صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 7432 - 2022 / 11 / 14 - 15:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من مدونتي 4 - 11 - 2022
منذ مغادرتي مصر لآخر مرة - سبتمبر/ أيلول عام 2004 .. لاحظت الآن وجود سلوكيات وأقوال وتعابير , لم نعرفها من قبل ..
اليكم بعض الأمثلة - مما رصدناها :
1 - تكرار غير معقول لكلمات " سيادتك , و حضرتك , وسعادتك " :
لم اعرف من قبل طوال ما أنفقته من عمري في مصر - اكثر من 50 سنة .. أن مواطن أو مسؤول صغير يتكلم مع مسؤول كبير - وزير أو رئيس الجمهورية .. فيكرر بشكل غير معقول أبداً , كلمات : سعادتك , سيادتك , حضرتك .. كل جملة وربما نصف جملة يبداها أو ينهيها وربما يوسطنها أيضاً ب : حضرتك , أو سيادتك , أو سعادتك !!
( يبدو انها قد صارت دراعاً , لصد الأذي الذي قد يحل بالمواطن دون أن يخطر علي البال أو الخاطر ! خاصة عندما يتعامل مع من يتولي منصباً مدنياً رفيعاً , وهو في الأصل عسكرجي أو أمنجي أو شرطجي - لو أخطأ المواطن في التعبير في لفظ , وبدون قصد . أو لو ان - الباشا - هو الذي أساء فهم مقصده . فمن الصعب علي المواطن التكهن بما قد يحدث له من الأذي ! )
هل يمكنك احصاء عدد لفظ : حضرتك و سيادتك ، في كلمة قصيرة مدتها دقيقة واحدة ونصف الدقيقة .. قالها عضو بالبرلمان المصري !؟ : حضرتك , سعادتك .. فهكذا صار حال الشعب كله عندما يتكلم مع مسؤول كبير أو عندما يتكلم مسؤول مع مسؤول أكبر .. ! انا أحصيتها فكانت : 14 مرة . في دقيقة ونصف الدقيقة .. !
شيء غير معقول نهائياً لم يعرفه المصريُّون من قبل , هذا مجرد مثال شاهدته بالصدفة - :
شاهد واستمع لعضو البرلمان الأستاذ محمد عبد العليم داود يتحدث مخاطباً رئيس البرلمان , في الفيديو علي اللينك التالي , يوم 1 -11-2022 . وحاول أن تحصي عدد تلك الكلمات بنفسك :
https://fb.watch/gAZM6OR0n0/
-----
2 - كلمات مثل : طحن وفشخ .. لم يعرفها الانسان المصري من قبل , وظهرت بعدما قام الجيش الباسل في ثورة 25 يناير 2011 . بميدان التحرير بالعاصمة .. بطحن وقتل كثيرين من خيرة شباب البلاد , و" تعرِيّة , وفشخ " فتيات , من خيرة بنات الوطن ..
ومن هنا ظهر تعبير شعبي لم نسمعه من قبل أبداً , للتدليل علي شدَّة او قوُّة الشيء , فانه يوصف ب : طحن .. فشخ .. و: الفشيخ ... !
أما تعبير " خزق " أو فقء .. فلم يكن له نصيب في الانتشار . بعد خزق عيون ما بين 2000 / 3000 من شباب الثوار في 25 يناير 2011 . علي يد قناصة الجيش ! - حسبما ذكر الاعلامي محمود سعد . بحلقة من برنامجه . ابان احداث الثورة .
3 - توجد أفلام , ومسلسلات مصرية , مما صدرت بعد عام 2004 - وخاصة ما صدر بعد عام 2011 ( عام الثورة علي نظام حسني مبارك ) , حاولت مشاهدتها ولكنني لم أحتمل .. لما فيها من صخب و زعيق وعنف غير معتاد سماعه .. !
4 - عامل ايه ؟ ... (!)
أن يتصل أحد تليفونياً أو بالانترنت - أو يقابل والده او والدته أو جده أو أحد أقاربه الأكبر منه , بعد غيبه , فيبادره بالقول : عامل ايه ؟ أو : عاملة ايه ؟ ..... (!)
