أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - عَطَبُ آلْوُجُودِ في قصيدة بَكيتُ عَلَى أَحِبّةٍ بَكوا عَلَيَّا















المزيد.....

عَطَبُ آلْوُجُودِ في قصيدة بَكيتُ عَلَى أَحِبّةٍ بَكوا عَلَيَّا


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7571 - 2023 / 4 / 4 - 09:19
المحور: الادب والفن
    


●قصيدة من منطقة تيهَرْتْ _ في العصر العباسي بآعتبار سلطة الشرق آنذاك _ حيث يلتقي في حياة الشاعر المشرقُ والمغرب بوضوح بمفهوميهما القديم .. وهذا ليس غريبا في تاريخ المغرب القديم، إذ ظل آرتباط هذه الجغرافيا بالعتبات الروحية الدينية أهم آصرة تجمعها وتوحد أصلابها طيلة عصور خلت في ظل معتقد موحد جمع الجناحَيْن معا رغم ما قيل في أصالة ريادة هذا وتبعية ذاك..فما أحوجنا الآن الى إعادة الاعتبار لهذه الروابط من أجل إنعاش عالم واحد لبناته فسيفساء شعوب وقبائل تتعارف تتثاقف تتلاقى تتواصل تتلاقح بحرية وآنفتاح وثقة في الذات وذوات الغير بعيدا عن النزعات العرقية والتفرقة البيئية والتصورات الوطنية الضيقة وسلط الحكم الشمولي القاصر والميولات السياسية الآنية والعصبيات وصراعات الملل والنحل التي لا تسمن ولا تغني من جوع...
وسنلاحظ في هذا المتن إتقانا واضحا لميكنيزمات القصيدة العربية بأصولها البدوية وثوابتها اللغوية والتركيبة والإيقاعية، كأننا بإزاء شاعر مشرقي عريق نبت وترعرع متمثلا عمود الشعر العربي في صحراء الجزيرة العربية، مما يعكس إصرارا مُلِحا على التشبت بتلك الأصول بالسير على نهجها وجعلها سنن حياة تشمل المشرق والمغرب معا تحت راية معتقد واحد يسعى الجميع لنشره وتصديره شمالا وجنوبا وفي باقي جغرافيات العالم ...

●الشـاعر:
هو أبو عبد الرحمن بكر بن حماد بن سهل بن إسماعيل الزناتي التيهرتي.ولد في تيهرت بالمغرب الأوسط(الجزائر حاليا) سنة 200 هـجرية تلقى تعليمه الأول بمدينة تيهرت على مشاهير علمائها ثم ارتحل إلى المشرق سنة 217 هـ حيث اتصل بالخليفة العباس المعتصم، كما اتصل بالشاعر دعبل بن علي الخزاعي وغيره من أدباء ومثقفي العصر...

●ظروف القصيدة:
عند عودته من المشرق إلى المغرب برفقة ابنه عبد الرحمن، تعرض لهما في الطريق لصوص قتلوا الابن وجرحوا الشاعر سنة 295 هـجرية، مما خلف حزنا وأثرا بليغا في نفسية الشاعر الذي قصد مدينته تيهرت وبقي فيها إلى أن وافته المنية سنة 296 هـجرية..
لقد خطف الموت من الشاعر فلذة كبده، فرثاه بقصيدة يحس المرء فيها أن شعره يفيض بالوجد والشوق واللوعة والحرقة، نابع من قلب أب ممزق مملوء بالحب والحسرة والأسى.لقد أثار فقد آبنه في ذاته أعمق الأسى فكانت أبياته موجعة تنبع من شعور جياش ملتهب، إذ خسر الشاعر آبنه في مرحلة كان في أمس الحاجة إلى مساعدته، وما يهون من خطب الشاعر المسن أنه لحق بابنه مدة قصيرة بعد ذلك، إذ توفي بعده بسنة واحدة كذلك يروي الرواة ...

