أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - *كان يمكنها سماعي..















المزيد.....

*كان يمكنها سماعي..


شهربان معدي

الحوار المتمدن-العدد: 8078 - 2024 / 8 / 23 - 01:25
المحور: الادب والفن
    


قصّة قصيرة..

من شهربان معدّي.



كنت أنتظر بفارغ الصبر أن يدقَّ جرس المدرسة وأعود إلى بيتي.. اليوم يوم الخميس، وغدًا ستبدأ عطلة نهاية الأسبوع، كم أنا مشتاق للجلوس مع أمّي...؟ وكم أنا متلهّف أن أخبرها بكلّ شيء.. نعم، بكلّ شيء! وبأدقّ تفاصيل يومي الجميل.. ولأننا في نهاية الأسبوع؟ أنا متأكد أنه ثمّة طعام لذيذ ينتظرني..

طبعًا سأخبّرها عن انضمامي لجوقة المدرسة، وعن النشيد الرائع الذي نحضّره لعيد الأم، وعن البدلة الرسميّة التي يجب أن أرتديها أثناء العرض الكبير، وعن "البوب كورن" والمثلّجات التي أحضرتها لنا والدة يارا، بنت صفي المتألقة دومًا.. وعن المشادّة الكلامية التي حدثت بيني وبين جولان، ابن صفي المتنمّر؛ والتي تحوّلت لمشاجرة علنية، جمعت حولها غالبيّة طُلاب المدرسة، وكيف أنني ركلته أمام الجميع، وهي أكيد ستكون فخورة بي؛ لأنها علّمتني ألاّ أتنازل عن حقي أبدًا.. وطبعًا لن أنسى أن أحكي لها عن الحلوى التي ابتعتها بالأمس من المخبز القريب، وكيف تناولتها في غفلة عن المعلمة، وخبّأت غلافها بسرعة البرق في حقيبتي..

واو.. نسيت أن أخبركم! أنني سأحكي لها أيضًا عن مربية صفّنا، المعلمة سحر، التي عادت اليوم إلى الدوام، بعد أن أنهت إجازة الولادة، وأنا سعيدُ بذلك، لأنها ستأخذنا في نهاية الأسبوع القادم، لرحلة لميناء الصيادين في عكا.. وأنني في درس الرياضة فزّت في المرتبة الثالثة في مسابقة الجري، ورغم أنّني امتعضت قليلًا ولكنني كنت سعيدًا بفوز صديقي رازي بالمرتبة الأُولى.. وأن زميلتي لورين دعت كل الصف لعيد ميلادها يوم السبت القادم، الساعة الخامسة مساءً، كما أوصتنا، ويجب عليّ أن أجهّز لها هدية جميلة تليق بها..

أنا الرجل الصغير، الذي يريد أن يحتضن الدنيا بأسرها.. ها أنا أعدّ الدّقائق والثواني.. التي أريدها أن تمرّ كومضة البرق.. لكي أعود للبيت وأخبر أُمّي بأدقّ التفاصيل الصغيرة، وأتسابق مع اللحظات قبل أن أفقد حماسي ولهفتي في الحديث عنها..

عندما دلفت للبيت، كان الطعام ينتظرني على المائدة، ككلّ يوم! طبق سباغيتي مغمور بصلصة الكاتشب؛ ورغم أنني توقعت أن ينتظرني طبق آخر...؟ ولكنني التهمت طعامي بسرعة البرق، وكان كلّ همّي أن أخبر أمي عن كلّ "مغامراتي الصّغيرة" التي جعلتني أُحلّق في سماء وردية..

وكم شعرت بالإحباط عندما سمعت ضحكات عالية وثرثرة، مصدرها غرفة نوم أمي.. تبًا لك يا أمي.. وتبًا لجوّالك اللعين..

كتمت غضبي في داخلي.. ولملمت خيباتي المتتالية، وقرعت الباب بلطفٍ، معلنًا عن عودتي من المدرسة..