هذا لم يكن يحدث . وإلا يعتبر قلة أدب .. يعني ايه عامل ايه ؟؟؟؟
حتي ولو قيلت الكلمة بمودة وبلطف ... فهي قلة ادب .. لو قيلت زمان - قبل التحولات الاجتماعية الغريبة التي لحقت بالناس ..
ما هكذا كان التعامل بين الناس ولا حتي بين من هم في أعمار واحدة : عامل ايه ؟؟ - بعد غياب .. ! لم نعهد ذلك ابداً
اليوم .. قد يتصل بك حفيدك - الطفل - فيبدأ حديثه معك بالقول : عامل ايه .. ( ليس قلة أدب منه ولا سؤ تربية .. بل هذا صار عرفاً لا غبار عليه ! ولم تعرفه من قبل أجيال ما قبل تفرغ الجيش الباسل لمحاربة الشعب وافقاره وقهره واذلاله .. ليعوض هزائمه في جميع الحروب بلا استثناء )
قبل ذلك, كان اللقاء - او الحديث التليفوني - مثلاً - يبدأ ب : إزيّك يا أبي , يا أمي . يا جدي . يا عمي , يا خالي , يا أخي .. وللقريب أو للصديق .. أو الصديقة للصديقة
لكن عامل ايه ؟ او عاملة ايه ؟! بداية حديث بعد غياب وفراق ! ... هذا ما لم نعرفه كمصريين من قبل ..
( ربما يقصدون : عامل ايه في قسوة الأيام السودا التي يعيشها كل الناس ؟!
أو : عامل ايه في الزمن العجيب اللي كل الشعب موش عارف يعملوا معاه إيه !؟ ولا عارف له حيلة ولا طريقة للخلاص ! )
5 - لم نعرف من قبل استخدام كلمة ( جداً ) عند اللزوم - سوي مرة واحدة فقط ..
أما الآن فتتملكني الدهشة عندما أجد كل من يستخدم تلك الكلمة يخر سيلاً من : جداً
جداً جداً جداً .... ! . لم أعد أسمع أحد بالسوشيال ميديا بطولها وعرضها , او بغيرها .. يستخدمها لمرة واحدة أبداً .. بل يستخدمونها بالجملة : جداً جداً جداً
وكذلك يمكن أن تسمع تكراراً زائداً لم يعرف من قبل , لكلمات مثل :
الحمد لله الحمد لله الحمد لله
أو : انشاء الله انشاء الله انشاء الله
أو باذن الله باذن الله باذن الله
!!! لم تكن تقال سوي مرة واحدة لا أكثر .
6 - من قبل كان المصري يقول علي ما لا يلزم : مالوش لزمة .. أو : مالوش أي لزمة / بس
أما الآن فيقولون : " مالوش أي ستين لزمة " .. ... !!
7 - كلمات مثل " أوفر " للشيء الزائد .. و " فلان : إتعلِّم عليه " - تم بطحه أو اصابته في وجهه في مشاجرة عنيفة ./ لم يستخدمها المصريون من قبل
(( ربما غالبية المصريين - بالداخل - لا يشعرون بتلك المستجدات .. لأنهم يعيشونها منذ بدئها وحتي تفشيها وتحوّلها لعُرفٍ عادي ! اما من يعيشون بالخارج فلعلهم أقدر علي رصدها و الاحساس بها .. )) .
هذا بعض ما رصدناه مما استجد في فترة ما بعد 25 يناير 2011 , ولاسيما السنوات الثماني الاخيرة ..
----
أما بعد الانفتاح الاقتصادي الاعتباطي , للرئيس المؤمن " أنور السادات ".. فقد حدثت أيضاً تحولات نظنها أكثر غرابة بكثير , وأبعد وأخطر تأثيراً.. .. عبرت عن بعضها من قبل , في مجموعة قصصية عنوانها " زمن البيب والزبيب " التي طبعتها بمصر , في الثمانينيات من القرن الماضي - خاصة قصة قصيرة عنوانها " أتوبيس كارتر " ..
