|
من نسأل؟
احمد المغربي
الحوار المتمدن-العدد: 7706 - 2023 / 8 / 17 - 23:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من السيء حقا أن يظل الحديث عن الوجود و الانسان و الحرية حكرا على أناس لم ترى أبصارهم إلا جدران مكتباتهم و مكاتبهم البالية… هل نسأل المريض أم الطبيب؟ يعتمد الامر في الواقع على طبيعة السؤال ، و إن كان هذا الاخير تساؤلا عن الالم فلن تجد جوابا شافيا عند أي منهما إذ ينبغي أن تجرب الالم بشكل شخصي لتعرف و تختبر معناه فهذا النوع من المعارف التي يصح عليها قول غورغياس باستحالة نقله للغير ، غير أن ما سيعنيه لك الالم في هذه الحالة سيظل شيئا يخصك وحدك إلى حدٍّ ما. أما الطبيب فليس معنيا بمعنى الالم لكنه سيفيدك بشكل كبير إن كان سؤالك عن "سبب الالم" و "سبل علاجه" هذان النمطان المختلفان للمعرفة و رؤية الامور تم التجادل لقرون حول أيهما الاكثر عمقا و نفاذا لسبر غور حقيقة الاشياء . في القرنين الاخيرين برز تيار واسع من الفلاسفة صار يشيد بنجاعة الطريقة الثاني في حل المشاكل بينما يتهم الاول بالعقم و العجز عن التقدم. كما هو واضح فالطبيب يقدم تفسيرا علميا و حلا عمليا و هو حقا يُقَيِّد تساؤله و يجعله في حدود ما يمكن التحقق منه. لكن و مثلما يشير بعض خصوم الطب فالتاريخ يخبرنا بأن نظريات و طرقا للعلاج كانت سائدة لمدة طويلة من الزمن باعتبارها أرقى ما تم التوصل له قد تم تجاوزها بعد اكتشاف قصورها ، و هذا صحيح و انصار الطب لا يجهلون هذه الحقيقة غير أنها لا تدفعهم للتراجع عن الاعتقاد بنجاعة طريقهم و طريقتهم في المعرفة و تفوقها عن الطريق الثاني إذ أنهم يُقِرُّون بتواضع طموحهم المعرفي مقابل ما يعتبورنه جموحا ساذجا أو مغرورا لخصومهم، و لو لم يرغب من ينظر لهذين الطريقتين في المعرفة في أن يكون أعمى فعليه: ١ألا يكون متخلفا : أي لا يتحدث دون النظر للتاريخ و الواقع الذي يستعرض نجاحات و اخفاقات كلا الطريقين ٢ألا يكون متعسفا : أي أن يكون جدليا في نظره لا انتقائيا حيث أن الحكم الصحيح لا يمكن أن يبنى إلا على أساس النظرة الشاملة لجميع جوانب المسألة و إذا التزمنا بهذين الشرطين في نظرنا فسنجد أن السؤال عن المعنى من جهة و عن السبب من جهة أخرى كانا ملازمين لبعضهما البعض منذ الزمن الذي كان فيه الطب مختلطا بالاسطورة و السحر فمنذ ذلك الحين يتسائلون عن المرض و سببه و معناه و سبل علاجه ، و الطب قد تطور منذ ذلك بشكل بدت فيه كل نظرية و طريقة علاج تبطل سابقتها و تدحضها كما أشرنا سابقا. لكن في حين أن هناك من يستند على هذه الحقيقة للتشكيك في الطب نحن نرى أن عملية التطور الجدلية هذه تعني أن الجديد يكون أفضل و أرقى من القديم لا ان القديم باطل مطلق إذ أن الجديد لم كن ليوجد لولاه و التطور الجدلي يعني أن الجديد يتخطى قصور القديم مع الاحتفاظ بثماره الصالحة و تطويرها في أشكال أكثر تقدما لكننا و رغم إشادتنا بإيجابيات الطريق الاول لا ننفي ضرورة الحفاظ على مَلَكة و حس التساؤل عن المعنى إذ أننا نرى هذا النمط من الاسئلة متجذرا في الانسان بحكم طبيعته و التجربة أثبتت أن تحريم طرح هذا النوع من الاسئلة بشكل جدي و واعٍ لا يؤدي لتصفيتها ففي كل مرة تم طردها من الباب بهذه الطريقة كانت تعود متسللة من النافدة