|
الثورة الاجتماعية لميخائيل باكونين
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 7288 - 2022 / 6 / 23 - 07:33
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في رسالتي إلى فرنسي في أيلول سبتمبر 1870 كان لي الشرف البسيط و الحزين أن أتنبأ بالشرور الفظيعة التي حلت بفرنسا اليوم و معها كل العالم المتحضر ، هذه الفظائع التي لا يوجد لها سوى علاج وحيد : الثورة الاجتماعية . لإثبات هذه الحقيقة التي لا يمكن الاختلاف حول صحتها اليوم من خلال التطور التاريخي للمجتمع و الأحداث التي تقع أمام أعيننا في أوروبا بالفعل ، و بطريقة مقبولة من كل أصحاب النوايا الحسنة ، من كل الباحثين المخلصين عن الحقيقة ، و بعد ذلك أن نشرح بكل صراحة ، بدون تحفظات و لا أية مداورة المبادئ الفلسفية و الأهداف العملية التي تشكل كما يمكن القول ، الروح الحية ، الأساس و الهدف الذي نسميه الثورة الاجتماعية ، هو غرض هذا المقال ( العمل ) . أعلم جيدًا أن المهمة التي أضعها أمامي ليست سهلة و أني قد أتهم بالتحيز إذا استخدمت أية حجة شخصية . لكني أؤكد للقارئ أني لن أفعل ذلك ، أنا لست متخصصًا و لا فيلسوفًا و لا حتى كاتبًا محترفًا . لقد كتبت القليل جدًا في حياتي و قد فعلت ذلك فقط كي أدافع عن نفسي غالبًا ، أو عندما كانت قناعاتي الشغوفة المضطرمة تتغلب على اشمئزازي الغريزي من استعراض نفسي أمام الآخرين. من أنا إذن و ما الذي يدفعني لأنشر هذا المقال ( العمل ) ؟ أنا باحث متحمس عن الحقيقة و عدو لدود للخرافات الكاذبة لحزب الحفاظ على النظام - هذا الممثل الرسمي لامتيازات و مصالح كل الأوغاد ، الدينيين ، الميتافيزيقيين ، السياسيين ، القانونيين ، الاقتصاديين و الاجتماعيين ، الحاليين و السابقين ، و التي يستمرون باستخدامها اليوم لاستغباء و استعباد هذا العالم . أنا عاشق متطرف للحرية ، لأني أعتبرها الوسط الوحيد الذي يمكن فيه ، للذكاء ، و لكرامة الإنسان و سعادته أن تتطور و تزدهر ، لا أقصد هنا تلك الحرية الرسمية - التي "تمنحها" و تنظمها و تضبطها الدولة ، هذا الوهم الأزلي الذي لا يمثل في الواقع سوى امتيازات قلة محدودة تعيش على استعباد الجميع ، و لا الحرية الفردانية - الأنانية و الهزيلة جدًا و المزيفة التي تنادي بها مدرسة جان جاك روسو و معها بقية مدارس الليبرالية البورجوازية و التي ترى في حق ما تسميها الدولة حدودًا و قيودًا على حرية الآخرين و التي تنزع دائمًا و بالضرورة إلى مسخ حقوق الآخرين تلك إلى مجرد صفر ، لا شيء . كلا ، أنا أعني الحرية الوحيدة التي تستحق ذلك الاسم ، الحرية التي تعني التطور الكامل لكل القدرات المادية ، الفكرية و الأخلاقية التي توجد كإمكانيات كامنة في كل إنسان ، الحرية التي لا تعرف أية قيود سوى تلك التي نقررها نحن وفقًا لقوانين طبيعتنا الخاصة بحيث يمكننا أن نقول ، أنه لا قيود تحدها البتة - بما أن تلك القوانين لا يفرضها علينا مشرع ما من خارجنا ، سواءً كان فوقنا أو إلى جانبنا . إنها متأصلة داخلنا و تشكل أساس