من بين تلك التحولات الغريبة :
آخر عام 1979 عدت لمصر بعد عامين وشهور قليلة . من البحث عن الرزق باحدي دول المنطقة التي تمتطيها العروبة , ويلجمها الاسلام بلجام ..
في صباح اليوم التالي من عودتي لمصر , خرجت لقضاء بعض مصالحي , وقفت قرب محطة أتوبيس . حتي جاء تاكسي , فصحت : تاكسي
فاذا بالسائق وبدون توقف , ينظر نحوي وهو يمد أذنه .. ثم يستمر في سيره دون توقف !
ثم جاء تاكسي آخر وثالث ورابع .. وحدث نفس الشيء , دون توقف التاكسي !
فاذا برجل يقف في انتظار الأتوبيس , يسألني باستغراب : ايه يا أستاذ ! موش تتكلم !
قلت ببراءة : أتكلم أقول ايه ؟ السائق لم يتوقف !
فضحك وقال : آآآه !.. انت عاوزه يقف لك !؟ انت موش من هنا .. موش مصري ..؟
فقلت : بل أنا مصري , لكنني كنت بالخارج من أكثر من سنتين , ويبدو ان الأمور قد تغيرت ..
فقال وهو يهز رأسه برفق وبابتسامة : طيب أنا سأوقف لك تاكسي .. الي أين أنت ذاهب ؟
قلت : العتبة
قال : طيب
ثم اقتربت أول سيارة تاكسي . فاذا بذاك الرجل الطيب , يصيح بأعلا صوته لكي يسمعه السائق : عتبة .. عتبة
فتوقف التاكسي ..
شكرته وأسرعت للمضي
وفي الطريق : صاح أحد الواقفين : عتبة
فوقف له السائق ! وصعد
( لم أعترض .. وقلت لنفسي , يبدو أن تغييراً آخر قد حدث ..ففي السابق - لم يكن سائق التاكسي يقف لأحد بخلاف الشخص الذي استوقفه )
وبعد قليل من السير , صاح شخص آخر بالطريق : عتبة عتبة ..
فوقف له السائق . وصرنا ثلاثة .. ! وهذا شيء لم أعهده من قبل .. كان من يستقل التاكسي , يكون له بمفرده
ثم اتضح ان الأجرة لم تعد حسب العداد الذي يحسب المسافة التي عليها تتحدد الأجرة . بل يحددها السائق من عنده !
فماذا حدث ؟! ماذا جري ؟!
ما حدث هو ان الانفتاح الاقتصادي الاعتباطي الذي قرره الرئيس المؤمن البكباشي أنور السادات , .. وظهرت نتائج الاعتباط , وكانت تلك واحدة فقط من النتائج ..
وسنكتفي بذكر حالتين أخريين :
من نتائج ذاك الانفتاح .. ان كل موظف بمصلحة حكومية أو شركة قطاع عام , له علاقة بعموم الناس , صار يدير موقعه في الوظيفة لصالحه الخاص ! ( عيني عينك - كما يقول المصريون - ! )
ذهبت لشركة كبري قطاع عام ( لن أذكر الاسم ) لشراء شيء احتجت اليه من الفرع الرئيسي , كان قريباً نسبياً , من محل سكني .. وكنت من قبل اذا دخلت ادارة تلك الشركة أشعر كأنني في أمريكا .. رقيّ في كل شيء
أما في هذه المرة - بعد الانفتاح - ذكرت للموظف طلبي . فنادي لزميلة له بأسلوب عجيب لم أعهده من قبل . اذ قال لها :
يا مدام ... جاي لك الزبون , شوفي طلبه وريّحيه
قلت في نفسي : ايه !؟ الزبون !؟ شوفي طلبه !؟ وريّحيه ..!؟
هذه لهجة غريبة .. ! يعني ايه ... !؟ ربما افتتحوا خدمة عمل تدليك ومساج للعملاء - أو غير ذلك !؟ .. والا فما معني انها تريّح الزبون !؟ اللهجة نفسها مريبة !
