أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمان النوضة - نَظَرِيَة «الْأَنَا»، و«الْأَنَانِيَة»















المزيد.....



نَظَرِيَة «الْأَنَا»، و«الْأَنَانِيَة»


عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)


الحوار المتمدن-العدد: 8001 - 2024 / 6 / 7 - 15:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


[ هذا المقال هو فَصْل مُحَيَّن مِن كتابي : هل مَا زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟"(1). ]
1 ◾ بـعد تجربتي المُتواضعة في مجال الاشتـغال بالنظرية الماركسية، أَحْسَـسْتُ أنّه، مِن بين النّـقائص المُهمّة في الماركسية، نَجد غِيّاب نظرية حول الصّراع فيما بين الأشخاص كَأَشْخَاص ذَاتِيِّين.
وَمُرَاجَـعَة التَجارب المَلموسة، بما فيها تجارب الثَورات الاشتـراكية، والتجارب الحِزْبِيَة لِلْأحزاب الاشتـراكية الثورية، وَحَتَّى تَجارب الحياة المُجتمعية العادية، تُـعَـلِّمُنَا أنّ واقع المُجتمع، لا يحتوي فـقط على الصِّراع فيما بين طَبَـقَات المُجْتَمَع، (أو صراع فيما بين فِئَات طَبَـقِيَة)، وإنما يحتوي أيضًا على صِراعات فيما بين الأشخاص كأشخاص ذَاتِيِّين. وهذه الصِراعات فيما بين الأشخاص (كأشخاص ذَاتِيِّين) هي أيضًا ظَاهِرة مُجتمعية مُتَمَيِّزَة عن ظاهرة الصِّراع فيما بين طبقات المُجتمع.
فإذا كانـت الماركسية تتوفّر على نظرية قـويّة، وفـعّالة، في ميدان الصراع فيما بين الطبقات المُكَوِّنَة لِلْمُجتمع الرَّأْسَمَالي، فإن المناضلين الماركسيين، غالبًا ما يجدون أنـفسهم فَاقِدِين لأيّة مَهَارة تَحْلِيلِيَة عندما يُريدون مُعالجة الصِّراعات المَوجودة فيما بين الأشخاص (كأشخاص ذَاتِيِّين).
بينما ظَوَاهِر هذه الصراعات فيما بين الأشخاص (كَأَشْخَاص ذَاتِيِّين)، مُنـتشرة في كلّ مُجتمعات العالم. وَغَالِبًا مَا لَا يعرف المُناضلون كَيْف يَفْهَمُوا، أو كَيـف يُفسِّرُوا، هذه الصِّرَاعَات المُتَـكَرِّرَة، والحَادَّة، فيما بين أشخاص ذَاتِيِّين. وَتُوجد هذه الصِّراعات، ليس فـقط فيما بين أشخاص يَنـتمون إلى طبقات مُختلـفة، وإنّما أيضًا فيما بين أشخاص يَنتمون إلى نـفس المَجْمُوعة المُتَجَانِسَة، سَوَاءً كانـت هذه المَجموعة هَيْئَة، أو مُؤَسَّـسَة، أو طَبَقَة، ٍأو فِئَة طَبَـقِيَة، الخ. وَيُمكن أنْ نُلاحظ أيضًا وُجود صِرَاعَات فيما بين أشخاص يَنْتَسِبُون إلى نـفس المُؤَسّـسة، أو إلى نـفس العائلة، أو فيما بين أشخاص يَنْخَرِطُون في نـفس الحزب السياسي، أو في نـفس الهَيْئَة الحِزْبِيَة، أو في نـفس الجماعة الحزبية، أو في نَفس التِيَّار السياسي، أو في نفس اللّجنة، أو في نفس الخليّة، الخ. «»
ولاستـعمال بعض المَعالم، أو المَراجع، أو المُعطيات المَعروفة، مثلًا فيما يَخص تاريخ ثورة سنة 1917 في رُوسيا، أُشِير إلى أنّ بعض المُناضلين يعرفون جانـب الصِّراع فيما بين الطَّبَـقَات، الذي جَرَى آنذاك في المُجتمع الرُّوسي (أيْ بين طبقة البُورجوازية الكبيرة الرَّأْسَمَالِيَة، والطّبقة العاملة أو طبقة البْرُولِيتَارِيَا، وطبقة البُورجوازية الصَّغِيرَة، وجماهير الـفَلّاحين، الخ). لكن كثيرا مِن المُناضلين لَم يَكونوا يَرَوْا في الصراعات التي جرت مثلًا بين الأشخاص افْلَادِيمِير لِينِين (V. Lénine)، وَجِيُورْجِي ابْلِيخَانُوف (G. Plekhanov)، وَنِيكُولَاي بُوخَارِين (N. Boukharine)، وأَلِيكْسَانْدْرَا كُولُونْطَايْ (A. Kolllontaï)، وَاكْلَارَا زِيتْكِين (C. Zetkine)، وَلِيُّون اطْرُوتْسْكِي (L. Trotsky)، وَجُوزِيـف اسْطَالِين (J. Staline)، الخ، لَمْ يَكُونوا يَرَوْا في هذه الصِرَاعَات جَانِبَ، أو بُعْدَ، أو مَدَى، الصِّرَاع فيما بين أَشْخاص كَأَشْخَاص ذَاتِيِّين.
فَمَا هو مَصْدر هذه الصِّراعات الـقائمة فيما بين الأشخاص (كأشخاص ذَاتِيِّين) ؟ وما هي أسباب هذه الصراعات ؟ وما هي أهداف هذه الصِّراعات ؟ وما هي مَضَامِين هذه الصِّرَاعَات ؟ وكَيـف نَـتـعامل مع هذه الصراعات فيما بين الأشخاص الموجودين داخل نـفس الطّبقة، أو داخل نـفس الـفئة الطّبـقـية، أو داخل نـفس الهيئة، أو نـفس الجماعة، أو نـفس الحزب السياسي، أو نـفس التيار السياسي، الخ ؟
2 ◾ مُحاولة الإجابة على هذه الأسئلة السّابقة، تُؤَسِّـس لِنَظَرِيَة «الْأَنَا» و«الْأَنَانِيَة». وَتَـكْتَسِي نَظريّة «الْأَنَا» و«الْأَنَانِيَة» أهمّية بالغة. لأن كلّ شخص «أَنَانِي» يَميل، في عَصرنا الحَديث، إلى أنْ يَكون رَأْسَمَالِيًّا، أو يَميل إلى مُناصرة الرَّأْسَمَالِيَة. والرَّأْسَمَالِيَة تُـقَوِّي «الْأَنَانِيَة» لدى المُواطنين. كما أنّ المُواطنين «الْأَنَانِيِّين» يُـقَوُّون الرَّأْسَمَالِيَة. وَلَا يُمكن أن تَـكُون الرَّأْسَمَالِيَة قَوِيَّة بِدُون وُجُود مُواطنين ذَوِي «أَنَانِيَّات» قَوِيَّة. وَحتّى إذا لم تَكن الرَّأْسَمَالِيَة مُوجودة، فإن الشّخص «الْأَنَانِي» سَيَعْمَل تِلْقَائِيًّا بهدف خَلـقها، أو نَشْرِهَا، أو تَعْمِيقِها. بينما الشّخص المُتَضَامِن مع غَيره، يَميل إلى مُساندة الْإِصْلَاحَات المُجتمعية ذات الطَبِيعَة الاشتراكية. «»
3 ◾ نُسجّل أن ظَواهر «الْأَنَا» و«الْأَنَانِية» ظَلّت مَوجودة في كلّ أنماط الْإِنْتَاج (modes de production) الماضية، بما فيها العُبُودِيَة، والْإِقْطَاعِيَة، وَحتّى الرَّأْسَمَالِيَة، والشِيُّوعِيّة. فَهِيَ إِذَن ظَوَاهِر تَتجاوز أنماط الإنتاج المختلفة.
