|
لهذه الأسباب ألغى البرلمان الاحتفاء بيوم 14 تموز عيداً وطنياً
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8004 - 2024 / 6 / 10 - 20:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لهذه الأسباب ألغى البرلمان الاحتفاء بيوم لهذه الأسباب ألغى البرلمان الاحتفاء بيوم 14 تموز عيداً وطنياً
أ.د. قاسم حسين صالح مؤسس و رئيس الجمعية النفسية العراقية
جاء قانون العطلات الرسمية الذي صوت عليه البرلمان العراقي ( الأربعاء 22 ايار 2024) متضمنا المناسبات الدينية ،وحذف مناسبات مهمة ومفصلية في تاريخ العراق والعراقيين ،اهمها 14 تموز 1958 ..ذكرى سقوط النظام الملكي وتأسيس الجمهورية العراقية. ومن جديده، أن البرلمان اقر اعتبار (عيد الغدير) عطلة رسمية .ومع ان امام سلطة الحق هو اكبر من ذلك ، فانهم كانوا يعلمون ان اقراره يثير فتنة ، ولا يكترثون ان في اقراره مفارقة مخجلة هي ان الأمام علي قال يوم تولى الخلافة " أتيتكم بجلبابي هذا وثوبي فان خرجت بغيرهما فأنا خائن"..فيما الذين يدّعون انهم احفاده واخلص شيعته صاروا اصحاب ملايين ومليارات وعقارات وشركات!..وافقروا 13 مليون عراقي ،باعتراف وزارة التخطيط، معظمهم شيعة! وكانت حجة البرلمانيين في الغاء (14 تموز ) هو الابتعاد عن خلافات جدلية بين (الملكية والجمهورية).. ومع انهم هم انفسهم غير مقتنعين بهذه الحجة غير المنطقية ،ويعرفون انها بالضد من مشاعر ملايين العراقيين ،فانهم يعرفون ايضا ان الموضوع يتعلق بعبد الكريم قاسم تحديدا..ولأسباب سيكولوجية واخلاقية واعتبارية.. نكشفها في الآتي:
الضدّ في الحكم يظهر قبحه الضدّ هذه حقيقة يثبتها تاريخ الثورات والانقلابات في العالم ، فما ان يطاح بنظام فان الناس تقارن بين ايجابيات وسلبيات النظامين. وانا هنا لا اتحدث عن النظام الجمهوري الأول والنظام الديمقراطي بعد التغيير(2003) بل بين شخص عبد الكريم قاسم كرئيس وزراء وبين من تولوا الحكم..من حيث القيم والأخلاق وما يفترض أن يقدمه الرجل الأول في الدولة من خدمات للوطن والمواطنين .
لقد تابعت حكومات ما بعد التغيير من (2005) فلم اجد رئيس حكومة او رئيس حزب او كتلة يذكر عبد الكريم قاسم بخير،بل أن حكّام النظام الحالي في العراق لم يحيوا ذكرى استشهاد عبد الكريم قاسم في انقلاب شباط 1963 الدموي وكأن ذلك اليوم كان عاديا لم يقتل فيه آلاف العراقيين،ولم يحشر فيه المناضلون بقطار الموت،ولم يسجن فيه مئات الآلاف. والمفارقة أن الطائفيين يحيون ذكرى مناسبات تستمر (180) يوما ولا يحيون ذكرى يوما واحدا استشهد فيه قائد من اجل شعبه..فلماذا؟!
ان اي عراقي غير طائفي سيجيبك بسطر يغني عن مقال:(لأن سمو اخلاقه ونزاهته وخدمته لشعبه..تفضح فسادهم وانحطاط اخلاقهم وما سببوه للناس من بؤس وفواجع).
