أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - انبعاث الفكر الأصولي والعصبيات ما قبل الوطنية














المزيد.....

انبعاث الفكر الأصولي والعصبيات ما قبل الوطنية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 7841 - 2023 / 12 / 30 - 02:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خلال السنوات الأخيرة، وفي أعقاب تعثُّر مشاريع التحديث العربية، وبدء انفكاك بنى الدولة لصالح العصبيات ما قبل الوطنية، الطائفية والمذهبية والإثنية والعشائرية، تشهد المجتمعات العربية صراعات بين هذه البنى، تعبِّر عن نفسها أحياناً بحروب أهلية متفاوتة الحجم والعنف.
ولم تتأخر هذه العصبيات في إنتاج مثقفيها الذين تقوم وظيفتهم في التنظير لها وتبيان موقعها المتميِّز قياساً بالعصبيات الأخرى، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يجري اللجوء إلى تسعير حالة العداء وإثارة العصبيات إلى حدِّها الأقصى، فيتدخل التخوين والتكفير ليعبِّدا الطريق إلى هذا الموقع المتميِّز. تستخدم في هذه المعارك كل " الأسلحة الأيديولوجية "، إذ يجري استقدام المقدس وتوظيفه بما يعطي المعركة والتهم بالخيانة كل المشروعية الدينية المطلوبة لنجاحها، ويبرِّر استخدام وسائل الاستئصال والإبادة ضد الآخر المخالف.
وفي الواقع يمثِّل انبعاث الفكر الأصولي والسلفي، المتجسد في حركات حزبية وجهادية، عنصراً مهماً في صعود وانتشار ثقافة التخوين في المجتمعات العربية. وينسحب الأمر نفسه على أصوليات غير دينية لجهة تصنيف نفسها وحدها القادرة على فهم الوقائع، واعتبار نظرتها تحمل التحليل الصحيح الذي يستوجب التزامه من دون الأخذ في الاعتبار الرأي الآخر. ويشير الكاتب السعودي تركي الحمد، في كتابه " السياسة بين الحلال والحرام " إلى هذه المسألة فيقول: " إذا كانت جماعات الإسلام الحزبي تستخدم على وجه القطع، ثنائية الكفر والإيمان، الحلال والحرام، في تحديد علاقتها بالآخر، الذي قد يكون جماعة إسلاموية أخرى، وفي الحكم على الأحداث والأشياء، فإنّ التيارات غير الدينية، بل والتي يضع بعضها نفسه أحياناً على طرف نقيض مع الخطاب الديني جملة وتفصيلاً، إنما تفعل نفس الشيء حين تلجأ إلى القطيعة في الإدراك، والحكم على أحداث وأشياء هي بطبيعتها من المتغيِّرات غير القابلة للحكم القطعي ".
ولا شك أنّ البنى العصبية، المتمثلة بالقبائلية والعشائرية والطائفية والإثنية، تشكِّل عنصراً وازناً اليوم في ازدهار هذه الثقافة، ويتغذى هذا النمو لمفاهيم العصبيات من تدهور موقع الدولة في العالم العربي وانحسار تمثيلها العام والمشترك، وتراجع قدرتها عن حماية المواطن. ويترتب على الانبعاث العصبوي الفئوي زيادة وتيرة التعصُّب والانغلاق والنظرة المشككة بالآخر، ناهيك عن " الإقفال " العقلي أمام رؤية تسمح بالتلاقي مع سائر القوى في المجتمع. ويتمثل صعود العصبيات اليوم في التوترات والحروب الأهلية التي تشهدها بعض المجتمعات العربية، والتي تحمل كل حالة منها منظومة فكرية متشابهة في اعتبار الآخر عدواً يتوجب القضاء عليه.
ويصل التخوين في العالم العربي ذروته عندما يتصل الأمر بالقضايا الوطنية، حيث يتحوُّل الاجتهاد أو المخالفة إلى العمالة والولاء للأجنبي. في كل الأحوال، لا تنفصل اتهامات التخوين عن الفكر السائد في السياسة والثقافة العربيتين، والذي بطبيعته فكر يعبِّر عن عقلية شمولية واختزالية واحتكارية للحقيقة والصواب، وهي أفكار تلازم سلطات الاستبداد والتسلُّط، سواء مارسته أنظمة سياسية أم قالت به حركات سياسية معارضة على مختلف تنوُّعاتها.
وإذا كان الغالب على ثقافة الحركات الدينية الأصولية نشر التكفير جواباً عن الخلاف في الرأي، فإنّ البعض من الأحزاب القومية واليسارية مارست وتمارس تكفيراً ضد مخالفيها في التوجهات والآراء. وفي الوقت نفسه، تنتشر ظاهرة التكفير بين أوساط مثقفة، وإن كانت غير ملتزمة حزبياً، فتكفِّر بعضها البعض، وتمتنع عن الاحتكام إلى الموضوعية واحترام الرأي في علاقتها المتبادلة.
