|
دليلة واستير... جواسيس في أسفار العهد القديم!
محمد السيد السّكي
كاتب وروائي مصري واستشاري تحاليل طبية
(Mohamed Elsayed)
الحوار المتمدن-العدد: 7407 - 2022 / 10 / 20 - 01:29
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
دليلة واستير.. جواسيس في أسفار العهد القديم !
سيظل الجاسوس خائناً وبطلاً شأنه شأن المتحاربين مادام الصراع بين الشعوب قائماً ، ولقد تجلى هذا المفهوم في قصتين لاثنتين من الجاسوسات اللاتي كانتا لهما حكاية مسطورة لازمت التاريخ اليهودي بل وان دورهما في الجاسوسية وقصتهما كتبتا في أسفار التوراة " العهد القديم" .. لقد خرج بنو إسرائيل من مصر برفقة نبي الله موسى - عليه السلام - ورفضوا ان يقاتلوا الكنعانين ويدخلوا ارض فلسطين فتاهوا أربعين سنة.. ثم استنهضهم - فتى موسى ووصيه- نبي الله يوشع بن نون للقتال وتم فتح اريحا وبعد موت يوشاع تجبّر بنو إسرائيل وظلموا انفسهم وعبدوا الاصنام وخالفوا أوامر الله ليعيشوا فترة زمنية تسمى عصر القضاة والتي دامت حوالي ثلاثة قرون.. وأثناء تلك الفترة تعاقب على بني إسرائيل قيادات منهم يسموا القضاة وهم من عشائرهم كما أن تلك الفترة شهدت مذلة وانكسار لليهود وغلبتهم من العماليق وغيرهم حتى ولد في بني إسرائيل رجلاً قوياً ذو بأس شديد يسمى " شمسون".. ولقد تحدث سفر القضاة - احد أسفار التوراة - عن شمسون وزواجه من إحدى الفلسطينيات ثم نفوره منها لأنها كانت تفشي اسراره وتخبر أهلها بها .. وتحدثنا اصحاحات السفر عن تزويج والد زوجة شمسون ابنته لاحد أصدقائه مما جعل شمسون يستشيط غضباً ويعلن العداوة ضد الفلسطينين ويقتل منهم الكثير في مسيرة دامت حوالي عشرين سنة.. ولقد لجأ الفلسطينيون لامرأة تسمى" دليلة" وهي بارعة الجمال والتي عشقها شمسون واحتالت عليه لتعرف سبب قوته وما ان أخبرها بعد محاولات يائسة منها فانها أخبرت أهلها بسر قوته والتي كانت كامنة في شعره فتمكن الفلسطينيون منه وخلعوا عينيه وصار ذليلاً واضحوكة لهم.. وأثناء اذلالهم له في إحدى المرات وبعدما نبت شعره ورجع واناب الى ربه فقد هدم عليهم البنيان الكبير ليموت هو ومن معه.. انه من الحكمة ان تحرص دائماً على ان تترك لعدوك شيئاً يخاف عليه، لانه ان جردته من كل شئ فلا تأمننه حتى وإن كان اعمى.. لقد كانت دليلة بالنسبة لليهود الخائنة والتي تسببت في مقتل رجلهم القوي الذي أعاد مجدهم بعد ثلاثة قرون من المذلة والاستعباد.. جدير بالذكر انه ينتهي عصر القضاة بموت شمسون إذ تعاقب على قيادة بني إسرائيل حوالي خمسة عشر قاضٍ ثم يبعث الله فيهم نبي الله صموئيل والذي يوجد سفر في التوراة باسمه ويقال انه هو كاتب سفر القضاة.. لقد اخبرهم نبيهم بأن الله بعث لهم طالوت ملكاً "شاؤول" ثم تم استعادة مفهوم الدولة في عهد نبي الله داوود وابنه النبي سليمان- عليهما السلام- في عام ١٠٠٠ ق. م تقريباً.. وبموت النبي سليمان عليه السلام تراجع نفوذ اليهود وبدأ الوهن يطرق مفهوم الدولة القوية و تعرض اليهود للسبي البابلي عام ٥٨٦ ق. م علي يد نبوخذ نصر ثم يتغلب ملوك الدولة الخمينية الفارسية على