أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - ثماني نساء خالدات في تاريخ بلاد الرافدين















المزيد.....

ثماني نساء خالدات في تاريخ بلاد الرافدين


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7544 - 2023 / 3 / 8 - 04:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تقررت حياة النساء في بلاد الرافدين القديمة من خلال التسلسل الهرمي الأبوي الذكوري . إلاّ أن هذا الهيكل الاجتماعي كان يضمّ الكثير من النساء المتميزات اللائي تمكنّ من تولي المناصب الكبيرة والتي عادة ما كان يشغلها الرجال . حيث كنّ من الملكات والأميرات ، وبعضهنّ خدمن بمراكز قيادية في المجتمع ، وأخريات شغلن وظائف متنوعة ؛ كاهنات ، كاتبات ، طبيبات ، بل وحتى قاضيات بصفتهنّ الخاصة.

على الرغم من أن المرأة الرافدينية قد يبدو أنها نالت قدراً أكبر من الحقوق المتساوية مع الرجل خلال فترة الأسرات المبكرة في بلاد الرافدين (عام 2900-2334 قبل الميلاد) ، إلاّ أن هناك أدلّة على وجود نساء قويات بعد تلك الفترة استطعن تقرير مصائرهن داخل حدود النظام الذكوري .
من بين هؤلاء ؛ نساء (ناديتو) من مدينة سيپار عام 1880-1550 قبل الميلاد ، اللواتي كنّ كاهنات مكرسّات لإله المدينة الذكر (شمش) . وقد خدمن أيضاً في معابد كلا الإلهين مردوخ في بابل ، و نينورتا في نيپور .
"هؤلاء النساء انخرطن في أنشطة تجارية كانت مربحة للغاية ، رغم أن طبيعة تلك الأنشطة غير واضحة" (ليك ، 189).
وأُعفيت تلك النساء من الأعراف الاجتماعية بإنجاب الأطفال ؛ على الرغم من قدرتهن على الزواج ، إلا أنه وعلى ما يبدو قد تمتعن بهامش حرية الى حد ما أكبر دون ضغوط اجتماعية تذكر .

(أستير) ؛ وهي ملكة يهودية زوجة الملك الفارسي (أحشويروش الأول ـ عام 486-465 قبل الميلاد) ، والشخصية النسائية في سفر أستير التوراتي (القرن الرابع قبل الميلاد) ، التي كانت مثالاً للمرأة القوية . فقد تمّ تصويرها في النصّ التوراتي على أنها امرأة ذكية وذات فطنة ، تمتلك حدساً قوياً بما يكفي للكشف الى زوجها الملك عن مؤامرة وزيره"هامان" وخطته لإبادة اليهود في مملكته . ولافتضاح أمر هامان ، قضى الملك بإعدامه ، ومن ثم نجاة اليهود . و شخصية أستير في التوراة ، قد تكون إحدى ملكات بلاد الرافدين القديمة التي لها نفس القدرة والتأثير في إدارة شؤون مملكتها .

على الرغم من وجود العديد من النساء المتميزات في بلاد الرافدين القديمة ، إلا أن الثماني التاليات هنّ من بين الأكثر تأثيراً في تاريخه :

1. الملكة پوابي (عام 2600 قبل الميلاد) .
2. الملكة كوبابا (عام 2500 قبل الميلاد) .
3. آما ـ إي (حوالي عام 2330 قبل الميلاد) .
4. إنهيدوانا (عام 2285-2250 قبل الميلاد) .
5. سمّوـ رامات (عام 811-806 قبل الميلاد) .
6. زكوتو (عام 728 ـ 668 قبل الميلاد) .
7. سيرّوا ـ إتيرات ( عام 652 قبل الميلاد) .
8. عرّافة نوسكا ( عام 671 قبل الميلاد) .