نظرت إليّ أُمي بلا مبالاة وقالت: واو...؟ متى وصلت يا حُبي؟ ثوانٍ وسآتي إليك.. إنني أتحدث مع.. خالتك! وهي بتسلّم عليك كثير..

ولجت لغرفتي الصغيرة، مكسور الخاطر، مهيض الجناح، وقد فقدت جزءًا كبيرًا من حماسي في الحديث عن مغامراتي..

بدّلت ملابسي وحضّرت فروضي المدرسيّة.. أطعمت السّمكات الملوّنات، وعصفور الكناري.. وسقيت أُصص شُجيّرات الصّبّار الصّغيرة.. وأمّي...؟ ما زالت تتحدث بجوّالها..

حاولت أن أٌقطّع الوقت باللعب على الحاسوب، سيّما وأنني من اللاعبين البارزين في لعبة الفورت نايت بين أترابي وأصدقائي.. شعرت بيأس عقيم، وقررت أن أتوجّه لسريري، لأرتاح قليلًا من ضوضاء المدرسة، والدوام الطويل.. أردت أن أدفن رأسي المليء بالخيبات والخذلان، تحت وسادتي الصغيرة.. وأنام..

ولكن دخولها لغرفتي في هذه اللحظة بالذات...؟ سرق من عيني النوم بعد أن لمعت في ذهني هذه الخطة الجهنمية.. التي ستنقذ كبريائي المسحوقة..

تظاهرت بالنوم العميق رغم دفء شفتيها التي طبعت على جبيني قبلة سريعة، وانصرفت في لمح البصر..

شعور جديد انتابني.. مشاعري الحقيقية كإنسان، بدأت تطفو على السطح.. شعرت برغبة شديدة في الانتقام من أُمي.. لا أُريدها تلك القبلة، ولا أريد دفء أنفاسها الذي هزّ أعماق روحي.. كنت أريدها أن تسمعني.. وأنْ تشاركني أفراحي الكبيرة ومغامراتي الصّغيرة..

بخفّة ريشة، قمت أمشي على أطراف أصابعي، خرجت من غرفتي بحرص شديد، لأجد أمّي مشغولة في المطبخ بتحضير العشاء لوالدي.. ولم يكن معها جوّالها اللعين..

دلفتُ لغرفتها بحذرٍ شديد؛ كانت شبه مظلمة، بالكاد تحسّست طريقي، وكنت خائفًا أن اصطدم بشيء يحبط خطتي.. وصلت إلى المنضدة الصغيرة التي بجانب سريرها، وهناك رأيته يرقد بسلام.. وقد أوصلته بالشاحن، وكيف لا...؟ بعد كلّ هذه الساعات الطويلة في الأحاديث التّافهة.. التي قتلت روحي وحطّمت كبريائي..

- حسنًا ماما، ستدركين الآن، كم كنت بحاجة للحديث إليك، سأريك قوّة الشخص الوحيد الذي يعرف مدى تعلقك بهذا الشيطان الرجيم..

كان صدري يعلو ويهبط عندما حرّرته من الشاحن، أمسكته جيّدًا بقبضة يدي.. أردت أن أعصره بكفي الخرقاء..

كانت رغبة الانتقام تغلي في صدري، فعليّ الإسراع إذًا..

نظرت حولي.. لم أجد شيئًا أستطيع من خلاله كسّر الجوال.. قلبته بالعكس وبكل قوتي..؟ ضربته بحافة السرير الخشبية.. ضربة.. ضربتين.. ثلاث.. وتحولت شاشته لحُطام.. ورغم خوفي الشديد من والدي، شعرت براحة غريبة تغمرني.. راحة برّدت قلبي.. وغمرت روحي بالسلام.. وأخيرًا تخلّصت من غريمي الذي سرق مني أٌمي..

