أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - حين يهدم أعداؤك بيتك














المزيد.....


حين يهدم أعداؤك بيتك


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 8065 - 2024 / 8 / 10 - 18:11
المحور: الادب والفن
    


*******************
حين يهدم أعداؤك بيتك، تنحني القيم التي بناها الإنسان على مر التاريخ، ليس فقط لأن سياسة العقاب الجماعي مرفوضة، بل لأن سياسة العقاب الفردي المرتبطة بممتلكات مرفوضة أيضاً، فالبيت كائن مستقل، يبني علاقة مع أصحابه، مع جيرانه، مع من لمس جدرانه، من بناها ومن سكن فيها، من نظر ذات يوم من نوافذها، وعلق لوحةً على جدرانها، البيوت كائنات تتنفس وتحلم وتتذكر، وتحتفظ بالأسرار وتفشيها أحياناً، تماماً مثلنا، بل وأفضل منا، لأننا نغادر أماكننا أحياناً، نهاجر أو نذهب إلى العمل، لكن البيوت لا تغير أماكنها، تعتز بالبقعة التي تبنى فيها، لذا تبقى إن استطاعت إلى الأبد، لكن الأعداء يعرفون ذلك فيقتلونها، البيوت تستشهد أيضاً، وكما يسقط شهيد بكامل حنّائه وذكرياته وعنفوانه، بكامل هيبة الحياة فيه، تسقط البيوت كذلك، حاملة معها أفكارها وذكرياتها وخطوات من أقاموا فيها ومن زاروها مصادفةً، ومن تفرجوا على الغروب من أسطحها، تسقط حتى بشقوقها التي أعدّها الزمن الطويل مثل الخطوط التي تظهر في يد ووجه العجائز.
حين يهدم أعداؤك بيتك، تسقط النظريات والتنظيرات، ويقبع الكون في حفرةٍ مظلمة ونتنة، وتصبح كل العبارات التي تتحدث عن الإنسانية محض هراء لا يصلح لإسكات طفلٍ رضيعٍ أصبح بيته الوحيد هو حضن أمه بعد أن باتت العائلة تنظر إلى جثة بيتها من الشارع القريب، تتحول المساحة إلى قبر، وتنهار الأسس التي قام عليها النوع البشري، فيعود كل شيء إلى أصله الحيواني، قبل أن يتطور ليصير إنساناً.
حين يهدم أعداؤك بيتك، لا تكمن الفكرة في انهيار السقف، وانحناء الجدران فحسب، بل تدخل في تفاصيل أكثر دقة، حين يسقط الإناء الذي يحتضن زهرة قرنفل عن حافة النافذة التي تتهاوى مع ضربة البولدوزر، وحين تسحق الجرافة الحائط الذي كنت تسند إليه ظهرك وأنت تراقب بنات الجيران الذاهبات إلى المدارس، وحين يفجّر الديناميت مخزن ألعابك حين كنت صغيراً، فتعثر على أشياء نسيتها، لكنها في هذه اللحظة تكون مفتتة وخالية من الحياة ولا تصلح للذكريات، لأنها ميتة مع البيت، كل شيء داخل البيت يموت حين يموت البيت، لأنه يشبه الجنين والبيت هو رحم الأم، وما من جنين عاش بعد أن ماتت أمه.
حين يهدم أعداؤك بيتك، تنتصر الآلة والرصاصة على الحجارة، فتبكي وتقول: لن يسرقوا ذكرياتي مع ذلك، لكنك تعرف أنك تخاتل ذاتك، فالذكريات دائما بحاجة إلى مكان، والرأس لا يكفي ليحيل شجرة في الخيال إلى ظل، لا يكفي ليمنح حلمك ألوانه ورائحته وملمسه، لكنك تتماسك وأنت تنظر إليه يتهاوى مثل لعبة أطفال على شاطئ البحر، فتبدو أنت من بعيد لمن يراقبك، كولد مهزوم، وفي داخلك أشياء تسقط مع كل قطعة قرميد، مع كل قطعة خشب، مع كل دمعة يذرفها البيت الذي يستنجد بك وبالعالم وبالأديان وبالسياسات، ولا أحد يجيبه، تخرج أسلاكه من جدرانه مثل أحشاء حية، تتدفق المياه من أنابيبه مثل دم يسيل، ولا أحد يريد أن يفهم ما يفعله ذلك بك، العالم مشغول بالدفاع عن نفسه ضدك، ضدك أنت بالذات، فذكرياتك وبيتك يهددهم على ما يبدو، وهنا عليك أنت أن تفهم كذلك.
حين يهدم أعداؤك بيتك، لا تحاول أن تبني بيتاً جديداً في المكان ذاته، بل ابحث عن مكان آخر، فمن غير المشروع أن تقيم بناءً فوق ضريح.



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قال إني خائف، فقلت وأنا كذلك
- كتابات على جسد المدينة
- صباح الخير يا غزة
- صباح الخير يا شيخ خضر
- جنود
- عشرون خطأ فرديا
- ماذا كنت سترى يا ولد؟
- فاطمة، أو بَرَدةْ، أول الآلهة
- نازلا عن أحد
- سبعة تجليات لصوفي وحيد
- فراشات بديلة
- يوم قال الناس إن اليأس سيد المكان
- يا جلالة الملك
- موجة حزينة وخجولة
- عشر نساء
- الذئب الذي عاش وحيدا
- حين رأيناك
- دلنا على جثتك كي نصدق موتك
- دع الريشةَ وتعال
- دو ري مي فا


المزيد.....




- -فلسطين.. شعب لا يريد الموت-.. كتاب جديد لآلان غريش
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 177 مترجمة للعربية معارك نارية وال ...
- الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية و ...
- جمال سليمان من دمشق: المصلحة الوطنية السورية فوق كل اعتبار ( ...
- جمال سليمان يوجه رسالة بعد عودته لدمشق عن جعل سوريا بلدا عظي ...
- إبراهيم اليازجي.. الشخصية التي مثّلت اللغة في شكلها الإبداعي ...
- -ملحمة المطاريد- .. ثلاثية روائية عن خمسمائة عام من ريف مصر
- تشيلي تروي قصة أكبر تجمع لفلسطينيي الشتات خارج العالم العربي ...
- حرائق كاليفورنيا تلتهم منازل أعضاء لجنة الأوسكار وتتسبب في ت ...
- بعد غياب 13 عاما.. وصول جمال سليمان إلى سوريا (فيديو)


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - حين يهدم أعداؤك بيتك