|
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء الثاني)
سعيد هادف
(Said Hadef)
الحوار المتمدن-العدد: 7364 - 2022 / 9 / 7 - 23:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مستقبل الفضاء المغاربي في ضوء الحرب الروسية الأوكراينية من هتلر إلى بوتين: الحرب العالمية الثالثة في غمار صدام الأنساق الجيوسياسية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الجيوسياسة: الفضاء، النسق والفراغ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفضاء الحيوي: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفضاء الحيوي، بمعناه الفيزيقي والسيكولوجي، هو الفضاء الضروري الذي تتوفر فيه شروط الحياة للكائن الحي، وتم سحب هذا المفهوم إلى المجال السياسي، ويمكن تعريفه كنظريةٍ سياسيةٍ (حاجة البلد بوصفه كائنا حيا إلى فضاء ترابي أوسع بحسب قوته ونزعته التوسعية). المصطلح مستنسخ من الكلمة الألمانية (Lebensraum) التي ابتكرها فريدريش راتزل (نهاية القرن التاسع عشر) بناءً على نظرية قومية تنص على أن "أي إقليم يكون ضروريا لتوسع الدولة ديموغرافيا ولدواعي اقتصادية يجب أن يرتبط بهذه الدولة". والفضاء الحيوي، مفهوم يصف السياسة الاستيطانية التي انتشرت في ألمانيا من تسعينيات القرن التاسع عشر إلى أربعينيات القرن العشرين. في عام 1901، ظهر مفهوم الفضاء الحيوي، وأصبح هدفًا جيوسياسيًا للإمبراطوريا الألمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وعنصرا أساسيا في برنامج التوسع الإقليمي. وفق هذه النظرية، لا يقف أمن الدولة عند حدودها الترابية، بل يمتد داخل محيطها الحيوي تجاوبا مع نموها الاقتصادي والعسكري. على هذه الخلفية دخلت ألمانيا في حربها العالمية الأولى والثانية مع أغلب بلدان العالم وتسببت في دمار وخسائر بشريةٍ لا تعد ولا تحصى. بعد الحربين العالميتين ظهرت دول وتحالفات جديدة، ونشأ نسقان جيوسياسيان: النسق الليبيرالي بقيادة واشنطن وحلفائها، والنسق الاشتراكي بقيادة موسكو وحلفائها. بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين، حيث سعت أمريكا إلى توسيع فضائها الحيوي وكذلك روسيا إلا أن الفرق بينهما وبين ألمانيا النازية كان في اختلاف السياق والتمثلات والكيفية. ويمكن القول أن الاتحاد السوفييتي قبل تفككه والاتحاد الروسي لم يتحررا من نفس البراديغما الألمانية النازية ذات النزعة القومية الإثنية. انتهت الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وأصبح العالم تحت إدارة المحور الغربي ومحاور أخرى مضادة. تطورت نظرية الفضاء الحيوي وتطورت أدوات التنفيذ والمقاصد بأبعادها الديمقراطية، الحقوقية والأيكولوجية. مع بداية القرن الحالي، برزت قوى منافسة للمحور الغربي، أبرزها الصين والاتحاد الروسي فضلا عن نشوء قوى إقليمية معادية لأمريكا دون أن تكون على وفاق مع الصين أو الاتحاد الروسي. في هذا السياق، وبين حالة ازدهار الديمقراطيا وتراجعها، وتفاعل الثقافات والشعوب، أخذ مفهوم الغرب منحى نسقيا جيوسياسيا أمميا في تفاعل جدلي مع الأنساق المضادة.