ومثلما دخلت الغرفة على أطراف أصابعي.. غادرتها بحذر شديد وعدت لفراشي، واستغرقت في نوم هادئ عميق، لأقوم مرعوبًا على صوت صراخ أُمي.. توجهت للمطبخ حيث مصدر الصوت، وجدتها تمسك الجّوال بيدها وتبكي، مؤكدةٌ لوالدي، أنها عندما أوصلته بالشاحن، لم يسقط من يدها! وأنها بالكاد امسكته اليوم، حيث قضت سحابة نهارها في تنظيف البيت! وأنها لا تعرف كيف تحطمت شاشته...؟ ربما عين وأصابته، قالت لوالدي، وهي تشرق دموعها الغزيرة..

- لا عليك، لا عليك يا عزيزتي، ربّت والدي على كتفها، وأردف قائلاً:- غدًا سأراجع الشركة التي ابتعته منها وإن لم يفلحوا بتصليحه؟ سأشتري لك جوّالا جديدًا، ومن ماركة أفضل بكثير..

وكاد لساني يفضحني، ولكنني تماسكت نفسي وهمست في سريرتي:

- لا عليكَ.. لا عليكَ يا والدي.. سأكسره.. أعدك أنني سأفعل هذا في كلّ مرّة..



#شهربان_معدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تُزهر ضفاف النهر..
- * ابن العازة -عُكّازة-؟
- * نمّلية ستّي؛ صيّدلية لكلّ العائلة.
- ولادة كتاب جديد - جود يحلّق في الفضاء بقلم: شهربان معدّي.
- لروح -المغنّي- الأديب الكبير، المرحوم الأستاذ إبراهيم يوسف. ...
- *حُطّي ابنك في كُمّك ولا تعيريه لأمك!
- ليست مجرّد لمّة زيتون وزعتر..
- لمن تركت آلاء وعدن؟ للناقد والأديب المرحوم شاكر فريد حسن
- كتاب -حارة السلام- طرح جديد يُعزّز قيمة الجيرة الحسنة وقبول ...
- لروحك السلام يا سنديانة الزابود وفتى الحقول.. لروحك السلام أ ...
- نوافذ الحُزن لا يفتحها غير العُظماء.. نثرية متواضعة، مهداة ل ...
- باقة هايكوهات ربيعيّة بمناسبة عيد الأُم.
- أُمنيَةٌ صغيرةٌ
- الأنسنة في القصة القصيرة (حفنة حظ) للكاتبة شهربان معدي. بقلم ...
- النهار ملْكَ يدي..؟
- بوح في زمنٍ منكود
- -البوّابات الخمس... بالعربية والإنجليزية وميثاق البقاء في جن ...
- -الحسناء يازوكو لبست فستان الزفاف- شعر هايكو
- جورية أزهرت/ شعر هايكو
- سرّ الخالة كاملة


المزيد.....




- غضب في تونس من فنان مصري ومطالب بالاعتذار
- حلم ليرمانتوف الأخير: معالجة درامية لمعضلة البطل البايروني
- “ترددات قنوات الأفلام 2024: دليلك لأحدث ترددات القنوات السين ...
- في روايته -البحر الأسود المتوسط-.. البراري يرصد انكسارات الإ ...
- غرق يخت بريطاني فاخر قبالة صقلية يثير الجدل.. ومغردون يشككون ...
- الثقافة الفلسطينية تعلن ترشيح مشروع «من المسافة صفر» للمشارك ...
- فيلم -من المسافة صفر- يمثل فلسطين في أوسكار 2025
- “الفيلــم الأكثــر شهــرة ونجــاح“ قصة فيلم حياة الماعز the ...
- يواصل الصدارة.. فيلم إكس مراتي بجميع دور العرض وإيرادات تتجا ...
- بعد واقعة محمد فؤاد.. الفنان المصري حميد الشاعري يظهر في مشا ...


المزيد.....

- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - *كان يمكنها سماعي..