●القصيدة(يائية من الوافر)

بَكيتُ على آلأحبةِ إذْ تولــوا
ولو أني هلكت بكوا عليا
فيا نَسْلي بَقاؤك كان ذخــرا
وفقدك قد كوى الأكبادَ كيا
كفى حزنـا بأني منك خلْــوٌ
وأنكَ مَيِّتٌ وبقيـتُ حَيَّا
ولم أك آيِسًا فيئستُ لمــا
رميت الترب فوقكَ من يديا
فليت الخلق إذا خلقوا أطاعوا
وليتك لم تكن يا بَكْرُ شَيَّا
نُسَرُّ بأشهرٍ تمضي سراعـا
ونُطْوَى في ليالهن طيَّـا
فلا تفرحْ بدنيا ليسَ تبــقى
ولا تأسفْ عليها يا بُنَيَّا
فقد قطع البقاءَ غُروبُ شَمْسٍ
ومطلعها عَليَّا يا أُخَيَّــا
وليس الهم يجلوه نهــار
تدورُ له الفراقدُ والثريَّـا

●تعليق :
لعل هذا البكاء وهذه اللوعة تحيلنا على صرخات متعددة جأر بها شعراء العربية على مر العصور في وجه هازم اللذات ومفرق الجماعات كقاصل حكايات ألف ليلة وليلة، وكصرخة آبن الرومي عند فقد آبنه الأوسط وصياح "أبو ذؤيب الهذلي" وهو يفاجَأ بآنصرام أعمار أبنائه الأربعة على حين غفلة بسبب ضربة طاعون، والتياع "الخنساء" لفقد أخيها "صخر"، ودموع حرى ذرفتها الشواعر على مَن عز عليهن من الأهل والأحباب، وبكاء محمود سامي البارودي المنفِي في سرنديب حليلته وفلذتيْه عَلِيا وسميرة، ورثاء الشعراء للشعراء ورثاء هؤلاء لذهاب العمران وكساد الأحوال ..وو.. مما يجعلنا نقول إن البكاء في الأدب والفن العربيين يكاد يكون ظاهرة بنيوية مضطردة ملفتة للنظر منذ بداية قفا نبك من ذكرى، تستدعي الوقوف عند أسبابها وعواملها قصد آستنباط أبعاد تجلياتها في المخيال الجمعي المتنقل عبر السنين والأعوام، خصوصا وهذا البكاء أضحى متوارثا خلفا عن سلف متجذرَ الحضور في الموروث الحضاري مغربه ومشرقه .. وعلى كل حال، رغم هذا النواح الجماعي المستشري بصيغة تكاد تكون متماثلة آعْتُبرت مُشتركا ثقافيا وحضاريا، يظل الأمر محمودا في بعض جوانبه_ورب ضرة نافعة_مادام يمكن توحيد هذا الشعور الجمعي في شكل عاطفة متجانسة متشابهة في معالمها في آنتظار تسليط الضوء على مزيد من ملامح التوحد والائتلاف العربييْن من غير البكاء والنواح طبعا..
تعكس القصيدة في ظل طابع البكاء هذا، نزوعا نحو خَطَرات "وجودية" حاول الشاعر تذويبها في صبغة عقائدية دينية دون أن يستطيع تورية أحاسيسه الفعلية جراء وقع المصاب الجلل، ولعلنا نومئ الى إشارته الى فكرة ماهية الوجود في حد ذاتها، ما سرها ما غايتها لمَ يولد الإنسان لِمَ الموت إذن لِمَ النصَب لِمَ التعب والعنت مادام الهلاك فرض عين على الجميع لا مهرب من الزوال لا منجى من حتمية المصير، والنتيجة:بكاء على بكاء على بكاء ...

_ بكيت على الأحبة إذْ تولــوا
ولو أني هلكت بكوا عليا

ألا يمكن للعدم أن يحل المعضلة منذ البداية، أن يفك شفرة المعاناة، لمَ البداية في خوض غمار هذه المتاهة أصلا، ماذا لو أن الوالدَ لم يلد ما ولد، ماذا لو أن الخلائق كفت في لحظة عن الإنجاب، ما سر هذا الإصرار البشري على المضي في التناسل والإبقاء على آستمرارية النوع عبر زواج الكم بالكم .. الشاعر يدرك جيدا أن مثل هذا الافتراض قد يكون هلوسة مستحيلة التوقع والوقوع، لذا جعل يعبر عنها بصيغة التمني غير المطموع في نيله رغم ورغم ...

_وليتك لم تكن يا بَكْرُ شَيَّا

يبدو أن الزمن يلعب دورا فارقا في المعادلة، ولأن الشاعر المفجوع يستحضر إيمانه بالمعتقد الفردي والجماعي، فهو لا يجازف في مواجهته بالخطاب المباشر الفصيح، فيكتفي بآستخلاص نتائج مخلفات هذا الزمن الخاطفة المبرقة العميقة دون معاندة أو مشاكسة أو مناورة أو مكابرة كي لا يقع في محضور ما ...