كل هؤلاء النساء ، باستثناء آما ـ إي ، وعرّافة نوسكا ؛ كنّ ملكات أو أميرات . حيث تمّ التعرّف عليهن ؛ إما من خلال النقوش المتعلقة بـ ملوك بلاد الرافدين ( النقوش الخاصة ) ؛ أو من مؤلفاتهّن الأدبية (الألواح التي تحتفظ بها العائلة ) ، أو من المؤرخين القدامى اللاحقين ، أو كما في حالة الملكة پوابي ؛ عندما عثر على مقبرتها الواسعة التي تضمنت قطع أثرية حددت هويتها .

تتمتع النساء بحقوق كبيرة في معظم تاريخ بلاد الرافدين ، إلاّ أن عالمة الآثار "گويندولين ليك " لديها وجهة نظر أخرى :
"يبدو أن مكانة الإناث اللواتي شغلن مناصب مهمّة في المجتمع قد تناقصت تدريجياً بعد فترة الأسرات المبكرة . حيث كانت هناك بعض بقايا المناصب المؤثرة مثل ؛ منصب كاهنة إله القمر في أور ، والذي غالباً ما كان يشغله بنات الملك الحاكم . الأميرات والملكات كنّ يرتقين بمكانتهنّ الاجتماعية من خلال علاقتهنّ بالملك ، وخاصةً بعض الملكات . وفي بعض الأحيان يمكن أن يحتفظن ببعض المزايا بعد وفاة أزواجهن . " (ص189)

لعلّ ذلك يبدو صحيحاً ؛ حيث لم تكن كل ملكة أو ابنة ملك حاكم قادرة على تولّي العرش وتنجح في قيادة البلاد . إلاّ أنه في الواقع ؛ لم يُسمح لمعظم النساء بفرصة الدخول إلى معترك المناصب المهمة ، وممارسة ذلك النوع من الاستقلالية مثلما سُنحت للبعض منهن .

مكانة المرأة في بلاد الرافدين القديمة
كان يُعتقد أن المرأة في بلاد الرافدين القديمة هي فقط عبارة عن زوجة و أم . حيث كان على المرأة أن تتزوج وتنجب أطفالاً للعناية بهم ، وتؤدي الواجبات المنزلية من ضمنها الاهتمام بعائلة زوجها الممتدة فيما لو عاشت معها بنفس المسكن .
وتمّ تصنيف النساء كما هو الحال مع الرجال حسب التسلسل الطبقي الاجتماعي ، والذي يتدرّج من الأعلى إلى الأسفل :

ـ الملك وطبقة ملأّك المقاطعات الزراعية .
ـ طبقة رجال الدين .
ـ الطبقة العليا .
ـ الطبقة الدنيا .
ـ طبقة العبيد .

تصنيف النساء طبقياً ضمن هذا التسلسل الهرمي على النحو التالي :

ـ طبقة النساء الحرائر من اللواتي يمتلكن المقاطعات الزراعية / الطبقة العليا .
ـ طبقة النساء الحرائر من الكاهنات .
ـ طبقة المديرات .
ـ النساء الحرائر من الطبقة الدنيا .
ـ طبقة البغايا و النساء العازبات .
ـ طبقة النساء المُعالات اللائي لا ينتمين إلى أسرة (ولكن إلى المعبد ) .
ـ طبقة المُستعبدات .

كان الانتقال من أدنى إلى أعلى تصنيف التسلسل الهرمي ممكناً ولكنه ليس محتملاً بأي حال من الأحوال . حيث مات معظم الناس وهم في نفس الطبقة الاجتماعية والظروف التي ولدوا فيها . وقد وُلدت بعض النساء في هذه القائمة من الطبقة العليا ؛ وبرغم ذلك ، فقد كنّ أقل اعتباراً من الرجال المصنّفين ضمن الطبقة العليا ، وبالتالي فإن حقيقة أيّ امرأة تطالب بالسيطرة على طبقة الذكور العليا ؛ يُعدّ تحدياً استثنائياً .

1. الملكة پوابي (عام 2600 قبل الميلاد)
تمّ التعرّف على الملكة پوابي عند لحظة اكتشاف قبرها في أوائل القرن العشرين . حيث عثر عالم الآثار البريطاني (ليونارد وولي) رفات الملكة پوابي في الموقع الذي أسماه بالمقبرة الملكية في أور عام 1922م ، وهي واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية في التاريخ؛ إلاّ أن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في نفس العام قد طغى عليه .
واشتهرت الملكة پوابي بغطاء رأسها المزيّن بالأوراق الذهبية و الشرائط والخيوط المعقودة بالعقيق واللازورد .