نعم. قد نختلف بخصوص عبد الكريم قاسم كونه عقلية عسكرية يعوزه النضج السياسي،ولك ان تدين شنّه الحرب على الكورد عام (61)،واستئثاره بالسلطة ،ومعاداته لقوى عروبية وتقدمية وما حدث من مجازر في الموصل،واصطناعه حزبا شيوعيا بديلا للحزب الشيوعي العراقي الذي عاداه رغم انه ناصره حتى في يوم الانقلاب عليه (8 شباط 1963).ولك ان تحمّله ايضا مأساة ما حصل لأفراد العائلة المالكة،وتصف حركته بأنها كانت انقلابا وضعت العراق على سكة الأنقلابات.ولك ايضا أن تتغاضى عن انصافه الفقراء واطلاقه سراح المسجونين السياسيين وعودة المنفيين وفي مقدمتهم الملا مصطفى البرزاني الذي استقبله اهل البصرة بالأهازيج..ولكن،حتى أبغض اعدائه،لا يمكنهم أن يتهموا الرجل بالفساد والمحاصصة والطائفية والمحسوبية والمنسوبية..وتردي الأخلاق،مع أن قادة النظام الحالي رجال دين،وان رسالة النبي محمد كانت اخلاقية بالدرجة الاساسية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)،وأن عليهم ان يقتدوا بمن خصه الله سبحانه بقوله(وانك لعلى خلق عظيم)..فيما عبد الكريم قاسم ليس له اهتمامات بالدين .فلم يطل لحية وما لبس عمامة. وبمنطق سيكولوجيا الشخصية فان الأنسان يشعر بالنقص حين يكون الآخر افضل منه في صفة أو اكثر،وتشتد حدّة هذا النقص حين يكون هذا الانسان شخصية عامة او قائدا في السلطة.. ولهذا فأن من تولوا الحكم بعد 2003 يغيضهم جدا ،ويشعرهم بالأزدراء حين يقارن العراقيون بينهم وبين عبد الكريم قاسم .فالرجل كان يمثل انموذج الحاكم القدوة من حيث نزاهته.فهو كان يعيش براتبه ولا يملك رصيدا في البنك،ولهذا لم يجرؤ في زمانه وزير او وكيله او مدير عام على اختلاس او قبول رشوة او التحايل على مقاولة.وما كان اهله او اقرباؤه يحظون بامتيازات،فشقيقه الأصغر كان نائب ضابط في الجيش العراقي،وبقي بتلك الرتبة طيلة مدة حكم أخيه عبد الكريم قاسم. وما كان للرجل قصر او بيت لرئيس الجمهورية،بل كان ينام على سرير عادي بغرفة في وزارة الدفاع. ولقد منحه العراقيون لقب(ابو الفقراء)..لأنه بنى مدينة الثورة لساكني الصرائف في منطقة الشاكرية،ومدنا اخرى في البصرة واكثر من 400 مدينة جديدة وعشرات المشاريع الاروائية،فيما حكّام الخضراء حولوا الوطن خرابا ،وافقروا 11 مليون و 400 ألف عراقي بحسب وزير التخطيط في (2020)،وسرقوا 840 مليار دولارا بحسب (بومبيو)،وأن ما فيهم نظيف يد بشهادة مشعان الجبوري :(لا ابو عكال ولا ابو عمامه ولا الافندي ولا لجنة النزاهة..كلنا نبوك من القمة للقاعده) ..ووصف مرجعيتهم الدينية لهم بانهم في الفساد..حيتان !
ولهذا فهم يخشون احياء ذكراه لأن الناس ستعقد مقارنة بين ما صنعه من اعمارفي أربع سنوات وبين ما صنعوه من دمار وخراب في عشرين سنة!،وأخرى تخزيهم في اربعة اضعاف مدة حكمه!. فمعظم الذين جاءوا بعد التغيير كانوا لا يملكون ثمن تذكرة الطائرة،وصاروا يسكنون في قصور مرفهة ويتقاضون رواتب خيالية،وعزلوا انفسهم لوجستيا بمنطقة مساحتها (10) كم مربع محاطة بالكونكريت وبنقاط حراسة مشددة سرقت احلام العراقيين وجلبت لهم الفواجــع اليوميــة،وأوصلتهم الى اقسى حالات الجزع والأسى..ولهذا فهم ينؤون عنه..لأن المقارنة ستفضي بالناس الى احتقارهم.والمخجل ان كثيرين منهم صاروا محتقرين شعبيا ،وآخرين صاروا سخرية في وسائل التواصل الأجتماعي..ولا يخجلون حتى من هتاف العراقيين (باسم الدين باكونه الحراميه!).
وحكّام الخضراء فعلوا من القبائح ما يجعلهم صغارا امام فضائل عبد الكريم قاسم..اقبحها أن الفساد في زمنه كان عارا فيما صيّره الطائفيون شطارة،واصبح العراق في زمنهم افسد دولة في المنطقة، حتى بلغ المنهوب من قبل وزراء ومسوؤلين كبار ما يعادل ميزانيات ست دول عربية مجتمعة!،وراحوا ينعمون بها في عواصم العالم دون مساءلة.