4 ◾ مِن بين مِيزات «الْأَنَا»، أنّه يَمِيل بِسُهولة نحو السُّلُوك «الْأَنَانِي». وَ«الْأَنَانِيَة» تُعْمِي يَقَظَة الشّخص المَعْنِي. وَتُغَذِّي أَوْهَامَه حول نَفْسِه. وَيَمِيل «الْأَنَا» إلى الاعتـقاد أنّه يَعرف كلّ شَيء بِشكل تِلْقَائِي، وَأنه يُتْـقِنُ كلّ شيء، بما فيه المَنْطِق. (وَأَقْصِد بِـ «المَنْطِق» : المَنْهَجَ السَّلِيم في التَفْكِير). والجَوْهَر في كُلّ «أَنَا»، هو جَوْدَة «المَنْطِق» الذي يَشْتَـغِل به هذا «الْأَنَا». و«المَنطق» هُنا هو مَوْضُوع ثانوي دَاخِل الموضوع الرَّئِيسِي (المُتَعَلِّق بِـ «الأنا»). لأنه تُوجَد عَلاقة وَطِيدَة بَين نَوْعِيَة «الْأَنَا»، وَمَنْطِقِه، وَوَعْيِه السِّيَاسِي، وَنَوْعِيَة مُمَارَسَتِه. وَنظرًا لأهمّية «المَنطق» في حياة كُلِّ «أَنَا»، يَحْتَاج هُنا مَوضوع «المَنْطِق» إلى أنْ أُقَدِّمَ بعض التَفاصيل التَّالِيَة :
5 ◾ مِن الغَرَائِب التي تَكَادُ لَا تُصَدَّق، أن نِسْبَة هامّة مِن المُواطنين لَا يُتْـقِنُون المَنْطِق. بَل لَا يَعرفون أصلًا حتّى ما هو المَنْطِق السَّلِيم. وَلَا يُدرك كثير من المُواطنين أنّ عَدَم إِتْـقَان المَنْطِق يَتَسَبَّبُ في نَتائج كَارِثِيَة في حياتهم. وَمِن المُحْتَمَل أن تُنَـغِّصَ نَتائج المَنطق الخاطئ كلّ ما تَبَـقَّـى مِن حياة هؤلاء المُواطنين. وَفي مُعظم الحالات، حينما يَستـعمل شَخص مُعَيَّن مَنْطِقًا خَاطِئًا، أو سَيِّئًا، فإنه لَا يُدْرِك ذلك. وَغَالبًا ما تَكون نَـتائج عَدَم إِتْـقَان المَنطق مُضِرَّة، أو صَادِمَة، أو مُخَيِّبَة لِلآمال. وهذه النـتائج الصَّادِمَة هي وَحدها الـقادرة على إجبار الشّخص المعني على الاعتـراف بِأنّ المَنْطِق الذي اِسْتَعْمَلَه في تَفكيره، أو في سُلوكه، لم يَكن صحيحًا.
6 ◾ على عكس بعض الاعتـقادات الشّائعة، لَا يَـقْدِر على إِتْـقَان المَنْطِق سِوَى أَقَلِّيَة من المُواطنين. وحتّى المُواطنون المُؤَهَّلُون لِإِتْـقَان المَنطق، لَا يَقدرون على إِتْقَانِه بشكل مُسْتَمِر، أو مُتَتَابِع، أو مُسْتَدَام، وفي كلّ الأوقات، وفي كلّ المَيادِين. وَإِنّما يُتْـقِنُونَ المَنطق بشكل نِسْبِيّ، أو عَابِر، أو مُتَـقَطِّـع، أو مُتَفَاوِت، مُرُورًا من وقت لآخر، وَمِن مَيْدَان إلى آخر. وَتُوجد علاقة عَمِيـقَة بين المَنطق، والوعي السياسي، والسُّلُوك، والثَّـقَافَة، والمَعارف، والعُلُوم الدَّقِيقَة.
7 ◾ كُلّ «أَنَا» هو مُرَشَّح لِكَي يَكون فَاعِلًا سيّاسيًّا. وَكلّ فَاعِل سِيَّاسِي («ألْأَنَا») لَا يَقدر على أن يَكون فَاعِلًا مُسْتَـقِلًّا إذا لَمْ يَكُن مَنْطِقُه سَلِيمًا. وكلّ فَاعل سيّاسي («الْأَنَا») لَا يَستـعمل مَنطقًا سَلِيمًا، سَيَصْعُبُ عليه تَحديد أعدائه، أو فَهْمِهِم، أو تَنْفِيذ خُطَط مُلَائِمَة، أو فَعَّالَة، لِمُقاومة أَعْدَاءِه. وَكُلَّمَا تَعَرَّض مَنطق «الأَنَا» لِلتَّأْثِير، أو لِعَمَلِيَّة التَحَكُّم (manipulation)، من طرف أعداء هذا «الأنَا»، سَيَكُون مَآل مَنْطِق هذا «الْأَنَا» هو الفَسَاد. وَسَيَقْلِب هذا «الْأَنَا» (المُتَلَاعَب بِعَقْلِه) الحَقَائِقَ على رَأْسِها. وَسَيَرَى في أَعْدائه أَصْدِقاء. كما سيرى في أَصْدِقائه أعداءً. وَبَدَلًا مِن مُقاومة أعداءه، سَيَمِيل هذا «الْأَنَا» المُتَحَكَّم فيه إلى الْإِسْتِسْلَام، أو الْاِنْبِطَاح، لِأَعْدَاءِه.