وليس من شك أنّ ثالوث (المؤامرة – التخوين - التكفير) قد مارس، ولا يزال، دوراً معوِّقاً لتطور المجتمعات العربية وتلمُّس طرق خروجها من التأخر المديد الذي تقيم به. فقد ساهم هذا الثالوث، حسب تعبير الأستاذ خالد غزال، الذي يرخي بكلكله على العقل والفكر والممارسة، في إعاقة المجتمعات العربية عن الدخول في الحداثة والإفادة من منتجاتها. فبديلاً عن الرحابة في العلاقة مع الآخر والاعتراف به والتعامل معه ضمن الاختلاف، وبديلاً عن الانفتاح على الأفكار والاحتكام إلى صراعها وتناقضها وما تولِّده من جديد، فإنّ هذا الثالوث يقدم التعصب والكراهية ونبذ الآخر المختلف، وهي أفكار تجد، بالطبيعة، ترجمة لها في العنف المادي والمعنوي، بكل ما يعنيه من إثارة لمنطق العصبية والاضطهاد.
وهكذا، نلاحظ مفارقة حادة تتمثل في اتساع دائرة الظلامية من طرف وضحالة الفكر التنويري، الذي يتوجه نقدياً إلى هذه الأخيرة من طرف آخر. ولعلَّ أحد الأسباب الكامنة وراء ذلك يتمثل في تضاؤل تأثير المجموعات العربية التنويرية، الناجم عن أنّ العناصر المهيمنة داخل النظام السياسي العربي تخشى تصاعد تأثير تلك المجموعات في أوساط الشعوب العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى تحرص على بقاء تأثير القوى الظلامية، كي تُحدث نمطاً من " التوازن " بين الفريقين ترتد ثماره لصالحها.
ومن شأن هذا أن ينتج خطاباً تلفيقياً تحوِّله تلك الرؤوس إلى خطاب سلطوي، يوجَّه إلى الجمهور العربي على النحو التالي: إما أن تقبلوا بنا، فتكسبوا التوازن الاجتماعي والسياسي بين مختلف المجموعات الناشطة، وإما أن نؤلِّب عليكم الظلاميين وتقعون فريسة للتنويريين المتهمين بأنهم " عملاء حضاريون " للغرب يستهترون بالعقائد الدينية والخصوصيات الوطنية.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ طرفاً آخر من أطراف السجال بين التنوير والظلامية والنظم السياسية العربية هو القوى الأجنبية يفرض نفسه بقوة، تصل أحياناً إلى درجة الهيمنة في مسار السجال.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأبعاد الثقافية للتأخر العربي الراهن
- التعاطي العربي الكلامي السطحي مع المشكلات
- محرقة غزة في الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق ا ...
- أهم معوّقات النهوض الحضاري العربي
- مخاطر الماضوية على مستقبل العالم العربي
- شرعية الأمر الواقع في الدول العربية الفاشلة
- أية شرعية للحكومات العربية؟
- تضخم سلطة الدولة وضعف المجتمع المدني في العالم العربي
- كيف تتعامل الحكومات العربية مع الحقل السياسي
- حدود الثقافة السياسية العربية
- هل يكفي الغضب لنصرة الفلسطينيين؟
- محرقة غزة والحاجة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية
- مجتمع المعرفة وأبعاده في العالم العربي
- رؤى لمستقبل سورية بعد التغيير
- مظاهر غدر الثورة السورية
- الاستحقاقات أمام اللاجئين السوريين في العالم
- دروس تعقيدات وقائع الثورة السورية
- الأسباب العميقة للثورة السورية المتجددة
- الحداثة ومكوناتها في مرآة الضرورة العربية
- حول المسألة القومية وتجلياتها في سورية


المزيد.....




- ترامب يكشف عن ما سيفعله مع روسيا والصين إذا فاز في الانتخابا ...
- إيلون ماسك محور جدل في أمريكا واتهامات له بالتحريض على قتل ب ...
- روسيا.. انخفاض عدد مستعمرات النحل بمقدار 500 ألف على مدى الس ...
- خسوف جزئي للقمر سيتمكن سكان مختلف مناطق العالم من مشاهدته
- Lava تكشف عن هاتفها الجديد لشبكات الجيل الخامس
- من النصر إلى كارثة. الغرب يتناسى أنه قبل عامين احتفل بهزيمة ...
- المهندسون الروس يدرسون مبادئ عمل صاروخ هيمارس الأمريكي
- نمط غريب ومفاجئ في إدارة الحملات الانتخابية في أمريكا
- بلقاسم حفتر لـ-الحرة-: شرق ليبيا وغربها يتوافقان على إعمارها ...
- بعد -محاولة الاغتيال الثانية-.. بايدن يتصل بترامب


المزيد.....

- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - انبعاث الفكر الأصولي والعصبيات ما قبل الوطنية