الفضاء والفراغ: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطبيعة تخشى الفراغ، أو الطبيعة لا تقبل الفراغ، مقولة للفيلسوف اليوناني أرسطو، شاع استعمالها في جميع الأوساط. من وجهة النظر العلمية والطبيعية، لا وجود لشيء يسمى "فراغ" بالمعنى المطلق. هناك عبارة شهيرة نضرب بها مثلا في خضم الجدل حول مساوئ ومحاسن شيء ما، فيخاطب أحدنا الآخر: لماذا تنظر إلى النصف الفارغ من الكأس فقط وتنسى النصف الملآن؟ هذه الصورة المجازية التي يستعين بها المتجادلون في محاججة بعضهم لبعض، تحيل سامعها إلى كأس يحتوي نصفه على الماء بينما النصف المتبقي فارغ. النصف الفارغ هنا يعني أنه لا يحتوي على الماء، لكن كونه فارغا من الماء فهذا لا يعني أنه لا يحتوي على شيء آخر، بل هو يحتوي على الهواء وربما ذرات من الغبار، وبالتالي فهو ليس فارغا كما نتوهم. الأمر نفسه ينسحب على أي مجال. ولأن المجال السياسي ومعه الفضاء الجغرافي، مثل الطبيعة، لا يقبلان الفراغ، فإن ما يوصف بالفراغ السياسي يعني أن بلدا أو فضاء جغرافيا ينتمي إليه هذا البلد أو يُتاخم فيه مجموعة من البلدان، يفتقر إلى نشاط سياسي بالمعنى العلمي لمفهوم السياسة، أو أن البلد ومحيطه الإقليمي يعاني من غياب رؤية سياسية متبصرة تحترم المبادئ التي تأسست عليها دولة الحق والقانون ولا تصطدم بالقوانين الأممية وتنتهج أسلوب التعاون والحوار مع محيطها الإقليمي في حل الخلافات وتدبير القضايا المشتركة. إن غياب الحوار والتعاون يترجم حالة "الفراغ": فراغ العقل السياسي من الفهم والتمثل الصحيحين للقضايا السيادية، السياسية والأمنية، وانعكاس هذا "الفراغ" على الفضاء الجيوسياسي، وبالتالي خروج الوضع عن السيطرة. وإذا خرج الوضع عن السيطرة، انحرف إلى العنف، وكلما كان العنف خلوا من السياسة كانت الفوضى والهمجية. الفوضى والحالة هذه هي الوجه الآخر للفشل السياسي. الفعل السياسي في جوهره استباقي ووقائقي، وكلما تضاءلت السياسة انتشر التسيب والفوضى والفساد وتعطلت مصالح الناس.
الفراغ السياسي في ضوء نظرية الكاوس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من هنا نطرح السؤال التالي: إذا غابت السياسة فما الذي يحل محلها؟ بطبيعة الحال تحل الفوضى والفساد وكل ما يترتب عن ذلك، أي يحل "الطغيان" بتعبير أفلاطون. وهذا معناه أن ما يسمى بالفراغ السياسي ليس وصفا دقيقا، أو بعبارة أخرى هو وصف ماكر يخفي حقيقة الأزمة، وعليه فإن الوصف الصحيح للوضع المسمى بالفراغ السياسي هو "الفشل السياسي" الذي تسببت فيه طبقة متطفلة على السياسة تعيث فسادا وتمسك بمفاصل الدولة باعتماد أدوات القمع والترهيب وشراء الذمم وتصفية الحسابات فيما بينها. هذه الطبقة المتطفلة على السياسة والتي تشمل كل من في الحكم ومن في المعارضة، جعلت من الشعب لعبة في خطاباتها ومصالحها. لكن في عصرنا الحديث، ولعوامل وأسباب عديدة، لم يعد "الطغيان" بشكله المحلي في منأى عن التحكم الخارجي كما كان في الأزمنة القديمة. ومن حيث أنه سلوك سلطوي مناف للسياسة يصطدم، أوتوماتيكيا، بنسق جيوسياسي أعلى تحكمه معايير أممية صارمة، وفي الحالة هذه، وحتى لا يكون خارج السيطرة الجيوسياسية، تتم محاصرته للحد من تمدده وتأطيره وفق آليات من صميمه ومن صميم النسق الجيوسياسي الأممي، أي يتم الاستثمار فيه وفق نظرية الكاوس (الفوضى الخلاقة). وكما يقول مثلنا الشعبي "من لحيتو وبخر لو"، ويكفي أن نعرف كيف تشكلت حركاتنا القومية وأحزابنا وكيف خرجت من صلبها الانقلابات والجماعات المسلحة وما شابه.