8 ◾ أتـذكّر أنه كلّما عَمِلْتُ في حياتي باعتـقاد تَسَاوِي المُواطنين في مَجَال اِستعمال المَنْطِق السَّلِيم، في قضايا هامّة، كان تَأْثِير هذا الاعتـقاد الخاطئ على حياتي هو الـفَشَل، أو المُغامرة، أو النَّكْسَة، أو المُعَانَاة المُؤْلِمَة، خلال أمد طويل من حياتي. «»
ومِن بين الأخطاء الجَسِيمَة التي اِرتـكبتُها أنا شخصيًّا عدّة مرّات في حياتي، هي أنني كُنـتُ أظنّ أنّ كلّ الأشخاص مُتَسَاوُون في المَنْطِق. أَيْ أنهم يُـفَكِّرُون بِنَفس المَنْطِق الذي أُفَكِّر به أنا شخصيًّا. واعتـقدتُ أنّ أيّ شخص يَحصل على نـفس المُعطيات التي أتوفّر أنا عليها، سَيُفَـكِّر بِمَنْطق مُشابه لِمَنْطِقِي، وَسَيَصل إلى نـفس النَتَائج، أو الْاِسْتِنْتَاجَات، أو الخُلاصات، التي أصل أنا إليها. وهذا ظَنٌّ خاطئ. لأن جزءًا من المُواطنين لَا يُتْـقِنُون المَنْطِق. (ومن الغُرُور أن أعتقد أنا أيضًا أنني أُتْـقِنُ المَنْطِق في كلّ شُؤُون حياتي). وَلَا يُؤمن بِمُساواة المُواطنين في مَجال استعمال المَنْطق سوى السُّذَّج، أو المُبْتَدِئُون، أو الهُوَّاة، أو غَيْر العُلماء.
9 ◾ كان من وَاجِب المدرسة العُمومية (الابتـدائية، ثمّ الثانوية) أن تُعَلِّم التَلَامِيذ المَنْطِق السَّلِيم. لكن الكثير من الأنظمة السياسية المُسْتَـغِلَّة، أو المُسْتَبِدَّة، تَتَلَافَى تَـعْلِيم المَنْطق السَّلِيم لِلتَّلَامِيذ والطَّلَبَة. لأن هذه الأنظمة المُستبدّة تُـفَضِّل أن يَكون المُواطنون جاهلين. ولأن التَجْهِيل هو وَسِيلَة (مِن بين وَسائل) إِخْضَاع المُواطنين المَيَّالِين إلى النَّـقد، أو العِصْيَان، أو الثّورة. وَلِأَن إِتْـقَان المَنْطق السَّلِيم هو مِن بَيْن الأسْلِحَة المُستعملة في مَيادين المَعرفة، والوعي السياسي، والنَّقْد السياسي، والاقتصاد السياسي، والصراعات السياسية، الخ.
10 ◾ وفي مَيدان التـعليم، فإن «شُعْبَة الْآدَاب»، وكذلك في «شُعْبَة الدِّرَاسَات الإِسْلَامِيَة»، لَا تُـعَلِّمَان التلاميذ والطَّلَبَة إِتْـقَان المَنطق، وَلَا العُلوم الدَّقِيقَة. فَيُصْبِح تَلاميذ وطلبة هَاتَيْن الشُّعْبَتَيْن مُواطنين مُعَوَّقِين فِكْرِيًّا، وعلى مَدَى الحياة. وَيَظنّ عادةً طَلبة شُعْبَتَيْ «الآدَاب» وَ«الدِّرَاسَات الإسلامية» أنهم يَتَعَلَّمُون الحَدَّ الْأَدْنَى الضَّرُورِي من المَعْرِفَة. لكن هذا الزَّعْم غَير حَاصِل. وَمِن الصَّعْب إِنْجاح حِوَار سَلِيم بين مُواطن اِتَّبَعَ «شُعبة العُلوم الدَّقِيـقَة»، وَمُواطن اِتَّبَع «شُعبة الآداب»، أو «شُعبة الدِّراسات الإسلامية». لأن سُوء التَفَاهُم بين خِرِّيجِي هذه الشُّعَب كثيرة، وَعَميـقة، خاصّةً في مَجال المَنْطِق. «»
11 ◾ رَغم أنه بِإمكان كل مُواطن أن يَتَـعَلَّم عِلْمَ المَنْطِق (في المدرسة، أو خارجها)، فإن غالبية المُواطنين لَا يُحِسُّون بِالحَاجَة الضَرُورة لِتَعَلُّم إِتْـقَان المَنطق. لأنهم يَظُنُّون أن اِتْـقَان اِسْتِـعْمَال المَنْطِق، هو سُلُوك تِلْقَائِي. ولأنهم يَعتـقدون أنهم لَا يَحتاجون إلى تَعَلُّم خاص لهذا المَنْطِق. ولأنهم يَتَصَوَّرُون أنّ حَدَسَهُم التِلْقَائِي، أو الغَرِيزِي، كَافٍ لِكَيْ يُدْرِكُوا كلّ حَقَائِق الحياة. أو لأنّ ضُعْف مَنْطِقِهِم (الْـلَّا وَاعِي) هو نَفْسُه يَجعلهم يَظُنُّون أن مَصالحهم المُستـعجلة، أو الأساسية، لَا تَكْمُن في تَعَلُّم إِتْـقَان المَنطق (الذي يَستـعملونه)، وإنّما تَـكْمُن في تَلْبِيَة حاجيّاتهم الـفَوْرِيَة، أو البِدَائِيَة (مثل الأكل، أو الجنس، أو الكَسْب، أو الرِّبْح، أو التَمَلُّك، أو السَّيْطَرة، أو الهَيْمَنَة، أو الْاِحْتِـكَار، الخ).
12 ◾ غَالِبًا مَا يَكُون «اَلْأَنَا» قويًّا جدًا، إلى دَرجة أنه يَحُثُّ الفَرد المعني، على الارتقاء إلى مَناصب المَسْئُولِيَّات الكبيرة في المُجتمع، حتّى لَوْ لَمْ تَـكُن لدى هذا الشّخص مُؤَهِّلَاتٌ كَافِيَة. وهكذا يُصبح جزء مِن المَسْئُولِين الكبار، أو الحُكَّام، في المُجتمع، ذَوِي مَنْطِق رَدئ، أو ذَوِي ثَـقَافَة هَزِيلَة، أو مُنْعَدِمِي الحِكْمَة. وهكذا يُمكن أن تَتَحَوَّل الدَّوْلة الرَّأْسَمَالِيَة إلى شَبَكَة، أو مَافْيَا وَاسِعَة، مِن الأشخاص المُسْتَلَبِين (aliénés)، والـفَاسِدِين، والمُستبدِّين(1). وحتّى حينما يُؤدِّي جهل هؤلاء الأشخاص لِلمَنْطِق السَّلِيم إلى مَآسِي، أو إلى كَوَارث مُجتمعية مُؤْلِمَة، فإن المُواطنين المَعْنِيِّين لَا يُدركون أنّ «أَنَانِيَّتَهُم»، أو أنّ طريـقتهم الخاطئة في التَـفْكِير (المَنطق)، هي مِن بين الأسباب الهَامّة في مَآسِيهِم الشّخصية.
