فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 7489 - 2023 / 1 / 12 - 11:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الصعاليك في الجاهلية كما جاء في معاجم اللغة هو الفقير الذي لا مال له ولم تقف هذه اللفظة في الجاهلية عند دلالتها اللغوية الخالصة وإنما حين يستعمل هذا التعبير نجد صاحبه يمثل نموذجاً لحرفة أو مهنة وهذه المهنة هي الصعلكة نفسها وبذلك فإن الصعلكة لم تكن دالة على الفقر فقط وإنما على اللصوصية وقطع الطرق وسائر أساليب السلوك العدواني الذي يهدف إلى المغانم.
والصعاليك يقسمون إلى ثلاثة مجموعات :
1) الخلعاء : وهم الشذاذ الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة مشاكلهم وجرائرهم.
2) أبناء الحبشيات : وهم ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بنسبهم لسواد لونهم مثل تأبط شره والسليك بن السلكة والشنفري.
3) محترفو الصعلكة : وهم ليسوا بخلعان ولا أبناء الإماء الحبشيات غير أنهم احترفوا الصعلكة احترافاً مثل عروة بن الورد العبسي صاحب المعلقات.
إن هؤلاء الصعاليك لم يكونوا لصوصاً على الرغم من قيامهم بأعمال لصوصية وبذلك فإنهم في أغلب الأحيان دفعتهم نوازع إنسانية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة بين الناس من خلال الإغارة على أموال الأغنياء والتجار وقوافلهم ومن ثم يقومون بتوزيعها على الفقراء من أبناء قومهم أو قبائلهم وهي سمة وسمتهم بصفة الرجولة والفروسية والفتوة أحياناً وأبعدتهم أن يعتبروا مجرد لصوص وقطاع طرق وسلب ونهب وإغارة.
لقد عاش هؤلاء الصعاليك في مجتمع الصحراء وفي مجتمع الجاهلية معاً .. والصحراء في الأساس مكان قاس وشحيح وصعب ومدعاة للافتراس .. ومن أخلاق البداوة مشتق من مجتمع الصحراء .. إلا أن الصحراء تعتبر أيضاً مكاناً غامضاً وملتبساً فيه التوحش والافتراس مثلما في الفروسية والشجاعة والحنان والشفقة وقد اجتمع في الصعلكة هاتان الصفتان معاً.
كان الحطيئة صعلوك وشاعر يقول :
اشاب الرأس أني كل يوم ---- أرى لي خالة وسط الرحال
يعز عليّ أن يلقين ضيماً ---- ويعجز عن تخلصهن مال
إن صعاليك الجاهلية تعتمل في ذاتهم النجدة والنخوة والروح الإنسانية وحس العدالة الاجتماعية والاشتراكية وقد تصعلكوا بقصد رفع الحيف عن الفقراء والمظلومين من أبناء قبائلهم فأغاروا على قوافل الأغنياء من التجار ومضاربهم ليوزعوا غنائمهم على الفقراء والمحتاجين ويتعهدوا الضعفاء والمرضى والعاجزين لكي يستطيعوا تحمل ظروف الصحراء وشريعتها القاسية .. فأصبحوا في هذا الباب أشبه ما يكونوا بـ (اللصوص الشرفاء) حسب التعبير المعاصر .. وهذا رمزهم الكبير (عروة بن الورد العبسي) صاحب المعلقة الشهيرة الذي سمي (بعروة الصعاليك) يتفاخر ويتحاجج مع الأغنياء من خلال بيت شعره الشهير :
إني امرؤٌ عافى إنائي شركة ---- وأنت امرؤٌ عافى إنائك واحد
حيث منحه حساً اشتراكياً إنسانياً عميقاً مما جعل شخصيات العرب تفتخر به.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