده ويحمل إسم عائلته ويكون امتداداً لإسمه ، لكن آمالها تساقطت كأوراق الخريف واحدة إثر الأخرى .. وتظل مع ذلك فسحة الأمل معقودةً على ما ستأتي به الأيام القادمة .. اليوم أو ربما غداً .
وحانت اللحظة مع أنفاس الفجر الأولى ..
عندما جاء أمي المخاض ، أطلقت عدة صرخات مكتومة .. لم تجد الجدة صعوبة في تلقف الجنين وسحبه ، ثم رفعته وضربته على ظهره فانتفض .. انطلق صوته صراخاً ناعماً حاداً مزق صفاء السكون ..
وقف أبي خارج الغرفة صامتاً متجهماً ، ويداه مضمومتان خلف ظهره .. ينتظر البِشارة ملهوفاً ..
خرجت الجدة بوجه عابس يتصبب عرقاً ، وهي تمسح يديها وجبينها بخرقة مهترئة لإكمال الجزء الاصعب في مهمتها .. رمقت أبي بعينين أذبلهما التعب والسهر والشيخوخة .. تنهدت في حيرة ، ثم فتحت أخيراً فاها وغمغمت بصوت ناعس ملول :
— بنت .. !
كتمتُ شهقة .. وجوم وذهول وإشفاق .. دمدمات خافتة .. ابتساماتُ شماتة ..
وقبل أن يفيق الجميع من تأثير المفاجأة كان أبي قد غادر محبطاً مضعضعاً ..
أما أمي فكأنها فُجعت بعزيز .. كانت خيبة أملها كبيرة .. شحب وجهها شحوب الموتى .. التفتت نحوي وقالت بأسى ، وهي على وشك البكاء :
— ليتني مت قبل أن أرى هذا اليوم .. !
قلت مهوِّنة :
— انها مشيئة الله ، يا أمي ..
نفرت من عينيّ دمعة وأنا أراها بهذا الحال من الضعف والهوان ، ثم أجهشتُ كأن عدوى البكاء قد انتقلت إليّ .. جلستُ بجانبها وأحتضنت يدها بكلتا يديّ .. سرت رعدة جسدها الى جسدي ، ثم سمعتها تقول في وهن ، وهي تلتقط بصعوبة ما تستطيعه من أنفاس :
— آمنة بنتي ، أنا تعبانة .. أُريد أن أنام ..
بعد لحظات أطبقت جفونها وأغمضتْ عينيها المغسولتين بالدموع .. دفنت رأسها في الوسادة ، وراحت في نوم عميق .. !
وبعد أيام ، تحققت مخاوف أمي عندما تزوج أبي من ( سنية ) ، وهي فتاة صغيرة من أسرة فقيرة تماثلني في العمر تقريباً .. لا تعرف من الدنيا أبعد من الزقاق الذي تعيش فيه .. فتح لها بيتا قريباً من بيتنا ، ثم أغدق عليها وعلى أهلها ، ورغم انها انجبت بنتاً ، إلا أنه أبدى تسامحاً معها .. مانحاً إياها فرصةً ثانية ..
كانت سنية فتاة طيبة حد السذاجة .. أحبها أبي وتعلق بها ، وكانت أمي تقول :
— سنية لا ذنب لها .. هي ضحية مثلنا .. الفقر هو من دفعها لأن تتزوج رجلاً في عمر أبيها .
لم يقاطعنا أبي ولم يطلّق أمي أو يهجرها كما كانت تخشى ، بل أبقاها على ذمته وواصلها كما كان في السابق .. واظب على زيارتنا ، ومتابعة تفاصيل حياتنا ، وسؤالنا عن سير دراستنا ، وبسبب العبء الثقيل الذي كان يحمله على عاتقه ، وضغوط تجارته شاخ قبل الأوان وبدا عليه الوهن ..
مرت أيام .. وتبعتها أيام ..
وحبلت سنية ثانيةً .. !
لكن الموت غافل أبي ذات ليلة فغيبه عن عالمنا .. عشنا مأساة الفِراق مبكراً .. وسنية لاتزال في شهرها السابع .
لكن الحياة لا تقف عند أحد .. واصلت دورتها الاعتيادية ..
و ذات ليلة هتفت سنية ، وهي تتلوى من الألم :
— نزل علي الماء ، خالتي .. الحقيني .. !
تأوهت في صمت .. ندَّ عنها أنين حينما اعتصرها الألم .. ثم اطلقت صرخة حادة أعقبتها صرخات .. جلست أمي عند رأسها تُمسده وتمسح حبات العرق التي تجمعت حول وجهها ورقبتها وتردد آيات وأدعية .. ظلت سنية ممددة على ظهرها في منتهى الاستسلام وقد أنهكها الطلق ، والجدة تواصل عملها وسمات الإجهاد بادية على الطرفين حتى استطاعت أخيراً بخبرتها أن تتلقف الجنين وتسحبه من مأمنه الى دنيا غريبة مضطربة لا يعرف مقدار نصيبه فيها .. !
لفّته الجدة بقطعة قماش بيضاء ، ووضعته بحذر على صدر أمه .. خفق قلب سنية ، وترقرقت دموع الفرح في عينيها .. بانت السعادة على محياها ، ثم انفرجت شفتاها عن ابتسامة رضى ، وهي ترى المولود الجديد في أحضانها .. وتسمع نبض قلبه .. طبعت على جبينه قبلة أودعتها كل حب الأم وحنانها .
تمتمت الجدة بشيء .. ربما كانت تقرأ الفاتحة على روح أبي ، أو ربما تشكَّلَ وجهه أمامها فراحت تناجيه .. موشوشةً في أذنه البِشارة :
— ولد .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )
- المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )
- سرّي الدفين .. ! ( قصة قصيرة )
- هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )
- راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
- يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
- عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
- لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
- في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
- رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
- شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )
- أنا .. وأمي الخائنة .. ! ( قصة قصيرة )
- لعنة عناق .. ! ( قصة قصيرة )
- نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )
- البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )
- عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
- راوية .. ! ( قصة قصيرة )
- دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )
- الطلاق الصامت .. ! ( قصة قصيرة )
- لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- تنسيق الدبلومات الفنية 2024.. خطوات التسجيل في تنسيق الدبلوم ...
- نزلها في ثواني.. تردد قناة تنة ورنة للأطفال 2024 على القمر ا ...
- “حرامي سرق لوللو”.. استقبل الآن تردد قناة وناسة الجديد 2024 ...
- بوتين يلجأ لـ-أسلوب الأجداد- في ترجمة لقائه نائب الرئيس الصي ...
- إيطاليا.. فضيحة سياسية بسبب مشاركة مدونة جميلة في فعاليات حض ...
- نزلها بجودة عالية.. تردد قناة كراميش الجديد 2024 عيش المتعة ...
- إعادة قلادة ذهبية عمرها 2500 عام إلى تركيا تم تهريبا إلى الو ...
- ثبت الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال 2024 على النايل سات وت ...
- اتفرج على الأفلام الأجنبية والمسلسلات العربية مجاناً.. تردد ...
- كنعاني: دماء الممثل الفلسطيني ابو سخيلة صرخة مظلومية الشعب ا ...


المزيد.....

- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - المخاض .. ! ( قصة قصيرة )