13 ◾ المَنْطِق مَيْدَان شَاسع. وَلِلتَّذْكِير بما هو جوهري في المَنطق، أَقُول أنّ الـقاعدة الأُولى في المَنطق هي أنّه لَا يَحِقُّ لِأَيّ شخص أنْ يُعْلِن أَيَّ تَصْرِيح، إِلَّا إِذا كان هذا التَصريح مَبْنِيًّا على أساس «حُجَج مَقْبُولة». والـقاعدة الثّانية هي أنّه لَا يَحقّ لأيّ شخص أنْ يَنْتَـقِل (في تَفْكِيره) من فِكْرَة إلى أُخْرَى، إِلَّا إذا كان هذا الانتـقال مَبْنِيًّا على أساس «حُجَج مَقبولة». و«الحُجج المَقبولة» هي التي يُمكن لأيّ شخص عاقل أن يَفْحَصَها، وأنْ يُراقبها، وَأنْ يُجَرِّبَها، وأنْ يَتَأَكَّد مِن أنها سَلِيمة، أو صحيحة، أو ثَابِتَة، أو مَضْبُوطَة، أو مُقْنِعَة. و«الصَّحيح»، أو «الثَّابِت»، (في المَنطق) هو ما يَنْسَجِم مع الـقَواعد الـفِزِيَّائِيَة المُتَحَـكِّمَة في ظَوَاهِر الْكَوْن. والمَرجع في المَنطق، ليس هو «الْأَنَا»، أو الدِّين، أو العادات، الخ، وَإِنَّمَا المَرْجِع هو الوَاقِع المادّي، وهو الكَوْن.
14 ◾ في كلّ "فَرْد"، أو في كلّ "شخص" مُحدّد، نجدُ أنّ المَركز الصُّلْب فيه، والغير قابل لِلْاِخْتِزَال، هو "ذَاتُهُ"، أي "أَلْأَنَا" (l égo, le Moi, the Self)، المَوْجُود فيه.
وَنَـقْصِدُ بِـمَـفْهُومِ "الـفَرد"، أو "الشّخصِ"، الكَائِنَ «أَلْأَنَا» (le Moi). وَيَـكُونُ «أَلْأَنَا» تَارَةً كَـائِنًا في ذَاتِه (en soi)، وَيَكُونُ تَارَةً أُخْرَى كَائِنًا لِذَاتِه (pour soi)، أو هُمَا مَعًا.
15 ◾ في اللغة العربية، «أَنَا» هُو ضَمِير يَستـعمله، على السَّوَاء، المُتـكلّم المُذَكَّر، والمُتـكلّم المُؤنّث. ويـكون ضَمِير "أَنَا" على شكل مُفْرَد، ولا يُثَنَّـى. وَجَمْـعُ «أَنَا» في اللّغة العربية هو "نَحْن" (ضَمِير الجَمْع المُتَكَلِّم، المُخْبِر عن نَـفسه). لكن لا تُوجد في اللغة العربية كَلِمَة، أو صِيغَة، لِلتَّـعْبِير عن جَمْع اِسْم «أَلْأَنَا»، على شكل صِيغَة : «-ُون»، أو «-َات». فَلَا نـعرف كيـف نُسَمِّـي مَجْمُوعة من «أَلْأَنَا» المُتَـعَدِّدِين. فَأَسْتَـعمل شخصيّا عبارة «أَنَات» (des Mois)، للكلام عن مجموعة من «أَلْأَنَا» المُتَـعَدِّدِين. وَلَوْ أنّ هذه الكلمة (أَلْأَنَات) لا تُوجد في اللغة العربية. وكلّما اِسْتَـعْمَلْتُ عبارة «أَلْأَنَات» بدلًا من اِسْتِعْمال عبارة «الأفراد»، أو «الأشخاص»، فهذا يعني أنني أُرِيد التـركيز على ذلك المَرْكَز الصُّلب، الغير قابل للاختـزال، الموجود في كلّ واحد من هؤلاء «الأفراد»، أو «الأشخاص»
16 ◾ كُلّ «أَنَا» له «شَخْصِيَّةٌ» خَاصَّة به، تُمَيِّزُه نِسْبِيًّا عن شَخْصِيَّات «أَلْأَنَات» (جَمْع أَنَا) الآخرين، المُتواجدين معه في بيئته المُجتمعية. وَلَوْ أن هذه «الشّخصيّة» تَبْـقَـى قَابِلَة لِلتَّأَثُّـر، والتَطَوُّر، والتَـغْيِير، والتَهْذِيب، والتَحْسِين، الخ. كما تظلّ «الشّخصيّة» قَابِلَة أيضًا لِلتَّأَزُّم، أو لِلْخَطَأ، أو لِلْمَرَض (الجسدي والنَّفْسِي)، أو لِلْاِنْحِرَاف، أو لِلتَّدَهْوُر، الخ.
ومن بين أنواع «الشّخصيّات» الشَّائِـعَة، نَجد مثلًا : «الشَّخْصَ» المَرِحَ، أو الحَزِين، أو العَاطِفِي، أو المُنْفَعِل، أو المُتَحَـفِّظ، أو الشُّجَاع، أو المُتَوَاضِع، أو الحَكِيم، أو المُتَأَنِّي، أو المُنْدَفِع، أو المُتَسَرِّع، أو المُتَهَوِّر، أو المُتَـكَبِّر، أو المُعِين، أو الغَشَّاش، أو المُكْتَشِـف، أو المُـغَامِر، أو صاحب الحِيَل، أو العامل المَاهِر، أو النَّاسِخ، أو المُبْتَـكِر، أو المُتَضَامِن، أو المُفْرِط في الأَنَانِيَة، وما إلى ذلك.
17 ◾ كلّ «أَنَا» يَتَمَيَّز بِـقَدْر مُحَدَّد مِن سِـعَة الوَعْيٍ السياسي، وبـقدر مُحدّد من وُضُوح الرُّؤْيَة السياسية، وبـقدر مُحدّد في درجة العَزِيمَة على تَحْـقِيـق الطُمُوحَات الشخصية، وَبِقدر مُحدّد من المَهَارَات، وبـقدر مُحدّد مِن الرَّغْبَة في خِدْمَة الجَماعة أو التَـكَامُل معها، وبـقدر مُحدّد من الـقَبُول بالتَضْحِيَّة بِالذَّاتِ لخدمة الجماعة، الخ.