لقد جمعت تنقيبات وولي العديد من القطع الأثرية الرائعة التي لها قيمة من الناحية التاريخية ؛ من بينها ختم الملكة الأسطواني (الختم يُعدّ بمثابة الهوية الشخصية للفرد في بلاد الرافدين ) ، والذي عُرفت من خلاله كملكة دون ذكر شريكها الذكر . كما خلص علماء الآثار والمؤرخون إلى أن الملكة پوابي ربما قد تولت العرش بصفتها ملكة أور في أواخر الأسرة الثانية المبكرة (عام 2800-2600 قبل الميلاد) ، أو في فترة الأسرة الثالثة (عام 2600-2334 قبل الميلاد) . ويُستدّل على أنها كانت ملكة قوية وثرية ؛ وذلك من خلال اعداد الخدم والمرافقين المدفونين معها في القبر.

2. الملكة كوبابا (عام 2500 قبل الميلاد)
الملكة كوبابا وفقاً لقائمة الملوك السومريين (حوالي عام 2100 قبل الميلاد) ؛ كانت تملك حانة لمشروب البيرة قبل أن تصبح ملكة كيش . إلاّ أنه لم يُعثر على سجل تاريخي يوضّح كيف تمكنّت من الارتقاء بنفسها كملكة . وهي المرأة الوحيدة التي ظهرت في قائمة الملوك ؛ كملكة حاكمة .
"قيل إن سلالة كيش الثالثة أسستها امرأة ، وهي صاحبة حانة واسمها كوبابا ، بيد أنها هُزمت من قبل حاكم أكشاك، ثم استعاد ابنها (بوزور ـ سين) ، السلطة وأسس سلالة كيش الرابعة". (ليك ، ص 99)

وعليه ؛ فإن الملكة كوبابا تعد مرتبطة بـ كلتا الأسرتين الثالثة والرابعة في كيش . وحسب رؤية بعض العلماء ؛ إنها كانت مصدر إلهام لإلهة الأناضول (سايبيل) التي ظهرت فيما بعد . وانتهت السلالة التي أسستها كوبابا مثلما انتهت فترة الأسرات المبكرة عندما تولّى سرگون الكبير مقاليد الحكم (عام 2334-2279 قبل الميلاد) ، وتأسيس إمبراطوريته الأكدية .

3. آما ـ إي (حوالي عام 2330 قبل الميلاد)
آما - إي ؛ كانت سيدة أعمال سومرية ناجحة من مدينة ( أوما ) . وعلى الرغم من زواجها ، كانت تدير أعمالها الخاصة باسمها .
كتب العالم (هيني مارسمان) التعليق التالي :
" في أوائل مجتمع بلاد الرافدين ، يبدو أن النساء قد عملن باستقلالية تامّة ، أو كان بإمكانهن العمل بضمان شخص آخر ؛ كما هو الحال مع سيدة الأعمال آما - إي التي عاشت في مدينة أوما ، وعملت في تجارة الحبوب والصوف والمعادن" (ص 401).

استغلت آما-إي بعض الأرباح للاستثمار في العقارات ومشاريع البناء ،والاشراف على شبكة تجارية واسعة . وقد حُفظت تفاصيل هذه المعلومات في سجلات شركة العائلة ، ولكن لا شيء معروف عن حياتها الخاصّة سوى أنها كانت متزوجة من رجل يدعى أورـ سارا .

