|
تسميم البئر
عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8041 - 2024 / 7 / 17 - 20:34
المحور:
الادب والفن
هنالك كثير من السلوكيات التي تحكم حياتنا خارج منظور المنطق التي لاتستند على حجة حقيقية وواقعية تسيرها العاطفة والافتراضات الهشة التي لاتقف على ارض صلبة . ونلاحظ بعين الموضوعية ان الحكم على الاخرين من موقف معين غالبا ما يكون بعيدا عن الحجة المنطقية حتى لو استندت على عبر واقوال لتدعيمها والتسليم بها كحكم نهائي . وليس الافراد وحدهم المعنيين بهذا الامر حتى الشعوب فيما بينها وتحدث جراء ذلك حروب عبثية لاجدوى منها سوى اثبات خطأ الآخر . في شعوبنا مثلا هناك مبدأ سائد بين الجماعات والطوائف المختلفة والمتصارعة " ان لم تكن معنا فأنت ضدنا " لاتوجد مايسمى بالمنطقة الحيادية او الرمادية او خيار ثالث فالحكم ثنائي القطب اسود او ابيض . ولهذا نجد الصراعات الصفة الغالبة بين الجماعات تصل الى حد اراقة دماء بريئة وتهجير وغيرها من الامور غير الانسانية التي تكون خارج نطاق العقل . صدف أن تحدثت إلى أحد الأصدقاء بقضية ما عبر الواتس آب وكانت محادثة غير صوتية . بعد السلام والتحية وقبل أن اشرع بالحديث عن القضية قال لي أنه حصل على ترقية علمية وكتاب شكر . فقدمت له التهنئة على ذلك بكلمات موجزة ليكون الحديث بعده ما سأقوله وفي أول سطر ارسلته له عن القضية انفجر غاضبا .. وردد بعبارات غير لائقة تدل على اعتقاد سائد لديه أنني لايهمني أمر ترقيته وانظر للأمر بعين الحاسد . ولم يفسح لي المجال بالكلام والتفسير المنطقي . فكانت ثورته صاعقة .. ثم انهى المحادثة دون مقدمات .. حينها أدركت وقتها أن صاحبي كان ملغوما من حسد وغيرة زملائه في العمل جراء ترقيته التي نالها بتعبه وجهده . ولكن كنت أنا من دفع ثمن هذا الأمر وكأني ازحت صمام الأمان فأنطلق بهجومه الكاسح .. وكنت الضحية .. هذا مايسمى ب "التعميم المتسرع " وهو مغالطة منطقية حين يسقط الآخر عليك كل ما يضمره تجاه الآخرين ويحسبنك جزءا من هؤلاء الحاسدين .. هذا الانفعال نجده كثيرا لدى البشر في علاقاتهم المشحونة . أراد صديقي أن يبرهن على فعلته على نتيجة محددة في خاطره بعيدة عن الحجة والخروج عن الهدف الحقيقي الموجه . هو ألقى كلامه المشحون الذي لا يمت بالقضية بصلة معينة فيقذف بالمقابل خارج مضمار الحديث المعني . يحكي لي صديق عن موقف جمعه بزملاء المهنة انهم اتفقوا أن فلانا وهو زميلهم في العمل غير جدير بمهمته .. هذا الاستدلال غير المنطقي يرجع به إلى سنوات حين كان زميلهم يدرب هؤلاء ويستلهموا منه الخبرة العملية ولكن انجازاته التي حصل عليها من كتب شكر ومكافآت مالية احدثت نوعا من الشرخ في علاقتهم به جراء الحسد والغيرة فقاموا بالطعن في عمله واخذوا يبحثون في التفاصيل الصغيرة عسى أن يجدوا شائبة تدينه . ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما خرجوا عن نطاق عمله وبحثوا في حياته الشخصية والمادية ووجدوا ماطاب لهم وهم يتفاخرون بما يملكون وهو لا يملك مثلهم من امور واشياء مادية .. حين نبحث في اصل القضية لانجد حجة منطقية تدين الشخص .. وهم بدلا من يفندوا عمله بمنطق عقلي مقبول قتلوا الرسول وتركوا الرسالة . وبدلا من فرض حجة منطقية تعرضوا لظروف خصمهم الشخصية التي لا تشكل ثقلا منطقيا يعزز حجتهم الواهية . وهنا نود أن نشير إلى عمليات التسقيط الذي يتناوله البعض لأدانة شخص بالتحدث عن صفاته السيئة لتدعيم حجتهم الضعيفة كي يسقط في اعين الآخرين . هذا يسمى لدى الفلاسفة والمفكرين " تسميم البئر " كي يقل من شأن الآخر فلن يثق به احد بعد الآن . وقد يحتكموا لأناس من غير الاختصاص لتدعيم ( حجتهم ) . ومشكلة هؤلاء أنهم بحديثهم المبهم تجاه الشخص المعني لكسب تأييد وتضامن يقومون بمخاطبة الوجدان ومناشدة العواطف كي يعطوا حقنة مقوية لحجتهم ولكن المنطق يتدخل هنا ويؤكد أن شحن العواطف تجاه قضية لا تنهض بدليل يقف قبالة الحجة . وهنا اردد ما قاله الفيلسوف ديكارت " ان موقف الكثرة ليس دليلا على الحقائق ".... . الاغلبية تسير مع القطيع الى اينما تذهب بهم معتقداتهم التي يؤمنون بها حتى لو كانت خاطئة .. ؟ !! وهم لا يدرون الى اين يصل بهم الطريق ؟!!.. المهم انهم يشعرون بالانتماء ومنقادون بشكل اعمى لأفكار القطيع دون ان يبذلوا جهدا عقليا في التمحيص والتفكير .. فقد تم الغاء ملكة التفكير لديهم – وهذه فلسفة القطيع - وهم في ذلك مسيرين غير مخيرين في الفعل والتفكير . هؤلاء هم السواد الاعظم في داخل شعوبنا .. هؤلاء يحاربون كل فكرة جديدة تخالف معتقداتهم ولهذا نجد مجتمعاتنا متخلفة وجامدة بعيدة عن ركب الحياة والتقدم ومنذ قرون خلت ولهذه اللحظة .. يقول تشيخوف " في المجتمعات الفاشلة ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية، تظل الغالبية بلهاء على الدوام، ولها الغلبة دائماً على العاقل " . إذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات على الكلام الواعي ويتصدر التافهون المشهد فأنت تعيش في مجتمع فاشل .
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى صديقي .. علي حسن كريم
-
سجل العراق في الابداع يعاني الاهمال
-
اِلا اَنتِ ..
-
قانون الاضافة البسيطة
-
وردة من البستان
-
اغنية عاشق
-
تهجير
-
فاتورة الزمان
-
ورقة التوت الاخيرة
-
أفق خيال جامح
-
جنون الخيال
-
قارورة عطر
-
ميدوزا
-
اتركي لي جنوني وارحلي
-
وجع القلوب
-
خطوة نحو دائرة اليأس
-
لحظة تجلي
-
ابواب
-
هي .. في لجة الزمن الضائع
-
روح اللقاء في لقاء الارواح .. قراءة نقدية
المزيد.....
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 177 مترجمة للعربية معارك نارية وال
...
-
الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية و
...
-
جمال سليمان من دمشق: المصلحة الوطنية السورية فوق كل اعتبار (
...
-
جمال سليمان يوجه رسالة بعد عودته لدمشق عن جعل سوريا بلدا عظي
...
-
إبراهيم اليازجي.. الشخصية التي مثّلت اللغة في شكلها الإبداعي
...
-
-ملحمة المطاريد- .. ثلاثية روائية عن خمسمائة عام من ريف مصر
-
تشيلي تروي قصة أكبر تجمع لفلسطينيي الشتات خارج العالم العربي
...
-
حرائق كاليفورنيا تلتهم منازل أعضاء لجنة الأوسكار وتتسبب في ت
...
-
بعد غياب 13 عاما.. وصول جمال سليمان إلى سوريا (فيديو)
-
حفل توزيع جوائز غرامي والأوسكار سيُقامان وسط حرائق لوس أنجلو
...
المزيد.....
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
المزيد.....
|