18 ◾ كُلّ «أَنَا» مُحَدَّد، إِلَّا وَيُوجد فيه قَدْرٌ مُـعَيَّن من «أَلْأَنَانِيَة»، وَقَدْر مُعيّن من «الذَّاتِيَة». وهذه «أَلْأَنَانِيَة» (أو «الذَّاتِيَة» المُفْرِطَة)، هي ظاهرة شَائِعَة، أو طَبِيـعِيَة، أو مَوْضُوعِيَة. وَشُيُوع هذه الظّاهرة يَجعلنا نَـفْتَرِض أنّ «الْأَنَانِيَة» هي فِطْرِيَة، أو مُتَأَصِّلَة، في كُلّ كَائِن حَيٍّ. وَمُعظم العائلات يُحِسُّون أنّه من الطَبِيعي أنْ يأتيَ أَبْنَاؤُهُم الصِّغَار مُحَمَّلِين بِـ «أَنَانِيَة» تِلْقَائِيَة. ثمّ يُحاول الآباء بِالتَدْرِيج أنْ يُرَبُّوا أَبْنَاءَهُم على التَحَكُّم النِسْبِي في «أنَانِيَتِهِم».
19 ◾ أُعَرِّفُ الشّخص «أَلْأَنَانِي» بِكَوْنِه يَسْعَى إلى تحقـيق مصالحه الخاصّة، على حساب مصالح مُجتمعه، ودون مُوافـقة مُجتمعه. وَيَتَمَيّز الشّخص «الأَنَانِي» بِتَمَحْوُر تَفكيره وَسُلوكه حول ذَاتِه. وَيَتَـعَلَّق الشخص الأناني بشكل مُفْرِط بـنـفسه. وَيَتَهَرَّبُ من المُساهمة في إنجاز الأهداف التي هي أهداف جَماعية، أو مُجتمعية. ومن بين الأخطاء المُتَـكَرِّرة لدى الشّخص «الأناني» أنه يأخذ في الاعتبار مَشَاعِرَه الشّخصية، وَيَتَغَاضَى عن مُراعاة بعض مُعْطَيَات الواقع الموضوعي. «»
20 ◾ تُعَبِّر «أَنَانِيَة» كلّ فَرد عن التَنَاقُض الموجود فيما بين هذا الفَرد والجَمَاعة (أو الجماعات) التي تَشْمَلُه، أو التي تُوجد في محيطه. ولا يُوجد بَشَرٌ بِدُون «أَنَانِيَة». وإنما يَختلـف البَشَر فيما بينهم بِدَرَجَة قُوَّة هذه «أَلْأَنَانِيَة» التي يَحْمِلُونها. ويتميّز البَشَر فيما بينهم بِمِقْدَار الاجتهاد الذي يَبذلونه لِلتَّحَكُّم في أَنَانِيَتِهِم.
21 ◾ لَيْسَت «الْأَنَانِيَة» عَيْبًا. وإنّما العَيْب هو عَدَم اِجْتِهَاد الشّخص المَعْنِي بِهَدَف التَحَـكُّم في «أَنَانِيَتِه». لأن كلّ مُجتمع يطلب من الأفراد الذين يُكَوِّنُونَه أنْ يُبْـقُوا أَنَانِيَّتَهُم مُخَـفَّضَة إلى أَدْنَى حَدٍّ مُمكن. والغَايَة من وَاجِب التَحَكُّم في الْأَنَانِيَة، هي تَسْهِيل اِنْدِمَاج كلّ شَخْص مَعني في المُجتمع الذي يَشْمَلُه. وَكُلَّمَا سَهُلَ اِنْدِمَاج شخص مُحدّد في مُجتمعه، كُلَّمَا تَكَاثَرَت إِمْكَانِيَّات تَـعَاوُن، وَتَضَامُن، وَتَـكَامُل، هذا الشّخص مع مُجتمعه. وإذا لم يَتَحَـكَّم شخص مُحدّد في أَنَانِيَّتِه، تَحَوَّل (هذا الشّخص) إلى صِنْف من الطُفَيْلِيَّات (parasite) التي تَعيش على حساب المُجتمع الذي يحيط بها. وَفي هذه الحالة، سَتَتَصَاعَد حِدَّة التَنَاقُضات بين الـفرد ومُجتمعه. وَسَيَتَحَوَّل هذا الـفرد «الأناني» إلى عامل من بين عوامل تَأَزُّم مُجتمعه، أو تَـفَكُّكه، أو اِنْهِيَّاره، ثمّ فَنَاءه.
22 ◾ مِن طَبيعة «الْأَنَا» أنّه عَنِيدٌ في اِقْتِنَاعِه التِلْقَائِي بِكَوْنِه يَفْهَم كلّ شيء، وَيَـعْرِف كلّ شيء، وَيَـقْدِر على فِعْل كلّ شيء، وأنّه يَتَسَاوَى مع أيّ كان، أو أنّه يَتَـفَوَّق على أيّ كان، الخ. وَمِن الشّائع أنْ يَـقُول الشّخص «الْأَنَانِي» في داخل نـفسه : «لَا يُوجد شخص آخر يَـفْهَم أحسن مِنِّي؛ وَلَا يُوجد مَن يَـعْرِف أكثر مِنِّي» !
23 ◾ مِن صِفَات «أَلْأَنَا» أنه يَظُنّ تِلْقَائِيًّا أنه ذَكِيٌّ، وَقَـوِيّ، وَمَشْرُوع، وَمُبَرَّر، بما فيه الكفاية، لكي يَتَحَدَّى أَيًّا كَان، وَأَيَّ شَيء كان. وَإِنْ كان لَا يَتحدّاه في العَلَن، فَسَيَتَحَدَّاه في السِرِّ.
24 ◾ مِن ميزات الأشخاص «الأنانيّين» أنهم يطمحون إلى احتـكار أكثر ما يُمكن من المِلْكِيَّات الخُصُوصية. وَيُريدون أن يَكونوا في مواقع الصَدَارَة، أو الـقِيَّادَة، أو السُّلْطَة، أو الزَعَامَة، وَلَوْ أنهم لَا يَتَوَفَّرُون على المُؤَهِّلَات الضَرورية، وَلَا على الشَّرْعِيَة الكَافِيَة لذلك. وَيُمارسون أساليب في التَـنَافُس يَمنـعها الـقانون، أو تَحْظُرها الأخلاق. ويستعملون تَحالـفات غير مَبْدَئِيَة. وَيَتَبَادَلُون الرَّشَوَات، والخَدَمَات، والْاِمْتِيَّازَات، التي يَمنـعها القانون. وَغَايَتُهم هي الوُصُول إلى مواقع السُّلْطَة، أو السَّيْطَرَة، أو الهَيْمَنَة، وَلَوْ بِطُرق غير شَرْعِيَة، وَلَوْ كانوا لَا يَعرفون ماذا سيـفعلون بهذا النُـفُوذ. وَلَا يَعُون أنّهم مُسْتَلَبِين (aliénés). وَهَمُّهُم الوحيد هو الْاِغْتِنَاء الشَّخْصِي الْأَسْرَع، والْأَكْبَر. وَشِعارهم هو : «الْأَنَا مِنْ أَجْل الْأَنَا… وَكِلّ شَيء آخر لَا يَهُم» !
