محمود حمد
الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 06:34
المحور:
الادب والفن
عشرُ رصاصاتٍ تَتَسابقُ لبلوغِ الهدفِ المُعْلَنِ..
.........................................رأسي..
ونساءٌ سمرٌ من أهلِ البصرةِ يَرْقِبْنَ المشهدَ في أطرافِ الكوفةِ..
رجلٌ لا يعرفني يوقِفُني في منعطفِ الدربِ إلى وطني..
يوغلُ خِنْجَرَهُ في قلبي..
يتوضأُ بدمائي المسفوحةِ في نهر "الغراف"..
يُدَوِّنُ أدعيةً باسم اللهِ بنصلِ الخنجرِ..
يُلقيني في قاعِ الجُبِّ المُظلمِ..
أبحثُ عن "يوسف" بينَ زحامِ المغدورين..
تأتيني "السيارةُ" متخمةً بالبارودِ وأحقادِ البعران المهجورةِ..
*************
عشرُ رصاصاتٍ خارقةٍ تَنبتُ في قِحفَة رأسي..
تَقذِفُني فَوقَ رصيفٍ مَنْسيٍّ..
تَهرعُ أمي مفزوعةً من تحتِ ترابِ القَبرِ المدروسِ..
تَحملُ سُنْبُلَةً دُفِنَتْ معها ..
صارتْ حقلاً من سبعِ سنابَلَ خُضرٍ..
يَقصُدُها الموتى حينَ يَحلُ التِرحالُ بُعَيْدَ صلاةِ الاستجوابِ،إلى حباتِ الرَملِ المسكونةِ بالإسرارِ..
يَنهضُ طابورُ نساءٍ مسرودِ الأكفانِ من الأجداثِ المنبوشةِ في مقبرةِ الوطنِ ، المُمْتَدَّةِ من صيحاتِ الطفل الأولى لـ"بواري"(1) الأكواخ المقصوفةِ بالجوعِ..
قَحْطٌ أزليٌّ يَنفخُ فيهم.................
ويَبابٌ ابديٌ يَفنيهم..
في وطنٍ يتقيؤ نِفطاً من هول التُخْمَةِ..
************
عشرُ رصاصاتٍ طائشةٍ تَقذِفُ رأسي من دفئِ الأُسرةِ لجليدِ الصمتِ الموحشِ..
تَدْفُنُني في وطنٍ يَحكُمُه العَدلُ ..كما قالت أمي:
"دارُ سلامٍ"(2)..حانيةٍ ..
لا موطئِ قدمٍ فيها للمُحْتَّلِ..
يُذكرُ فيها اسم اللهِ..
ونَنْسى فيها أهواءَ الوعاظِ القتلة..
وطنٌ..لا لحيةٌ داميةٌ فيهِ..
ولا..
ألغامٌ تحتَ تُرابِ الدَربِ إلى الجنةِ..
وطنٌ ..
تَعْدِلُ فيه الديدانُ ونَنسى نزواتَ الحُكّام المكفوفينَ..
وطنٌ..
تتشاورُ فيه الأجسادُ وذرّاتِ الرملِ ..
لأمرٍ يعرفهُ "منكر" و"نكير"..ورفاتُ الأمواتِ..
وطنٌ..
لا مجلسَ فيه لأصنامٍ نُفِخَت بزفيرِ البترولِ..
وطنٌ..
رَحِبٌ ..مُتَّسِعٌ للتاريخِ الأزليِّ..
ورأسي..
......................................................
(1) البواري: بُسُطٌ تُصْنَعُ من القصب.. لتكون: أوطاناً، وأكواخاً،وسقائفاً ،وأفرشةً للأهل والضيوف، وغطاءً للموتى، وسواتراً للاستحمام، وسماطاً للعنبر في الولائم عندما كانت الولائم!.
(2) "دار السلام":اكبر مقبرة في العالم حسب رواية الدفّانين في النجف ..لكن العراق تجاوزها وصار اكبر مقبرة في العالم!
#محمود_حمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