وجودنا نفسه ، المادي و الفكري و الأخلاقي . و لذلك فبدلًا من أن نعتبرها قيودًا فإننا نراها شروطًا موضوعية و الأساس الفعلي لحريتنا . أعني حرية كل شخص التي عوضًا عن أن تعتبر قيودًا على حرية الآخرين ، فإنها تجد في حريتهم تأكيدها و تحققها و اتساعها . الحرية غير المقيدة لكل شخص من خلال حرية الجميع . الحرية من خلال التضامن ، في المساواة ، الحرية المنتصرة على القوة الهمجية للسلطة و مبدئها - المبدأ الذي يمثل التعبير الأمثل عن تلك القوة الهمجية . الحرية ، التي بعد أن تطيح بكل الأصنام السماوية و الأرضية ، ستؤسس و تنظم عالمًا جديدًا - عالمًا قائمًا على الصداقة و الروح الأخوية - على أنقاض كل الكنائس و الدول . أنا داعية ذا قناعة راسخة إلى المساواة الاقتصادية و الاجتماعية ، لأني أعرف أنه من دون تلك المساواة ، فإن الحرية ، العدالة ، الكرامة الإنسانية ، الازدهار الأخلاقي و الفردي ، و أيضًا ازدهار الشعوب ، لن تكون إلا وهمًا . لكني ، و كداعية و نصير لا يتزحزح للحرية ، الشرط الأول للإنسانية ، أعتقد أنه يجب إقامة هذه المساواة من خلال التنظيم الطوعي للعمل و الملكية الجماعية للاتحادات المنتجة التي تتنظم و تتوحد بشكل حر في كومونات و اتحاد هذه الكومونات الحر و الطوعي أيضًا لا من خلال وصاية الدولة و عملها الفوقي . هذه هي النقطة الأساسية التي تميز الأناركيين الشيوعيين عن الاشتراكيين الدولتيين - أنصار المبادرة المطلقة للدولة . إن أهدافنا واحدة ، كلا الحزبين يطمحان إلى إقامة نظام اجتماعي جديد يقوم حصريًا على تنظيم العمل الجماعي المفروض ضرورة على الجميع بقوة الأشياء أو الواقع ، الظروف الاقتصادية المتساوية للجميع و الاستيلاء الجماعي على أدوات الإنتاج . لكن الاشتراكيين السلطويين يتوهمون أنهم قادرون على تحقيق ذلك من خلال تطوير و تنظيم السلطة السياسية للطبقات العاملة - خاصة بروليتاريا المدن ، بمساعدة البرجوازية الراديكالية . أما الشيوعيون الأناركيون ، أعداء كل خليط أو تحالف غير محدد أو واضح المعالم ، فيعتقدون على العكس من ذلك ، أنه يمكن تحقيق ذلك الهدف فقط من خلال تطوير و تنظيم ، ليس القوة السياسية لجماهير الشغيلة ، بل القوة الاجتماعية ، و بالتالي اللا سياسية أو المعادية للسياسة لهذه الجماهير سواء في المدينة أو الريف ، بما في ذلك كل أصحاب النوايا الطيبة من الطبقات العليا الذين بعد أن يقطعوا مع ماضيهم سينضمون بكل وضوح إلى جماهير الشغيلة و يتبنون برنامجها . من هنا تنشأ طريقتان مختلفتان . الاشتراكيون الذين يعتقدون أنه عليهم تنظيم قوة العمال ليستولوا على السلطة السياسية للدولة . و الأناركيون الذين ينظمون أنفسهم بهدف القضاء على ، أو اذا اخترنا كلمة ألطف ، تصفية الدولة . الاشتراكيون أنصار مبدأ السلطة و ممارساتها . و الأناركيون الذين يثقون فقط بفكرة الحرية . كلاهما من أنصار العلم المتحمسين ، بهدف القضاء على كل خرافة و إحلال ( العلم ) مكان الإيمان ، لكن أحدهما ينوي فرض ذلك بالقوة بينما يريد الآخر