25 ◾ يُمكن تَـقْسِيم «أَلْأَنَات» (جَمْع أَنَا) إلى أَصْنَاف مُتَبَايِنَة وَمُتَنَاقِضَة. مثل : العَالِم والجَاهِل؛ العَـقْلَانِـي والعَشْوَائِي؛ الوَاعِي وغَير الوَاعِي (أو التَّائِـه)؛ الـقَوِيّ الإرادة وضَعيـف الإرادة؛ المُجتهد والمُتـكاسل؛ الأناني والاشتـراكي؛ المُكافح والجَبان؛ النَزِيه والغَشَّاش؛ الخ. وبعض «أَلْأَنَات» يُريدون أَنْ يَمْتَلِـكُوا، أو أن يَسْتَهْلِـكُوا، أَكْثَرَ مِمَّا يُنْتِجُون. وبعض «أَلْأَنَات» يُريدون أن يَسْتَمْتِـعُوا أكثر مِمَّا يَـعْمَلُون.
26 ◾ كلّ «أَنَا» إلّا وهو مُتَطَوِّر، وَمُتَنَاقِض. وله تاريخ وِلَادَتِه، وله أيضًا تَاريخ مَوْتِه. كما أنّ كلّ مجموعة من «أَلْأَنَات» (جَمْع «أَنَا») تـكون بالضّرورة، هي أيضًا، مُتَطَوِّرَة، وَمُتَنَاقِضَة، وَمُتصارعة.
27 ◾ «الأَنَانِيَة» هي تِلْـقَائِـيَة، أو عُضْوِيَة، في «أَلْأَنَا». وهي العُنْصُر الذي يُخَفِّض الوَعْي السياسي، أو يُضْعِف الرُّؤْيَة الفِكْرِيَة، أو يُـطْـفِـئُ العَـقْـلَ، أو يُهَمِّد الـقُدرة على التَحَكُّم في النَّفْس، أو يَخْنُـقُ الـقُدْرَةَ على مُمَارَسَة النَـقْـد الذَّاتِـي. وَجَدَلِيَة الواقع الحَيّ تَجعل أنه مِن المُمكن أيضًا أن تَـكون «أَنَانِيَة» الْأَنَا مُحَـفِّزًا على عكس مَا سبق ذِكْرُه. فَمِن المُمكن أن تَـكون «الْأَنَانِيَة» مُشَجِّعَة على الانـتباه، والحَذر، واليَـقظة، والنَّـقد، والتَـعَـقُّـل، والتَسَامُح، والتَضَامُن، الخ. وهذا التَنَاقُض مَوجود في الواقع الحَيّ، وليس مُجرّد خطأ في تَـفْكِيرِي الشّخصي.
28 ◾ يَمِيل «أَلْأَنَا» بِـقُوّة مُذْهِلَة إلى الدِفَاع عن نَـفسه، وَلَوْ بشكل مُتَحَيِّز، وَمَـفْضُوح. وَيَـقُوم أَحْيَانًا بهذا الدِّفاع عن النّفس عَبْر دَوْسِ حُـقُوق «أَلْأَنَات» (جمع أَنَا) الآخرين المُنَافِسِين، أو المُتصارعين معه. والمُجتمعات الأكثر تَحَضُّرًا تُـغَـلِّب قِيمَة «الجماعة» على قـيمة «أَلْأَنَا» الـفَرْدَانِية، أو الأنانية.
29 ◾ تـدفـعنا التَجارب إلى الاعتـراف، ليس فـقط بِوُجود طَبـقات المُجتمع، وَبِصِراعها الطّبـقي، بل يَحُثُّنَا أيضًا واقعُ المُجتمع على الإقرار بِوُجود صراع فيما بين «أَلْأَنَات» (جمع «أَنَا»). ويوجد هذا الصراع فيما بين «أَلْأَنَات» في كلّ مَرَاتِب، أو مُسْتَوَيَات، مَنْظُومَة المُجتمع، من أسفلها إلى قِمَّتِها. كما يُوجد الصِّراع فيما بين «أَلْأَنَات» في كلّ الميادين، وفي كلّ الْإِطَارَات، وحتّى داخل كل طبقة مُجتمعية مُنْسَجِمَة، وداخل كل حزب مُحَدّد، وداخل كل جماعة، كيـف ما كان نوعها.
30 ◾ كُلَّمَا كان «المُجتمع» يتـكوّن من مَجموعة كبيرة من «أَلْأَنَات»، فإن «أَلْأَنَا» يَظهر كَمُـقَابِل لِـ «الجَمَاعَة»، أو كَـنَـقِـيض لِـ «المُجتمع». وميزة كُلّ «أَنَا»، في كُلّ شَخص، هي قَدْرٌ مُـعَـيَّـن مِن «اَلْأَنَانِيَة»، ومن «الذَّاتِيَة». و«الأنانية» تُؤَدِّي بِسُهُولَة إلى «الانـتهازية». و«الانـتهازية» تَدْفَعُ الشّخص المَعْنِي نَحو الوقاحة، وربّما حتّى التَحَايُل، أو الغِـشّ، أو الفَسَاد، أو الجريمة. وتظهر الانـتهازية، وكذلك الجريمة، كَتَـعْبِير عن وُجُود تَنَاقُض فيما بين «أَلْأَنَا» الـفَرْد ومُجتمعه. وميزة «أَلْأَنَا» البِدَائِيَة، أو الدَّفِينَة، هي طُمُوحه التِلْـقَائِـي، أو الغَرِيزِي، إلى التَـعْـبِير عن نَـفْـسه، وإلى مُحاولة مُنَافَسَة أَمْثَالِه، وإلى مُحاولة إِثْبَات ذَاتِه، أو مُحاولة فَرض أَفْضَلِيَتِه.
31 ◾ مِيزَة «أَلْأَنَا» هي مُيُولُه إلى المُنَافَسَة، وإلى الصِّرَاع، وإلى البحث عن الْأَفْضَلِيَّة، وإلى الرّغبة في الغَلَبَة، وإلى إرادة فَرْض السَّيْطَرَة على الغَيْر.