النسق الجيوسياسي الأممي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا النسق الجيوسياسي الأممي بطبيعته، وباعتماده بيداغوجيا العصا والجزرة، يعمل على إنضاج مفهوم الدولة في البلدان التي لم تتشبع ثقافاتها بقيم الدولة الحديثة، ولم تتمثل نخبها السياسية مفهوم السياسة بالشكل الصحيح، في بعدها القانوني والحقوقي. ما المقصود بالنضج هنا؟ إنه الأوتونوميا، أو الخروج من حالة القصور بالمفهوم الكانطي؛ إنه النضج السياسي بالمفهوم الحديث، والانخراط غير المشروط في بناء دولة الحق والقانون، والتحرر من النزوع التسلطي والاستشفاء من أمراض الهوية السياسية بمعناها الدوغمائي والعنصري. هذا النسق الأممي الذي يخشى الفراغ، هو من يملأ الفراغ بما يعثر عليه في ذلك الفراغ من طاقة، بصرف النظر إن كانت طاقة مبدعة أو طاقة مدمرة، إيجابية أو سلبية، من منطلق أن هذا النسق ينطوي على خاصية تدمير كل ما يتناقض مع القيم التي نشأ عليها، وهو في ذات الوقت مفتوح على "الشعوب" التي تتوفر على قابلية الاندماج فيه بناء على احترامها لجملة من المعايير والقيم السياسية. ولهذا النسق صلة بمفهوم "الغرب" ويختلف عنه من حيث أن الثاني هو جزء منه وجوهره في آن. فهذا النسق نشأ مع نشأة الدولة الحديثة "دولة الأمة المدنية"، منذ حوالي قرنين ونصف، غير أن جذوره تعود إلى أربعة قرون في سياق عصر النهضة والنزعة الإنسية والإصلاحات الدينية والسياسية، أي في سياق تراجع البراديغما الكنسية إزاء البراديغما الوضعية. مع نهاية الحرب الباردة اتضحت ملامح النسق الجيوسياسي الأممي في سياق العولمة، واتضحت معه الفجوة بين فضائين جيوسياسين متناقضين: فضاء السلام وفضاء الفوضى. وإذا كان فضاء الفوضى متناقضا من حيث المقاصد متضادا من حيث الأنساق، فإن فضاء السلام ينطوي على نسق منسجم من حيث المقاصد مختلف من حيث التمثلات والرؤى الجيواستراتيجيا. مع نهاية القرن الماضي، ظهرت كلمات ذات صلة بمصطلحي "الجيوسياسة" و"الجيواستراتيجيا"، من ضمنها: "الجيواقتصاد" و"الجيوثقافة". ونسمع أحيانًا أيضًا بـ"الجيوتاريخ". وقد تزامن تعميم هذه المصطلحات مع تكاثر تحليلات ظاهرة العولمة في جميع حقول العلوم السياسية والاجتماعية، مما استدعى الأخذ في الحسبان عدم تجانسية الفضاء العالمي. هنا، أصبحت نظرية التحديث محل مساءلة بعد أن أصبحت موضوع امتحان وتحت محك الثقافات المضادة. في الواقع، فقد منح الحديثون (les Modernes) الامتياز للزمان وقللوا من قيمة الفضاء/المكان لاقتناعهم بحتمية تجانس هذا الأخير، وبالتالي، لاقتناعهم بعدم اكتراثه بتطور العالم. كل ما كان عليهم فعله هو