4. إنهيدوانا (عام 2285-2250 قبل الميلاد)
كانت إنهيدوانا ابنة سرگون الأكدي ، على الرغم من وجود بعض التساؤلات حول ما إذا كانت ابنته البيولوجية (الطبيعية) ، أم أن "الابنة" مجرّد لقباً شرفياً .
كانت إنهيدوانا ؛ أول أديبة وكاتبة في العالم اشتهرت بالاسم . كما اشتهرت في أنها رئيسة كهنة معبد إله القمر (نانا) في مدينة أور ، وكذلك بمؤلفاتها في مدح الإلهة (إنانا) التي قدمّت صورة أكثر حميمية عن علاقة الفرد بالإله من الترانيم القديمة التي كتبها الكهنة الذكور .
لقد كتبت أشعارها الخاصّة ، ونجت من انقلاب في المدينة أجبرها على النفي ، ثم عادت لتستمر كاهنة وشاعرة لأكثر من 40 عاماً . ألهمت مؤلفاتها كتابة المزامير المسيحية التي لازالت تُستخدم كنماذج في الشعائر الدينية إلى يومنا هذا .

5. سمّوـ رامات ( عام 811-806 قبل الميلاد)
سمّو ـ رامات ؛امرأة آشورية كانت لها وصاية على ابنها الصغير (أدد ـ نيراري الثالث عام ـ 811-783 قبل الميلاد) في عرش الإمبراطورية الآشورية ، وذلك بعد وفاة زوجها الملك (شمشي أدد الخامس عام 823-811 قبل الميلاد). وقد مُنعت النساء من مناصب السلطة المقتصرة على الرجال ، حيث لم تكن هناك ملكة آشورية قبلها .
بدأت سمّو ـ رامات بمشاريع البناء ، ونُصب لها مسلّة خاصة بها مكتوب عليها اسمها ، وربما قادت حملات عسكرية لتأمين الإمبراطورية والحفاظ على استقرارها . ويُعتقد أن فترة حكمها كانت قد ألهمت الرواة في التأليف عن الملكة الأسطورية سميراميس، التي اعتنى بها وربّاها سرب من الحمام . وعند وفاتها ؛ تحولت إلى حمامة حلّقت بعيداً .
غزت سمّو ـ رامات أراضي بلاد الرافدين ، واتخذت سلسلة من العشاق الوسيمين بعد وفاة زوجها . وتفاصيل حكمها غير واضحة ، لكن سيطرتها في الحكم ، وتنصيب مسلة بنقش خاصة بها ، دليل على أنها كانت امرأة قوية وحكيمة .

6. زكوتو (من عام 728 إلى عام 668 قبل الميلاد)
زكوتو؛ هي امرأة قد لا تبدو مثل باقي النساء ؛ فقد ابتدأت حياتها كعشيقة غامضة لملك ، ثم إلى ملكة أرملة ، وهي والدة ملك ، وجدّة ملك أيضاً . وكانت زوكوتو " امرأة القصر " عشيقة الملك الآشوري سنحاريب (عام من 705 ـ 681 قبل الميلاد) ، والتي تمكنت بطريقة ما من جعل ابنها إسرحدون (عام 681-669 قبل الميلاد) وليّاً للعهد ، على الرغم من أنه كان الأصغر من بين أحد عشر ولداً . وقد احتلّت زكوتو مكانة عالية في الدولة الآشورية ، وكانت شخصية مؤثرة خلال حكم ابنها إسرحدون ، حيث حملت لقب (الملكة ) دون تتويج ، فقد كانت تعمل على صياغة الرسائل الملكية وتستقبل المبعوثين والشخصيات البارزة . وقبيل وفاتها بفترة وجيزة ، أو بعد وفاة ابنها إسرحدون عام 669 قبل الميلاد ، أصدرت زكوتو وثيقة العهد والولاء في عام 670 أو عام 668 قبل الميلاد ؛ وذلك لتأمين عرش حفيدها آشور بانيبال في البلاد . إذ أمرت رجال البلاط وجميع أفراد الشعب الآشوري بالاعتراف في أن حفيدها آشور بانيبال ملكاً على بلاد آشور وتوابعها .

