أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - وَصِيَّةُ كَافْكَا















المزيد.....


وَصِيَّةُ كَافْكَا


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7394 - 2022 / 10 / 7 - 02:53
المحور: الادب والفن
    


_ صفر:

الصيف ضيعتَ آللبن..أُووف..أَنت هكذا، تفلت من يديك الدنيا،تُضَيِّعُ كل شيء.لا يبقى لك جبن ولا لبن.يمر شتاء..لا ربيع في الربيع..تنهار الأحلام من أعلى القمم..لا قمة لك لا قيمة.. تهوي في منحدرات لا حدَّ لها.تنهار مسحوقا إلى تَحْتِ تحتٍ..تتلاشى ألوان الأطياف في نهاراتك آلحارقة المنكفئة.يغتالها قحط القطران.تتغلغل في غشائك المخاطي الذفر آليُكَفِنُ الحنايا وما تبقى في مهامهك من بقايا رؤى تسيخ بلا أمل في الأمل.تتكورُ كقنفذ تنكمش تتجعد من شدة الوهن.لا لبن لا لبأ لا لَبُونَ تُحْلَبُ أضرعها آلطافحة.نهارات صيف مديدة غارقة في زبانية الاختناق تمرر على قنتك عجلاتِها التراكتورية تطمسها تسحقها كحشرة بئيسة..تتذكر وصية كافكا تضحك ههه في وجه الفراغ تقهقه ملء شدقيك لا تبالي..كتابك الأصفر المغبر يا معتوه نسخة ليفر دو بوش(livre de poche) في جيب بنطالك الخلفي..تستمنيك آلقراءة.حروف عجفاء لا معنى لها.تذوب الكلمات. تنصهر العبارات.تسيل الأسطر على بعضها.يختلط الصمغ بالمضغ بالقيء بالقرف بيرعات خفية ليستْ تُرى تُهيج الهرش تثير الخياشيم،عبثا يزفر المنخرُ،لا يذهب آلوخز لا يهدأ. حروف عجفاء تتفرس ساخطة تتبقبق كفقاعات برك آسنة تتبخر في الرأس المفلوق بالصداع،تدور الدوائر،يتوجع البدن.يُنْخَرُ من فرط الانهاك...تُفَاجَأُ في الصباح بخدر غامر يشل الأعصاب،رغم أنكَ تكون قد قضيتَ عشر ساعات كاملة أو يزيد مستغرقا في نوم ثقيل أثقل من وقع الدقات التي تتكتك عقاربها في فراغ بلا بداية بلا نهاية بلا هداية. عيناك تنغلقان تلتصقان تغفوان..صحيح أنك نمْتَ،لكن الأحلام لم تنمِ..تظل تحلم حلمها الجامح الكابس على الأنفاس،بلا بداية صورها بلا نهاية في النهاية..مخدر في زاويتك مصفد مبنج الحاضر معتقل في اللحظة المبرقة لا تتقدم لا تتأخر لا تُقْبل لا تُدبر لا تفعل شيئا البتة،تَشعُرُ برغبة أخرى وأخرى للاستلقاء والغفوة..هل هي حاجة جدية لسبات آخر؟؟هل هو أمر طبيعي أن تدخل ولا تخرج من ومضة السهو الحبيسة..أن تستغرق في إغفاءة بلا ضفاف تحدُّ حناديسها،ثم تشعر بعد ذلك برغبة مُلحة في مزيد من الغرق في الغرق نهارا ليلا وفي جميع الأوقات لا يهم..تضج يُمطرك آللهاثُ شهقاتِه الزافرة تتضعضعُ.. جالسا تعْيَى..مقعيا تعْيَى..واقفا تعْيَى..ماشيا عاطلا ومنهمكا..قد تفتح عينيك بضع ساعات لكن سرعان ما تشرد يشط بك التلفُ المجحفُ.تغالب نفسك ضد التيار الذي يجرفك نحو الأسفل،دون جدوى.ضيعتَ أشياء كثيرة خلال الشتاء، وهااا أنتَ تضيع الباقي، كل الباقي في هذا الجو الصيفي المزموت.تلجأ إلى الرشاش المائي.تضع جسمكَ عاريا تحت وقع رُذَيْذاته المتناثرة الباردة.تتكاسل تحت ترانيم نقراته الخفيفة المدغدغة للمسام والحواس.تستقر في المكان لمدد تطول أحيانا أكثر من اللازم.تستعذب اللعبة. لا تفعل شيئا.لا تبدي حراكا.تجمد.تجمع يديكَ إلى صدركَ في هيئة من يضم شيئا ما. تتضاءلُ كجنين ستانلي كوبريك التائه في شيخوخته في لحظة سائبة لحظة آنتشاء أخيرة،قد يعقبها ما يعقب أو يقفوها مزيد من آلسديم في صحراء بلا معالم..يحدج طيفك تحت قدميك شبحَ الخيالات تخنقها الاسئلة المتناسلة..تقعي بخنوع تحت الزخات.تسيح. تذوب. تتلاشى. تتشظى. تتضاءل. تتفتت. رذاذًا تغدو. تغلق عينيها عيناكَ. تحلمان بكل شيء..بك، وبلا شيء.قد تغني لحنا أَرْعَنَ أو نغم روك زاعق، تشدو بلوزا مفلوجا وجازا لا يجوز،أو هامساً تشرع في نحيب منتكس البحات خامد النبرات.تترنم بانتشاء منبعث من زرقة متوهمة.ترقص مترنحا تنتفض بنزق أماديوسَ وعواصف بتهوفنَ وسلاسة شوبان.. العالم والطبيعة والأشجار والنفس والروح والوجود وكل الأنام هباء تذروه الريح في بيدٍ لا واحات فيها لا جزائرَ لا جنائنَ لا أفقَ في الأفق..وحده السديم، مطلق السديم يحف يلف يدور يسبح في فراغ أسودَ شاهق كالفجيعة..تصرخ في وجه خيبتكَ الخريفية الشتوية الماثلة أمامكَ صيفا..صيحات أباش الهنود الحمر تنبعث حادة من الأحشاء دون أن تستطيع آجتياز الحناجر وآختراق الحبال الصوتية.تُطْمَـسُ صاغرة في الداخل. تختنق.يموت الإنسان البدائي.تبتدئ الضغينة في نهش ما تبقى من آدميتكَ المستعصية. تدور حول نفسك كمخبول فقد توازنه.ترقص دورة الكواكب.ترسم دوائر أصفار الانحسار. تتحسس ما فوق الرقبة.تتعثر يداكَ بصندوق بلاستيكي فارغ ينساب كشحم ذائب تذوب فوقه تنحشر في زاوية داخله يطوقك الصهارُ تُعَلَّبُ تغدو لينا طيعا مائعا مثل مخاط أو لعاب أو بصاق..تصرخ..تستغيث بالضجيج بالجؤار بالصخب..إنكَ تجن..هذا هو شعورك في هذه اللحظات القطرانية.ترنو إلى جسدك، وجهك،رأسك البلاستيكي،،فتحلف يمينا أنكَ لن تتجاوز أعمار اليفاعة..هذا أكيد..كل المؤشرات تودي بك إلى مزيد من الانحدار،من الغرق، من الخرف،من التلف في التلف..هل تضحك تقهقه تستهزئ؟؟هل تبكي تتشنج؟؟هل تقرأ تدرُسُ تعمل تعدو تبحث تومن بحياة تقدم مزيدا من الحياة..تحب؟؟ههه.. تحبّ؟؟..لا داعٍ لكل ذلك..فقد وقع ما وقع،قد آنحدرتَ من حالق سامق يمحقك يسحقك، وها أنتَ تعيش كيفما آتفق آحتضارَكَ والدقات والنقرات المتثاقلة التي تنوس بلا فائدة في فراغ مترع بالفراغ..لن يخيفك الموت..لن يضيركَ في شيء أن تراه ماثلا أمامكَ يدعوك إلى ضيافته.. هذا أكيد..لنْ يضيرك في شيء....