و عودتها للمنزل بشكل مستتر يجعلها مزعجة بحضورها الخفي أكثر من حضورها العلني . على أننا و رغم تشديدنا على ضرورة طرح هذا النمط من الاسئلة نشدد في آن واحد على أنه لا يجب طرحها اليوم بنفس طريقة طرحها في الامس حيث أن تقدم الطب يوفر لنا أساسا قويا للتساؤل عن المعنى على ضوء العلم و أنواره بدل التيهان و الضلال في ظلام العبث و نحن الماركسيون نرى أن التساؤل عن معنى استمرار المرض و المرضى في عصر صارت وسائل تقليصهما و القضاء عليهما متوفرة هو أكثر ما يجدر بالفلسفة الثورية التساؤل عنه و الاهتمام به و الماركسية كفلسفة فاعلة على النقيض من الفلسفة الاكاديمية الخاملة - التي يتحرك فعلها بدوافع رجعية محافظة- تظل وفية لفلسفة التنوير و فيورباخ رغم نقدها لهما فهي تجعل الانسان محور اهتمامها و هي كفلسفة مادية تجعل العلم و اكتشافاته أداة لتفلسفها ، و بخلاف ما يزعم مدعي الحياد و الموضوعية الزائفة فهذا لا يجعلها ايديولوجية تسعى لتزييف العلم أو جهل النظرية خادمة ذليلة للممارسة أو الحزب فرغم شطط بعض الماركسيين الذين اختزلوا مبادئ الماركسية في بضع جمل صارت تستعرض عندهم بشكل عقائدي إلا أن الماركسية الحقيقية بتشديدها على ضرورة البحث النزيه هي الفلسفة الوحيدة التي يمكنها انقاذ العلم من الاستغلال الايديولوجي الذي صار يتعرض له من طرف البورجوازية المنحطة إذ أنها لا تنكر أهمية العلم في تفسير العالم بشكل صحيح غير أنها في نفس الوقت لا ترى أنه يتطور بمعزل عن المجتمع و قد صار واضحا للجميع الآن أن العلم و تطوره لم ينفصلا عن التطور الاجتماعي للبرجوازية حينما كانت تقدمية كما أن انحطاط بعض فروعه لا ينفصل عن انحطاطها بعد أن صارت محافظة و رجعية و كما قال آلان وودز في كراسه عن "راهنية أفكار كارل ماركس": ف: " مع فلسفة ماركس عادت الفلسفة أخيرا إلى جذورها. إنها في نفس الوقت جدلية ومادية. هنا التقت النظرية والممارسة مرة أخرى يدا في يد وانطلقتا معا. خرجت الفلسفة من غرفة الدراسة المظلمة والمغلقة لتتمتع بالشمس والهواء. وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة. وبدلا من الصراع الغامض بين أفكار دون مضمون، صار لدينا التناقضات الحقيقية للعالم والمجتمع الماديين. وبدلا من مطلق بعيد وغامض، صار لدينا اناس حقيقيون يعيشون في مجتمع حقيقي ويصنعون تاريخا حقيقيا ويخوضون معارك حقيقية."(ص31)
#احمد_المغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة عن الحياة
-
عن الضجر
-
على هامش بعض الأحداث
-
عن الفلسفة: حديث شارد
-
على هامش بعض الاحداث: تأملات
-
على هامش بعض الأحداث : شيرين و لينين و أشياء أخرى
-
عن الانتحار
-
لعنة التلعثم
-
عن ما هو موجود و ما ينبغي أن يكون
-
إلى الحب في عيده: بضع كلمات
-
عن الأمل و اليأس
-
عن أطروحة رأسمالية الدولة : بين الأمس و اليوم
-
نظام الحسن الثاني و النظام الاسرائيلي
-
السفسطة و الاغتصاب
-
عن ما يحدث في المغرب و السودان : باختصار شديد
-
عن الثائر الأممي تشي جيفارا
-
حول الثورة المغربية و فئات المجتمع المغربي
-
الحياة قبل الموت
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
-
عن المادية و الخيال و أشياء أخرى
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|