32 ◾ مِيزة «أَلْأَنَا» هي أنه لَا يَرَى سِوَى مَصَالِحَه الخُصوصية. وَغالبًا مَا يَرْفُض «أَلْأَنَا» الاعتراف بِمَشْرُوعِيَة مَصَالِـح مُنَافِسِيه، أو يَنْـكُر مَشْرُوعِيَة حُـقُوق خُصُومِه، أو أعداءه. وعند اِخْتِيَّار مَوَاقِفِه السياسية، أو عند اِخْتِيَّار اِصْطِفَافِه إلى جَانِب مُـعَسْكَر هذه الـقُوّة السياسية أو تلك، فإن «أَلْأَنَا» يُرَاعِي مَصالحه الشّخصية الضَيِّـقَة، ولا يُبالي كثيرا بِمَصالح الجَماعة (أو المُجتمع)، وَلَا بِِالْـقَانون، وَلَا بِالدِّين، وَلَا بِالأخلاق.
33 ◾ مِن بَيْن صِـفَات «أَلْأَنَا» أَلْأَنَانِي، أنه يَرْفُضُ الْاِهْتِمَام بِمصالح الجَماعة (أو المُجتمع) التي نَمَى فيها. فهو يُريد الاستـفادة من الجَماعة (أو من المُجتمع الذي تَرَعْرَعَ فيه)، وفي نَفس الوَقت، يَرْفُضُ إِفَادَة هذه الجَماعة (أو المُجتمع). وَفي مُعظم الحالات، يُحاول «أَلْأَنَا» تَلَافِيَ إِفَادَة جماعته (أو مُجتمعه) إذا لم يَحصل (هذا أَلْأَنَا) على مُـقابل مادّي، وَفَوْرِي.
34 ◾ إذا لم يَتـعلّم المُواطن في شبابه كَيْـفِـيَّـة تَحَـكُّمِه في «أَنَانِيَتِه» المُتَهَوِّرَة، وإذا لم يَتَـعَلَّم المُواطن بَاكِرًا أن السُلُوك الأكثر إِفَادَةً له، هو تَـغْـلِيب مَصَالِـح جَماعته على مَصالحه الشّخصية الخُصوصية، فَمِن المُمكن أن يَتحوّل هذا المُواطن «أَلْأَنَانِي» إلى شِبْه حَيوان مُـفْـتَرِس، يَتَمَيَّز بالأنانية، أو بِالاِنـتهازية، أو بالنِّـفَاق، أو بالـغِـشّ، أو بِالـفَسَاد، أو بِالْإِجْرَام. وفي هذه الحالة، سيكون بِالضَّرورة مُسِيئَا لِمُجتمعه، وَلِنَـفْـسِه.
35 ◾ مَا هي رِهَانَات الصِّراعات فيما بين «أَلْأَنَات» ؟ وَعَلَى ماذا تَـدُور الصراعات فيما بين «أَلْأَنَات» ؟ إنها تَدُور عَادَةً، ليس فقط حول التَبَاهِي («أنا أحسن منك»)، وحول اكتساب الـقِيمَة الاعتبارية («أنا أفضل منك»)، بل تَـدُورُ أيضًا حول اكتساب الأشياء («هذا الشَّيْء هو لِي وَحْدِي»)، وَحول تَمَلُّـك الثَرَوَات («هذا في مِلْكِيَّتِي، وَأَمْنَع عليك الْاِقْتِرَاب منه»)، وحول التَحَـكُّم في الهَيْئَات («أنا المُقَرِّر الْأَوْحَد»، أو «أَنَا المُسَيِّر الوَحيد»، أو «أنا مُؤَهَّل أَحْسَنَ مِنْك لِمُمَارَسَة القِيَّادَة»). وكلّ «أَنَا» يَدَّعِي أَفْضَلِيَتَه على مُنَافِسِيه، وَلَوْ لَم يَـكُنْ يَـكْتَسِبُ الخِبْرَة الضرورية، أو التَأْهِيل الـلّازم، المَطلوب في المَنْصِب القِيَادِي المُتـنازَع حوله. وَتَحْدُثُ الصِّراعات فيما بين «أَلْأَنَات» حول تَمَلُّـك المَوَارِد، وحول اِحتِلَال مَنَاصِب المَسْئُولِيَّة، وَحول مُبَاشَرَة المَسْئُولِيَّات، وَحَوْل تَدْبِير الْإِطَار المُشترك، وحول تَحْصِيل المَدَاخِيل، وحول الْاِسْتِـفَادَة مِن الْاِمْتِيَّازَات، وحول اِكْتِسَاب الجَاه.
36 ◾ يَمِيل كلّ «أَنَا» أَنَانِـي إلى إِثْبَات ذَاتِه، عَبْر نُـكْرَان وُجُود «أَلْأَنَات» الآخرين المُنافسين، أو عبر تَبْخِيس قِيمَة «أَلْأَنَات» الآخرين المُنَازِعِين. وَيَمِيل كلّ «أَنَا» أَنَانِـي إلى الدِّفَاع عن حُـقُوقه عبر إِلْـغَاء حُقـوق «أَلْأَنَات» الآخرين المُزَاحِمِين. كما تـدور الصِّراعات فيما بين «أَلْأَنَات» حول الزَعَامَة («أنا الزَّعِيم الأكبر»، «أنا الـقائد الوحيد»، و«أنـت التَابِع المُنَـفِّـذ»، و«أَنَا وَحْدِي الحَكِيم، بَيْنَمَا أنـت المُخْطِئُ الضَالُّ»). وَتَدُور أيضًا النِزَاعَات فيما بين «أَلْأَنَات» حول القُدُرَات الـفِـكْرِيَة («أَنَا أَفْهَم أَكْثَرَ مِنْك»، أو «أَنَا أَعْرِف أحسن منك»).
37 ◾ مَا دام الصِّراع بين «أَلْأَنَات» يَشْمَل الصِرَاع حول تَمَلُّك وَسَائِل الْإِنْتَاجِ، وحول تَدْبِيرِهَا، فإن الصراع فيما بين «أَلْأَنَات» لَا يَكون غَرِيبًا، أو مُنفصلًا، أو مُستـقلًّا، عن الصراع فيما بين الطَّبقات المُكَوِّنَة لِلمجتمع. بل هذان النَوْعَان من الصِّراعات يَلْتَـقِـيَّان من فتـرة لأخرى، أو يَتَرَابَطَان فيما بينهما، أو يَمْتَزِجَان، أو يَنْدَمِجِان في بعض الحالات. وَيُـغَـدِّي كلّ نَوْع مِن بين هذين الصِّراعين الصِّرَاعَ الآخرَ.
