أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - امال قرامي - كيف تتحوّل النساء إلى أشياء؟














المزيد.....

كيف تتحوّل النساء إلى أشياء؟


امال قرامي

الحوار المتمدن-العدد: 8027 - 2024 / 7 / 3 - 10:03
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



حرصتْ مُؤسِّساتُ الحركات النسويّة على توعيةِ الشابات والنساء على أهميّةِ التعليم والعمل والثقافة والتجارب في تحقيقِ التغيير المجتمعي وتحسين أوضاع النساء وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسيين. وناضلتْ أجيالٌ متعدّدة من أجل أن تكتسبَ الشابات والنساء وعيًا يسمحُ لهنّ بأنْ يُصبحن قادرات على ممارسةِ حقِّ الاختيار، وأن يتحوّلن إلى ذواتٍ فاعلةٍ وممتلكةٍ لمصيرها، وصوتها، ورؤيتها للحياةِ والكون. غير أنّ هذا المسار المعقّد والشاقّ، ما عاد يستهوي فئات من الشاباتِ والنساء اللواتي صرن مهووسات بثقافةِ عرضِ أجزاءٍ من الأجساد في مواقع التواصل الاجتماعي، وممارسة فنّ الإغراء والانخراط في ثقافةِ الاستهلاك والتسويق للمنتجات التجميلية وغيرها.

تُختَزل هذه الفئة من الشابات والنساء في أجزاءٍ من الجسدِ المُفتّت، وتُلبي حاجة الناظر الشغوف بالبحث عن صورِ النساء والتأمّل في مواصفاتهن والاستمتاع بطريقةِ عرضهن، فهنّ مجرّد أشياء تُوضع على ذمّة التحديق الذكوري، وتُرضي ما يطمح إليه عدد لا بأس به من الرجال، وهو أن يروا النساء منشغلات بمظهرهن ومهووسات بأن يكنّ "جميلات" من خلال عملياتِ التجميل أو "الفلاتر ، ولله درّ التكنولوجيا التي كفت الرجال شرّ الناشطات سليطات اللسان، الغاضبات، المُهاجمات للرجال والفكر الذكوري و...!

وعندما تقتدي فئةٌ من المبدعاتِ والجامعيّات بـ"المُؤثرات" و"الإنستاغراميات"، فينصرفن إلى الاهتمامِ بالمظهر قبل الجوهر، وعرضِ أجسادهن قبل إنتاجهن، وممارسة الغنج، و"يسقطن" في فخّ التنافس: من تقدّم نفسها أفضل من الأخرى... حينها، يُصبح الموضوع مثيرًا للتفكّر. وعندما تغدو النجومية" في الميديا الجديدة مطلبًا ملحًّا لهذه الفئة من الشابات والنساء، تُصبح محاولة الفهم ضرورية.


يمكّننا براديغم التنشئة الاجتماعية من تحليل هذا التراجع: من مسارِ إثبات الذات والفاعلية إلى مسارِ التشيئة والتحوّل إلى أداةٍ تُسخّر لخدمة مركزيّة الرجال، المُهيمنين اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا. فإذا كانت أغلب "المؤثرات" و"الإنستاغراميات" و التيكتوكيات" وغيرهن من المُستثمرات في بيع المنتجات التجميلية، وتعليم كيفية وضع المساحيق، يُمارسن عرض "المفاتن" بحثًا عن الإثراء السهل، لأنّهن لا يملكن سوى هذه المواهب، فإنّ تهافت فئة أخرى من الشابات والنساء على تقديم أنفسهن بطريقةٍ تُرضي الرجال، يعود إلى التأثّر بثقافةِ الاستهلاك التي حدّد الرجالُ مكوّناتها وجمهورها وأهدافها. وسواء تحدّثنا عن هذه الفئة أو تلك، فإنّ جميعهن قد دَخلنَ (intérioriser) القيم التي نشأن عليها، القائمة على تربيةِ الطفلة على الاعتناء بالجسد باعتباره الرصيد المُثمّن الذي يُمكّنها من دخولِ مؤسّسة الزواج، ودفعها إلى تطويعِ جسدها لما يرغب فيه الآخر، والتكيّف مع التوقّعات الجندرية، وتعويدها إتقان فنّ الإغراء باعتباره وسيلة للتفاوض أو السيطرة على الآخر.