الدعوة إليه ( العلم ) لإقناع جماعات البشر بأن تتنظم و تتوحد عفويا و بكل حرية من الأسفل بإرادتهم الحرة و وفق مصالحهم الحقيقية ، لا بحسب خطة محددة سلفًا يفرضها مفكرون ذا ذكاء متفوق على "الجماهير الجاهلة" . يعتقد الأناركيون أن هناك عقلًا و روحًا عملية أكثر في الدوافع الغريزية و الحاجات الحقيقية "للجماهير" منه في الذكاء المتفوق لكل أطباء و معلمي البشرية ، الذين على الرغم من كل فشلهم حتى اليوم ، في جعلها سعيدة ، ما زالوا يستمرون بمحاولاتهم تلك . يعتقد الأناركيون على العكس ، أن البشرية قد سمحت و لوقت طويل جدأ بأن تحكم و أن مصدر كل الشرور القائمة لا يوجد في هذا الشكل أو ذاك من الحكومات ، بل في مبدأ الحكومة نفسها و في وجودها أيًا تكن . هذا التناقض الذي أصبح تاريخيًا ، بين الشيوعية التي تم تطويرها علميًا واقتصاديًا من قبل المدرسة الألمانية و التي تبناها جزئيًا الاشتراكيون الامريكيون و الإنكليز من جهة ، و البرودونية ( نسبة لبرودون ) و قد استكملت و بلغت نتائجها المنطقية و التي تبنتها بروليتاريا البلدان اللاتينية . و التي تتبناها على نفس الدرجة الشعوب السلافية عبر غرائزها المعادية للسياسة . لقد جربت هذه الأناركية و وجدت أول تعبير عنها في كومونة باريس
نقلًا عن
https://www.libertarian-labyrinth.org/bakunin-library/mikhail-bakunin-social-revolution-1871/
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هراء ايديولوجي عن الله و البشر و العالم
-
الإله الذي خلقناه
-
حوار مع سعيد العليمي عن فلسطين و اليهود
-
قالوا في الرقص
-
لماذا نكتب
-
الأبوكاليبوس
-
الخونة
-
الاقتصاد السياسي للصراع الطبقي في بلاد الربيع العربي
-
قالوا
-
الأمل الذي لا يموت ، الحلم بسجون نكون نحن جلادوها
-
الإخوة على الحدود البيلاروسية البولندية
-
ذكريات من سوريا -الحرة-
-
ادوار سعيد ، المعارضة السورية ، تقديس التخلف و السلطة و شيطن
...
-
نبوءات باكونين لنعوم تشومسكي
-
حلوا عن رب العلمانية
-
انتقام التاريخ و الايديولوجيا : تلامذة ادوار سعيد يتقمصون رو
...
-
هراء الهوية
-
بلا دماء ، ليصنع كل منكم دولة و فرجونا
-
أنا و الله فكري هنيك و هني أهلك فيك
-
كلمة للشباب ، مرة أخرى
المزيد.....
-
احداث سوريا ومنطقة الشرق الأوسط مابعد سقوط نظام الاسد
-
تصريح الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع حول المحاك
...
-
جريدة الغد الاشتراكي العدد 44
-
تركيا تسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة عبدالله أوجلان
-
الدفاع التركية: تحييد 14 عنصرا من -حزب العمال الكردستاني- شم
...
-
-حل العمال الكردستاني مقابل حرية أوجلان-.. محادثات سلام مرتق
...
-
عفو «رئاسي» عن 54 «من متظاهري حق العودة» بسيناء
-
تجديد حبس المهندس المعارض «يحيى حسين» 45 يومًا
-
«نريد حقوق المسيحيين» تظاهرات في سوريا بعد إحراق «شجرة كريسم
...
-
متضامنون مع المناضل محمد عادل
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|