أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - شريف حتاتة - فقراء العالم يزحفون















المزيد.....

فقراء العالم يزحفون


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7480 - 2023 / 1 / 2 - 14:01
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


---------------------------------------------
فى بداية الخمسينيات من القرن الماضى ، كنت مسجونا سياسيا فى سجن مصر. لم يكن مصرحا لنا بقراءة الصحف ، والمجلات . أحياناً كنت تقع بين أيدينا صفحة أو قصاصة من جريدة لف فيها أحد المسجونين باكو من الدخان ، أو قطعة من الجبن ، أو رغيفا من الخبز الملكى .
كانت هذه القصاصات تحمل إلينا ، أشياء متفرقة عما يدور خارج الجدران : إعلانا ، أو صورة ، أو خبرا ، أو حادثة ، أو جزءا من مقال . أشياء قد تبدو بلا أهمية ، لكن بالنسبة إلينا كانت إحدى وسائلنا فى اختراق العزلة ، والحصار المضروب حولنا . كنا نفحصها بأهتمام ، ونعيد قراءة كل كلمة فيها مرات ، ومرات ، كأننا وقعنا على كنز ثمين .
وأتذكر أنه فى أحد الأيام ، وقعت على صفحة مقطوعة من جريدة الأخبار فيها صورة لعدد من الرجال . كانوا يرتدون ملابس عسكرية قديمة ، وكابات . وكانوا قد أطلقوا لحاهم السوداء لتنمو دون تهذيب . تحت الصورة ، قرأت عدة كلمات تقول ما معناه أن هناك عصابة مسلحة مكونة من سبعة رجال هبطوا فى جزيرة " كوبا " . وكان الخبر منقولا عن وكالات الأنباء .
لم يلفت الخبر نظرى ، أو يثير فى رغبة لمعرفة ما هو أكثر عن هؤلاء الرجال. كورت الورقة ، وألقيت بها فى جردل الفضلات المستخدم كمرحاض فى الزنزانة . لكن بعدها بسنين ثلاث زحف " فيدل كاسترو " ورفاقة ومن بينهم " تشى جيفارا " على العاصمة " هافانا " ، على رأس جيش شعبى مسلح بعد أن حرروا مختلف أقاليم البلاد . أسقطوا حكم " باتيستا " الموالى للأمريكان ، وأقاموا دولة اشتراكية فى الجزيرة التى تفصلها عن أمريكا ، مسافة لا تزيد عن مائة وعشرين كيلو مترا .
عادت إلىَ هذه الصورة وأنا أشاهد فى التليفزيون ، الزحف الشعبى الذى قاده نائب "الكوماندان ماركوس" ورفاقه الثلاثة والعشرون على مدينة " ميكسيكو سيتى " عاصمة المكسيك يوم 11 مارس الماضى . كانوا يرتدون أيضا ملابس عسكرية قديمة . أما وجوههم فلم تظهر لأنهم كانوا ملثمين . لم تكن معهم بنادقهم . جاءوا بلا سلاح . وفى الميدان الكبير خاطب نائب " الكوماندان ماركوس " الملايين الذين احتشدوا فيه مطالبا بحقوق الهنود .
الأحداث التى تقع فى البقاع البعيدة والمحدودة من العالم لا تثير انتباهنا ، ولا ندرك ما يمكن أن تحدثه من تغيير ، ثم نكتشف بعدها بسنين ، أنها فرضت نفسها على العالم ، وعلى مسار التاريخ . وهذا ينطبق على الحركة التى نشأت منذ سنة 1993 بين الهنود الذين يعيشون فى جنوب " المكسيك " على حدود " جواتيمالا " ، والهنود هم سكان المكسيك الأصليون . عاشوا فيها قبل الغزوات الإسبانية ، قبل وصول الاستعمار القديم إلى أمريكا الجنوبية . إنهم يعيشون الآن فى منطقة مغطاه بالغابات الاستوائية ، والمسنقعات المحاطة بالجبال . يعانون من أقصى درجات البؤس ، والفقر والحرمان . منطقتهم اسمها "تشياباس". السكان فيها من أصول عرقية مختلفة . لكنهم جميعا بنتمون إلى حضارة قديمة ، لها تاريخ طويل . عددهم ثلاثة ملايين يشكل منهم السكان الهنود نسبة الثلث ، أى مليون نسمة . هذا بينما منطقة " تشياباس " تحتوى على أهم حقول البترول ، وعلى أكبر احتياطات الغاز فى المكسيك . كما توفر 40% من الطاقة الهيدروكهربائية فى البلاد .
