أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - رسالة من لا مبيدوزا














المزيد.....


رسالة من لا مبيدوزا


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7235 - 2022 / 5 / 1 - 18:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كما تعلمون، عندما يكون الإنسان محاصرا مثل جرذ، فإن الشيء الوحيد الذي يفكر فيه ليل نهار هو الهروب. وقد قضيت أغلب أيامي في الهروب، مثل العديد منكم، هربت من تظرات والدي الصارمة، هربت من الجامع وعصا الفقيه الجاهل، ثم هربت من المدرسة ومن حصص الدين والتربية الوطنية، وهربت من البيت والروتين العائلي والزيارات المقدسة في المناسبات التي لا تنتهي، ولم أكف عن الجري والفرار، أريد الإبتعاد عن هذه الأرض الموبوءة بقدر المستطاع وأن أترك بيني وبينها آكبر مسافة جغرافية ممكنة، وهربت مرة أخرى، هربت من خوفي، ومن ذاتي، هربت من تلك الوجوه المزروعة في كل زاوية من ذاكرتي، هربت من تلك الأصوات المزعجة التي تقابلني في كل لحظة، وتصرخ في وجهي تطالبني بأن أقبل هذا العلم كما هو، بأن أقول نعم. هربت من حياتي المتناقضة مع ذلك الخليط من المجانين والمرضى والدجالين والصعاليك، الذين يعيشون في عالم مليئ بالعفاريت والجن ومرتلي القرآن ورائحة البخور ممتزجة برائحة التفاق والخضوع والإستسلام للأمر. هربت من تلك القذارة والغبار والحرارة ورياح القبلي والعرق الكريه الرائحة، هربت من الجلابيب والخمارات والعبايات. هربت لأنني لم أعد أحتمل الخطابات الهستيرية، ولا نشرة الأخبار المحلية ولا المحادثات اليومية، ولأنني لم أعد أحتمل صوت مكبرات الصوت المتداخلة والتي يغطي بعضها البعض خمسة مرات في اليوم. هربت لأنني لم أعد استطيع الأستمرار، نجوت بجلدي من تلك المذبحة البشرية التي ماتزال مستمرة حتى هذه اللحظة، حيث يموت البشر من الملل، من القنابل الساقطة فوق رؤوسهم من صاصة طائشة، أو من التفاهة، والجري وراء الثروة والسلطة والجاه، وزجاجات الويسكي، وطروف الحشيش. هربت لأنه لم يعد ثمة حل آخر سوى الموت أو الجنون، الله والصلاة والجامع أو الحشيش والتيكيلا والبوخة.
ولكن هروبي لم يكن سوى حل مؤقت ووهمي، لأن هذه البلاد الملعونة ماتزال تسكن تحت جلدي، ومنذ سنوات عديدة وأنا أحاول أن أتقشر، أن أتخلص من آثار الجذري والنمنم والريح الساخنة والشمس الحارقة وبعض الأفكار التي تضايقني كورم يكبر في داخلي. أحاول أن اغسل نفسي في نهر النور الصافي، وأن أتذكر صفحة بيضاء تخلو من هذه الأشياء السحرية السوداء. في يوم ما في المستقبل البعيد، حتما، سأتخلص من كل شيء، وأعود طفلا كما كنت، فرحا بالنور أجري في حاشية القرية على خط السكة الحديدية، وأسافر نحو بلدان وجزر لا توجد على خارطة الكون. حلمت بالشمال البارد، بالرياح التي تصفر في الغابات التي لا تتخللها الشمس، حلمت بالثلج والمطر الخفيف الذي لايكف عن التساقط، حلمت بالبارات الدافئة، والمعبقة بالدخان وبروائح البشر والموسيقى الصاخبة، حلمت بشوارع مدن لا أعرفها، وحلمت بشوارع ومقاهي كل مدن الدنيا، وحلمت أيضا بشوارع مدن وقري صغيرة فارغة وميتة بعد منتصف الليل، حيث لايوجد غيرالكلاب الضالة وسيارات الشرطة. كنت أعتقد بأن الريح الباردة تحمل نفس الحياة لإنسان نال كفايته من الحرارة ورياح القبلي ورمال الصحراء وضحكات البشر المكلوبين، ولكن الحلم يضل أبدا شركا رهيبا تنصبه لنا الآلهة الشريرة.
فكيف يمكن الهروب من الهروب ؟



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة العمال
- إستحالة الهروب
- الهزيمة
- فعل التكوين
- السلم الطائر
- الكابوس المجوف
- ليلة الإنتظار
- المخطط الخفي
- عدسات المعنى
- الحاضنة الزجاجية
- نزول القرد من الشجرة
- روسيا-أوكرانيا وحرب التضليل الإعلامي
- ورأى حلمها في المرآة
- الحرب الإمبريالية في أوكرانيا
- بيان من نقابة المطافيء البريطانية
- أوكرانيا والناتو
- الحياة كمرض مزمن
- سعال الفئران البيضاء
- الدكتور جايكل ومستر هايد
- خطورة روح الجدية


المزيد.....




- بعد تفاعل محمد بن سلمان.. -مات ليث من ليوث آل سعود- بقصيدة ع ...
- تحديث.. انفجار طائرة سقطت في فيلاديلفيا بأمريكا قرب مركز تجا ...
- انتشال جثتي طياري المروحية العسكرية المنكوبة بحادث اصطدام بط ...
- ما هو تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على كندا والمكس ...
- ما مستقبل الشراكة بين أميركا والجزائر بعد عودة ترامب؟
- كارثة جديدة في أجواء أميركا.. كيف سقطت -طائرة الطفل المريض-؟ ...
- القوات الروسية تسيطر على بلدة جديدة شرقي أوكرانيا
- ترامب يعلق على تحطم طائرة صغيرة في فيلادلفيا
- سوريا.. فيديو ودلالة هدية أحمد الشرع إلى أمير قطر ورد فعل ال ...
- السعودية.. فيديو ما فعله وافد يمني ومواطن بالشارع العام يشعل ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - رسالة من لا مبيدوزا