انتظار منجزات التقدم البشري التي جعلت "حالة التمدد الفضائي/المكاني «spatialité» صامتة، على حد تعبير إدوارد سوجا (Edward W. Soja) (نحو جيوبوليتيكا نسقية، جيرار دوسوي). منذ بضعة أعوام لاحظ محللون أن نهاية علاقات شرق-غرب أدت إلى تغيير جذري في النسق الأممي (système international)، والذي كان، من الواضح، ثنائي القطب حتى ذلك الحين. لكن مشروع النظام الأممي الجديد (Nouvel ordre international) الذي أراده الرئيس بوش الأب لم يتحقق. بعد ربع قرن، سادت حالة من عدم اليقين والمخاطر غير المتوقعة. ظلت أمريكا ضعيفة بشكل دائم، والاتحاد الأوروبي لم يتحول إلى قوة سياسية، بينما مشروعه الفيدرالي كما لو أنه تجمد، أما روسيا فقد أظهرت قدرة على الإرباك أكثر من قدرتها على التعاون، وواصلت الصين صعودها الاقتصادي المدهش، لكنها ليست بأي حال من الأحوال قوة سياسية كبرى. أما بالنسبة للبلدان الناشئة، فهي تعاني أو ستواجه نقاط ضعف داخلية؛ ومعظمها لا يشكل حتى أقطابًا اقتصادية. في سياق العولمة، وفي سياق تطور عوامل ووسائط التواصل الجدلي بين المجتمعات والثقافات، ظل هذا النسق الجيوسياسي يتمدد بحسب الظروف التي تسمح له بالتمدد، أو يتقلص تحت ضغط الأنساق المضادة التي تنشط في مقاومته كلما توفرت لها عوامل المقاومة؛ وهي أنساق من مخلفات البراديغما القديمة (الثيوقراطية)، أو المستحدثة من أيديولوجيات العصر الحديث. وما يعيشه العالم اليوم من فوضى في عدد من البلدان ليس سوى تجل للتفاعل بين هذا النسق الجيوسياسي الأممي والأنساق المضادة. بل حتى البلدان التي أسست لهذا النسق تدفع ضريبة هذا التحول. بمعنى آخر، يمر النسق الجيوسياسي الأممي بمحطة جديدة في صدامه مع الأيديولوجيا من داخله ومن خارجه. أما المؤسسات والقوانين الأممية التي أنتجها هذا النسق، أصبحت محل نقد ومراجعة، وستخضع إلى التطوير في الأفق المنظور. في غمار الأزمات السياسية التي تتعرض لها بعض "الدول الفاشلة" وما يترتب عنها من تدخلات خارجية، أو بسبب الصراعات وتمددها في "الفضاء الحيوي"، يحدث الصدام بين النسق الأممي والأنساق المضادة، وقد ينتهي الصدام إلى تسوية كما قد ينتهي إلى حرب غالبا ما تجد في مسألة الأمن مبرراتها وذرائعها، ولا سيما تحت ذريعة "الفضاء الحيوي" كما حدث في ألمانيا سابقا والاتحاد الروسي حاليا. في الوقت الذي يستلهم فلسفته القومية من هتلر، يحاول بوتين أن يقف على الطرف النقيض منه، هناك مفارقة في فلسفة بوتين، من جهة يتبنى المعجم الفلسفي السياسي المعادي للنازية، ومن جهة ثانية يجتاح تراب دولة سيدة معترف بها أمميا بدعوى تأمين فضائه الحيوي.