7. سيرّوا ـ إتيرات ( حوالي عام 652 قبل الميلاد)
سيرّوا ـ إتيرات امرأة قوية أخرى من نفس عائلة الملك سنحاريب . فهي كانت الابنة الكبرى للملك إسرحدون ، وشقيقة الملك آشور بانيبال ، و الوحيدة من بنات إسرحدون معروفة بالاسم ، ولها حضور في جميع قوائم الاحتفالات والمهرجانات الملكية مع إخوتها الذكور. وطالما هي امرأة ، فقد كان يُنظر إليها على أنها أقل قيمة من الرجل ، إذ دُرجت في المرتبة الثالثة بعد شقيقيها ؛ آشور بانيبال ( ملك آشور) ، وأخوه الأصغر (آشور ـ إتيل ـ إيلاني ) الذي كان مقرراً أن يكون ملكاً على بابل ، ولكنها كانت أعلى مرتبة من إخوتها الآخرين ، مما يوحي بأن كان لها شأناً كبيراً في القصر .
سيرّوا ـ إتيرات مثل جدتها زكوتو التي يبدو أنها كانت تتمتع بسلطة واسعة . وقد اشتهرت برسالة مكتوبة تعاقب شقيقة زوجها ( زوجة آشوربانيبال) على الكسل في الدراسة ، والمخاطرة في جلب العار للعائلة ؛ كونها امرأة أميّة غير متعلمة .

8. عرّافة نوسكا ( حوالي عام 671 قبل الميلاد)
كانت عرّافة نوسكا فتاة مُستعبدة لم يُذكر اسمها ؛ اشتركت في مؤامرة للإطاحة بالملك الآشوري إسرحدون عام 671 قبل الميلاد . وهي تختلف عن أية عرّافة أخرى . حيث لم يكن لديها ارتباط بمكان مقدّس أو معبد ، ولكنها كانت مملوكة لرجل يدعى "بيل ـ آهوـ يوسر".

في يوم ما من عام 671 قبل الميلاد ، بدأت تلك الفتاة تتصرف كما لو كانت تمتلكها روح إلهية ؛ إذ تنبّأت في أن الملك إسرحدون سوف يُزاح عن عرشه قريباً ، وأن مسؤولاً يُدعى "ساسي" سوف يصبح ملكاً للإمبراطورية الآشورية .
أخذ ساسي نبوئتها على محمل الجد وجلبها إلى منزله عندما بدأ بالتخطيط للإنقلاب ؛ إلاّ أن الملك إسرحدون الذي كان لديه اهتمام بالغ في التنجيم والتنبؤات ، شدّد الحراسة في محيط قصره واتخذ التدابير اللازمة لحماية نفسه ، بما في ذلك محاولة القبض على تلك الفتاة . في عام 670 قبل الميلاد نجح إسرحدون في النيل من العرّافة التي لا يزال مصيرها مجهولاً ، وعلى الأرجح أنه قد قتلها مع ساسي والمتآمرين الآخرين .
تكمن أهمية عرّافة نوسكا في وضعها غير التقليدي كفتاة مُستعبدة ليس لها وظيفة في موقع أو معبد ، مما يوحي بنوع الشخصية القوية والجذّابة التي جعلت الناس يستمعون إليها ، ويرفعونها من خادمة إلى ضيفة شرف في منزل المسؤول الكبير (ساسي) المخطط الرئيسي للمؤامرة في إطاحة الملك الأشوري القوي إسرحدون .

ترى البروفيسورة "گويندولين ليك " وغيرها من العلماء ؛ إن حقوق المرأة في بلاد الرافدين القديمة قد تراجعت بعد فترة الأسرات المبكرة ، حيث هناك نظريات مختلفة عن الأسباب ، من بينها ؛ ظهور الآلهة الذكورية التي حلّت محل العديد من الآلهة الأنثوية السومرية في الفترة السابقة. ولكن بعد سقوط الإمبراطورية الساسانية عام 651 ميلادي وانتشار العقيدة الإسلامية ، كان هناك تدنّي واضح في مكانة المرأة بجميع المجالات .
كتب عالم التاريخ الفرنسي "جان بوتيرو" التعليق التالي :
" في بلاد الرافدين القديمة وعند أيّ مكان منها ، كان لدى المرأة الرافدينية بطاقتان رابحتان يمكن الاعتماد عليهما في مواجهة أي مخلوق لما يسمّى بـ (الجنس القوي)، وحتى السيطرة عليه ، بالرغم من جميع قيود التقاليد والأعراف والشرائع ، وذلك لسببين : أولهما : أنوثتها . ثانياً : دوافعها و قوة شخصيتها . فقد كان عليها أن تستفيد من خصائصها تلك ؛ للسباحة ضد تيار العقلية الذكورية المهيمنة ." (ص 118-119)