الحركة التى يقودها ماركوس ورفاقه اسمها " حركة تحرير الزباتستا " نسبة إلى القائد لوطنى القديم " إيميليانو زباتا " ، الذى قاوم الغزاة فى القرن التاسع عشر وقتل سنة 1912 . لكن الحركة الجديدة بدأت منذ سبع سنوات ، بعد سقوط سور برلين سنة 1989 ، وانهيار الاتحاد السوفيتي فى 1991 ، أى بعد أن أخذت الرأسمالية تفرض عولمتها ما بعد الحديثة على سكان الأرض .
فى ظل هذه الظروف العالمية أدرك " ماركوس " أن عصر الكفاح الشعبى المسلح الذى انتشر فى أمريكا اللاتينية أثناء النصف الثانى من القرن العشرين انتهى ، وأن القارة ، والعالم دخلا فى عصر جديد ، لم تعد فيه القوى السياسية فى البلاد المختلفة هى التى تحرك ، وتوجه مسار الشعوب ، وانما قوى أخرى ، هى القوى الأقتصادية الرأسمالية النيوليبرالية المهيمنة على السوق العالمى .
لذلك أختارت " حركة تحرير الزباتيستا " يوم 4 يناير 1994 للظهور على الساحة السياسية فى المكسيك . فهو اليوم الذى وقعت فيه حكومات الولايات المتحدة ، وكندا ، والمكسيك ، اتفاقية السوق الحرة فيما بينها . وحركة الزباتستا ، رغم أنها تحمل السلاح لم تستخدمه إلا مرة واحدة للدفاع عن نفسها ، عندما شنت جيوش الحكومة ، والفرق المرتزقة للملاك الإقطاعيين هجوما مسلحا على مناطق " تشياباس " بهدف سحق هذه الحركة تماما . ولما فشلت هذه المحاولة ، أعلنت الحركة أنها ترفض اللجوء للسلاح ، ولن تستخدمه أبدا إلا دفاعا عن نفسها أمام أى هجوم مسلح . إن أسلوبها هو التعبئة الجماهيرية على أوسع نطاق ، فى منطقتها ، وعلى نطاق المكسيك كلها ، وخلق روابط واسعة مع الحركات الشعبية التى تقاوم العولمة الرأسمالية الموجهة ، لصالح حفنة من الأفراد ، والشركات ، والدول المهيمنة على شئون العالم .
ولانجاز هذه الغاية وتحقيق الهدف المنشود ، تستخدم " حركة الزباتستا " وسائل الأتصال الحديثة ( الإنترنت ) على أوسع نطاق ، وتتحرك كفيلق من فيالق الصراع ضد العولمة . إنها جزء لا يتجزأ من التحركات الشعبية المختلفة التى حدثت فى " سياتل " ، و " دافوس " ، و " جنوا " و " واشنجتون " و " براغ " و "بانجوك" ، و " بورتو اليجرى " وغيرها .
الزحف على عاصمة المكسيك
......................................
بدأ الزحف الشعبى على " مكسيكوسيتى " يوم 24 فبراير 2001 ، خرج "ماركوس" ورفاقه الثلاثة والعشرون من غابة " لا كوندون " فى منطقة " شياباس " ، وساروا فى موكب سلمى غير مسلح مسافة ثلاثة آلاف كيلومتر . انضم إليهم الناس طوال الطريق إلى أن وصلوا العاصمة . أنه زحف يذكر بزحف " غاندى " ضد ضريبة الملح من مدينة " أحمد أباد " إلى شاطىء بحر البنغال ، التى أندلعت بعدها حركة عارمة ضد الاستعمار البريطانى فى الهند .