الفضاء الجيوسياسي الأوروبي ونشوء القوميات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يرجع نشوء الأمم الأوروبية بمظهرها المسيحي العلماني إلى التحولات الجيوسياسية التي صاحبت تفكك الإمبراطوريا الرومانية الغربية، وإلى حقبة ما اصطلح على تسميته بالعصور الوسطى وفي سياق نشأة الإمبراطوريا الجرمانية وما صاحبها من حروب ومعاهدات سلام وتحولات هوياتية إلى أن حلها نابليون عام 1806 (حل الإمبراطوريا الجرمانية). وبرجوعنا إلى الوراء نلاحظ أن سيرورة التاريخ، من منتصف القرن السابع ميلادي، عرفت نشأة إمبراطوريتين على تماس مع الإمبراطوريا الرومانية المسيحية: الإمبراطوريا العربية الإسلامية والخزرية اليهودية (أصبحت كييف ضمن الامبراطوريا الخزرية منتصف القرن التاسع). وجراء توسع الإمبراطوريا الخزرية إلى كييف برزت لأول مرة القومية الروسية في غمار مقاومتها للتوسع الخزري. سقطت الإمبراطوريا الخزرية على يد الروس منتصف القرن الحادي عشر، وقد تزامن العهد المؤسس للقومية الروسية مع نشوء الإمبراطوريا الجرمانية. ظل الفضاء الجيوسياسي يتحول من حال إلى حال، فسقطت الامبراطوريا البيزنطية والامبراطوريا الأموية الأندلسية في تاريخ متقارب (القرن الخامس عشر)، ونشأت الامبراطوريا العثمانية وطلّ عصر الأنوار الأوروبي حاملا معه تحولات جيوسياسية عميقة وبذور الدولة الحديثة في سياق الإصلاحات الدينية والسياسية غرب أوروبا. وعاشت أوروبا مخاضات مؤلمة وحروبا طاحنة أسفرت عن معاهدة وستفاليا (1648) في أوروبا الوُسطى والغربيّةِ أرست زمنا جديدا (نسقا سياسيا وفضاء جيوسياسيا) مبنياً على مبدأِ سيادةِ الدولِ. وفي أعقاب الثورتين الأمريكية والفرنسية أقدم نابليون على حل الامبراطوريا (الجرمانية) المقدسة (1806). ومن هناك بدأ العد التنازلي لزوال الامبراطوريات بشكلها القديم وبدأ مع سقوطها فضاء جيوسياسي آخر. سقطت الامبراطوريا العثمانية والروسية والنمساوية والمجرية .... بداية القرن العشرين، وبدأت القوميات الناشئة تتشكل إما وفق منظور مدني أو أيديولوجي (إثني ديني)، غير أن الروس والألمان تَشكّلا من جديد على أساس إمبراطوري قومي أيديولوجي فكانت الحرب العالمية الثانية وزوال ألمانيا النازية. ومن سخرية الأقدار أن روسيا السوفييتية ساهمت في الحرب على ألمانيا الهتليرية التي لا تختلف كثيرا عن روسيا البوتينية. كان الاتحاد السوفييتي نسخة أيديولوجية إلحادية للامبراطوريا القيصرية الأرثذوكسية، وبعد أن تفكك تحولت روسيا إلى كيان اتحادي يحلم باتحاد أوراسي لم يقطع مع ماضيه الإمبراطوري الديني -الإثني. ترجع نشأة التاريخ الروسي إلى منتصف القرن التاسع، حيث تأسس أول كيان سياسي روسي وهو إمارة روس في كييف وقد دامت سبعة قرون إلى غاية 1547 تأسست روسيا القيصرية وعرفت توسعا إلى أن حلت محلها الإمبراطوريا الروسية عام 1721 كانت ثاني أكبر إمبراطوريا في العالم إلى أن سقطت في غمار الحرب العالمية الأولى وحل محلها الاتحاد السوفييتي الذي دام 70 عاما وحل محله الاتحاد الروسي عام 1991 وهو العام الذي نالت فيه أوكراينا استقلالها. في منتصف القرن الخامس عشر سقطت القسطنطينية (عاصمة بيزنطا المسيحية) في يد الإمبراطوريا العثمانية، ومن منتصف القرن السادس عشر دخلت روسيا القيصرية في حرب طويلة المدى ضد الإمبراطوريا العثمانية طمعا في استرداد (القسطنطينية). الحرب الروسية العثمانية اشتعلت على خلفية دينية وانتهت، في غمار الحرب العالمية الأولى، بدولتين لادينيتين: تركيا العلمانية وروسيا الشيوعية. على مدى أحد عشر قرنا عاشت إمارة روس في كييف تحولات عميقة إلى أن انتهت، في