إنّ هذه التنشئة الاجتماعية لا تُساعد الفتيات على حسنِ الاختيار وتحديد طرائق تقديم الذات: كيف أختار أن أكون متحكّمة في حياتي الخاصة وقراراتي واختياراتي ومُلتزمة بمبادئ وأخلاقيات وإتيقا؟ كيف أتصرّف وكيف أحدّد موقعي وأشتغل على ذاتي وأنتقل من غوايةِ عرضِ الذات وعرضِ الجسد إلى امتلاك ذاتي وتقديم أفكاري ورؤيتي؟ كيف أكون سيّدة نفسي، ومتحرّرة من القيودِ والمعايير الجندرية التي جعلتني تابعة وأداة في يد الآخر؟

إنّ إعادة النظر في القيم التي تقوم عليها التنشئة الاجتماعية وفكّ الارتهان بنمطِ الأنوثة التي تؤسّس لها، هي العملية الضرورية التي تسمح للنساء بأن يتحوّلن إلى ذواتٍ قانونيةٍ وذواتٍ فاعلةٍ ومواطنات، وأن يكنّ واعيات وقادرات على إثبات وجودهن. وهذا المسار ينطلق باتخاذِ قرار القطع مع ثقافةِ الاستهلاك التي روّج لها أسياد الاقتصاد الرأسمالي، والتي تقوم على توظيفِ الجسد لخدمةِ الاستهلاك وترسيخ قيمه وتحويل الإنسان إلى أداةٍ لتنميةِ ثرواتِ أصحاب الأموال.

وليس دفاع البعض عن حقّهن في أن يكنّ عارضات لمفاتنهن وخادمات لقيم التسويق أو مروّجات للجمال المُصنّع (عبر العمليات التجميلية أو "الفلاتر التكنولوجية") إلّا علامة على فشل منظومة التنشئة والتربية على بناءِ إنسانٍ متوازنٍ وقادرٍ على حسنِ اختيار قراراته، وحجّة على تحوّل هؤلاء إلى ضحايا النظام البطريركي والنظام الاقتصادي الرأسمالي المتوحّش.



#امال_قرامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكّلُ خطابات جديدة حول الأمومة
- الرجل لا يعيبه شيء!
- من الأدوار الجندرية إلى التشاركية.. هل ينجح الرجال؟
- اعتذار للفلسطينيات ....وهل ينفع الاعتذار؟
- النار في جسدهAaron Bushnellإضرام في التعاطي الإعلامي الأمريك ...
- المتقاعدون يحتجّون: -الحماية والرعاية من البداية للنهاية-
- المؤسسات الجامعية وإبادة الفلسطينيين
- موقع التونسيات في مسار الانتخابات 2023/2024
- الحرب على غزّة والمنعرج الجديد
- جنوب أفريقيا ودرس في إيطيقا المرافعة
- بعض من الأسئلة التي أثارتها حرب الإبادة على غزّة
- نداء إلى الحركات النسوية: -حياة الفلسطينيات مهمّة-
- المجتمع المدني والتعديل الذاتي
- ماذا بعد عنهجية الدولة المارقة وإبادة الفلسطينيين؟
- أزمة الرعاية المجتمعية
- قتل النساء وإشكالية التغطية الإعلامية
- «تسيّس الاتحاد الأوروبي»
- الانتخابات بين المركز والهامش
- قتل النساء لا يثير قلق التونسيين/ات
- «مونديال» كرة القدم قطر 2022 بنكهة دينية: «تونيزي تونيزي.. م ...


المزيد.....




- اعرف شروط منحة المرأة الماكثة بالمنزل وطريقة التقديم على الم ...
- بايدن: فخور بكوني أول امرأة سوداء تعمل مع رئيس أسود! (فيديو) ...
- في كردستان.. ناجيات في خطر ونظام يحمي الجناة
- البيت الروسي بالقاهرة يحتفل بيوم الأسرة والحب والإخلاص
- ناجيات يروين لـ DW كيف بات الاغتصاب سلاح حرب في السودان
- الحكومة الجزائرية تفرح جميع السيدات.. أعرف الآن شروط منحة ال ...
- احصلي على 800 دينار شهريا.. التسجيل في منحة المرأة الماكثة ب ...
- فنانة كويتية تثير جدلا كبيرا حول تأديتها لرقصات تحضيرية وبرو ...
- اللاجئون/ات السوريون/ات في تركيا ضحية العنصرية والتطبيع مع ا ...
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2024 anem.dz وا ...


المزيد.....

- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - امال قرامي - كيف تتحوّل النساء إلى أشياء؟