38 ◾ كَيـف نُعالج التـناقضات فيما بين «أَلْأَنَات» ؟ أَحْسَن السُّـبُِـل الثَّورية لِلتَّـعَامُل مع التـناقضات فيما بين «أَلْأَنَات»، هو الرُجُوع، أو الْاِحْتِـكَام، إلى جَماهير الشّعب (le retour aux masses). وَلَوْ أنه مِن المُمكن أن تُخْطِئَ جماهير الشّعب في بعض الحالات. لأنه يُحْتَمَل أن يَكون الاحتـكام إلى عامّة الشّعب أَقَلَّ خَطَءٍ من الاحتـكام إلى فِئَة صغيرة من المُواطنين. وفي نـفس الوقت، يجب تَلَافِي تَـقْـدِيس الشّعب. بل تَنْبَـغِي المُساهمة في نَـقْدِه(1)، وَفي تَثْوِيرِه. وَيُمكن أن يُنْجَزَ هذا «الرُجُوع والْاِحْتِـكَام إلى جماهير الشعب» على شَـكْل اِسْتِـفْتَاء شَـعْـبِـي، أو على شكل اِنْتِخَابَات عَامَّة، أو على شَكْل "ثَوْرَة ثَـقَـافِـيَـة". وَيُسْتَحْسَن أنْ تَـكون هذه الانـتخابات العامّة، أو هذه "الثَّوْرَة الثَـقَافِيَة"، مَصْحُوبِين بِنِـقَاش سِيَّاسِي جَمَاهِيرِي وَاسِع، وَمَدِيد، وَكَاف. وَالجانـب المُهِمّ في هذا الحَلّ، هو خُصُوصًا خَوْض النِّـقاش السياسي الجماهيري العَلَنِي، والصِّراع السياسي الجماهيري، وممارسة النَـقْد الثوري الجَيِّد، والنَـقْد الذَّاتِي النَزِيه، والعمل على تَـقْيِيم التَجارب، وَتَـغْـلِيب المَوْضُوعِيَة الثورية، وَتَـصْحِيح الأفكار، وَتَـنْـقِـيح السُلُوكِيَّات، وَتَـثْـوِير «أَلْأَنَات»، وَتَـقْـوِيم الأشخاص، وَإِعَادَة تَرْبِيَّتِهِم، وَالتَحَلِّي بِالتَوَاضُع، وَبِالْـكِيَّاسَة، وَتَلَافِي الْإِهَانَة، أو التَجْرِيح، أو الظُّلْم، أو اَلْاِنْحِيَّاز اَلْـغَيْر مَبْدَئِـي. مَعَ عدم نِسْيَان أن المُرَبِّي يحتاج هو نـفسه، وبشكل مُتواصل، إلى إعادة التَرْبِيَة. كما يَتطلّب الحَلّ أيضًا المُراقبة المُتَبَادَلَة، والنّـقد الثوري المُتبادل، والمُحاسبة المُتبادلة، والخُضوع المُتساوي لِلًقَـوانين، ولِلْأَخْلَاق، وَلِلْمَبادئ المُشتركة.
39 ◾ سَيْرُورَة تَهْيِئ، وَإِنْجَاح، وَتَثْبِيت، الثَّوْرة المُجتمعية الاشتـراكية، تَتَطَلَّب تَـغْيِير وَتَثْوِير أَصْنَاف «أَلْأَنَات» (المَوْجُودِين في المُجتمع). وكلّ ثورة مُجتمعية اِشْتِرَاكِيَة تُهْمِل تَرْبِيَة وَتَثْوِير أَصْنَاف «أَلْأَنَات» لَدَى عَامَّة المُواطنين، ستصبح مُعرّضة لِلْاِنْحِرَاف، ثمّ لِلْفَشَل. وَقُوَّة كلّ ثَوْرَة مُجتمعية، وَقُـوَّة كلّ سُلطة سياسية، وَقُوَّة كل نِظام سياسي، وقـوّة كل مُجتمع، تَأْتِي مِن جَوْدَة أَصْنَاف «أَلْأَنَات» المَوْجُودين لدى غَالِبِيَة المُواطِنين.
رحمان النوضة
(تمّ الانتهاء من تحرير هذا المقال في 7 يونيو 2024).

الـــــــهــــــــوامــــــــش :
(1) رحمان النوضة، هل مَا زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟"، نشر يوليوز 2015، الصفحات 195، الصيغة 17 :
https://livreschauds.wordpress.com/2015/01/03/liste-لائحة/
(2) أُنظر كتاب: رحمان النوضة، أطروحات حول الدّولة، نشر 2022، الصفحات 157، الصِّيغة 16 :
https://livreschauds.wordpress.com/2015/01/03/liste-لائحة/
(3) أُنظر كتاب: رحمان النوضة، نَقْد الشّعب، نشر 2012، الصفحات 395، الصيغة 56.



#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 3/3
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 1/3
- هِجرة الأدمغة المُمْتَازَة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
- الحَلّ الجَذْرِي لِمُشْكِل الجِنْس خارج الزَّواج
- لِمَاذَا اِنْهِيَّار إِسْرَائِيل حَتْمِيٌّ
- فَلْسْطِين وَانْهِيَّار أَمْرِيكَا
- لِمَاذَا القَضَاء على إسرائيل
- دُرُوس زِلْزَال المغرب
- دَوْلَة الجَوَاسِيس
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
- أُطْرُوحَات حَوْل الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة
- هَلْ نَـقْد اسْطَالِين تَآمُر ؟
- فَنُّ النَقْد السِيَاسِي 3/3
- فَنُّ النَقْد السِيَاسِي 2/3
- فَنُّ النَقْد السِيَاسِي (1/2)
- بَنْ سَلْمَان مُقَابِل محمد السَّادِس
- إِمَّا الغَلَاء والتَضَخُّم، وَإِمَّا الاشتراكية


المزيد.....




- رويترز تتحدث عن -عشرات الوفيات- بلهيب الشمس بموسم الحج
- يورو 2024.. قيادة منتخب البرتغال تدافع عن مشاركة رونالدو
- بعد هدوء لـ3 أيام.. -حزب الله- يعلن تنفيذ عملية ضد موقع إسرا ...
- الدفاع الروسية: استهداف منظومة صواريخ -إس-300- أوكرانية ومست ...
- روسيا تكشف عن منظومات صاروخية مضادة للدرونات والزوارق المسيّ ...
- ذهب رقمي.. ما هو شرط انتشار عملة بريكس في العالم؟
- روسيا تشل السلاح الأمريكي في أوكرانيا
- خداع استراتيجي.. كيف احتالت واشنطن على -السيد لا-؟
- لافروف: روسيا تدعو إلى إدارة عادلة للمجال الرقمي العالمي
- هنغاريا تعارض ترشيح فون دير لاين كرئيس للمفوضية الأوروبية


المزيد.....

- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمان النوضة - نَظَرِيَة «الْأَنَا»، و«الْأَنَانِيَة»