سياق الحرب الباردة، إلى كيان يسمى أوكراينا وخرج من رحمها الاتحاد الروسي كما خرجت من رحمه، وهو اتحاد يضم أكثر من 80 كيانا اتحاديا وعزّ عليه أن تستقل كييف المدينة المؤسسة للقومية الروسية. القومية الروسية التي خاضت حروبا طاحنة لاسترداد القسطنطينية، ولم تكن في مستوى التحدي، تعاقبها الأقدار بفقدان (كييف) المدينة التي نشأت منها القومية الروسية. لا يمكن أن نفهم هذا الجرح النرجسي الروسي إلا في ضوء الأيديولوجيا التي أسس لها المفكر ألكسندر دوغين. في 2013 حاول بوتين إعادة أوكراينا إلى "حديقة الشعوب المتآخية"، أي النسخة الجديدة من الإتحاد السوفياتي، بإملاء اتفاقية "صداقة وأخوة" مع الرئيس الأوكرايني فيكتور يانوفيتش، الموالي لروسيا، الذي قيل إنه فاز في الانتخابات بالتزوير. اندلعت انتفاضة شعبية عارمة استمرت شهوراً (كتب كوركوف يوميات الانتفاضة ونشرها في كتاب صدر العام 2014). انتصرت الانتفاضة وهرب يانوفيتش إلى روسيا واستلم الأوكراينيون الموالون للاتحاد الأوروبي السلطة. ثارت ثائرة بوتين. اشتعلت فيه الرغبة في الانتقام. أرسل ضباطاً وفرقاً قتالية إلى المقاطعات الشرقية في أوكراينا، تلك التي تملك نزعة انفصالية وتشعر بالولاء لروسيا، دونباس، دونتسك، لوهانسك. ارتسم خط فاصل بين الطرفين ونشأت منطقة محرمة. هرب سكان القرى والبلدات، هناك. لكن البعض منهم تشبث بالأرض وقرر الصمود. وإذا كان الاتحاد الأوروبي حديث النشأة، حيث برز في أعقاب الحرب العالمية الثانية على شكل شراكة اقتصادية بين فرنسا، ألمانيا وإيطاليا، ثم نشأ كاتحاد سياسي-اقتصادي عام 1993، فإن المملكة المتحدة يرجع تاريخها إلى عام 1603، ومن رحمها خرجت أمريكا المتحدة. بين أمريكا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا علاقات متقلبة ويتسع الخلاف ويضيق بين هذه الأطراف بشكل جدلي، وتجلى هذا الخلاف في البريكست وحِرْصِ القوميين داخل الاتحاد الأوروبي على عدم الانسياق وراء أمريكا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ملاحظة: أستعمل مفهوم القومية بدل الوطنية، باعتبار أن القومية (Nationalisme) نسبة إلى (الجماعة البشرية) القوم/الأمة (Nation)، بينما كلمة وطن (Patrie) لا تحيل على الجماعة البشرية بل إلى الأرض، أرض الآباء والأجداد بالمعنى البيولوجي والروحي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء الأول) https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767717
#سعيد_هادف (هاشتاغ)
Said_Hadef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء
...
-
تبون وماكرون وجها لوجه: هل ستكون العلاقة الفرنسية الجزائرية
...
-
مفدي زكريا: شاعر القومية الجزائرية
-
زيلنسكي إزاء بوتن: صراع النازيات
-
في معنى الشعبوية: هل قيس سعيد شعبوي؟
-
عندما تتشبع السياسة بروح الصداقة
-
تونس 25 يوليو: الرهانات والتحديات
-
الفضاء المغاربي في ضوء نظرية الألعاب
-
-فيتش-: دول في طريقها إلى الإفلاس
-
جدل سياسي: دولة مدنية؟ أم أمة مدنية؟
-
مجتمع الطغيان: المثقف الصرصور والمثقف العبرة
-
المستبد المستنير والمثقف الفيلسوف
-
في معنى الاستبداد المستنير
-
ملف النخبة المغاربية (الجزء التاسع): تونس ومسار التحرر: من ب
...
-
ملف خاص:النخبة المغاربية (الجزء الثامن): الحركة القومية التو
...
-
بين الذكاء والغباء
-
ملفات مغاربية: بعد ستة أشهر من عام 2022
-
مايو: أحداث وأسماء جزائرية
-
الجزائر: سؤال الهوية بين حقيقة العقل وحقيقة الواقع
-
اليوم العالمي -العيش معا في سلام-
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|