|
العرب بين فسطاطين
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1702 - 2006 / 10 / 13 - 10:37
المحور:
كتابات ساخرة
حين قسّم طيّب الذكر ابن لادن، خريج الدوائر الاستخباراتية السعودية، كما أعلن ذلك، و بعظمة لسانه، "صاحب السمو الملكي والعظمة" الأمير السعودي تركي الفيصل في أكثر من مقابلة، العالم إلى فسطاطين لم يكن يدر بخلده أن فسطاطه الإسلامي، يمكن له هو ألآخر، أن يُقسّم أيضاً إلى أكثر من فسطاط، وفسطاط. وأن العامل الديني ليس الرابط، والجامع فيما بين هذه المجموعات البشرية، والأنظمة المومياءاتية القدرية، بقدر ما هو عامل المصالح، والحسابات السياسية، والارتباطات الخارجية. وأنه من المبكر جداً الحديث عن فسطاط إيماني موحد في وجه فسطاط كافر مشتت، في ظل كم المتناقضات الهائل، والصراعات العديدة، والتفتيت المستمر الذي تزخر به ساحة الفسطاط البن لادني. وأن عملية "الفسططة"، قائمة على قدم وساق، في جسد هذه الأمة، ومنذ فجر التاريخ. والتشقق قائم منذ الأزل وفي هذا الجدار العربي المترهل والمتهافت، برغم صخب الزعيق القومجي، وصراخ تجاره، ومقاوليه، وسماسرته المزاودين، وعبر محاولاتهم الدؤوبة لإحياء هذا التراث الدفين.
فقد سقطت آخر أقنعة الرياء الخطابي، والدجل الإعلامي الرخيص، الذي طبع حقبة طويلة من تاريخ العرب الحديث، والذي توارت خلفه لحى، وشوارب، وزعامات، وسراويل، وعباءات، ودشاديش، وانهارت معها أساطير، وروايات التاريخ المشترك العظيم، ووحدة الهدف، والمصير، وتداعت معه قلاع التضامن الهش الهزيل. وتراجع الفكر القومجي العروبي إلى الحضيض، وإلى درجاته الدنيا، في المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، وصار الحديث عنه، في ظل هذه الأجواء المكفهرة، كمن يلقي نكتة في عزاء، ومجلس غمٍّ حزين. وقد حاول الخطاب الرسمي القومجي العتيد، عقوداً من الزمن، أن يوهم المواطن البسيط، بوجود هذا "الشبح" السياسي، والكيان السرابي، الذي لم يكن موجوداً يوماً ما، ككيان سياسي مكتمل النمو والتنظيم، سوى في مخيلة القومجيين، والرهان عليه كحل، وترياق، من كافة الأمراض السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تعصف بهذا الجسد المريض.
وقد قسّمت هذه المواجهة الدول العربية، إلى فسطاطين، لا ثالث لهما. فسطاط بني إسرائيل، وفسطاط المقاومين. وفي سياق المفارقات القاسية، فإنه لمن الغريب فعلاً، أن تنضم لهذا الفسطاط المقاوم الجديد، دول من خارج الفسطاط العربي. ذلك الفسطاط الذي ظل يحلق عالياً، وزمنا طويلاً، متشدقاً بالنفاق القومجي، الذي انفضح عند أول نزال، ومواجهة حاسمة بين الفسطاطين المحدثين. ومن هذه الدول، طبعاً، وهذا ليس بخاف على أحد، إيران التي طالما نعتها محور الاعتدال العربي، وأصوليوه، بالفارسية، والمجوسية، والرافضة، وأصبحت عضواً بارزاً في فسطاط المقاومة والانخراط في قضية الصراع العربي الإسرائيلي في الصميم، بعد أن تراجعت دول كثيرة إلى المواقع المعادية، بفعل معاهدات السلام وعمليات التطبيع، وبعد أن تبلورت في الأفق ملامح حلف(فسطاط) جديد، واصطف المحور السعودي- المصري- الأردني، علانية مع إسرائيل، وأعطاها الغطاء الشرعي للاستمرار، بعدوانها الآثيم، وهذا ما أثار ارتياح أولمرت، والقيادات الإسرائيلية الأخرى، وكما عبر عن ذلك هو بنفسه في أكثر من مناسبة، وتصريح. كما انضم لفسطاط المقاومة الجديد دول صليبية، وغير مسلمة، وشيوعية كفنزويلا، وكوبا، وتجلى ذلك بالموقف النبيل، والمشرّف لهوغو شافيز، ومن على منبر الأمم المتحدة، الذي لم نجد صوتاً عربياً يمجّد المقاومة، أو يتجرأ بالتلويح لها من قريب أو بعيد، أويدين القتلة الإمبرياليين.
فسطاط الأعراب الجديد راهن على إسرائيل، وعلى قوة العدوان والتدمير، وجبروت الطغيان، وذراع التكنولوجيا العسكرية الرهيب، وسلّم مصيره وقياده، وربطه مع كل أوراق اللعبة بفسطاط " الكافرين". إنه فسطاط النخب العربية التقليدية الحاكمة، التي لا تهمها سوى مصالحها الآنية، وحساباتها القـُطرية الضيقة، التي لا تعطي أي بال للبعد القومجي العتيد. إلا أننا شهدنا انكماشاً لهذا الفسطاط الجديد أمام قوة الشارع، والضغط الشعبي، ليكتشف حقيقة وضعف موقفه، ويعلن تراجعاً خجولاً عن مواقفه السابقة. ولقد ظهرت عملية فرز واضحة، بين الفسطاطين الجديدين، لم يسبق لها مثيل في تاريخ العرب الحديث، كما يعتقد، وبقوة، أنه لا مجال للعودة، أبداً، لحدود الفسطاط العربي القديم.
فهل كان هناك ثمة من داع، لأن يقوم "السنيور" بن لادن، صاحب نظرية الفساطيط، بتقسيم العالم إلى مجرد فسطاطين فقط. وكان حرياً به أن يعترف أولاً كم فسطاطاً يمزق فسطاطه العربي والإسلامي الأصلي، قبل أن يتجرأ على عملية "تفسيط" العالم؟ وللعلم، لمجرد العلم فقط، فإن مجرد المحافظة على ما هو موجود من "فساطيط"، في عالم عربي كئيب هو إنجاز، ونصر كبير؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفبركة الأمنية، والأبواق السعودية، في محاولة تفجير السفارة
...
-
وزارة الاتصالات السورية تكافح الإدمان
-
هل ستصبح القومية إرثاً من الماضي؟
-
قطر تمنع فضيحة عربية في الأمم المتحدة
-
صعود التوتاليتاريات الدينية
-
هل يصبح شافيز رائداً من رواد القومية العربية؟
-
الغادري: حين يطقّ شرش الحياء
-
للبيتِ ربٌّ يحميه
-
الأمن الشمولي والأمن الديمقراطي
-
تلفزيون المستقبل: برنامج الاستحقاق أم الاستظهار؟
-
الغادري عارياً
-
لِم لا تجعل الفضائيات العربية بثها كله بلغة الصم والبكم؟
-
وسوى الروم خلف ظهرك روم: الغادري أنموذجاً
-
أثرياء العرب، وآيات طهران
-
أنقذوا إسرائيل
-
إسرائيل تصنع الرأي العام العربي
-
حاخامات بغترة وعقال
-
العَرَبُ الحَاقَِدة: آخِرُ سُلالاتِ العُرْبان
-
حرب لبنان: سقوط الذرائع الواهية
-
لَحْنُ الغَرام
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|