أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - لوحات (غرونيكا) في غزة!














المزيد.....

لوحات (غرونيكا) في غزة!


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 8006 - 2024 / 6 / 12 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


هل هناك شبهٌ تاريخي بين ما يجري في غزة من محو واستئصال على أيدي جيش الاحتلال الصهيوني النازي وبين ما حدث لأية مدينة في العالم؟! لا أدري لماذا استعدتُ قصة مدينة تعرضت للمحو من النازيين الهتلريين فيها بعض الشبه بما يجري في غزة من إبادة، إنها قرية صغيرة بالقياس بمدينة غزة، وهي قرية، الغورنيكا الإسبانية الواقعة في منطقة الباسك شمال أسبانيا.
أرغمتني لوحة الفنان العالمي، بابلو بيكاسو، لوحة الغورنيكا أن أستعيد ذكرى هذه القرية التي خربتها الحرب الأهلية الإسبانية عام 1937، بسبب النزاع بين الأحزاب الإسبانية المتحاربة، حينما استعان أحد قادة الأحزاب وهو، فرانسيسكو فرانكو المعارض للسلطة الشرعية المتمثلة في الجمهورية الإسبانية أي حكومة الباسك، استعان فرانكو بموسوليني وبهتلر في ألمانيا وطلب منهما قصف قرية الغورنيكا معقل خصومه السياسيين، مما دفع هتلر لإرسال أسراب الطائرات إلى هذه القرية الوادعة الحالمة بالمستقبل ذات النشاط التجاري والرياضي والفني! اختار هتلر يوم الدمار يوم الاثنين 26-4-1937م في ساعات الصباح، لأن المدينة تحتفل في هذا اليوم بالتسوق الشعبي وتحتفل بكل أشكال الفنون، أمطرت طائرات هتلر المدينة بالقنابل، محت أبنية المدينة بساكنيها!
مع العلم أن وجه الشبه بين ما حدث لقرية الغورنيكا وبين إعدام مدينة غزة شبهٌ ضئيلٌ للغاية، لأن عدد ضحايا الغارات على الغورنيكا كان أقل من ألف ضحية، وليس مائة ألف أو أكثر كما هو في غزة حتى كتابة المقال، كما أن مدة القصف على قرية الغورنيكا كانت فقط ثلاث ساعات ولم تكن تسعة شهور، هناك فرقٌ كبير أيضا في نوع القنابل المستخدمة في الدمار، فلم تكن هناك قنابل ذكية وأخرى غبية، وثالثة من اليورانيم المنضد، ورابعة من القنابل الحارقة السامة تُدمر غزة كل دقيقة!
أشعلت غارة جيش هتلر على قرية، الغورنيكا الإسبانية الرأي العام العالمي، حدث ذلك بين الحرب العالمية الأولى والثانية، دخلت مجزرة القريةُ سجلات التاريخ كمجزرة دولية عنصرية نازية، حدث كل ذلك قبل عصر التوثيق الرقمي بالصوت والصورة، أما محو غزة يتم اليوم وكأن غزة تعيش في العصر الحجري والبرونزي، وليس في عصر التوثيق الرقمي! مع العلم أن غزة ليست مدينة عادية يجرى محوها عن الوجود، بل هي موسوعة تاريخية نضالية، موسوعة تاريخية عالمية يجري استئصالها، تضم في صفحاتها حقبات من تاريخ العالم وشواهد تاريخية عالمية لكل دول العالم، وليس لفلسطين فقط!
إنَّ سبب تذكري لغرونيكا لا يرجع لسرد التاريخ في الموسوعات، بل لأنني ظللتُ أسيرا للوحة الفنية التي رسمها الفنان الإسباني المغترب عن وطنه بفعل الحرب الأهلية! هذه اللوحة ظلت تشدني دوما أن أعيد تصفحها مرات عديدة، كنت أحاول فك رموزها، والإجابة على سؤال: لماذا اعتُبرت هذه اللوحة بأنها من أشهر لوحات الرسم في العالم؟!
كنت أكتشف في كل مرة أتصفح فيها اللوحة شيئا جديدا، وهذا سر العبقريات الفنية والأدبية الخالدة، لأن الفن الصادق يحفز الفكر والعقل ويشحن العواطف ويثير الخيال!
عُرضت لوحة الغورنيكا في باريس عام 1937م طولها ثلاثة أمتار وعرضها ثمانية أمتار تقريبا، وهي رمز لكل المآسي وويلات الحروب، اللوحة معروضة اليوم في متحف صوفيا في مدريد.