_نُسَرُّ بأشْهُرٍ تمضي سراعـا
ونُطْوَى في ليالهن طيَّـا

وسرعان ما يتحول عن هذا (الزمن) كملفوظ يستبدله بمفهوم مغاير آختزله في لفظة (الدنيا)، ولنا أن نلاحظ سَمْتَ الاستبدال اللفظي لمعنى واحد، والانتقال في آستعماله من مدلول الى مدلول مغاير و من مفهوم إلى آخر .. فمن منطوق (الدهر) الذي جعله المنظوم العربي التراثي مقترنا بصيغة القاهر القاصم للأعمار إلى درجة نسمع في المأثور الديني (لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر) (١)، إلى توظيف كلمة (الزمن) الأقل حدة في التعبير عن قساوة الوقائع، إلى تعويضها بلفظة (الدنيا) التي يكفيها أنها نعت وَافَقَ منعوتَه في الصفة، ولأنها كذلك، لا تستحق أن نفقد إيماننا بالقضاء والقدر من أجل مواجهة خاسرة منذ البداية مادامت هذه الدنيا بما فيها مبنية على مبدإ الزوال الحتمي، فلا داعي للوثوق والاغترار بها أو الركون لها أو آستمالتها أو معاداتها، فهي في جميع حالاتها حرباء غير مأمونة العواقب...

_فلا تفرَحْ بدنيا ليسَ تبــقى
ولا تأسفْ عليها يا بُنَيَّا

يبدو أن ما يحدث في هذه البسيطة ما هو إلا نسخة لما سبق من وقائع وما يقع الآن هنا وما سيستمر وقوعه في أباعد وأقارب آلآجال والأعمار .. لا مفر .. إذن.. لا شفاء من عطب الوجود، لا أمل يرجى من هذا الليل آلداجي المسمى (حياة)، فليل آلهائمين في ملكوت جميع الأكوان كان منذ البداية وسيظل سرااااابا...

_فقد قطع البقاءَ غُروبُ شَمْسٍ
ومطلعها عَليَّا يا أُخَيَّــا
وليس الهم يجلوه نهــارٌ
تدور له الفراقدُ والثريَّـا

إنها نغمة مَعَرية (٢) واقعية صادقة صريحة أكثر منها تشاؤمية، أوليس الأمر كذلك، في وجود محاصر بالموت من كل آتجاه لا مجال لتورية العواطف والأحاسيس، فما في القلب إلا قلب يتمرمر يمور يتدفق بأوجاع آلام أعظم يعروها البلى يفنيها الفناء هيهات الخلود هيهات البقاء .. هيهات لا مالٌ ولا ولد هيهات لا سَبَدٌ يبقى ولا لَبَدُ(٣)...

قف بالقبور فنـادِ الهامدين بها
مِـن أَعْظُـمٍ بليت فيـها وأجسادِ
أين البقاءُ، وهذا الموت يطلبنا
هَيْهاتَ هَيْهاتَ يا بكر بن حمّادِ

☆إشارات:
١_ حديث قدسي
٢_نسبة إلى أبي العلاء المعري
٣_من شعر مُحيي الدين بن عربي



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلااااام
- ديستوبيا الحاضر
- قَلَانِسُ نِيسَانَ
- وَجَدْتُهَا
- رَحِيقُ آلْجِبَالِ
- تِيفْسَا
- قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
- حُرَّةٌ هِيَ أمِّي هُناكَ
- يا رُوحَهَا
- مَرَاقِي آلْمَمَاتِ
- بِيبِي عِيشَا مَاتَتْ
- تَبْقَى عَلَى خِيرْ يَا صَاحْبِي
- نَزْعٌ أَخِير
- وَهْمُ آلأَشْكَالِ في قصيدة (من وحي واقعة المخازن) لأحمد الم ...
- عَيْنَا فَا
- تْنِيمَارْ نْبُويَبْلَانْ
- حَتَّى لَاااايَنْ / إِلَى مَتَى
- بَارَازِيطْ الحياة
- التتارُ آلجدد
- حِيلة ونصف


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - عَطَبُ آلْوُجُودِ في قصيدة بَكيتُ عَلَى أَحِبّةٍ بَكوا عَلَيَّا