أنضم إلى زحف " الزباتستا " شخصيات عالمية مثل " جوزى ساراماجو " الكاتب البرتغالى الحاصل على جائزة نوبل سنة 1998 وعضو الحزب الشيوعى ، والمخرج السينمائى الأمريكى " أوليفرستون " ( مخرج فيلم اغتيال كينيدى ) والنقابى الفرنسى "جوزى بوفيه " رئيس اتحاد المزارعين الذى قاد مظاهرة فى جنوب فرنسا لإغلاق محلات " ماكدونالدز " ، والممثل الأمريكى " روبرت ريد فورد " ، والكاتب " مانويل فازكاس موننتلبان " ، و " دانيل ميتران " أرملة رئيس جمهورية فرنسا ، وأعضاء من البرلمان الأوروبى ، وغيرهم .
وفى طريقة إجتاز الزحف اثنتى عشرة ولاية من أفقر ولايات المكسيك ، وعندما وصل إلى " مكسيكوسيتى " امتلأ الميدان الضخم الذى يتوسط المدينة بأكثر من مليون شخص من الرجال ، والنساء ، والشيوخ والأطفال .
قال " ماركوس " فى وصف هذا الزحف : " هذا ليس زحف ماركوس ، ولا زحف حركة الزباتستا . إنه زحف الفقراء جميعا ، وزحف جميع الشعوب الهندية فى العالم . زمن الخوف انتهى . إن هناك معركة كبرى تخاض فى العالم هى بمثابة حرب عالمية رابعة . حرب بين أنصار العولمة المفترسة ، وبين كل الذين يقفون بشكل ، أو آخر ضدها. فكل الناس ، والقوى ، والأشياء فى العالم ، التى تحول دون أن تفرض هذه العولمة سيطرتها الكاملة ، ودون أن تتوسع إلى أقصى مدى مهددة بالفناء . إن نظم ، وقيم ، وثقافة السوق تريد أن تفرض نفسها فى كل مكان . إنها تفرض نفسها ليس فقط على الحكومات ، ولكن أيضا ، على الإعلام ، والمدارس ، والأسرة . أنها لا تترك مكانا فى المجتمع للإنسان إلا بمقدار قدرته على الإنتاج ، والشراء لصالحها . إنها تخرج من حسابها الجزء الأكبر من البشرية التى لا تستطيع الرأسمالية الانتفاع بها . وهذا ينطبق على السكان الأصليين فى أمريكا اللاتينية وعلى الهنود فى تشياباس ، وغيرهم من القوميات ، والأعراق المحلية . فالمطلوب هو القضاء عليهم . لذلك نحن مع جميع الفقراء فى العالم . مع كل القوى المناهضة لهذه الرأسمالية المعولمة " .
من كتاب : " فى الأصل كانت الذاكرة " 2002
-------------------------------------------------------------------------



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن ثغرة فى الحصار
- الأعداء الحلفاء
- الخوف من التقدم
- الاغراء الأخير
- هل أصبح المستقبل للجواسيس ؟
- شجاعة الابداع
- الابداع وتجربة الوعى الباطنى
- يوميات ايطالية
- أدراج الحياة المنسية
- الرضا بالمقسوم .. حوار مع سائق تاكسى اسمه - ممدوح -
- آفة الفكر الأحادى فى النقد الأدبى
- - مارادونا - خواطر غير كروية
- رجل مثل شجرة الجميز
- - عطر - قصة حياة قاتل
- شقة الى جوار الكنيسة
- هل انطفأت الشعلة الأدبية فى مصر ؟؟
- أحلام الطفولة
- اللورد - كرومر - يعود الى مصر
- قرصنة فى ثوب جديد
- على مقعد الحلاّق


المزيد.....




- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...
- حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن الصحفيين والمواطنين المقبوض ...
- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - شريف حتاتة - فقراء العالم يزحفون