البابليين في عهد ملك فارس كورش العظيم عام ٥٣٩ ق. م .. تمجّد أسفار العهد القديم الدور التاريخي لكورش إذ خلصهم من طغيان نبوخذ نصر ويذكر سفر اشعياء حسن معاملة كورش لليهود .. وبعد موت كورش تعاقب على حكم فارس قمبيز وداريوس الأول واحشويرش الأول وابنه ارتحشستا الأول.. وعندما تغيرت معاملة الفرس لليهود وذلك بعد موت كورش وتولية ابنه قمبيز الطاغية الذي احتل مصر فإنه يبدو أن اليهود تعلموا من فكرة دليلة ولجأ أحدهم وهو موردخاي لفكرة المرأة الجاسوسة حيث استخدم ابنة عمه "استير" لذلك الغرض كما يحكي لنا سفر استير الابوكريفا.. وعندما لعبت الاقدار دورها وأراد الملك احشويرش الانتقام من زوجته" وتشي" التي عصته من قبل بأن يتزوج من غيرها وهنا تزوج الملك استير وهو لايعلم انها يهودية.. وتقوم استير بدور كبير في تجنب تسلط الملك على اليهود والبطش بهم بل وزيادة نفوذهم لدرجة تولي ابن عمها موردخاي الوزارة.. َلم يقتصر دور استير أثناء حياة زوجها بل ان النفوذ الذي بفضلها حققه اليهود جعل من الملك ارتحشستا الأول - ابن الملك احشيورش - يسمح للنبي عذرا الكاتب "عزير" ومن بعده "نحميا" من التوجه للقدس وبناء هيكل الرب.. جدير بالذكر ان عذرا الكاتب هو من قام بتدوين أسفار العهد القديم في عهد حاكم القدس الملك نحميا عام ٤٤٥ ق. م .. استدعاء فكرة سنوات المجد والسيادة لكل أمة حتى وإن كانت بالجوء الي حيل موجودة دائماً ويذكرنا بها التاريخ.. وهكذا كانت لدليلة واستير حكاية مقدسة سطرتها أسفار العهد القديم وستظل الجاسوسية إحدى مرتكزات الحروب الحديثة كما كانت وستكون في المستقبل.. ولا يمكن للذاكرة العربية ان تنسى قصة الجاسوس الاسرائيلي "إيلياهو كوهين" الذي عاش بسوريا تحت اسم "كامل امين ثابت" والذي كان مستشاراً لوزير الدفاع السوري وهو في الحقيقة كان جاسوساً اسرائيلياً وتمكن من تقلد اعلى المناصب في سوريا حتى تم كشفه بفضل المخابرات المصرية وتم اعدامه في دمشق سنة ١٩٦٥..
بقلم د. محمد السيد السّكي استشاري التحاليل الطبية والكاتب والروائي المصري #محمد_السيد_السكي
#محمد_السيد_السّكي (هاشتاغ)
Mohamed_Elsayed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاربات العلم... الانسان والوعي !
-
ميلاد مملكة جوجل !!
-
أجنحة المنطق المتكسرة
-
سرنمة الحياة !!
-
توبة ابليس... وفلسفة الصفر والكربون !!
-
موت الغرب وأفوله... تأملات وهواجس!!
-
الفلسفة السياسية لادلة التفاعل الكيميائي !
-
كورونا والنجوم !
-
سر الحياة وفلسفة الخلية!
-
صهيونية الاسيتون !!
-
فخ الزمان ومعضلة المالانهاية!
-
التدوين والتنوير.. الداء والدواء ؟!
-
مناعة الشعب المصري الاجتماعية
-
تليسكوب جيمس ويب... تأملات كونية!
-
تفاحة آلان تورنج !
-
سيكولوجية الحاكم... النفعية والوطنية والمنطق !
المزيد.....
-
السجن 11 عاما لسيناتور أمريكي سابق لتلقيه رشاوى من رجال أعما
...
-
مبعوث ترامب: على مصر والأردن تقديم بديل لرفض استقبال الفلسطي
...
-
المقاومة الفلسطينية وأسطورة ترامب
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|