_ تحت الصفر:

خبر صغير في ركن ضيق في آخر صفحة للحوادث...(سقط فلان بن علان من فوق.ارتطم رأسه بالإسفلت بعنف حاد.سال الدم من أنفه وفمه.انتفض انتفاضة قوية اهتزت لها جميع أطرافه.ارتعش ارتعاشة واحدة ووحيدة..ثم..مات...)..لما فتح عينيه،وجدهم يحفرون حفرة عميقة.يضعون بدنه فيها.يهيلون التراب والحجارة وبعض فضلات الخشاش.أراد أن يتنفس،فآختنق..إذْ ذاكَ فقط،علم أنْ لا جدوى من المحاولة.أغلق محجريه دون ندم.شعر نفسه سعيدا وبدنه الضئيل يغور في أحشاء الأرضين يعانق المخلوقات الصغيرة والكبيرة يطير وراء أرواح ترفرف حوله في جو مشحون برائحة البخور والبخار الذي يكون عادة في الحمّامات العتيقة عَطْسييينْ عطس عطسات متتاليات..إنه لم يمت..لم يعش..ظل ما بين كينونات كثيرة كان بالإمكان أَنْ يَكُونَها وتَكُونَهُ..لقد أضاع كل شيء..أكيد..لكنه،الآن في ومضته البارقة معلق..رأى نفسه في شجرة ميتة..نعم..غير أنه كان منتش لا يوصي بشيء، فقط..يعطس يعطس يعطس...



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كُنْ أَنْتَ أَنْتَ لَا تَكُنْ أَنْتَ سِوَاك
- شَمَمْتُنِي
- وَطَفِقَ يَقْتَاتُ آلنُّجُومَ
- حَياةُ آلْمَطَالِعِ
- حَسَاءٌ أَبَدِيّ
- مَزيدًا مِنْ ثُغَاءِ بَاااعْ فِي مَزْرَعَةِ آلْمَتَاع
- نَقِيق
- اللعِينَةُ
- سَكَرَاتِ
- جرعة واحدة لا غير
- حُلْمٌ مُبَلَّلٌ
- لَحْظَةٌ وَكَفَى
- حَالَة مُسْتَعْصِية
- عَيْنَا فِيرْجِينْيَا
- شَغَفِي بِهَا
- لَا، لَمْ يَنْقَرِضْ بَعْدُ
- مَوْلُودٌ
- رُبَّمَا تَتَغَيَّرُ أقدارُ الديدانِ رُبما
- لِمَ،ياطِفْلِيَ الذي كُنْتُهُ،تَزُورُنِي
- ظِلَالُ البْنِيقَاتْ


المزيد.....




- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...
- -شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
- أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
- الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم ...
- التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
- التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
- بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري ...
- مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - وَصِيَّةُ كَافْكَا