وصار رئيس الجمهورية ورئيس الوزرارء والوزراء يعينون ابناءهم وبناتهم مستشارين لديهم..لا ليقدموا خبرة هم اصلا لا يمتلكونها،بل ليحصل من هو في العشرين من عمره على راتب يعادل اضعاف راتب استاذ جامعي..دكتور وبروفيسور..بلغ الستين!،فيما كان عبد الكريم قاسم يعتمد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة،ومبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في اغلب اختياراته..مثال ذلك:ابراهيم كبة (اقتصاد)،محمد حديد (مالية) فيصل السامر(ارشاد)هديب الحاج حمود (زراعة) ناجي طالب(شؤون اجتماعية)...نزيهة الدليمي(بلديات)..وهي اول وزيرة في تاريخ العراق.واختياره عقلا اكاديميا عبقريا درس على يد آينشتاين لرئاسة جامعة بغداد التي تأسست في زمنه..الصابئي المندائي الدكتور عبد الجبار عبد الله،برغم معارضة كثيرين، قالوا له كيف تعين هذا الصابئي..فأجابهم :(عينته رئيس جامعة وليس خطيب جامع)..فيما اعتمد الطائفيون مبدأ الانتماء الى الحزب والطائفة في المواقع المهمة بالدولة وان كان لا يمتلك كفاءة ولا خبرة ولا نزاهة.
وكان العراق في زمانه..دولة،فيما صار بزمن سادة الخضراء دويلات،بل ان كل وزارة في الحكومة هي دويلة لهذا المكون السياسي او ذاك،وما كانت فيه دولة عميقة او ميليشيات.وكان عبد الكريم محبّا للعراق ومنتميا له فقط،ولهذا كانت المواطنة،بوصفها قيمة اخلاقية، شائعة في زمنه بين العراقيين،فيما انهارت بزمن الطائفيين،وصار الناس يعلون الانتماء الى الطائفة والقومية والعشيرة على الانتماء للوطن..وتلك اهم وأخطر قيمة اخلاقية خسرها العراقيون..ولهذا فان الطائفيين يكرهون عبد الكريم قاسم،لأن احياء ذكراه توحّد الناس ضدهم..ولأن الضد الجميل في الأخلاق يبرز الضد القبيح في الأخلاق.
وتبقى حقيقة..أن عبد الكريم قاسم برغم مرور ستين سنة ونيف فانه باق في قلوب العراقيين الذين نسجوا عنه الاساطير،فيما حكّام الخضراء سوف لن يبقى لهم ذكر،ومؤكد ان العراقيين سيلعنون معظمهم بعد مماتهم. *
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة الاستبداد و ثقافة الاحتجاج
-
حين لا يكون الكاتب موضوعيا. الدكتور طه جزاع مثالا
-
الفنانات..وسيكولوجيا التوبة!
-
الشاعر حين لا يكون منافقا- عبد الرزاق عبد الواحد مثالا
-
الأنتحاري الأرهابي والشخصية الداعشية - تحليل من منظور علم ال
...
-
قانون الجنسية المثلية.. اعادة النظر فيه واجب ديني وانساني
-
جيل الهشاشة النفسية في عصر نظم التفاهة
-
التسامح في العيد ..ما اجمله!
-
لمناسبة استشهاده.مواصفات الحاكم من منظور الأمام علي ومنظور ا
...
-
الفضائح الأخلاقية نتائج..والأسباب باقية
-
فضيحة عميد في البصرة..نتيجة والسبب باق!
-
نوروز..ماذا يعني سيكولوجيا وسياسيا
-
اسرار نوروز..مدهشة للعربي والكوردي
-
معالجة مشكلات الشباب..شرط لتحقيقي الأمن المجتمعي
-
المرأة العراقية في يوم عيدها العالمي- سيدتي..أنت استثناء
-
علماء نفس في اربعة مواقف من الدين
-
فلسطينيان..أحبا العراق وأبدعا فيه - الحلقة الثانية
-
فلسطينيان..أحبا العراق وأبدعا فيه
-
هل انتهى الكتاب في زمن الثورة المعلوماتية والذكاء الأصطناعي؟
...
-
مهرجان المربد الشعري بعيون من حضروا ومن غابوا
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|