استخدم الفنان، بيكاسو ألوانا زيتية قاتمة تعبر عما حدث من دمار، وأزال من الألوان كل اللمعان، اللوحة مملوءة بالثكالى والأطفال الموتى، لأن المجزرة استهدفتهم بالذات، دمج الفنان بيكاسو كل عناصر الحياة، فرسم ثورا وحصانا وعصفورا مع الأطفال والنساء دليلا على الحياة بأسرها، حتى الحصان مطعون ومصاب، أما المرأة تحمل جثة طفلها بين يديها، وهناك امرأة أخرى تشاهد القصف والموت برعب من النافذة وفي يدها مصباحٌ مشتعل، وتحت الحصان جثة جندي ميت في يده المقطوعة سيف مكسور! اللوحة مشحونة بالمآسي والألآم!
هذه اللوحة الفنية الخالدة فيها توسلٌ وغضب، كل شيء فيها عملاق يحترق، وهي تعبير عن الصراع بين إرادة الحياة والتدمير، يظل المصباح مرفوعا رغم الدمار رمزا للحرية التي لا تفنى.
كم كنت أتمنى أن تُخلد فنونُنا الفلسطينية مجازر فلسطين تخليدا فنيا عالميا يتحول من المحفوظات الرقمية سريعة النسيان إلى العواطف الأزلية، ولا يتم ذلك إلا بالفنون، فنون الأدب والفكر والتشكيل والأفلام السينمائية والمسرحيات كما حدث للغرونيكا! ولا يمكن أن أنسى أن هناك فنانين فلسطينيين بارعين لا يقلون إبداعا عن بيكاسو، رسموا لوحات فنية خالدة، ولكن لوحاتهم حوصرت عالميا ولم تحظَ بالرواج والنشر، ولا أبالغ إذا قلت أن معظم لوحات الفن الفلسطيني الخالدة تعرضتْ للمحو والإزالة من الأعداء، ولكن الأسوأ أنها تعرضت للنسيان من أهلها ممن أهملوها ولم يدمجوها في مقررات الدراسة ويرسخوها في الذاكرة العربية والدولية ضمن الفنون الفلسطينية الخالدة!
ما أكثر المجازر التي جرت على أرضنا منذ ستة وسبعين عاما، بدأت بدير ياسين والطنطورة واللد وإقرت وكفر برعم وكفر قاسم، والقدس والخليل ونابلس وجنين وطولكرم وما تزال مستمرة حتى اليوم لتصل الذروة في (أم المجازر) في غزة، مجزرة جباليا والنصيرات ورفح وخانيونس ومفرق النابلسي وميدان الكويت في غزة، وبخاصة مجازر مستشفيات غزة!!
ما أحوجنا إلى الفنون مخلدات الأحداث وليس فقط سجلات الأرقام والأسماء، فقد انبرى شعراء أسبانيا وفنانوها ومثقفوها في تخليد مجزرة الغورنيكا!
أخيرا، سأظل أتذكر حوارا دار بين الفنان بيكاسو، وأحد الضباط الألمان ممن شاركوا في مجزرة الغرونيكا، سأل هذا الضابطُ النازي بيكاسو: "هل رسمتَ هذه اللوحة وحدك؟ رد بيكاسو عليه: بل رسمْتَها أنتَ أيها المجرم النازي"!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموساد يهدد قضاة العدالة!
- هل الأونروا منظمة دولية إرهابية)
- قضايا فلسطين المركزية!
- مضيفة الطائرة لا سامية!
- مظاهرات الطلاب الأمريكيين مؤامرة روسية صينية!
- برفسورة يهودية تدعو لنبذ الحركة الصهيونية!
- خطط إسرائيلية لاستبدال الأونروا!
- إلى فقهاء التحليل السياسي!!
- اربطوا أحزمتكم، أنا من غزة!
- إسرائيل جندت بلاك ووتر في غزة!
- المرأة الفلسطينية المهَجَّرَة في معسكرات اللجوء!
- اقرؤوا تاريخكم!
- هل أدرك متخذو قرار الحرب هذه النتائج؟
- الجوع يتجول في شوارع غزة!
- استراتيجية إسرائيل من دمار قطاع غزة!
- هل انتصرنا في غزة؟
- هل نجح الإسرائيليون في غزة؟
- وداع بيتي الأخير
- صدمة حرب أكتوبر 1973 على إسرائيل!
- جامعات الحفلات والمهرجانات!


المزيد.....




- الروائي الليبي هشام مطر يفوز بجائزة أورويل للرواية السياسية ...
- على وقع ضحكات الجمهور.. شاهد كيف سخر الكوميدي جون ستيوارت من ...
- عودة محرر القدس… مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 29 الجزء 2 ...
- جهز مستنداتك.. تنسيق الدبلومات الفنية 2024-2025 جميع المحافظ ...
- استمتع بأقوى الأحداث… موعد عرض مسلسل قيامة عثمان الجزء الساد ...
- حالة رعب حقيقية في منزل فنانة مصرية (فيديو)
- -قضية الغرباء-.. فيلم عن اللاجئين السوريين يفوز بجائزة في مه ...
- نصوص في الذاكرة.. الغريب من كتاب أبي حيان التوحيدي
- -غوغل- يدرج اللغة الأمازيغية ضمن خيارات الترجمة
- فيلم -السبع موجات-.. آخر ما وثقته الكاميرا في غزة قبل حرب ال ...


المزيد.....

- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - لوحات (غرونيكا) في غزة!