بعد عام 651 ميلادي ؛ وجدت المرأة في بلاد الرافدين طريقة للتعبير عن نفسها والعيش وفق رؤيتها الخاصة . وفي حالة هؤلاء النساء الثماني المشهورات ، يبدو أن هويتهنّ ومؤهلاتهن قد لعبتا الدور الأهم في شغلهنّ مساحة من التاريخ ، ويمكن قول الشيء نفسه للأخريات غير المذكورات في هذا البحث .
كان هناك بلا شك العديد من النساء الرافدينيات اللواتي قد امتلكن مواهب وقدرات متميزة ؛ إلاّ أنه للأسف لم يجدن فرصة المشاركة .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جان بوتيرو ـ الحياة اليومية في بلاد الرافدين القديمة ـ مطبعة جامعة جونز هوبكنز ـ 2001 .
مارك شاڤالاس ـ النساء في الشرق الأدنى القديم ـ روتليدج للنشر ـ 2013 .
فروخ كافيه ـ ظلال في الصحراء ـ اوسبري للنشر ـ 2009 .
چارلز هیلتون & سانا سڤيرد ـ مطبعة جامعة كامبردج ـ 2017 .
گويندولين ليك ـ بلاد الرافدين من الألف إلى الياء ـ سكيركرو للنشر ـ 2010 .
هيني مارسمان ـ النساء في أوغاريت وإسرائيل ـ بريل للنشر ـ 2003 .
جون بورّو ـ تاريخ من التواريخ ـ ڤنتج للنشر ـ 2009 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أور مدينة الثراء والرفاهية في بلاد الرافدين
- أريدو مدينة الآلهة
- الملك سنحاريب وخراب بابل
- انتقال الفلسفة إلى الدين
- الملك السومري شولگي أورـ نمّو
- هل الملكة الآشورية سموـ رامات هي نفسها سميراميس ؟؟
- طريق الحرير
- أرض إيبر ـ ناري وتأريخ سوريا القديم
- الرسائل والبريد في العالم القديم
- الزراعة في تأريخ بلاد الرافدين
- حرب الطحين طريق إلى الثورة
- أورشليم المدينة التأريخية المقدّسة
- عاجيّات النمرود
- ورش الفنّ في عصر النهضة
- الإضطراب العمٌالي الأول في التاريخ
- مدينة أكد وسيرة ملوكها
- مَنْ هم الإسماعيليون النِزاريون (الحشّاشون) ؟
- حياة الرهبنة في أديرة القرون الوسطى
- گلگامش والحياة الأبدية
- وداعاً سعدي جبار مكلّف


المزيد.....




- تونس.. اتحاد الشغل يطالب بالإفراج عن المحامي أحمد صواب ووسائ ...
- مؤرخ فرنسي: الغرب فشل في هزيمة روسيا في أوكرانيا ودفع الثمن ...
- ملف إيران حاضر في زيارة سلطان عمان إلى روسيا وبوتين يعلن عن ...
- بوتين يعلن عن قمة روسية عربية خلال استقباله سلطان عمان في مو ...
- خلاف بين موسكو وكييف بشأن آلية وقف الحرب
- ترامب: سنخفض الرسوم الجمركية على الصين ولكن ليس إلى الصفر
- المحكمة العليا الأمريكية تدعم الآباء الذين يعترضون على كتب ت ...
- بوتين يكشف عن قمة روسية عربية
- مشاهد من استقبال محمد بن سلمان لناريندرا مودي في جدة
- الأمن الفدرالي الروسي يحبط تهريب أكثر من طن من الثروة السمكي ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - ثماني نساء خالدات في تاريخ بلاد الرافدين