ثم اتضح انهم قد أطلقوا الأسعار حسب تقديرهم الشخصي , ولمصلحتهم الشخصية .. مثل سائق التاكسي الذي لم يعد يلتزم بعداد المسافات , ويقدر الأجرة هو من نفسه
وهكذا صار كل موظف يفعل .. يدير موقعه لحسابه هو أو هو والمجموعة التي معه
وصار معلوماً وعادياً جداً . لو اضطررت لمنح رشوة لموظف أو جاويش أو مخبر . أو أمين شرطة . ووجد المبلغ غير مجزي . انه يقول لك بكل بساطة : نحن ثلاثة - أو اربعة - : هو وزملاؤه ( حيث يقتسمون معاً العائد اليومي ) !
مثال أخير .. ونكتفي به , فالأمثلة كثيرة وعجيبة :
في أوائل الثمانينيات - من القرن الماضي - عند ميلاد ابني الأصغر, ذهبت لاستخراج وثيقة قيد ميلاد ( وهي تمنح مجاناً للمرة الأولي .. وهكذا كنت قد حصلت عليها لابني الأكبر من نفس المكان : مجاناً ) .
.. بعدما أكمل الموظف تحرير الوثيقة قدمها لي , نظرت اليها لمراجعة البيانات - تمام - ولا يزال مكتوباً عليها " تمنح مجاناً للمرة الأولي " .. شكرته واستدرت للانصراف , فاذا به يقول لي بحزم وبثبات : الدمغة يا سيد
ففهمت ان المقصود من " الدمعة " يعني عاوز رشوة ..
لو رفضت .. أو علا صوتي .. فأنا أعرف البيروقراطية المصرية , كل زملائه سيقفون في صفه , ورئيسه في العمل , أيضاً سيقف في صفه .. وأكيد هم كلهم يقتسمون الحصيلة معاً في نهاية اليوم , والا لما طلب الرشوة بمثل ذاك الحزم والقوة والثبات ..
ولو أصريت علي التمسك بحقي في عدم دفع ثمن لوثيقة مكتوب عليها بوضوح : تمنح مجاناً .. فسوق يتركونني أنصرف بسلام . ثم يكون الانتقام الذي لن أشعر به الا فيما بعد .. فمن الممكن أن يقوم الموظف باضافة نقطة واحدة فوق أو تحت حرف من اسم المولود ( أو اضافة حرف هاء مربوطة , أو تاء مربوطة : ة .. للاسم ,عنده بالدفتر .. مما يتسبب للولد فيما بعد عندما يكبر ( أو يسبب لي شخصياً ) عند الاحتياج لنسخة , بدل فاقد , أو بدل تالف لهذه الوثيقة , ويفاجأ بأن الاسم مختلف تماماً .. وقد يجده اسماً معيباً لا يمكن قبوله .. !
( - حرف واحد بس . أو نقطة لا غير ! وتبقي مشكلة كبيرة ! ) اسمه " ناصر " فماذا لو أضاف نقطة واحدة فوق حرف ن - ليكون الاسم : تاصر !؟ أو نقطة واحدة فوق حرف ص - فيكون الاسم : ناضر - أو نقطة واحدة فوق حرف ر - ليكون الاسم : ناصز. ! أو تاء مربوطة ة في آخر الاسم ليكون : ناصرة ..! )
وفييييين بقي ومنيييين و حِلّني , حتي يمكن لابني - أو يمكنني - حل تلك المشكلة ... ! اجراءات ووقت وتكاليف وحرق دمّ .. و السبب : الامتناع عن دفع جنيه واحد رشوة للموظف !
فكان عليّ أن أحكِم عقلي , وأسارع بدفع مبلغ جنيه مصري - وهو وقتذاك مبلغ ليس بالقليل - .. وأمضي في طريق السلامة ... ! .
---
مقال بعنوان " مشاغبات وتحرشات عقائدية " للاطلاع , بالرابط التالي :
https://salah48freedom.blogspot.com/2022/11/blog-post_13.html
----------------------------
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